فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أن قوله: {ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ} فيه دقيقة، وهي أن العاشق إذا ضربه معشوقه، فربما نظر العاشق لذلك الضارب وفرح به فقوله: {ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ} محمول على هذا المجاز، يعني كما أن العاشق يرضى بذلك الضرب لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه، فكذلك العبد يصبر على البلاء والمحنة، ويرضى به لاستغراقه في معرفة نور الحق وهذه دقيقة لطيفة.
القيد السابع: قوله: {وأقاموا الصلاة}.
واعلم أن الصلاة والزكاة وإن كانتا داخلتين في الجملة الأولى إلا أنه تعالى أفردها بالذكر تنبيهًا على كونها أشرف من سائر العبادات وقد سبق في هذا الكتاب تفسير إقامة الصلاة ولا يمتنع إدخال النوافل فيه أيضًا.
القيد الثامن: قوله تعالى: {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّا وَعَلاَنِيَةً} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال الحسن: المراد الزكاة المفروضة فإن لم يتهم بترك أداء الزكاة فالأولى أداؤها سرًا وإن اتهم بترك الزكاة فالأولى أداؤها في العلانية.
وقيل السر ما يؤديه بنفسه والعلانية ما يؤديه إلى الأمام، وقال آخرون: بل المراد الزكاة الواجبة والصدقة التي يؤتى بها على صفة التطوع فقوله: {سِرّا} يرجع إلى التطوع وقوله: {علانية} يرجع إلى الزكاة الواجبة.
المسألة الثانية:
قالت المعتزلة إنه تعالى رغب في الإنفاق من كل ما كان رزقًا، وذلك يدل على أنه لا رزق إلا الحلال إذ لو كان الحرام رزقًا لكان قد رغب تعالى في إنفاق الحرام وأنه لا يجوز.
القيد التاسع: قوله: {وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة} وفيه وجهان: الأول: أنهم إذا أتوا بمعصية درؤها ودفعوها بالتوبة كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها» والثاني: أن المراد أنهم لا يقابلون الشر بالشر بل يقابلون الشر بالخير كما قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72] وعن ابن عمر رضي الله عنهما ليس الوصول من وصل ثم وصل تلك المجازاة لكنه من قطع ثم وصل وعطف على من لم يصله، وليس الحليم من ظلم ثم حلم حتى إذا هيجه قوم اهتاج، لكن الحليم من قدر ثم عفا.
وعن الحسن: هم الذين إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا، ويروى أن شقيق بن إبراهيم البلخي دخل على عبد الله بن المبارك متنكرًا، فقال من أين أنت؟ فقال: من بلخ، فقال: وهل تعرف شقيقًا قال نعم، فقال: كيف طريقة أصحابه؟ فقال: إذا منعوا صبروا وإن أعطوا شكروا، فقال عبد الله: طريقة كلابنا هكذا.
فقال: وكيف ينبغي أن يكون فقال الكاملون: هم الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا.
واعلم أن جملة هذه القيود التسعة هي القيود المذكورة في الشرط.
أما القيود المذكورة في الجزاء فهي أربعة:
القيد الأول: قوله: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار} أي عاقبة الدار وهي الجنة، لأنها هي التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها.
قال الواحدي: العقبى كالعاقبة، ويجوز أن تكون مصدرًا كالشورى والقربى والرجعى، وقد يجيء مثل هذا أيضًا على فَعلى كالنجوى والدعوى، وعلى فِعلى كالذكرى والضيزى، ويجوز أن يكون اسمًا وهو هاهنا مصدر مضاف إلى الفاعل، والمعنى: أولئك لهم أن تعقب أعمالهم الدار التي هي الجنة.
القيد الثاني: قوله: {جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال الزجاج: جنات عدن بدل من عقبى والكلام في جنات عدن ذكرناه مستقصى عند قوله تعالى: {ومساكن طَيّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ} [التوبة: 72] وذكرنا هناك مذهب المفسرين، ومذهب أهل اللغة.
المسألة الثانية:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {يَدْخُلُونَهَا} بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله والباقون بفتح الياء وضم الخاء على إسناد الدخول إليهم.
القيد الثالث: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ ابن علية {صلح} بضم اللام قال صاحب الكشاف: والفتح أفصح.
المسألة الثانية:
قال الزجاج: موضع من رفع لأجل العطف على الواو في قوله: {يَدْخُلُونَهَا} ويجوز أن يكون نصبًا كما تقول قد دخلوا وزيدًا أي مع زيد.
المسألة الثالثة:
في قوله: {وَمَنْ صَلَحَ} قولان: الأول: قال ابن عباس: يريد من صدق بما صدقوا به وإن لم يعمل مثل أعمالهم وقال الزجاج: بين تعالى أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معها أعمال صالحة بل الآباء والأزواج والذريات لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة.
قال الواحدي: والصحيح ما قال ابن عباس، لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة، ولو دخلوها بأعمالهم الصالحة لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به، إذ كل من كان مصلحًا في عمله فهو يدخل الجنة.
واعلم أن هذه الحجة ضعيفة، لأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزيده سرورًا وبهجة فإذا بشر الله المكلف بأنه إذا دخل الجنة فإنه يحضر معه آباؤه وأزواجه وأولاده فلا شك أنه يعظم سرور المكلف بذلك وتقوى بهجته به، ويقال: إن من أعظم موجبات سروره هم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ثم يشكرون الله على الخلاص منها والفوز بالجنة ولذلك قال تعالى في صفة أهل الجنة إنهم يقولون: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} [يس: 26، 27].
المسألة الرابعة:
قوله: {وأزواجهم} ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه، وما روي عن سودة أنه لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في زمرة نسائك، كالدليل على ما ذكرناه.
القيد الرابع: قوله: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال ابن عباس: لهم خيمة من درة مجوفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ لها ألف باب مصاريعها من ذهب يدخلون عليهم الملائكة من كل باب يقولون لهم: {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} على أمر الله.
وقال أبو بكر الأصم: من كل باب من أبواب البر كباب الصلاة وباب الزكاة وباب الصبر ويقولون: ونعم ما أعقبكم الله بعد الدار الأولى.
واعلم أن دخول الملائكة إن حملناه على الوجه الأول فهو مرتبة عظيمة، وذلك لأن الله تعالى أخبر عن هؤلاء المطيعين أنهم يدخلون جنة الخلد، ويجتمعون بآبائهم وأزواجهم وذرياتهم على أحسن وجه، ثم إن الملائكة مع جلالة مراتبهم يدخلون عليهم لأجل التحية والإكرام عند الدخول عليهم يكرمونهم بالتحية والسلام ويبشرونهم بقوله: {فَنِعْمَ عقبى الدار} ولا شك أن هذا غير ما يذكره المتكلمون من أن الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال والتعظيم، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي قبور الشهداء رأس كل حول فيقول: «السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» والخلفاء الأربعة هكذا كانوا يفعلون، وأما إن حملناه على الوجه الثاني فتفسير الآية أن الملائكة طوائف، منهم روحانيون ومنهم كروبيون.
فالعبد إذا راض نفسه بأنواع الرياضات كالصبر والشكر والمراقبة والمحاسبة، ولكل مرتبة من هذه المراتب جوهر قدسي وروح علوي يختص بتلك الصفة مزيد اختصاص؛ فعند الموت إذا أشرقت تلك الجواهر القدسية تجلت فيها من كل روح من الأرواح السماوية ما يناسبها من الصفة المخصوصة بها فيفيض عليها من ملائكة الصبر كمالات مخصوصة نفسانية لا تظهر إلا في مقام الصبر، ومن ملائكة الشكر، كمالات روحانية لا تتجلى إلا في مقام الشكر وهكذا القول في جميع المراتب.
المسألة الثانية:
تمسك بعضهم بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر فقال: إنه سبحانه ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والتعظيم فكانوا به أجل مرتبة من البشر ولو كانوا أقل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم لأجل السلام والتحية موجبًا علو درجاتهم وشرف مراتبهم، ألا ترى أن من عاد من سفره إلى بيته فإذا قيل في معرض كمال مرتبته أنه يزوره الأمير والوزير والقاضي والمفتي، فهذا يدل على أن درجة ذلك المزور أقل وأدنى من درجات الزائرين فكذلك ههنا.
المسألة الثالثة:
قال الزجاج: هاهنا محذوف تقديره الملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون سلام عليكم فأضمر القول هاهنا لأن في الكلام دليلًا عليه، وأما قوله: {بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار} ففيه وجهان: أحدهما: أنه متعلق بالسلام.
والمعنى أنه إنما حصلت لكم هذه السلامة بواسطة صبركم على الطاعات، وترك المحرمات.
والثاني: أنه متعلق بمحذوف، والتقدير: أن هذه الكرامات التي ترونها، وهذه الخيرات التي تشاهدونها إنما حصلت بواسطة ذلك الصبر. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْقَوْلُ فِي الْعَهْدِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَوْلُ فِي الْوَفَاءِ بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فِي تَعْدِيدِ عُهُودِ اللَّهِ، وَهِيَ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ، مُسْتَمِرَّةُ الْمَدَدِ والْأَمَدِ.
أَعْظَمُهَا عَهْدًا، وَأَوْكَدُهَا عَقْدًا مَا كَانَ فِي صُلْبِ آدَمَ عَلَى الْإِيمَانِ.
الثَّانِي: مَا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثَّالِثُ: مَا رَبَطَهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهَا أَلْزَمَتْ عُهُودًا، وَرَبَطَتْ عُقُودًا، وَوَظَّفَتْ تَكْلِيفًا، وَذَلِكَ يَتَعَدَّدُ بِعَدَدِ الْوَظَائِفِ الشَّرْعِيَّةِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا، مِنْهَا الْوَفَاءُ بِالْعِرْفَانِ، وَالْقِيَامُ بِحَقِّ الْإِحْسَانِ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنَّك إلَّا تَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.
وَمِنْهَا الِانْكِفَافُ عَنْ الْعِصْيَانِ، وَأَقَلُّهُ دَرَجَةً اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَوَاثِيقِ فِي الذِّكْرِ أَلَا تَسْأَلَ سِوَاهُ، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَمْزَةَ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ سَمِعَ: {أَنَّ نَاسًا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَّا يَسْأَلُوا أَحَدًا شَيْئًا فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا وَقَعَ سَوْطُهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا رَفْعَهُ إلَيْهِ}، فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: رَبِّ، إنَّ هَؤُلَاءِ عَاهَدُوا نَبِيَّك إذْ رَأَوْهُ، وَأَنَا أُعَاهِدُك أَلَّا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا.
قَالَ: فَخَرَجَ حَاجًّا مِنْ الشَّامِ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَبِينَا هُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِاللَّيْلِ إذْ بَقِيَ عَنْ أَصْحَابِهِ لِعُذْرٍ، ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ، فَبِينَا هُوَ يَمْشِي إلَيْهِمْ إذْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ عَلَى حَاشِيَةِ الطَّرِيقِ، فَلَمَّا حَصَلَ فِي قَعْرِهِ قَالَ: أَسْتَغِيثُ؛ لَعَلَّ أَحَدًا يَسْمَعُنِي فَيُخْرِجُنِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الَّذِي عَاهَدْته يَرَانِي وَيَسْمَعُنِي، وَاَللَّهِ لَا تَكَلَّمْت بِحَرْفٍ لِبَشَرٍ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا إذْ مَرَّ بِتِلْكَ الْبِئْرِ نَفَرٌ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلَى حَاشِيَةِ الطَّرِيقِ قَالُوا: إنَّهُ لَيَنْبَغِي سَدُّ هَذِهِ الْبِئْرِ، ثُمَّ قَطَعُوا خَشَبًا، وَنَصَبُوهَا عَلَى فَمِ الْبِئْرِ وَغَطَّوْهَا بِالتُّرَابِ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: هَذِهِ مَهْلَكَةٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ الَّذِي عَاهَدْت يَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ، فَسَكَتَ وَتَوَكَّلَ، ثُمَّ اسْتَنَدَ فِي قَعْرِ الْبِئْرِ مُفَكِّرًا فِي أَمْرِهِ، فَإِذَا بِالتُّرَابِ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَالْخَشَبُ يُرْفَعُ عَنْهُ، وَسَمِعَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: هَاتِ يَدَك.
قَالَ: فَأَعْطَيْته يَدِي، فَأَقَلَّنِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إلَى فَمِ الْبِئْرِ، فَخَرَجْت وَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ سَمِعْت هَاتِفًا يَقُولُ: كَيْفَ رَأَيْت ثَمَرَةَ التَّوَكُّلِ؟ وَأَنْشَدَ:
نَهَانِي حَيَائِي مِنْك أَنْ أَكْتُمَ الْهَوَى ** وَأَغْنَيْتنِي بِالْعِلْمِ مِنْك عَنْ الْكَشْفِ

تَلَطَّفْت فِي أَمْرِي فَأَبْدَيْتَ شَاهِدِي ** إلَى غَائِبِي وَاللُّطْفُ يُدْرَكُ بِاللُّطْفِ

تَرَاءَيْت لِي بِالْعِلْمِ حَتَّى كَأَنَّمَا ** تُخَبِّرُنِي بِالْغَيْبِ أَنَّك فِي كَفِّي

أَرَانِي وَبِي مِنْ هَيْبَتِي لَك وَحْشَةٌ ** فَتُؤْنِسُنِي بِاللُّطْفِ مِنْك وَبِالْعَطْفِ

وَتُحْيِي مُحِبًّا أَنْتَ فِي الْحُبِّ حَتْفُهُ ** وَذَا عَجَبٍ كَوْنُ الْحَيَاةِ مَعَ الْحَتْفِ

فَهَذَا رَجُلٌ عَاهَدَ اللَّهَ، فَوَجَدَ الْوَفَاءَ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ؛ فَبِهِ فَاقْتَدُوا تَهْتَدُوا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الرحم التي أمرهم الله تعالى بوصلها.
{ويخشون ربهم} في قطعها: {ويخافون سُوءَ الحساب} في المعاقبة عليها، قاله قتادة.
الثاني: صلة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.
الثالث: الإيمان بالنبيين والكتب كلها، قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل رابعًا: أن يصلوا الإيمان بالعمل.
{ويخشون ربهم} فيما أمرهم بوصله.
{ويخافون سوءَ الحساب} في تركه.
قوله عز وجل: {ويدرءُون بالحسنة السيئة} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: يدفعون المنكر بالمعروف، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: يدفعون الشر بالخير، قاله ابن زيد.
الثالث: يدفعون الفحش بالسلام، قاله الضحاك.
الرابع: يدفعون الظلم بالعفو، قاله جويبر.
الخامس: يدفعون سفه الجاهل بالحلم، حكاه ابن عيسى.
السادس: يدفعون الذنب بالتوبة، حكاه ابن شجرة.
السابع: يدفعون المعصية بالطاعة.
قوله عز وجل: {سلام عليكم بما صبرتم} فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه بما صبرتم على أمر الله تعالى، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: بما صبرتم على الفقر في الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.
الثالث: بما صبرتم على الجهاد في سبيل الله، وهو مأثور عن عبدالله بن عمر.
الرابع: بما صبرتم عن فضول الدنيا، قاله الحسن، وهو معنى قول الفضيل بن عياض.
السادس: بما صبرتم عما تحبونه حين فقدتموه، قاله ابن زيد.
ويحتمل سابعًا: بما صبرتم على عدم اتباع الشهوات.
{فنعم عقبى الدار} فيه وجهان:
أحدهما: فنعم عقبى الجنة عن الدنيا، قاله أبو عمران الجوني.
الثاني: فنعم عقبى الجنة من النار، وهو مأثور. اهـ.