فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}.
أخرج وكيع وابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} قال: نزلت في أهل الكتاب.
وأخرج أحمد وهناد بن السري بن الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن أبي الدنيا في صفة النار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل وادٍ في حهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره».
وأخرج ابن جرير عن عثمان بن عفان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله: {فويل لهم مما كتبت أيديهم} قال: «الويل جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود لأنهم حرفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما كانوا يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة».
وأخرج البزار وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في النار حجرًا يقال لها ويل يصعد عليه العرفاء وينزلون فيه».
وأخرج الحربي في فوائده عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويحك يا عائشة! فجزعت منها فقال لي: يا حميراء إن ويحك أو ويك رحمة فلا تجزعي منها، ولكن اجزعي من الويل».
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوّة عن علي بن أبي طالب قال: الويح والويل بابان. فأما الويح فباب رحمة، وأما الويل فباب عذاب.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والطبراني والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: ويل وادٍ في جهنم يسيل من صديد أهل النار.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن النعمان بن بشير قال: الويل واد من فيح في جهنم.
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن عطاء بن يسار قال: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت من شدة حره.
وأخرج هناد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ويل سيل من صديد في أصل جهنم وفي لفظ ويل واد في جهنم يسيل فيه صديده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى عفرة قال: إذا سمعت الله يقول: ويل هي النار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فويل للذين يكتبون الكتاب} الآية. قال: هم أحبار اليهود، وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، فلما وجدوه في التوراة محوه حسدًا وبغيًا، فأتاهم نفر من قريش فقالوا: تجدون في التوراة نبيًا أميًا؟ فقالوا: نعم، نجده طويلًا أزرق سبط الشعر، فانكرت قريش وقالوا: ليس هذا منا.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: وصف الله محمدًا صلى الله عليه وسلم في التوراة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أحبار اليهود فغيَّروا صفته في كتابهم، وقالوا: لا نجد نعته عندنا، وقالوا للسفلة: ليس هذا نعت النبي الذي يحرم كذا وكذا كما كتبوه، وغيَّروا نعت هذا كذا كما وصف فلبسوا على الناس، وإنما فعلوا ذلك لأن الأحبار كانت لهم مأكلة يطعمهم إياها السفلة لقيامهم على التوراة، فخافوا أن تؤمن السفلة فتنقطع تلك المأكلة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبخاري وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخبارًا لله تعرفونه غضًا محضًا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم، ولا والله ما رأينا منهم أحدًا قط سألكم عن الذي أنزل إليكم؟.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال كان ناس من اليهود يكتبون كتابًا من عندهم، ويبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله، فيأخذون ثمنًا قليلًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابًا بأيديهم ليتأكلوا الناس، فقالوا: هذه من عند الله وما هي من عند الله.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ليشتروا به ثمنًا قليلًا} قال: عرضًا من عرض الدنيا {فويل لهم مما يكسبون} يقول: مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي. أنه كره كتابة المصاحف بالأجر، وتلا هذه الآية: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} الآية.
وأخرج وكيع عن الأعمش. أنه كره أن يكتب المصاحف بالأجر، وتأوّل هذه الآية: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله}.
وأخرج وكيع وابن أبي داود عن محمد بن سيرين أنه كان يكره شراء المصاحف وبيعها.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن أبي الضحى قال: سألت ثلاثة من أهل الكوفة عن شراء المصاحف. عبد الله بن يزيد الخطمي، ومسروق بن الأجدع، وشريحًا، فكلهم قال: لا نأخذ لكتاب الله ثمنًا.
وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن زرارة عن مطرف قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري، فأصبنا دانيال بالسوس، وأصبنا معه ربطتين من كتان، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب الله، وكان أول من وقع عليه رجل من بلعنبر يقال له حرقوص، فأعطاه الأشعري الربطتين وأعطاه مائتي درهم، وكان معنا أجير نصراني يسمى نعيمًا فقال: بيعوني هذه الربعة بما فيها، فقالوا: إن يكن فيها ذهب أو فضة أو كتاب الله؟ قال: فإن الذي فيها كتاب الله، فكرهوا أن يبيعوه الكتاب فبعناه الربعة بدرهمين ووهبنا له الكتاب.
قال قتادة: فمن ثم كره بيع المصاحف لأن الأشعري وأصحابه كرهوا بيع ذلك الكتاب.
وأخرج ابن أبي داود من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن: أنهما كرها بيع المصاحف.
وأخرج ابن أبي داود عن حماد بن أبي سليمان أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: كان إبراهيم يكره بيعها وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن سالم قال: كان ابن عمر إذا أتى على الذي يبيع المصاحف قال: بئس التجارة.
وأخرج ابن أبي داود عن عبادة بن نسي. أن عمر كان يقول: لا تبيعوا المصاحف ولا تشتروها.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين وإبراهيم. أن عمر كان يكره بيع المصاحف وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن مسعود: أنه كره بيع المصاحف وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود من طريق نافع عن ابن عمر قال: وددت أن الأيدي تقطع على بيع المصاحف.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير قال: وددت أن الأيدي قطعت على بيع المصاحف وشرائها.
وأخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: بئس التجارة المصاحف.
وأخرج ابن أبي داود عن جابر بن عبد الله: أنه كره بيع المصاحف وشراءها.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي داود عن عبد الله بن شقيق العقيلي: أنه كان يكره بيع المصاحف قال: وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشددون في بيع المصاحف ويرونه عظيمًا.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب: أنه كره بيع المصاحف كراهية شديدة، وكان يقول: أعن أخاك بالكتاب أو هب له.
وأخرج ابن أبي داود عن علي بن حسين قال: كانت المصاحف لا تباع، وكان الرجل يأتي بورقة عند المنبر فيقول من الرجل يحتسب فيكتب لي؟ ثم يأتي الآخر فيكتب حتى يتم المصحف.
وأخرج ابن أبي داود عن مسروق وعلقمة وعبد الله بن يزيد الأنصاري وشريح وعبادة. أنهم كرهوا بيع المصاحف وشراءها، وقالوا: لا نأخذ لكتاب الله ثمنًا.
وأخرج ابن أبي داود عن إبراهيم عن أصحابه قال: كانوا يكرهون بيع المصاحف وشراءها.
وأخرج ابن أبي داود عن أبي العالية. أنه كان يكره بيع المصاحف، وقال: وددت أن الذين يبيعون المصاحف ضربوا.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن سيرين قال: كانوا يكرهون بيع المصاحف وكتابتها بالأجر.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن جريج قال: قال عطاء: لم يكن من مضى يبيعون المصاحف إنما حدث ذلك الآن، وإنما يجلسون بمصاحفهم في الحجر فيقول أحدهم للرجل إذا كان كاتبًا وهو يطوف: يا فلان إذا فرغت تعال فاكتب لي. قال: فيكتب المصحف وما كان من ذلك حتى يفرغ من مصحفه.
وأخرج ابن أبي داود عن عمرو بن مرة قال: كان في أوّل الزمان يجتمعون فيكتبون المصاحف، ثم أنهم استأجروا العباد فكتبوها لهم، ثم أن العباد بعد أن كتبوها باعوها، وأوّل من باعها هم العباد.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن عمران بن جرير قال: سألت أبا مجلز عن بيع المصاحف قال: إنما بيعت في زمن معاوية فلا تبعها.
وأخرج ابن أبي داود عن محمد بن سيرين قال: كتاب الله أعز من أن يباع.
وأخرج ابن سعيد عن حنظلة قال: كنت أمشي مع طاوس فمر بقوم يبيعون المصاحف فاسترجع.
ذكر من رخص في بيعها وشرائها:
أخرج ابن أبي داود عن ابن عباس أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: لا بأس، إنما يأخذون أجور أيديهم.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن الحنفية أنه سئل عن بيع المصاحف قال: لا بأس، إنما يبيع الورق.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن الشعبي قال: لا بأس ببيع المصاحف، إنهم لا يبيعون كتاب الله إنما يبيعون الورق وعمل أيديهم.
وأخرج ابن أبي داود عن جعفر عن أبيه قال: لا بأس بشراء المصاحف وأن يعطى الأجر على كتابتها.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود عن مطر الوراق. أنه سئل عن بيع المصاحف فقال: كان خيرا أو حبرا هذه الأمة لا يريان ببيعها بأسًا، الحسن والشعبي.
وأخرج ابن أبي داود عن حميد. أن الحسن كان يكره بيع المصاحف، فلم يزل به مطر الوراق حتى رخص فيه.
وأخرج ابن أبي داود من طرق عن الحسن قال: لا بأس ببيع المصاحف وشرائها ونقطها بالآجر.
وأخرج ابن أبي داود عن الحكم: أنه كان لا يرى بأسًا بشراء المصاحف وبيعها.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن أبي شهاب موسى بن نافع قال: قال لي سعيد بن جبير: هل لك في مصحف عندي قد كفيتك عرضه فتشتريه؟
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد وابن أبي داود من طرق عن ابن عباس قال: اشتر المصاحف ولا تبعها.
وأخرج ابن أبي داود عن ابن عباس قال: رخص في شراء المصاحف وكره في بيعها. قال ابن أبي داود: كذا قال رخص كأنه صار مسندًا.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي داود عن جابر بن عبد الله في بيع المصاحف قال: ابتعها ولا تبعها.
وأخرج ابن أبي داود عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير. مثله.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر. مثله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب} ويل مبتدأ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة، لأنه دعاء عليهم، والدعاء من المسوغات، سواء كان دعاء له نحو: {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} أو دعاء عليه كهذه الآية، والجار بعده الخبر، فيتعلّق بمحذوف.
وقال أبو البقاء: ولو نصب لكان له وجه على تقدير: ألزمهم الله ويلًا، واللام للتبيين؛ لأن الاسم لم يذكر قبل المصدر يعني: أن اللام بعد المنصوب للبيان، فيتعلّق بمحذوف.
وقوله: لأن الاسم لم يذكر قبل، يعني أنه لو ذكر قبل ويل فقلت: ألزم الله زيدًا ويلًا لم يحتج إلى تبيين بخلاف ما لو تأخر.
وعبارة الجرمي توهم وجوب الرفع في المقطوع عن الإضافة؛ ونصّ الأخفش على جواز النّصب، فإنه قال: ويجوز النصب على إضمار فعل أي: ألزمهم الله ويلًا.
واعلم أن وَيْلًا وأخواته وهي: وَيْح ووَيْس ووَيْب ووَيْه وويك وعَوْل من المصادر المنصوبة بأفعال من غير لفظها، وتلك الأَفْعَال واجبة الإضمار، لا يجوز إظهارها ألبتة؛ لأنها جعلت بدلًا من اللفظ بالفعل، وإذا فصل عن الإضافة فالأحسن فيه الرفع نحو ويل له وإن أضيف نصب على ما تقدم، وإن كانت عبارة الجرمي توهم وجوب الرفع عند قَطْعه عن الإضافة، فإنه قال: فإذا أدخلت اللاّم رفعت فقلت: ويل له وويح له كأنه يريد على الأكثر، ولم يستعمل العرب منه فعلًا؛ لاعتلال عينه وفائه.
وقد حكى ابن عرفة: تَوَيَّلَ الرجل إذا دعا بالوَيْلِ.
وهذا لا يرد؛ لأنه مثل قولهم: سَوَّفْتَ ولَوْلَيت إذا قلت له: سَوْفَ وَلَوْ.
ومعنى الويل: شدة الشر، قاله الخليل.
وقال الأَصْمَعِيّ: الويل: التفجُّع، والويح: الترحم.
وقال سيبويه: وَيْلٌ لمن وقع في الهَلكة، وويح زجر لمن أشرف على الهلاك.
وقيل: الويل: الحزن.
وهل ويل وويح وويس وويب بمعنى واحد أو بينها فرق؟ خلاف فيه، وقد تقدم ما فرقه به سيبويه في بعضها.
وقال قوم: ويل في الدعاء عليه، وويح وما بعده ترحم عليه.
وزعم الفراء أنّ أَصْل ويل: وَيْ، أي: حزن، كما تقول: وي لفلان أي حُزْنٌ له، فوصلته العرب باللاّم، وقدرت أنها منه فأعربوها، وهذا غريب جدَّا.
ويقال: وَيْلٌ وَوَيْلَة.
وقال امرؤ القيس الطويل:
لَهُ الوَيْلُ إنْ اَمْسَى وَلاَ أُمُّ عَامِرٍ ** لَدَيْه وَلاَ البَسْبَاسَةُ ابْنَةُ يَشْكُرَا

وقال أيضًا: الطويل:
وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ ** فَقَالَتْ: لَكَ الوَيْلاَتُ إِنَّكَ مُرْجِلِي

فوَيْلات جمع وَيْلة لا جمع وَيْل كما زعم ابن عطية؛ لأن جمع المذكر بالألف والتاء لا ينقاس.
قال ابن عباس رضي الله عنه: الويل العذاب الأليم، وعن سفيان الثورى أنه قال: صديد أهل جهنم.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «الوَيْلُ وَادٍ في جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ».
وقال سعيد بن المسيب: وَادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدّنيا لانماعت من شدّة حره.
وقال ابن يزيد: جبل من قَبح ودم.
وقيل: صهريج في جهنم.
وحكى الزهراوي عن آخرين: أنه باب من أبواب جَهَنَّم.
وعن ابن عباس: الويل المشقّة من العذاب.
وقيل: ما تقدم في اللغة.
قوله: {بِأَيْدِيْهِمْ} متعلّق ب {يكتبون}، ويبعد جعله حالًا من {الكتاب}، والكتاب هنا بعض المكتوب، فنصبه على المفعول به، ويبعد جعله مصدرًا على بابه، وهذا من باب التأكيد، فإن الكتابة لا تكون بغير اليد، ونظيره:
{وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: 38] {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: 167].
وقيل: فائدة ذكره أنهم باشروا ذلك بأنفسهم، ولم يأمروا به غيرهم، فإنّ قولهم: فعل كذا يحتمل أنه أمر بفعله ولم يباشره، نحو: بنى الأمير المدينة فأتى بذلك رفعًا لهذا المجاز.
وقيل: فائدة ذكره أنهم باشروا ذلك بأنفسهم، ولم يأمروا به غيرهم.
ففائدته بيان جرأتهم ومجاهرتهم، فإن المُبَاشر للفعل أشدّ مواقعة ممن لم يباشره.
وهذان القولان قريبان من التأكيد، فإنَّ أصل التأكيد رفع توهّم المجاز.
وقال ابن السراج: ذكر الأيدي كناية عن أنهم اختلقوا ذلك من تِلْقَائهِمْ، ومن عند أنفسهم، وهذا الذي قاله لا يلزم.
والأيدي: جمع يد، والأصل: أَيْدُيٌ بضم الدال كفلس وأفلس في القِلّة، فاستثقلت الضمة قبل الياء، فقلبت كسرة للتجانُس، نحو: بيض جمع أبيض، والأصل بُيْض بضم الباء كحمر جمع أحمر، وهذا رأي سيبويه، أعني أنه يقر الحرف ويغير الحركة، ومذهب الأخفش عكسه، وسيأتي تحقيق مذهبهما عند ذكر معيشة إن شاء الله تعالى.
وأصل يد: يَدْيٌ بسكون العين.
وقيل: يَدَيٌ بتحريكها فَتحرَّكَ حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفًا، فصار: يَدًا كرَحًى وعليه التثنية: يَدَيَانِ وعليه أيضًا قوله: الرجز::
يَارُبَّ سَارٍ بَاتَ ما تَوَسَّدَا ** إلاَّ ذِرَاعَ العَنْزِ أَوْ كَفَّ اليَدَا

والمشهور في تثنيتها عدم ردِّ لامها، قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] وقد شذّ الردُّ في قوله: يَدَيَانِ؛ قال: الكامل:
يَدَيَانِ بَيْضَاوَانِ عِنْدَ مُحَلَّمٍ ** قَدْ يَمْنَعَانِكَ أَنْ تُضَامَ وتُقْهَرَا

وأياد جمع الجمع، نحو: كلب وأكلب وأكالب، ولابد في قوله: {يَكْتُبُونَ الكِتَابَ} من حذف يصح معه المعنى، فقدره الزمخشري: يكتبون الكتاب المحرف، وقدره غيره حالًا من الكتاب تقديره: ويكتبون الكتاب محرفًا، وإنما أحوج إلى هذا الإضمار؛ لأن الإنكار لا يتوجّه على من كتب اللكتاب بيده إلا إذا حرفه غيره.
قوله: {لِيَشْتَرُوا}: لام كي، وقد تقدمت، والضمير في {به} يعود على ما أشاروا إليه بقوله: {هذا من عند الله}.
و{ثَمَنًا} مفعوله.
وقد تقدّم تحقيق دخول الباء على غير الثمن عند قوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41] فليلتفت إليه، واللاّم متعلقة ب {يقولون} أي: يقولون ذلك لأجل الاشتراء.
وأبعد من جعلها متعلّقة بالاستقرار الذي تضمنه قوله: {مِنْ عِنْد اللهِ}.
قوله: {مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} متعلّق ب {ويل} أو بالاستقرار في الخبر.
ومن للتعليل وما موصولة اسمية، والعائد محذوف، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة.
والأول أقوى، والعائد أيضًا محذوف أي: كتبته، ويجوز أن تكون مصدرية، أي: من كَتْبِهِمْ.
و{وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} مثل ما تقدم قبله، وإنما كرر الوَيْل؛ ليفيد أن الهَلَكَة متعلقة بكل واحد من الفعلين على حِدَته لا بمجموع الأمرين، وإنا قدم قوله: {كَتَبَتْ} على {يَكْسِبُون}؛ لأن الكتابة مقدمة، فنتيجتها كَسْب المال، فالكَتْب سبب والكَسْب مسبب، فجاء النظم على هذا. اهـ.