فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاسم بن معن هي: لغة هوازن، وقال ابن الكلبي: هي لغة من النخع وأنشدوا على ذلك لسحيم بن وثيل الرياحي وقال ابن الكلبي:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ** ألم تيأسوا إني ابن فارس زهدم

وقال رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ** وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا

وقال آخر:
حتى اذا يئس الرماة وارسلوا ** غضفًا دواجن قافلًا أعصامها

أي إذا علموا أنّ ليس وجد إلا لذي وارا.
وأنكر الفراء أن يكون يئس بمعنى علم، وزعم أنه لم يسمع أحد من العرب يقول: يئست بمعنى علمت انتهى.
وقد حفظ ذلك غيره، وهذا القاسم بن معن من ثقاة الكوفيين وأجلائهم نقل أنها لغة هوزان، وابن الكلبي نقل أنها لغة لحي من النخع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
وقيل: إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه، لأنّ اليائس من الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك.
وحمل جماعة هنا اليأس على المعروف فيه في اللغة وهو: القنوط من الشيء، وتأولوا ذلك.
فقال الكسائي: المعنى أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان الكفار من قريش المعاندين لله ورسوله؟ وذلك أنه لما سألوا هذه الآيات اشتاق المؤمنون إليها وأحبوا نزولها ليؤمن هؤلاء الذين علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون، فقال الذين آمنوا من إيمانهم.
وقال الفراء: وقع للمؤمنين أن لو يشاء هدى الناس جميعًا فقال: أفلم ييأسوا؟ علمنا بقول آبائهم، فالعلم مضمر كما تقول في الكلام: يئست منك أن لا تفلح كأنه قال: علمته علمًا قال: فيئست بمعنى علمت وإن لم يكن قد سمع، فإنه يتوجه إلى ذلك بالتأويل.
وقال أبو العباس: أفلم ييأسوا بعلمهم أن لا هداية إلا بالمشيئة؟ وإيضاح هذا المعنى أن يكون: أن لو يشاء الله متعلقًا بآمنوا أي: أفلم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا، ولهداهم إلى الإيمان أو الجنة.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون اليأس في هذه الآية على بابه، وذلك أنه لما أبعد إيمانهم في قوله: {ولو أن قرآنًا} الآية على التأويل في المحذوف المقدر.
قال في هذه: أفلم ييأس المؤمنون انتهى.
وهذا قول الفراء الذي ذكرناه، وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق أن لو يشاء الله بآمنوا على أو لم يقنط عن إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا انتهى.
وهذا قول أبي العباس، ويحتمل عندي وجه آخر غير ما ذكروه، وهو أن الكلام تام عند قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا}، إذ هو تقرير أي: قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين.
وأنْ لو يشاء جواب قسم محذوف أي: وأقسموا لو شاء الله لهدى الناس جميعًا، ويدل على إضمار هذا القسم وجود أنْ مع لو كقول الشاعر:
أما والله أن لو كنت حرًا ** وما بالحر أنت ولا القمين

وقول الآخر:
فاقسم أن لو التقينا وأنتم ** لكان لنا يوم من الشر مظلم

وقد ذكر سيبويه أنّ أن تأتي بعد القسم، وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم المقسم بالجملة عليها، وأما على تأويل الجمهور فإن عندهم هي المخففة من الثقيلة أي: أنه لو يشاء الله.
وقرأ علي وابن عباس قال الزمخشري وجماعة من الصحابة والتابعين، وقال غيره، وعكرمة، وابن أبي مليكة، والجحدري، وعلي بن الحسين، وابنه زيد، وأبو زيد المزني، وعلي بن نديمة، وعبد الله بن يزيد: {أفلم يتبين} من بينت كذا إذا عرفته.
وتدل هذه القراءة على أنّ معنى أفلم ييأس هنا معنى العلم، كما تظافرت النقول أنها لغة لبعض العرب.
وهذه القراءة ليست قراءة تفسير لقوله: {أفلم ييأس}، كما يدل عليه ظاهر كلام الزمخشري، بل هي قراءة مسندة إلى الرسول-صلى الله عليه وسلم-، وليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة، وهذا كقراءة: {فتبينوا} و: {فثبتوا} وكلتاهما في السبعة.
وأما قول من قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعس، فسوى أسنان السين فقول زنديق ملحد.
وقال الزمخشري: وهذا ونحوه مما لا يصدق في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتًا بين دفتي الإمام، وكان متقلبًا في أيدي أولئك الأعلام المحتاطين في دين الله المهتمين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء، وهذه والله فرية ما فيها مرية انتهى.
وقال الفراء: لا يتلى إلا كما أنزل: أفلم ييأس انتهى.
والكفار عام في جميع الكفار، وهذا الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة قاله: الحسن، وابن السائب، أو هو ظاهر اللفظ.
وقال ابن عطية: كفار قريش، والعرب لا تزال تصيبهم قوارع من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزواته.
وقال مقاتل والزمخشري: كفار مكة.
قال الزمخشري: تصيبهم بما صنعوا من كفرهم وسوء أعمالهم قارعة داهية تقرعهم بما يحل الله بهم في كل وقت من صنوف البلايا والمصائب في أنفسهم وأولادهم وأموالهم، أو تحل القارعة قريبًا منهم فيفزعون ويضطربون ويتطاير إليهم شررها، وتتعدى إليهم شرورها حتى يأتي وعد الله وهو موتهم، أو القيامة.انتهى.
وقال الحسن: حال الكفرة هكذا هو أبدًا، ووعد الله قيام الساعة.
والظاهر أنّ الضمير في تحل عائد على قارعة قاله الحسن.
وقالت فرقة: التاء للخطاب، والضمير للرسول-صلى الله عليه وسلم-، أو تحل أنت يا محمد قريبًا من دارهم بجيشك كما حلّ بالحديبية، وعزاه الطبري إلى: ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وقاله عكرمة.
ويكون وعد الله فتح مكة، وكان الله قد وعده ذلك، وقاله ابن عباس ومجاهد.
وقرأ مجاهد، وابن جبير: أو يحل بالياء على الغيبة، واحتمل أن يكون عائدًا على معنى القارعة راعى فيه التذكير لأنها بمعنى البلاء، أو تكون الهاء في قارعة للمبالغة، فذكر واحتمل أن يكون عائدًا على الرسول صلى الله عليه وسلم أي: ويحل الرسول قريبًا.
وقرأ أيضًا من ديارهم على الجمع.
وقال ابن عباس: القارعة العذاب من السماء.
وقال عكرمة: السرايا والطلائع. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا} أي قرآنًا ما وهو اسمُ أن والخبر قوله تعالى: {سُيّرَتْ بِهِ الجبال} وجوابُ لو محذوفٌ لانسياق الكلام إليه بحيث يتلقّفه السامعُ من التالي والمقصودُ إما بيانُ عِظم شأنِ القرآنِ العظيم وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدرَه العليَّ ولم يعدّوه من قبيل الآيات فاقترحوا غيره مما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام وإما بيانُ غلوهم في المكابرة والعِنادِ وتماديهم في الضلال والفساد فالمعنى على الأول لو أن قرآنًا سُيّرت به الجبالُ أي بإنزاله أو بتلاوته عليها وزُعزعت عن مقارّها كما فُعل ذلك بالطور لموسى عليه الصلاة والسلام: {أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرض} أي شُقّقت وجُعلت أنهارًا وعيونًا كما فُعل بالحجر حين ضربه عليه السلام بعصاه أو جعلت قطعًا متصدّعة: {أَوْ كُلّمَ بِهِ الموتى} أي بعد أن أحييَ بقراءته عليها كما أحييتْ لعيسى عليه السلام لكان ذلك هذا القرآنَ لكونه الغايةَ القصوى في الانطواء على عجائبِ آثارِ قدرة الله تعالى وهيبته عز وجل كقوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} لا في الإعجاز إذ لا مدخل له في هذه الآثار ولا في التذكير والإنذار والتخويفِ لاختصاصها بالعقلاء مع أنه لا علاقةَ لها بتكليم الموتى، واعتبارُ فيض العقول إليها مُخلٌّ بالمبالغة المقصودة، وتقديمُ المجرور في المواضع الثلاثة على المرفوع لما مر غيرَ مرة من قصد الإبهام ثم التفسيرِ لزيادة التقريرِ، لأن بتقديم ما حقُّه التأخيرُ تبقى النفسُ مستشرفةً ومترقّبةً إلى المؤخر أنه ماذا؟ فيتمكّن عند ورودِه عليها فضلُ تمكن، وكلمةُ أو في الموضعين لمنع الخلوّ لا لمنع الجمع، واقتراحُهم وإن كان متعلقًا بمجرد ظهورِ مثل هذه الأفاعيلِ العجيبة على يده عليه السلام لا بظهورها بواسطة القرآنِ لكن ذلك حيث كان مبنيًا على عدم اشتمالِه في زعمهم على الخوارق نيط ظهورُها به مبالغةً في بيان اشتمالِه عليها وأنه حقيقٌ بأن يكون مصدرًا لكل خارقٍ، وإبانةً لركاكة رأيهم في شأنه الرفيعِ كأنه قيل: لو أن ظهورَ أمثالِ ما اقترحوه من مقتَضيات الحِكمة لكان مظهرُها هذا القرآنَ الذي لم يعدّوه آية، وفيه من تفخيم شأنه العزيزِ ووصفِهم بركاكة العقلِ ما لا يخفى: {بَل للَّهِ الأمر جَمِيعًا} أي له الأمرُ الذي عليه يدور فلكُ الأكوان وجودًا وعدمًا يفعل ما يشاء ويحكمُ ما يريد لما يدعو إليه من الحِكَم البالغةِ، وهو إضرابٌ عما تضمنته الشرطيةُ من معنى النفي لا بحسب منطوقِه بل باعتبار موجِبه ومؤدّاه أي لو أن قرآنًا فُعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآنَ، ولكن لم يُفعل بل فُعل ما عليه الشأنُ الآن لأن الأمرَ كلَّه له وحده فالإضرابُ ليس بمتوجِّهٍ إلى كون الأمرِ لله سبحانه بل إلى ما يؤدِّي إليه ذلك من كون الشأنِ على ما كان لما تقتضيه الحِكمة من بناء التكليف على الاختبار.
{أَفَلمْ يَيأس الَّذِينَ آمنواْ} أي أفلم يعلموا على لغة هوازنَ أو قومٍ من النَّخْع أو على استعمال اليأس في معنى العِلم لتضمّنه له، ويؤيده قراءة علي وابن عباس وجماعةٍ من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أفلم يتبينْ بطريقي التفسير. والفاءُ للعطف على مقدر أي أغفَلوا عن كون الأمرِ جميعًا لله تعالى فلم يعلموا: {أَن لَّوْ يَشَاء الله} على حذف ضميرِ الشأنِ وتخفيفِ أن: {لَهَدَى الناس جَمِيعًا} بإظهار أمثالِ تلك الآثارِ العظيمةِ فالإنكارُ متوجهٌ إلى المعطوفين جميعًا، أو أعلموا كونَ الأمر جميعًا لله فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلمُ مما ذكر فهو متوجِّهٌ إلى ترتب المعطوفِ على المعطوف عليه، أي تخلف العلم الثاني عن العلم الأول وعلى التقديرين فالإنكارُ إنكارُ الوقوعِ كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} لا إنكارِ الواقع كما في قولك ألم تخفِ الله حتى عصيتَه، ثم إن مناطَ الإنكار ليس عدمَ علمهم بمضمون الشرطية فقط بل مع عدم علمِهم بعدم تحققِ مقدَّمها، كأنه قيل: ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتَهم لهداهم وأنه لم يشأْها وذلك لأنهم كانوا يؤيدون أن يظهر ما اقترحوا من الآيات ليجتمعوا على الإيمان، وعلى الثاني لو أن قرآنًا فُعل به ما فُصِّل من التعاجيب لما آمنوا به كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى} الآية، فالإضرابُ حينئذٍ متوجّهٌ إلى ما سلف من اقتراحهم مع كونهم في العناد على ما شُرح أي فليس لهم ذلك بل لله الأمر جميعًا إن شاء الله أتى بما اقترحوا وإن شاء لم يأت به حسبما تستدعيه داعيةُ الحكمةِ من غير أن يكون لأحد عليه تحكّم أو اقتراحٌ واليأسُ بمعنى القنوط، أي ألم يعلم الذين آمنوا حالَهم هذه فلم يقنَطوا من إيمانهم حتى أحبّوا ظهورَ مقترحاتِهم؟ فالإنكارُ متوجهٌ إلى المعطوفين أو أعلِموا ذلك فلم يقنَطوا من إيمانهم؟ فهو متوجهٌ إلى وقوع المعطوفِ بعد المعطوفِ عليه أي إلى تخلف القنوط عن العلم المذكور، والإنكارُ على التقديرين إنكارُ الواقع كما في قوله تعالى: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} ونظائرِه، لا إنكارُ الوقوع فإن عدم قنوطِهم منه مما لا مردّ له، وقوله تعالى: {أَن لَّوْ يَشَاء الله} الخ، متعلّقٌ بمحذوف أي أفلم ييأسوا من إيمانهم علمًا منهم أو عالمين بأنه لو يشاء الله لهدى الناسَ جميعًا وأنه لم يشأ ذلك أو لآمنوا أي أفلم يقنط الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا؟ على معنى أفلم ييأس من إيمانهم المؤمنون؟ بمضمون الشرطية وبعدم تحققِ مقدّمها المنفهم من مكابرتهم حسبما تحكيه كلمةُ لو فالوصفُ المذكورُ من دواعي إنكارِ يأسِهم، وقيل: إن أبا جهل وأضرابه قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيًا سيّر بقرآنك الجبالَ عن مكة حتى تتسعَ لنا ونتخذ فيها البساتين والقطائع، وقد سُخِّرت لداود عليه السلام فلست بأهونَ على الله منه إن كنت نبيًا كما زعمت، أو سخّر لنا به الريحَ كما سُخّرت لسليمان عليه السلام لنتّجر عليها إلى الشام فقد شق علينا قطعُ الشُقةِ البعيدة أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا فنزلت.
فمعنى تقطيعِ الأرض حينئذ قطعُها بالسير ولا حاجة حينئذ إلى الاعذار في إسناد الأفاعيلِ المذكورة إلى القرآن كما احتيج إليه في الوجهين الأولين، وعن الفراء أنه متعلقٌ بما قبله من قوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن} وما بينهما اعتراضٌ وهو بالحقيقة دالٌّ على الجواب والتقدير ولو أن قرآنًا سُيّرت به الجبالُ أو قطعت به الأرض أو كُلم به الموتى لكفروا بالرحمن، والتذكير في كلم به الموتى لتغليب المذكر من الموتى على غيره.
{وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ} من أهل مكةَ: {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ} أي بسبب ما صنعوه من الكفر والتمادي فيه، وعدمُ بيانه إما للقصد إلى تهويله أو استهجانه وهو تصريحٌ بما أَشعر به بناءُ الحكم على الموصول من علّية الصلةِ له مع منافي صيغة الصنعِ من الإيذان برسوخهم في ذلك: {قَارِعَةٌ} داهيةٌ تقرعهم وتقلقهم وهو ما كان يصيبهم من أنواع البلايا والمصائبِ من القتل والأسر والنهب والسلبِ، وتقديم المجرورِ على الفاعل لما مر مرارًا من إرادة التفسير إثرَ الإبهام لزيادة التقرير والإحكامِ مع ما فيه من بيانِ أن مدارَ الإصابة من جهتهم آثرَ ذي أثير: {أَوْ تَحُلُّ} تلك القارعةُ: {قَرِيبًا} أي مكانًا قريبًا: {مّن دَارِهِمْ} فيفزَعون منها ويتطاير إليهم شَرارُها، شبِّهت القارعةُ بالعدو المتوجّه إليهم فأُسند إليها الإصابةُ تارة والحلولُ أخرى ففيه استعارةٌ بالكناية وتخييلٌ وترشيحٌ: {حتى يَأْتِىَ وَعْدُ الله} أي موتُهم أو القيامةُ فإن كلًا منهما وعدٌ محتوم لا مرد له، وفيه دِلالةٌ على أن ما يصيبهم عند ذلك من العذاب في غاية الشدةِ وأن ما ذكر سابقةُ نفحةٍ يسيرة بالنسبة إليه ثم حُقق ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} أي الوعدَ كالميلاد والميثاق بمعنى الولادةِ والتوثِقةِ لاستحالة ذلك على الله سبحانه. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أراد بالقارعة السرايا التي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبعثها وكانوا بين إغارةٍ واختطاف وتخويفٍ بالهجوم عليهم في ديارهم فالإصابة والحلولُ حينئذ من أحوالهم ويجوز على هذا أن يكون قوله تعالى: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ} خطابًا للرسول صلى الله عليه وسلم مرادًا به حلولُه الحديبيةَ، والمرادُ بوعد الله ما وعد به من فتح مكة. اهـ.