فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولهذا يريد صلى الله عليه وسلم أن تكونوا مؤمنين؛ لذلك يدعوكم أن تقوموا لله؛ لا لِجَاهِ أحد غيره؛ لأن جاه أيِّ كائن سيزول مَهْمَا كان هذا الواحد، ولا تقولن لنفسك: إن العبيد سيتساوون معك.
بل قُمْ لله إما مثنى أي أن تكون قائمًا ومعك آخر؛ أو يقوم غيرك اثنين اثنين ليناقش كل منكم مع من يجلس معه؛ ولا يتحيز أحد منكم لِفكْر مُسْبق بل يُوجِّه فكره كله متجردًا لله.
وليتساءل كل واحد: محمد هذا، صفته كذا وكذا، وقد فعل كذا، والقرآن الذي جاء به يقول كذا، وسيجد الواحد منكم نفسه وقد اهتدى للحق بينه وبين نفسه، وبينه وبين مَنْ جلس معه ليناقشه فيستعرضان معه تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به.
وحين يتناقش اثنان لن يخاف أيٌّ منهما أن يهزمه الآخر، لكن لو انضمَّ إليهما ثالثٌ؛ فكل واحد يريد أن يعتز برأيه؛ ويرفض أن يقبل رَأْي إنسان غيره، ويخشى أن يُعتبر مهزومًا في المناقشة؛ ويرفض لنفسه احتمال أنْ يستصغره أحد.
ولذلك قال الحق سبحانه: {مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ...} [سبأ: 46]
والجِنَّة هي اختلال العقل؛ أي: أن مَنْ به جِنَّة إنما يتصرف ويسلُك بأعمال لا يرتضيها العقل.
ويقرن الحق سبحانه بين العقل وبين الخُلُق، فيقول: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]
ويُقَال: فلان على خُلق. أي: يملك من الصفات ما يجعله على الجَادَّة من الفضائل؛ مثل الصِّدْق والأمانة؛ وهذه صفاتٌ يَنْظِمها في مواقفها الفِكْر العقليّ؛ وهو الذي يُميِّز لنا أيَّ المواقف تحتاج إلى شِدّة؛ أو لِينٍ؛ أو حكمة، وكلُّ هذه أمور يُرتِّبها العقل.
والخُلُق الرفيع لا يصدر عن مجنون؛ لأنه لا يعرف كيف يختار بين البدائل؛ لذلك لا نحاسبه نحن؛ ولا يحاسبه الله أيضًا.
وحين يأمرهم الحق سبحانه أن يبحثوا: هل محمد يعاني من جِنَّة؟ فالحق سبحانه يعلم مُقدَّمًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادتهم يتمتَّع بكمال الخلق؛ بدليل أن أهمَّ ما كانوا يملكونه كانوا يستأمنون عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبدليل أنه صلى الله عليه وسلم حينما دخل عليهم وكانوا مختلفين في أمر بناء الكعبة؛ ارتضوه حَكَمًا.
ولذلك يقول سبحانه: {ن والقلم وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم: 1-2]
وهكذا رأينا أن هؤلاء الكفار ما كانوا ليؤمنوا؛ ولم يَكُنِ اللهُ لِيهدِيَهم؛ لأنهم كانوا لا يملكون أَدْنى استعداد للهداية؛ وكأنهم أدمنُوا الكفر والعياذ بالله؛ وقد طبع الله على قلوبهم فزادهم كفرًا؛ فما في تلك القلوب من كفر لا يخرج منها؛ وما بخارجها لا يدخل فيها.
وقد ظَنَّ بعض من المسلمين أن كُفْر هؤلاء قد يُشقِي المؤمنين بزيادة العَنتِ من الكافرين ضدهم؛ لذلك يوضح الحق سبحانه لأهل الإيمان أن نَصْره قريب، فيقول سبحانه: {... وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [الرعد: 31]
أي: اطمئنوا يا أهل الإيمان؛ فلن يظلَّ حال أهل الكفر على ما هو عليه؛ بل ستصيبهم الكوارث وهم في أماكنهم، وسيشاهدون بأعينهم كيف ينتشر الإيمان في المواقع التي يسودونها؛ وتتسع رقعةُ أرض الإيمان، وتضيق رقعة أهل الكفر؛ ثم يأتي نَصْر الله وقد جاء نَصْر الله ولم يَبْقَ في الجزيرة العربية إلا مَنْ يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
وهكذا تنبأتْ الآية بمجيء الأمل بعد اليأس، كي لا يظلَّ اليأس مُسَيْطرًا على حركة المسلمين وعلى نفوسهم، واستجاب الحق سبحانه لدعوته صلى الله عليه وسلم حين دعاه قائلًا: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف». وقُتِل صناديدُهم واحدًا وراء الآخر؛ ولكن عنادهم استمر؛ وبلغ العناد حَدَّ أن ابنتَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا مُتزوِّجتيْنِ من ابنيْ أبي لَهَبٍ؛ فلما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم رسالته؛ قال أبو لهب وزوجته: لابد أن يُطلِّق أبناؤنا بنات محمد؛ فلما طلَّق أوَّلهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: «أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه».
وها هو أبو لهب الكافر يقول: لا تزال دعوة محمد على ابني تشغل بَالي وتُقلِقني، وأخاف أن أبعث بولدي إلى رحلة الشام كي لا تستجيب السماءُ لدعوة محمد.
وكان من المناسب ألاَّ يخاف، وجاء ميعاد السفر لقافلة الشام. وسافر أبو لَهَبٍ مع ولديه، وحين جاء ميعاد النوم أمر أبو لهب الرجال أن يقيموا سياجًا حول ولده وكأن الرجال حوله كخط بارليف الذي بنتْه إسرائيل على قناة السويس ليمنع عنها صَيْحة النصر التي حملت صرخة الله أكبر ثم أصبح الصبح فوجدوا أن وحشًا قد نهش ابن أبي لَهَب.
وقال الناس: كان أبو لَهَب يخشى دعوة محمد؛ ورغم ذلك فقد تحققت. فقال واحد: ولكن محمدًا دعا أن ينهشَه كلب وقال له «أكلك كلب من كلاب الله» ولم يَقُلْ فلينهشْكَ سبع، فرد عليه مَنْ سمعه: وهل إذا نُسب كلب لله أيكون كلبًا؟ لابد أن يكون الكائن المنسوب لله كبيرًا.
وهكذا دَقَّتْ القارعة بيت الرجل الذي أصرَّ على الكفر، وتحقق قول الله: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ...} [الرعد: 31] نعم، فهم قد أسرفوا في الكُفْر والعِناد؛ فجاءتْهم القارعة؛ والقارعة هي الشيء الذي يطرق بعنف على هادئ ساكن، ومنها نأخذ قَرْع الباب، وهناك فَرْق بين نَقْر البابِ وقَرْع الباب.
وقَوْل الحق سبحانه: {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ...} [الرعد: 31] يُوضِّحه أمْر صُلْح الحديبية الذي جاء بشارةً للمسلمين؛ فقد صار كفار قريش يفاوضون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالسرايا إلى المناطق المحيطة بمكة؛ فتأتي القبائل أفواجًا وهي تعلن إسلامها؛ ويبلغ ذلك قريشًا بأن الإسلام يواصل زَحْفه؛ ثم تأتيهم القارعة بأن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة؛ ويتحقق وعد الله بأن يدخلوا هم أيضًا إلى حظيرة الإسلام.
أو: أن يكون المقصود ب: {حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله...} [الرعد: 31]
هو مجيء يوم القيامة الذي يحمل وَعْد الله بأن يحُلَّ عليهم ما يستحقونه من عذاب.
وفي هذا القول تطمين لِمَنْ قال الحق سبحانه في أول هذه الآية: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ...} [الرعد: 31]
ذلك أن الله لا يُخلِف وعده، وهو القائل في تذييل هذه الآية: {... إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [الرعد: 31]
ونعلم أن كلمة: {وَعْد} عادة تأتي في الخير، أما كلمة وعيد فيه فتأتي غالبًا في الشر.
والشاعر يقول:
وَإنِّي إذَا أَوْعدْتُه أَوْ وْعدْتُه ** لَمُنجِزٌ مِيعَادِي ومُخلِفٌ مَوْعِدي

فالإيعاد دائمًا يكون بِشَرٍّ؛ والوَعْد يعني الخير، إلا أن بعض العرب يستعمل الاثنين. أو نستطيع أن نقول: إن المسألة بتعبير المؤمنين؛ أن الله سينصر المؤمنين بالقارعة التي تصيب أهل الكفر؛ أو تأتي حَوْل ديارهم، وفي ذلك وَعْد يُصبِّر به سبحانه المؤمنين؛ وهو في نفس الوقت وعيدٌ بالنسبة للكافرين.
وقوله سبحانه: {... إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [الرعد: 31]
هو قضية قرآنية ستتحقق حَتْمًا؛ في كل عصر وأوان، إذا ما أخذ المسلمون بأسباب الإيمان؛ وهي كقضية تختلف عن وَعْد أو وَعِيد البشر؛ لأن الإنسان قد يَعِد أو يتوعَّد؛ لكن أغيار الحياة تُصِيبه؛ فتُعطل قدرته على إنفاذ الوَعْد أو الوعيد.
أما حين يَعِدُ الله فالأمر يختلف؛ لأن وَعْده هو وَعْد مُطْلق؛ وهذا هو معنى: {... إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} [الرعد: 31]. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا}
قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا}: جوابُها محذوفٌ، أي: لكان هذا القرآنُ، لأنه في غاية ما يكونُ من الصحة. وقيل: تقديرُه: لما آمنوا. ونُقِل عن الفراء أنَّ جوابَ: {لو} هي الجملة مِنْ قولِه: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ} ففي الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ، وما بينهما اعتراضٌ. وهذا في الحقيقة دالٌّ على الجوابِ. وإنما حُذِفَت التاءُ في قوله: {وكُلِّم به المَوْتى} وثَبَتَتْ في الفعلَيْن قبله لأنه من باب التغليب؛ لأنَّ {المَوْتى} يشمل المذكرَ والمؤنث.
قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين} أصلُ اليَأْسِ: قَطْعُ الطمعِ عن الشيء والقُنوطُ فيه. واختلف الناسُ فيه ههنا: فقال بعضهم: هو هنا على بابه، والمعنى: أفلم يَيْئَسِ الذين آمنوا من إيمانِ الكفَّار من قريش، وذلك أنَّهم لَمَّا سألوا هذه الآياتِ طَمِعوا في إيمانِهم وطلبوا نزولَ هذه الايات ليؤمِنَ الكفار، وعَلِمَ اللهُ أنهم لا يؤمنون فقال: أفلم يَيْئَسوا من إيمانهم، قاله الكسائي.
وقال الفراء: أَوْقَعَ الله للمؤمنين أنْ لو يشاء اللهُ لهدى الناسَ جميعًا فقال: أفلم يَيْئسوا عِلْمًا، يقول: أَيْئَسهم العِلْم مضمرًا، كما تقول في الكلام: يَئِست منك أن لا تفلح، كأنه قال: عَلِمه علمًا، قال: فيَئِسَتْ بمعنى عَلِمَت، وإنْ لم يكنْ قد سمع، فإنه يتوجَّه إلى ذلك بالتأويل.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكونَ اليأسُ في هذه الآية على بابه، وذلك: أنه لمَّا أبْعَدَ إيمانَهم في قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا} على التأويلين في المحذوفِ المقدَّر قال في هذه: أفلم يَيْئَسِ المؤمنون من إيمانِ هؤلاءِ عِلْمًا منهم: {أن لو يشاء اللهُ لهدَى الناسَ جميعًا}.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلَّقَ: {أَن لَّوْ يَشَاءُ} بآمَنوا على: أولم يَقْنَطْ عن إيمانِ هؤلاءِ الكَفَرَةِ الذين آمنوا بأن لو يشاءُ اللهُ لهدى الناسَ جميعًا ولهداهم وهذا قد سبقه إليه أبو العباس.
وقال الشيخ: ويُحْتَمَلُ عندي وجهٌ آخرُ غيرُ الذي ذكروه: وهو أنَّ الكلامَ تامٌّ عند قوله: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الذين آمنوا} وهو تقريرٌ، أي: قد يَئِس المؤمنون من إيمان المعاندين، و: {أَن لَّوْ يَشَاءُ الله} جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، أي: وأُقْسِمُ لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا، ويدلُّ على هذا القَسَمِ وجودُ {أنْ} مع {لو}، كقولِ الشاعر:
أَمَا واللهِ انْ لو كنتَ حُرًّا ** وما بالحُرِّ أنت ولا القَمينِ

وقول الآخر:
فأُقسمُ أنْ لَوِ التقينا وأنتُمُ ** لكان لكم يومٌ من الشرِّ مظلِمُ

وقد ذكر سيبويه أنَّ أنْ تأتي بعد القَسَم، وجعلها ابنُ عصفور رابطةً للقَسَم بالجملة المُقْسَمِ عليها.
وقال بعضُهم: بل هو هنا بمعنى عَلِمَ وتَبَيَّن. قال القاسم بن معن وهو من ثقاتِ الكوفيين: هي لغة هوازن.
وقال ابن الكلبي: هي لغةُ حيّ من النَّخَع، ومنه قولُ رباح بن عدي:
ألم يَيْئَسِ الأقوامُ أني أنا ابنُهُ ** وإن كنتُ عن أرضِ العشيرةِ نائيا

وقول سحيم:
أقولُ لهم بالشَّعْبِ إذ يَأْسِرُونني ** ألم تَيْئَسُوا أني ابنُ فارسِ زَهْدَمِ

وقول الآخر:
حتى إذا يَئِسَ الرُّماةُ وأَرْسَلوا ** غُضْفًا دواجنَ قافِلًا أعْصامُها

وردَّ الفراء هذا وقال: لم أَسْمَعْ يَئِسْتُ بمعنى عَلِمْتُ. ورُدَّ عليه: بأنَّ مَنْ حَفِظ حجةٌ على مَنْ لم يَحْفَظْ، ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ عليّ وابن عباس وعكرمة وابن أبي مُلَيْكة والجحدري وعلي بن الحسين وابنه زيد وجعفر بن محمد وابن يزيد المديني وعبد الله بن يزيد وعلي ابن بَذِيمة: {أو لم يتبيَّنْ}، مِنْ تبيَّنْتُ كذا إذا عَرَفْتَه. وقد افترى مَنْ قال: إنما كتبه الكاتب وهو ناعِسٌ، وكان أصله أفلم يتبيَّن فَسَوَّى هذه الحروفَ فَتُوُهِّمَ أنها سين.
قال الزمخشري: وهذا ونحوُه ممَّا لا يُصَدَّقُ في كتاب كتاب الله الذي لا يأتيه الباطلُ مِنْ بينِ يديه ولا مِنْ خلفِه، وكيف يَخْفَى هذا حتى يَبْقى بين دَفَتَيْ الإِمام، وكان متقلِّبًا في أيدي أولئك الأعلامِ المحتاطِيْنَ في دين الله، المهيمنين عليه، لا يَغْفُلون عن جلائِله ودقائقِه، خصوصًا عن القانون الذي إليه المرجعُ، والقاعدةُ التي عليها المبنى، هذه واللهِ فِرْيَةٌ، ما فيها مِرْيَةٌ. وقال الزمخشري أيضًا: وقيل: إنما اسْتَعْمل اليأسَ بمعنى العِلْم، لأن الآيسَ عن الشيء عالمٌ بأنه لا يكونُ، كما اسْتَعْمل الرجاءَ في معنى الخوف والنسيان والتركِ لتضمُّن ذلك.
ويُحتمل في أَنْ قولان، أحدُهما: أنها المخففةُ من الثقيلة فاسمُها ضميرُ الشأنِ، والجملةُ الامتناعيةُ بعدها خبرُها، وقد وقع الفصلُ ب لو، وأنْ وما في حَيِّزها إن عَلَّقْناها ب: {آمنوا} تكونُ في محلِّ نصبٍ أو جَرّ على الخلاف بين الخليلِ وسيبويه، إذ أصلُها الجرُّ بالحرفِ، أي: آمَنوا بأن لو يشاءُ الله، وإن عَلَّقْناها ب: {يَيْئَس} على أنه بمعنى عَلِمَ كانت في محلِّ نصبٍ لسَدِّها مَسَدَّ المفعولين.
والثاني: أنها رابطةٌ بين القًسَمِ والمُقْسِمِ عليه كما تقدم.
قوله: {أَوْ تَحُلُّ} يجوز أن يكونَ فاعلُه ضميرَ الخطاب أي: أو تَحُلُّ أنت يا محمدُ، وأن يكونَ ضميرَ القارعة، وهذا أَبْيَنُ، أي: تُصيبهم قارِعَةٌ، أو تَحُلُّ القارعة.
وقرأ ابن جبير ومجاهد: {يَحُلُّ} بالياء مِنْ تحتُ، والفاعلُ على ما تقدم: إمَّا ضميرُ القارعة، وإنما ذكَّر الفعلَ لأنها بمعنى العذاب، أو لأن التاءَ للمبالغة، والمرادُ قارِع، وإمَّا ضميرُ الرسول، أتى به غائبًا. وقرآ أيضًا: {مِنْ ديارهم} وهي واضحة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ أَنَّ قُرْءَانًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَلِ لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا}.
لو كان شيء من المخلوقات يظهر يغيرنا في الإيجاد لكان يحصل بهذا القرآن، ولكن المنشئ الله، والخير والشر جملةً من الله، والأمر كله لله. فإذا لم يكن شيء من الحدثان بالقرآن- والقرآن كلام الله العزيز- فلا تكون ذرة من النفي والإثبات لمخلوق.. فإن ذلك محال.
قوله جلّ ذكره: {أَفَلَمْ يَايْئَسِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}.
معناه أفلم يعلم الذين آمنوا، ويقال أفلم ييأسوا من إيمانهم وقد علموا أنه من يهديه الحق فهو المهتدي؟
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةُ أَوْ تَحُلَّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِىَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ المِيعَادَ}.
يعني شؤمُ كُفْرِهم لا يزال واصلًا إليهم، ومقتصُّ فعلهم لاحِقٌ بهم أبدًا. اهـ.