فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يعني أنه أخس من أن يسمى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسمًا فافعل، فكأنه تعالى قال: سموهم بالآلهة على سبيل التهديد، والمعنى: سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها، ثم زاد في الحجاج فقال: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} والمراد: أتقدرون على أن تخبروه وتعلموه بأمر تعلمونه وهو لا يعلمه، وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها، وإن لم يكن شريك ألبته، لأنهم ادعوا أن له شركاء في الأرض لا في غيرها: {أم بظاهر من القول} يعني تموهون بإظهار قول لا حقيقة له، وهو كقوله تعالى: {ذلك قولهم بأفواههم} [التوبة: 30] ثم إنه تعالى بين بعد هذا الحجاج سوء طريقتهم فقال على وجه التحقير لما هم عليه: {بل زين للذين كفروا مكرهم} قال الواحدي: معنى {بل} هاهنا كأنه يقول: دع ذكر ما كنا فيه زين لهم مكرهم، وذلك لأنه تعالى لما ذكر الدلائل على فساد قولهم، فكأنه يقول: دع ذكر الدليل فإنه لا فائدة فيه، لأنه زين لهم كفرهم ومكرهم فلا ينتفعون بذكر هذه الدلائل.
قال القاضي: لا شبهة في أنه تعالى إنما ذكر ذلك لأجل أن يذمهم به، وإذا كان كذلك امتنع أن يكون ذلك المزين هو الله، بل لابد وأن يكون إما شياطين الإنس وإما شياطين الجن.
واعلم أن هذا التأويل ضعيف لوجوه: الأول: أنه لو كان المزين أحد شياطين الجن أو الإنس فالمزين في قلب ذلك الشيطان إن كان شيطانًا آخر لزم التسلسل، وإن كان هو الله فقد زال السؤال، والثاني: أن يقال: القلوب لا يقدر عليها إلا الله، والثالث: أنا قد دللنا على أن ترجيح الداعي لا يحصل إلا من الله تعالى وعند حصوله يجب الفعل.
أما قوله: {وصدوا عن السبيل} فاعلم أنه قرأ عاصم وحمزة والكسائي: {وصدوا} بضم الصاد وفي حم: {وصدوا عن السبيل} [النساء: 167] على ما لم يسم فاعله بمعنى أن الكفار صدهم غيرهم، وعند أهل السنة أن الله صدهم.
وللمعتزلة فيه وجهان: قيل الشيطان، وقيل أنفسهم وبعضهم لبعض كما يقال: فلان معجب وإن لم يكن ثمة غيره وهو قول أبي مسلم والباقون، وصدوا بفتح الصاد في السورتين يعني أن الكفار صدوا عن سبيل الله، أي أعرضوا وقيل: صرفوا غيرهم، وهو لازم ومتعد، وحجة القراءة الأولى مشاكلتها لما قبلها من بناء الفعل للمفعول، وحجة القراءة الثانية قوله: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} [النساء: 167].
ثم قال: {ومن يضلل الله فما له من هاد} اعلم أن أصحابنا تمسكوا بهذه الآية من وجوه: أولها: قوله: {بل زين للذين كفروا مكرهم} وقد بينا بالدليل أن ذلك المزين هو الله.
وثانيها: قوله: {وصدوا عن السبيل} بضم الصاد، وقد بينا أن ذلك الصاد هو الله.
وثالثها: قوله: {ومن يضلل الله فما له من هاد} وهو صريح في المقصود وتصريح بأن ذلك المزين وذلك الصاد ليس إلا الله.
ورابعها: قوله تعالى: {لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق} أخبر عنهم أنهم سيقعون في عقاب الآخرة وإخبار الله ممتنع التغير وإذا امتنع وقوع التغير في هذا الخبر، امتنع صدور الإيمان منه وكل هذه الوجوه قد لخصناها في هذا الكتاب مرارًا، قال القاضي: {ومن يضلل الله} أي عن ثواب الجنة لكفره وقوله: {فما له من هاد} منبيء بذلك أن الثواب لا ينال إلا بالطاعة خاصة فمن زاغ عنها لم يجد إليها سبيلا، وقيل: المراد بذلك من حكم بأنه ضال وسماه ضالًا، وقيل المراد من يضلله الله عن الإيمان بأن يجده كذلك، ثم قال والوجه الأول أقوى.
واعلم أن الوجه الأول ضعيف جدًا لأن الكلام إنما وقع في شرح إيمانهم وكفرهم في الدنيا ولم يجز ذكر ذهابهم إلى الجنة ألبتة فصرف الكلام على المذكور إلى غير المذكور بعيد.
وأيضًا فهب أنا نساعد على أن الأمر كما ذكروه، إلا أنه تعالى لما أخبر أنهم لا يدخلون الجنة فقد حصل المقصود لأن خلاف معلوم الله ومخبره محال ممتنع الوقوع.
واعلم أنه تعالى لما أخبر عنهم بتلك الأمور المذكورة بين أنه جمع لهم بين عذاب الدنيا، وبين عذاب الآخرة الذي هو أشق، وأنه لا دافع لهم عنه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
أما عذاب الدنيا فبالقتل، والقتال، واللعن، والذم، والإهانة، وهل يدخل المصائب والأمراض في ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه، قال بعضهم: إنها تدخل فيه، وقال بعضهم: إنها لا تكون عقابًا، لأن كل أحد نزلت به مصيبة فإنه مأمور بالصبر عليها، ولو كان عقابًا لم يجب ذلك، فالمراد على هذا القول من الآية القتل، والسبيء، واغتنام الأموال، واللعن، وإنما قال: {ولعذاب الآخرة أشق} لأنه أزيد إن شئت بسبب القوة والشدة، وإن شئت بسبب كثرة الأنواع، وإن شئت بسبب أنه لا يختلط بها شيء من موجبات الراحة، وإن شئت بسبب الدوام وعدم الانقطاع، ثم بين بقوله: {وما لهم من الله من واق} أي أن أحدًا لا يقيهم ما نزل بهم من عذاب الله.
قال الواحدي: أكثر القراء وقفوا على القاف من غير إثبات ياء في قوله: {واق} وكذلك في قوله: {ومن يضلل الله فما له من هاد} وكذلك في قوله: {وال} وهو الوجه لأنك تقول في الوصل: هذا هاد ووال وواق، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين، فإذا وقفت انحذف التنوين في الوقف في الرفع والجر، والياء كانت انحذفت فيصادف الوقف الحركة التي هي كسرة في غير فاعل فتحذفها كما تحذف سائر الحركات التي تقف عليها فيصير هاد، ووال، وواق.
وكان ابن كثير يقف بالياء في هادي ووالي وواقي ووجهه ما حكى سيبويه أن بعض من يوثق به من العرب يقول: هذا داعي فيقفون بالياء. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {أفمن هو قائم على كل نفسٍ بما كسبت}
فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الملائكة الذين وكلوا ببني آدم، قاله الضحاك.
الثاني: هو الله القائم على كل نفس بما كسبت، قاله قتادة.
الثالث: أنها نفسه.
وفي قوله تعالى: {قائم} وجهان:
أحدهما: يعني واليًا، كما قال تعالى: {قائمًا بالقسط} أي واليًا بالعدل.
الثاني: يعني عالمًا بما كسبت، قال الشاعر:
فلولا رجالٌ من قريش أعزةٌ ** سرقتم ثياب البيت والله قائم

ويحتمل: {بما كسبت} وجهين:
أحدهما: ما كسبت من رزق تفضلًا عليها فيكون خارجًا مخرج الامتنان.
الثاني: ما كسبت من عمل حفظًا عليها، فيكون خارجًا مخرج الوعد والوعيد {وجعلوا لله شركاء} يعني أصنامًا جعلوها آلهة.
{قل سموهم} يحتمل وجهين:
أحدهما: قل سموهم آلهة على وجه التهديد.
الثاني: يعني قل صفوهم ليعلموا أنهم لا يجوز أن يكونوا آلهة.
{أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} أي تخبرونه بما لا يعلم أن في الأرض إلهًا غيره.
{أم بظاهر مِن القول} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: معناه بباطل من القول، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
أعَيّرتنا ألبانها ولحومها ** وذلك عارٌ يا ابن ريطة ظاهر

أي بالحل.
الثاني: بظن من القول، وهو قول مجاهد.
الثالث: بكذب من القول، قاله الضحاك.
الرابع: أن الظاهر من القول هو القرآن، قاله السدي.
ويحتمل تأويلًا خامسًا: أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم، ويكون معنى الكلام: أتخبرونه بذلك مشاهدين أم تقولون محتجّين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ولقد استهزئ} الآية، هذه آية تأنيس للنبي عليه السلام، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما ترى من قومك وتلقى منهم، فليس ذلك ببدع ولا نكير، قد تقدم هذا في الأمم و: {أمليت لهم} أي مددت المدة وأطلت، والإملاء: الإمهال على جهة الاستدراج، وهو من الملاوة من الزمن، ومنه: تمليت حسن العيش. وقوله: {فكيف كان عقاب} تقرير وتعجيب، في ضمنه وعيد للكفار المعاصرين لمحمد عليه السلام.
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}
هذه الآية راجعة بالمعنى إلى قوله: {وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو} [الرعد: 30] والمعنى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تنفع ولا تضر؟- هذا تأويل- ويظهر أن القول مرتبط بقوله: {وجعلوا لله شركاء} كأن المعنى: أفمن له القدرة والوحدانية ويجعل له شريك أهل أن ينتقم ويعاقب أم لا؟.
والأنفس من مخلوقاته وهو قائم على الكل أي محيط به لتقرب الموعظة من حس السامع. ثم خص من أحوال الأنفس حال كسبها ليتفكر الإنسان عند نظر الآية في أعماله وكسبه.
وقوله: {قل سموهم} أي سموا من له صفات يستحق بها الألوهية ثم أضرب القول وقرر: هل تعلمون الله: {بما لا يعلم}؟.
وقرأ الحسن: {هل تنْبئونه} بإسكان النون وتخفيف الباء و: {أم} هي بمعنى: بل، وألف الاستفهام- هذا مذهب سيبويه- وهي كقولهم: إنها لإبل أم شاء.
ثم قررهم بعد، هل يريدون تجويز ذلك بظاهر من الأمر، لأن ظاهر الأمر له إلباس ما وموضع من الاحتمال، وما لم يكن إلا بظاهر القول فقط فلا شبهة له.
وقرأ الجمهور: {زُين} على بناء الفعل للمفعول: {مكرُهم} بالرفع، وقرأ مجاهد: {زَين} على بنائه للفاعل: {مكرَهم} بالنصب، أي زين الله، و: {مكرهم}: لفظ يعم أقوالهم وأفعالهم التي كانت بسبيل مناقضة الشرع. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {وصُدوا} بضم الصاد، وهذا على تعدي الفعل وقرأ الباقون هنا، وفي: {صم} المؤمن- بفتحها، وذلك يحتمل أن يكون: {صَدوا} أنفسهم أو: {صدوا} غيرهم، وقرأ يحيى بن وثاب: {وصِدوا} بكسر الصاد.
وقوله: {لهم عذاب} الآية، آية وعيد أي لهم عذاب في دنياهم بالقتل والأسر والجدوب والبلايا في أجسامهم وغير ذلك مما يمتحنهم الله، ثم لهم في الآخرة عذاب: {أشق} من هذا كله، وهو الاحتراق بالنار، و: {أشق} أصعب من المشقة، والواقي: الساتر على جهة الحماية من الوقاية. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}
يعني: نفسه عز وجل.
ومعنى القيام هاهنا: التولي لأمور خَلقه، والتدبير لأرزاقهم وآجالهم، وإِحصاء أعمالهم للجزاء، والمعنى: أفمن هو مجازي كلّ نفس بما كسبت، يثيبها إِذا أحسنت، ويأخذها بما جنت، كمن ليس بهذه الصفة من الأصنام؟
قال الفراء: فتُرك جوابه، لأن المعنى معلوم، وقد بيَّنه بعد هذا بقوله: {وجعلوا لله شركاء} كأنه قيل: كشركائهم.
قوله تعالى: {قل سمَّوهم} أي: بما يستحقونه من الصفات وإِضافةِ الأفعال إِليهم إِن كانوا شركاء لله كما يُسمى الله بالخالق، والرازق، والمحيي، والمميت، ولو سمَّوهم بشيء من هذا لكذبوا.
قوله تعالى: {أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} هذا استفهام منقطع مما قبله، والمعنى: فإن سمَّوهم بصفات الله، فقل لهم: أتنبئونه، أي: أتخبرونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلم لنفسه شريكًا، ولو كان لَعَلِمَه.
قوله تعالى: {أم بظاهر من القول} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أم بظن من القول، قاله مجاهد.
والثاني: بباطل، قاله قتادة.
والثالث: بكلام لا أصل له ولا حقيقة.
قوله تعالى: {بل زُيِّن للذين كفروا مكرُهم} قال ابن عباس: زين لهم الشيطان الكفر.
قوله تعالى: {وصدّوا عن السبيل} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {وَصَدُّوا} بفتح الصاد، ومثله في حم المؤمن [غافر: 37].
وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {وصُدُّوا} بالضم فيهما.
فمن فتح، أراد: صَدُّوا المسلمين، إِما عن الإِيمان، أو عن البيت الحرام.
ومن ضم، أراد: صدهم الله عن سبيل الهدى.
قوله تعالى: {لهم عذاب في الحياة الدنيا}
وهو القتل، والأسر، والسقم، فهو لهم في الدنيا عذاب، وللمؤمنين كفَّارة،: {ولعذاب الآخرة أشق} أي: أشد: {وما لهم من الله من واق} أي: مانع يقيهم عذابه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ}
تقدّم معنى الاستهزاء في البقرة ومعنى الإملاء في آل عمران أي سُخِر بهم، وأزْرِي عليهم؛ فأمهلت الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم؛ فلما حقّ القضاء أخذتهم بالعقوبة.