فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجوز أن يكون العائد ضمير: {يَعْلَمْ} والمعنى اتنبؤن الله تعالى بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة، وذكر نفي العلم في الأرض لأن الأرض مقر الأصنام فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه فانتفاؤه في السموات العلى أحرى، وقرأ الحسن: {أتنبئونه} بالتخفيف من الانباء: {الأرض أَم بظاهر مّنَ القول} أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير معنى متحقق في نفس الأمر كتسمية الزنجي كافورًا كقوله تعالى: {ذلك قَوْلُهُم بأفواههم} [التوبة: 30] وروي عن الضحاك وقتادة أن الظاهر من القول الباطل منه، وأنشدوا من ذلك قوله:
أعيرتنا البانها ولحومها ** وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

ويطلق الظاهر على الزائل كما في قوله:
وعيرها الواشون أني أحبها ** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

ومن أراد ذلك هنا فقد تكلف، وعن الجبائي أن المراد من ظاهر من القول ظاهر كتاب أنزل الله تعالى وسمي به الأصنام آلهة حقه، وحاصل الآية نفي الدليل العقلي والدليل السمعي على حقية عبادتها واتخاذها آلهة، وجوز أن تكون: {أَمْ} متصلة والانقطاع هو الظاهر، ولا يخفى ما في الآية من الاحتجاج والأساليب العجيبة ما ينادي بلسان طلق ذلق أنه ليس من كلام البشر كما نص على ذلك الزمخشري، وبين ذلك صاحب الكشف بأنه لما كان قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} كافيًا في هدم قاعدة الإشراك للتفرع السابق والتحقق بالوصف اللاحق مع ما ضمن من زيادات النكت وكان إبطالًا من طرف الحق وذيل بإبطاله من طرف النقيض على معنى وليتهم إذ اشركوا بمن لا يجوز أن يشرك به اشركوا من يتوهم فيه ادنى توهم وروعى فيه أنه لا أسماء للشركاء فضلًا عن المسمى على الكناية الإيمائية ثم بولغ فيه بأنه لا يستأهل السؤال عن حالها بظهور فسادها وسلك فيه مسلك الكناية التلويحية من نفي العلم بنفي المعلوم ثم منه بعدم الاستئهال، والهمزة المضمنة فيها تدل على التوبيخ وتقرير أنهم يريدون أن ينبئوا عالم السر والخفيات بما لا يعلمه وهذا محال على محال، وفي جعله اتخاذهم شركاء ومجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتة سرية بل نكت سرية ثم أضرب عن ذلك.
وقيل: قد بين الشمس لذي عينين وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول من غير أن يكون تحته طائل وما هو إلا مجرد صوت فارغ حق لمن تأمل فيه حق التأمل أن يعترف بأنه كلام مصون عن التعمل، صادر عن خالق القوى والقدر، تتضاءل عن بلوغ طرف من أسراره افهام البشر.
وقد ذيل الزمخشري كلامه بقوله: {فتبارك الله أحسن الخالقين}، وهي كما في الانتصاف كلمة حق أريد بها باطل يدندن بها من هو عن حلية الانصاف عاطل هذا: {بَلْ زُيّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} اضراب عن الاحتجاج عليهم، ووضع الموصول موضع المضمر ذمًا لهم وتسجيلًا عليهم بالكفر كأنه قيل: دع هذا فانه لا فائدة فيه لأنهم زين لهم: {مَكْرِهِمْ} كيدهم للاستلام بشركهم أو تمويههم الأباطيل فتكلفوا إيقاعها في الخيال من غير حقيقة ثم بعد ذلك ظنوها شيئًا لتماديهم في الضلال، وعلى هذا المراد مكرهم بأنفسهم وعلى الأول مكرهم بغيرهم، وإضافة مكر إلى ضميرهم من إضافة المصدر إلى الفاعل، وجوز على الثاني أن يكون مضافًا إلى المفعول وفيه بعد.
وقرأ مجاهد: {بَلْ زُيّنَ} على البناء للفاعل و: {مَكْرِهِمْ} بالنصب: {وَصُدُّواْ عَنِ السبيل} أي سبيل الحق فتعريفه للعهد أو ما عداه كأنه غير سبيل، وفاعل الصد اما مكرهم ونحو أو الله تعالى بختمه على قلوبهم أو الشيطان باغوائه لهم، والاحتمالان الأخيران جاريان في فاعل التزيين، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {وَصُدُّواْ} على البناء للفاعل وهو كالأول من صده صدًا فالمفعول محذوف أي صدوا الناس عن الإيمان، ويجوز أن يكون من صد صدوًا فلا مفعول.
وقرأ ابن وثاب: {وَصُدُّواْ} بكسر الصاد، وقال بعضهم: إنه قرأ كذلك في المؤمن والكسر هنا لابن يعمر، والفعل على ذلك مجهول نقلت فيه حركة العين إلى الفاء إجراء له مجرى الأجوف.
وقرأ ابن أبي إسحاق: {وَصُدَّ} بالتنوين عطفًا على مكرهم: {وَمَن يُضْلِلِ الله} أي يخلق فيه الضلال لسوء استعداده: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يوفقه للهدى ويوصله إلى ما فيه نجاته.
{لَهُمْ عَذَابَ} شاق: {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب فإنها إنما تصيبهم عقوبة من الله تعالى على كفرهم، وأما وقوع مثل ذلك للمؤمن فعلى طريق الثواب ورفع الدرجات: {وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ} من ذلك لشدته ودوامه: {وَمَا لَهُم مّنَ الله} أي عذابه سبحانه: {مِن وَاقٍ} من حافظ يعضمهم من ذلك فمن الأولى صلة: {وَاقٍ} والثانية مزيدة للتأكيد، ولا يضر تقديم معمول المجرور عليه لأن الزئد لا حكم له.
وجوز أن تكون: {مِنْ} الأولى ظرفًا مستقرًا وقع حالا من: {وَاقٍ} وصلته محذوفة، والمعنى ما لهم واق وحافظ من غذاب الله تعالى حال كون ذلك الواقي من جهته تعالى ورمته و: {مِنْ} على هذا للتبيين، وجوز أيضًا أن تكون لغوًا متعلقة بما في الظرف أعني: {لَهُمْ} من معنى الفعل وهي للابتداء، والمعنى ما حصل لهم من رحمة الله تعالى واق من العذاب. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: أمهلتهم وتركتهم ملاوةً من الزمن، في أمن ودعة، كما يملى للبهيمة في المرعى: {ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي: عقابي إياهم. وفيه من الدلالة على فظاعته ما لا يخفى. والآية تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما لقي من المشركين من التكذيب والاقتراح، على طريقة الاستهزاء به، ووعيد لهم.
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} أي: مراقب لأحوالها ومشاهد لها، لا يخفى عليه ما تكسبه من خير أو شر. فهو مجاز؛ لأن القائم على الشيء عالم به، ولذا يقال: وقف عليه، إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله، والخبر محذوف تقديره: كمن ليس كذلك. وإنما حذف اكتفاء بدلالة السياق عليه وهو قوله: {وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء} أي: عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان، وقوله: {قُلْ سَمُّوهُمْ} تبكيت لهم إثر تبكيت، أي: سموهم من هم، وماذا أسماؤهم؟ فإنهم لا حقيقة لهم! أو صفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة؟.
وقال الرازي: إنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى ألا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال: سمه إن شئت، يعني: أنه أخس من يسمى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسمًا فافعل. فكأنه تعالى قال: سموهم بالآلهة، على سبيل التهديد، والمعنى: سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها.
{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ} أي: بشركاء لا يعلمهم سبحانه. وإذا كان لا يعلمهم، وهو عالم بكل شيء مما كان ومما يكون، فهم لا حقيقة لهم. فهو نفي لهم بنفي لازمهم على طريق الكناية.
قال الناصر: وحقيقة هذا النفي أنهم ليسوا بشركاء، وأن الله لا يعلمهم كذلك؛ لأنهم ليسوا كذلك، وإن كانت لهم ذوات ثابتة يعلمها الله، إلا أنها مربوبة حادثة لا آلهة معبودة. ولكن مجيء النفي على هذا السنن المتلو بديع لا تكتنه بلاغته وبراعته. ولو أتى الكلام على الأصل غير محلى بهذا التصريف البديع لكان: وجعلوا لله شركاء وما هم بشركاء. فلم يكن بهذا الموقع الذي اقتضته التلاوة.
وقوله تعالى: {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ} أي: بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة، كتسمية الزنجي كافورًا من غير بياض فيه ولا رائحة طيبة، لفرط الجهل وسخافة العقل، وهذا كقوله تعالى: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِم} [التوبة: من الآية 30]: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: من الآية 40]، وعن الضحاك إن الظاهر بمعنى الباطل، كقوله:
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

تنبيه:
قال الزمخشري: هذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها، منادٍ على نفسه بلسان طلق ذلق؛ أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه.
قال شارحوه: فإن قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ} لما كان كافيًا في هدم قاعدة الإشراك مع السابق واللاحق وما ضمن من زيادات النكت، وكان إبطالًا من طريق حق، مذيلًا بإيطال من طرف النقيض على معنى: ليتهم إذ أشركوا بمن لا يجوز أن يشرك به، أشركوا من يتوهم فيه ذلك أدنى توهم، وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء ولا حقيقة لها فضلًا عن المسمى على الكناية الإيمائية. ثم بولغ بأنها لا تستأهل أن يسأل عنها على الكناية التلويحية استدلالًا بنفي العلم عن نفي المعلوم. ثم منه إلى عدم الاستئهال مع التوبيخ، وتقدير أنهم يريدون أن ينبئوا عالم السر والخفيات بما لا يعلمه وهو محال على محال وفي جعل اتخاذهم شركاء، ومجادلة الرسول عليه الصلاة والسلام إنباء له تعالى؛ نكتة بل نكت سرية. ثم أضرب عن ذلك. وقيل: قد بين الشمس لذي عينين، وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول لا طائل تحته بل هو صوت فارغ.
فمن تأمل حق التأمل، اعترف بأنه كلام خالق القُوَى والقُدَر، الذي تقف دون أستار أسراره أفهام البشر...!
وقوله تعالى: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ} إضراب عن الاحتجاج عليهم. كأنه قيل: دع ذكر ما كنا فيه من الدلائل على فساد قولهم؛ لأنه زين لهم كفرهم ومكرهم، فلا ينتفعون بهذه الدلائل.
وقوله تعالى: {وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ} أي: عن سبيل الله، وقرئ بفتح الصاد أي: صدوا الناس: {وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ} أي: يخلق فيه الضلال بسوء اختياره، أو يخذله: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} أي: من أحد يهديه.
{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهو ما نالهم على أيدي المؤمنين، أو ما فيه من عذاب الحيرة والضِلَّة. فإن نفس غير المؤمنين في نكد مستمر وداء دويِّ لا برء له إلا الإيمان، كما فصل في موضع آخر: {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ} أي: من عذاب الدنيا كمًّا وكيفًا: {وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ} أي: حافظ يعصمهم من عذابه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
عطف على جملة: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} [سورة الرعد: 31] الخ، لأن تلك المُثُل الثلاثة التي فرضت أريد بها أمور سألها المشركون النبي استهزاءً وتعجيزًا لا لترقب حصولها.
وجاءت عقب الجملتين لما فيها من المناسبة لهما من جهة المُثل التي في الأولى ومن جهة الغاية التي في الثانية.
وقد استهزأ قوم نوح به عليه السلام: {وكُلّما مَرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه} [سورة هود: 38]، واستهزأت عاد بهود عليه السلام: {فأسقِط علينا كِسْفًا من السماء إن كنتَ من الصادقِين} [سورة الشعراء: 187]، واستهزأت ثمود بصالح عليه السلام: {قال الملأ الّذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} [سورة الأعراف: 66]، واستهزأوا بِشُعيْب عليه السلام: {قالوا يا شُعيب أصلواتك تأمُرك أن نتْرك ما يَعبد آبَاؤنَا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرشيد} [سورة هود: 87]، واستهزأ فرعون بموسى عليه السلام: {أم أنا خير من هذا الّذي هو مَهين ولا يكاد يبين} [سورة الزخرف: 43].
والاستهزاء: مبالغة في الهَزْء مثل الاسْتسْخار في السخرية.
والإملاء: الإمهال والتركُ مدة.
ومنه واهجرني مليًا.
وتقدم في قوله تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم} في [سورة الأعراف: 182].
والاستفهام في فكيف كان عقاب للتعجيب.
وعقاب أصله عقابي مثل ما تقدم آنفًا في قوله: {وإليه متاب}.
والكلام تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ووعيد للمشركين.
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ}
الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام مؤخرة من تقديم لأن همزة الاستفهام لها الصدارة.
فتقدير أصل النظم: فأمن هو قائم.
فالفاء لتفريع الاستفهام وليس الاستفهام استفهامًا على التفريع، وذلك هو الوجه في وقوع حروف العطف الثلاثة الواو والفاء وثم بعد الاستفهام وهو رأي المحقيقين، خلافًا لمن يجعلون الاستفهام واردًا على حرف العطف وما عَطفه.
فالفاء تفريع على جملة: {قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت} [الرعد: 30] المجاببِ به حكاية كفرهم المضمن في جملة: {وهم يكفرون بالرحمن} [الرعد: 30]، فالتفريع في المعنى على مجموع الأمرين: كفرهم بالله، وإيمان النبي بالله.
ويجوز أن تكون تفريعًا على جملة: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} [الرعد: 31]، فيكون ترقيًا في إنكار سؤالهم إتيان معجزة غير القرآن، أي إن تعجب من إنكارهم آيات القرآن فإن أعجب منه جعلهم القائم على كل نفس بما كسبت مماثلًا لمن جعلوهم لله شركاء.