فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحق سبحانه: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ...} [الأنبياء: 79]
وهذا هو الاستئناف، ولا يعني الاستئناف طَعْنَ قاضٍ في القاضي الأول؛ لكنه بَحْثٌ عن جوهر العدل؛ ولعل القضية إنْ أُعيدَتْ لنفس القاضي الأول لَحكَم نفس الحكم الذي حكم به الاستئناف بعد أن يستكشف كل الظروف التي أحاطتْ بها.
وهنا يقول الحق سبحانه: {والله يَحْكُمُ...} [الرعد: 41]
ولحظة أن يُصدِر الله حُكْمًا؛ فلن يأتي له استئناف، وهذا معنى قوله الحق: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ...} [الرعد: 41]
وكأن هذا القول الحكيم يحمل التنبؤ بما أشار به القضاء بإنشاء الاستئناف؛ ولا أحد يُعقِّب على حُكْم الله؛ لأن المُعقِّب يفترض فيه أن يكون أيقظَ من المُعقَّب عليه؛ وعنده قدرةُ التفاف إلى ما لم يلتفت إليه القاضي الأول، ولا يوجد قَيُّوم إلا الله، ولا أحدَ بقادر على أن يعلم كل شيء إلا هو سبحانه.
وآفة كل حُكْم هو تنفيذه؛ ففي واقعنا اليومي نجد مِنَ استصدر حُكْمًا يُعاني من المتاعب كي يُنفِّذه؛ لأن الذي يُصدِر الحكم يختلف عَمَّنْ ينفذه، فهذا يتبع جهة، وذاك يتبع جهة أخرى.
ولكن الحُكْم الصادر من الله؛ إنما يُنفِّذ بقوته سبحانه، ولا يوجد قويٌّ على الإطلاق سِوَاه، ولذلك يأتي قول الحق: {... وَهُوَ سَرِيعُ الحساب} [الرعد: 41]
فكأن الله يُنبِّهنا بهذا القول إلى أن الحكم بالعدل يحتاج إلى سرعة تنفيذ.
ونحن نرى في حياتنا اليومية: كيف يُرْهق مَنْ له حكم بحقٍّ عادل؛ ولو أننا نُسرِع بتنفيذ الأحكام لَسادَتْ الطمأنينةُ قلوبَ أفراد المجتمع.
ونحن نجد استشراء العصبيات في الأخذ بالثأر إنما يحدث بسبب الإبطاء في نظر القضايا؛ حيث يستغرق نظر القضية والحكم فيها سنواتٍ؛ مِمَّا يجعل الحقدَ يزداد. لكن لو تَمَّ تنفيذ الحكم فَوْرَ معرفة القاتل، وفي ظل الانفعال بشراسة الجريمة؛ لَمَا ازدادتْ عمليات الثأر ولَهدأَت النفوس.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)}
وهنا يخبر الحق سبحانه رسوله، وأيُّ سامع لهذا البلاغ يستقرئ موكب الرسالات السابقة؛ وسيجد أن كُلَّ أمة أُرسِل لها رسول مكرتْ به وكادتْ له كي تبطل دعواه، ولم ينفع أيّ أمة أي مكر مَكرتْه أو أيّ كَيْدٍ كَادَتْهُ، فكُلُّ الرسالات قد انتصرتْ.
فسبحانه القائل: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي...} [المجادلة: 21]
وهو القائل: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 171-173]
والحق سبحانه حين يُورِد حُكْمًا فبالقرآن؛ وهو الذي حفظ هذا القرآن؛ فلن تأتي أيُّ قضية كونية لتنسخ الحكم القرآني.
وأنت إذا استقرأتَ مواكب الرسل كلها تجد هذه القضية واضحة تمامًا؛ كما أثبتها الحق سبحانه في القرآن المحفوظ؛ وما حفظه سبحانه إلا لوثوقه بأن الكونيات لا يمكن أن تتجاوزه.
وبالفعل فقد مكرتْ كُلُّ أمة برسولها؛ ولكن الحق سبحانه له المكر جميعًا؛ ومَكْر الله خَيْرٌ للبشرية من مَكْر كل تلك الأمم؛ ومَكْره سبحانه هو الغالب، وإذا كان ذلك قد حدث مع الرسل السابقين عليك يا رسول الله؛ فالأمر معك لابُدَّ أنْ يختلفَ لأنك مُرْسَلٌ إلى الناس جميعًا، ولا تعقيبَ يأتي من بعدك.
وكُلُّ تلك الأمور كانت تطمئنه صلى الله عليه وسلم؛ فلابُدَّ من انتصاره وانتصار دعوته؛ فسبحانه محيط بأيِّ مَكْر يمكره أيُّ كائن؛ وهو جَلَّ وعلاَ قادر على أنْ يُحبِط كل ذلك.
ويتابع سبحانه في نفس الآية: {... يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الكفار لِمَنْ عُقْبَى الدار} [الرعد: 42]
والحق سبحانه يعلم ما يخفي عن الأعين في أعماق الكائنات؛ خَيْر هو أو شَرّ، ويحمي مَنْ شاءَ من عباده من مَكْر الماكرين، ويُنزِل العقاب على أصحاب المَكْر السيء بالرسل والمؤمنين.
ولَسوفَ يعلم الكافرين أن مصيرهم جهنم، وبئس الدار التي يدخلونها في اليوم الآخر؛ فَضْلًا عن نُصْرة رسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا وخِزْيهم فيها.
وهكذا يكونوا قد أخذوا الخِزْي كجزاءٍ لهم في الدنيا؛ ويزدادون عِلْمًا بواقع العذاب الذي سَيلقَوْنَهٌ في الدار الآخرة.
ويُنهي الحق سبحانه سورة الرعد بهذه الآية: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
ونفهم من كلمة: {لَسْتَ مُرْسَلًا...} [الرعد: 43] أن الكافرين يتوقفون عند رَفْض الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وكأن كُلَّ أمانيهم أن يَنْفوا عنه أنه رسولٌ اصطفاه الحق سبحانه بالرسالة الخاتمة؛ بدليل أنهم قالوا: {... لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]
ومن بعد ذلك قالوا: {... اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]
أي: أن فكرة الإرسال لرسول مقبولة عندهم، وغير المقبول عندهم هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: {... قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43]
والشهيد كما نعلم هو الذي يرجح حُكْم الحق، فإذا ما ظهر أمر من الأمور في حياتنا الدنيا الذي نحتاج إلى حُكْم فيها؛ فنحن نرفع الأمر الذي فيه خلاف إلى القاضي، فيقول: هاتوا الشهود.
ويستجوب القاضي الشهود ليحكمَ على ضَوْء الشهادة؛ فَما بالُنَا والشاهد هنا هو الحقٌّ سبحانه؟
ولكن، هل الله سيشهد، ولِمَنْ سيقول شهادته؛ وهم غَيْرُ مُصدِّقين لكلام الله الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ونقول: لقد أرسله الحق سبحانه بالمعجزة الدَّالة على صِدْق رسالته في البلاغ عن الله، والمعجزة خَرْقٌ لنواميس الكون.
وقد جعلها الحق سبحانه رسالةً بين يدي رسوله وعلى لسانه؛ فهذا يعني أنه سبحانه قد شهد له بأنه صادق.
والمعجزة أَمْر خارق للعادة يُظهِرها الله على مَنْ بلغ أنه مُرْسَل منه سبحانه، وتقوم مقام القول «صدق عبدي فيما بلغ عنِّي».
وإرادة المعجزة ليست في المعنى الجزئي؛ بل في المعنى الكُليّ لها. والمثل في المعجزات البارزة واضح؛ فهاهي النار التي أَلْقَوْا فيها إبراهيم عليه السلام، ولو كان القَصْد هو نجاته من النار؛ لكانت هناك ألفُ طريقة ووسيلة لذلك؛ كأنْ تُمطِر الدنيا؛ أو لا يستطيعون إلقاء القبض عليه.
ولكن الحق سبحانه يوضح لهم من بعد أن أمسكوا به، ومن بعد أن كبَّلوه بالقيود، ومن بعد أن ألقوْه في النار؛ ويأتي أمره بأن تكون النار بردًا وسلامًا عليه فلا تحرقه: {قُلْنَا يانار كُونِي بَرْدًا وسلاما على إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]
وهكذا غيّر الحق سبحانه الناموس وخَرَقه؛ وذلك كي يتضح لهم صِدْق إبراهيم فيما يبلغ عن الله؛ فقد خرَق له الحق سبحانه النواميس دليلَ صحة بلاغه.
وإذا كان الحق سبحانه قد قال هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ...} [الرعد: 43]
وشهادة الحق سبحانه لرسوله بصدق البلاغ عنه؛ تتمثل في أنه صلى الله عليه وسلم قد نشأ بينهم، وأمضى أربعين عامًا قبل أن ينطق حرفًا يحمل بلاغه أو خطبة أو قصيدة، ولا يمكن أن تتأخرَ عبقرياتُ النبوغ إلى الأربعين.
وشاء الحق سبحانه أن يجري القرآن على لسان رسوله في هذا العمر ليبلغ محمد صلى الله عليه وسلم الناسَ جميعًا به، وهذا في حَدِّ ذاته شهادة من الله.
ويضيف سبحانه هنا: {... وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43]
والمقصود بالكتاب هنا القرآن؛ ومَنْ يقرأ القرآن بإمعان يستطيع أن يرى الإعجاز فيه؛ ومَنْ يتدبر ما فيه من مَعَانٍ ويتفحَّص أسلوبه؛ يجده شهادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أو يكون المقصود بقوله الحق: {... وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43]
أي: هؤلاء الذين يعلمون خبر مَقْدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوراة والإنجيل؛ لأن نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته مذكورة في تلك الكتب السابقة على القرآن؛ لدرجة أن عبد الله بن سلام، وقد كان من أحبار اليهود قال: لقد عرفت محمدًا حين رأيته كمعرفتي لابني ومعرفتي لِمُحمد أشد.
ولذلك ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله إن نفسي مالتْ إلى الإسلام، ولكن اليهود قوم بُهَتٌ، فإذا أعلنتُ إسلامي؛ سيسبُّونني، ويلعنوني، ويلصقون بي أوصافًا ليست فيّ. وأريد أنْ تسألهم عنِّي أولًا. فأرسل لهم رسول الله يدعو صناديدهم وكبار القوم فيهم؛ وتوهموا أن محمدًا قد يلين ويعدل عن دعوته؛ فجاءوا وقال لهم صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون في ابن سلام؟» فأخذوا يكيلون له المديح؛ وقالوا فيه أحسن الكلام.
وهنا قال ابن سلام: «الآن أمامكم، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله»، فأخذوا يسبُّون ابن سلام؛ فقال ابن سلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أَقُلْ إن يهود قوم بهت.
ونعلم أن الذين كانوا يفرحون من أهل الكتاب بما ينزله الحق سبحانه على رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحي هم أربعون شخصًا من نصارى نجران؛ واثنان وثلاثون من الحبشة؛ وثمانية من اليمن.
ونعلم أن الذين أنكروا دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينهوْنَ بعضهم البعض عن سماع القرآن؛ وينقل القرآن عنهم ذلك حين قالوا: {... لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]
وهذا يعني أنهم كانوا متأكدين من أن سماع القرآن يُؤثِّر في النفس بيقظة الفطرة التي تهفو إلى الإيمان به.
أما مَنْ عندهم عِلْم بالكتب السابقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يعلمون خبر بعثته وأوصافه من كتبهم.
يقول الحق سبحانه: {الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ...} [البقرة: 146]
ويقول أيضًا: {... فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ الله عَلَى الكافرين} [البقرة: 89]. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الحق}
يعني: يعلم أن القرآن الذي أنزل من الله تعالى هو الحق: {كَمَنْ هُوَ أعمى} يعني: كمن هو لا يعلم.
ويقال: {أَفَمَن يَعْلَمُ} أن ما ذكر من المثل حق كمن لا يعلم.
وهذا كقوله: {إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْىِ أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين} [البقرة: 26] يعني: المثل.
ويقال: أفمن يرغب في الحق حتى يعلم أن ما أنزل إليك من ربك هو الحق: {كَمَنْ هُوَ أعمى} يعني: كمن لا يرغب فيه: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الالباب} يعني: يتعظ بما أنزل إليك من القرآن ذوو العقول من الناس، وهم المؤمنون.
ثم وصفهم فقال: {الذين يُوفُونَ بِعَهْدِ الله} يعني: العهد الذي بينهم وبين الله تعالى والعهد الذي بينهم وبين الناس: {وَلاَ يِنقُضُونَ الميثاق} يعني: الميثاق الذي أخذ عليهم.
يوم الميثاق.
ويقال: يعني: أهل الكتاب الميثاق الذي أخذ عليهم في كتابهم.
قوله: {والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} يعني: يصلون الأرحام، ولا يقطعونها، وقال: يعني: الإيمان بجميع الأنبياء: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} يعني: يمتنعون عما نهاهم الله تعالى عنه، والخشية من الله، الامتناع عن المحرمات والمعاصي: {وَيَخَافُونَ سُوء الحِسَابِ} يعني: شدته: {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ} يعني: صبروا عن المعاصي، وصبروا عن أداء الفرائض، وصبروا على المصائب والشدائد، وصبروا على أذى الكفار والمنافقين: {ابتغاء وَجْهِ رَبّهِمْ} يعني: صبروا على طلب مرضاة الله تعالى: {والذين يُمَسّكُونَ} يعني: أتموها بركوعها، وسجودها في مواقيتها: {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} يعني: من الأموال: {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} يعني: يتصدقون في الأحوال كلها ظاهرًا، وباطنًا.
ويقال: مرة يتصدقون سرًا مخافة الرياء، ومرة يتصدقون علانية لكي يقتدى بهم.
ويقال: يتصدقون صدقة التطوع في السر، وزكاة الفريضة علانية: {وَيَدْرَءونَ بالحسنة السيئة} يقول: يدفعون بالكلام الحسن السيئة.
يعني: الكلام القبيح.
فهذا كله صفة ذوي الألباب، وهم الذين استجابوا لربهم.
ثم بيّن ثوابهم، ومرجعهم في الآخرة فقال: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عقبى الدار} يعني: لهم الجنة، وهم المهاجرون، والأنصار، ومن كان في مثل حالهم إلى يوم القيامة فقال تعالى: {جنات عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} يعني: ومن آمن، وأطاع الله تعالى: {مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وذرياتهم} يدخلون أيضًا جنات عدن وهذا كقوله: {والذين ءَامَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا ألتناهم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شيء كُلُّ امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} [الطور: 21]: {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} ويسلمون عليهم، ويقولون: {سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} على أمر الله تعالى وطاعته: {فَنِعْمَ عقبى الدار} يعني: نعم العاقبة الجنة.