فصل: (سورة الرعد: آية 40)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الرعد: آية 40]

{وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (40)}
{وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ} وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم. أو توفيناك قبل ذلك، فما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب، وعلينا لا عليك حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم، فلا يهمنك إعراضهم، ولا تستعجل بعذابهم.

.[سورة الرعد: آية 41]

{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (41)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ} أرض الكفر {نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها} بما نفتح على المسلمين من بلادهم، فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات النصرة والغلبة ونحوه {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُون}، {سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ} والمعنى: عليك بالبلاغ الذي حملته، ولا تبهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره، فإن ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. وقرئ: {ننقصها}، بالتشديد {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} لا رادّ لحكمه. والمعقب: الذي يكرّ على الشيء فيبطله. وحقيقته: الذي يعقبه أى يقفيه بالردّ والإبطال. ومنه قيل لصاحب الحق: معقب، لأنه يقفى غريمه بالاقتضاء والطلب. قال لبيد:
طَلَبُ الْمُعَقِّبِ حَقّهُ الْمَظْلُومُ

والمعنى: أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس {وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ} فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا. فإن قلت: ما محل قوله: {لا معقب لحكمه}؟ قلت: هو جملة محلها النصب على الحال، كأنه قيل: واللّه يحكم نافذًا حكمه، كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة، تريد حاسرًا.

.[سورة الرعد: آية 42]

{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)}
{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وصفهم بالمكر، ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره فقال: {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} ثم فسر ذلك بقوله: {يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} لأنّ من علم ما تكسب كل نفس، وأعدّ لها جزاءها فهو المكر كله، لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون. وهم في غفلة مما يراد بهم. وقرئ: {الكفار}. و{الكافرون}. و{الذين كفروا}. و{الكفر} أى أهله، والمراد بالكافر الجنس: وقرأ جناح بن حبيش، و{سيعلم الكافر}، من أعلمه أى سيخبر.

.[سورة الرعد: آية 43]

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (43)}
{كَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا} لما أظهر من الأدلة على رسالتي {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ} والذي عنده علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز الفائت لقوى البشر. وقيل: ومن هو من علماء أهل الكتاب الذين أسلموا. لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم: وقيل هو اللّه عز وعلا والكتاب: اللوح المحفوظ. وعن الحسن: لا واللّه ما يعنى إلا اللّه. والمعنى: كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح إلا هو، {شهيدًا بيني وبينكم}. وتعضده قراءة من قرأ {ومن عنده علم الكتاب}، على {من} الجارّة، أى. ومن لدنه علم الكتاب، لأن علم من علمه من فضله ولطفه. وقرئ: {ومن عنده علم الكتاب} على {من} الجارّة. وعلم، على البناء للمفعول. وقرئ: {وبمن عنده علم الكتاب}. فإن قلت: بم ارتفع {علم الكتاب}؟ قلت: في القراءة التي وقع فيها عنده صلة يرتفع العلم بالمقدّر في الظرف، فيكون فاعلا، لأنّ الظرف إذا وقع صلة أوغل في شبه الفعل لاعتماده على الموصول، فعمل عمل الفعل، كقولك: مررت بالذي في الدار أخوه، فأخوه فاعل، كما تقول: بالذي استقرّ في الدار أخوه. وفي القراءة التي لم يقع فيها عنده صلة يرتفع العلم بالابتداء.
عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «من قرأ سورة الرعد أعطى من الأجر عشر حسنات بوزن كل سحاب مضى وكل سحاب يكون إلى يوم القيامة، وبعث يوم القيامة من الموفين بعهد اللّه». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
التفسير:
عن ابن عباس والحسن: {أرسلناك} كما أرسلنا الأنبياء قبلك: {في أمة قد خلت من قبلها أمم} وقال آخرون: معنى التشبيه كما أرسلنا إلى أمم وآتيناهم كتبًا تتلى عليهم كذلك آتيناك هذا الكتاب وأنت تتلوه عليهم فلم اقترحوا غيره؟ وقال في الكشاف: معناه مثل ذلك الإرسال أرسلناك يعني أرسلناك إرسالًا له شأن وفضل على سائر الإرسالات. ثم فسر كيف أرسله فقال: {في أمة قد خلت من قبلها أمم} كثيرة فهي آخر الأمم وأنت خاتم الأنبياء. ثم ذكر مقصود الإرسال فقال: {لتتلو} أي لتقرأ: {عليهم} الكتاب العظيم: {الذي أوحينا إليك وهم يكفرون} وحال هؤلاء أنهم يكفرون: {بالرحمن} للمفسيرين خلاف في تخصيص لفظ الرحمن بالمقام فقال جار الله: المراد كفرهم بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء وما بهم من نعمة فمنه، فكفروا بنعمته في إرسال مثلك إليهم وإنزال مثل هذا القرآن المعجز المصدق لسائر الكتب عليهم.
وعن ابن عباس في رواية الضحاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن فقالوا وما الرحمن؟ فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: {قل} لهم إن الرحمن الذين أنكرتم معرفته: {هو ربي لا إله إلا هو} الواحد القهار المتعالي عن الشركاء. {عليه توكلت} في نصرتي عليكم: {وإليه متاب} رجوعي فيثيبني على مصابرتكم. وقيل: نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة- يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب باسمك اللَّهم وهكذا كان أهل الجاهلية يكتبون. فأنزل الله الآية. فعلى هاتين الروايتين كان الذم متوجهًا على كفرهم بإطلاق هذا الاسم على غير الله تعالى لا على جحودهم أو إِشراكهم. روي أن أهل مكة قعدوا في فناء الكعبة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهم الإسلام فقال له رؤساؤهم- كأبي جهل وعبد الله بن أمية المخزومي- سير لنا جبال مكة حتى ينفسح المكان علينا واجعل لنا فيها أنهارًا نزرع فيها، وأحي لنا بعض أمواتنا لنسألهم أحق ما تقوله أم باطل فقد كان عيسى يحيي الموتى، أو سخر لنا الريح حتى نركبها ونسير في البلاد فقد كانت الريح مسخرة لسليمان ولست بأهون على ربك منه فنزل قوله: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} عن مقارها وأزيلت عن مراكزها: {أو قطعت به الأرض} أي وقع به السير في البلاد فوق المعتاد شبه طي الأرض أو شققت فجعلت أنهارًا وعيونًا: {أو كلم به الموتى} بعد إحيائهم به لكن هذا القرآن. قال الراوي: لما سري عن رسول الله عليه وسلم بعد نزول هذا الوحي قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ولكنه خيرني بين أن تدخلوا باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم ثم إن كفرتم يعذبكم عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين فاخترت باب الرحمة. وقال الزجاج: معناه ولو أن قرآنًا وقع به تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى أي تنبيههم لما آمنوا به كقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} [الأنعام: 111] الآية. وقال في الكشاف: هذه الآية لبيان تعظيم شأن القرآن. ومعنى تقطيع الأرض تصدعها كقوله: {ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا} [الحشر: 21] ونقل في الكشاف عن الفراء أن الآية تتعلق بما قبلها والمعنى وهم يكفرون بالرحمن. وبمدلول هذا الكلام وهو قوله: {ولو أن قرآنًا سيرت به الجبال} وما بينهما اعتراض. ثم قال ردًا عليهم: {بل لله الأمر جميعًا} قال أهل السنة: يعني إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ولا اعتراض لأحد عليه.
وقالت المعتزلة: له القدرة على الآيات التي اقترحتموها إلا أن علمه بأن إظهار مفسدة يصرفه، أوله أن يلجئهم إلى الإيمان إلا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار. قالوا: ويعضده قوله: {أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله} مشيئة الإلجاء: {لهدى الناس جميعًا} أولو يشاء لهداهم إلى الجنة، أو المراد نفي العموم لا عموم النفي وذلك أنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين. أجاب أهل السنة بأن كل هذا خلاف الظاهر.
ومعنى: {أفلم ييأس} أفلم يعلم. وهذا لغة قوم من النخع. وقال الزجاج: إنه مجاز لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون نظيره استعمال الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمنهما إياهما، ويؤيده قراءة علي عليه السلام وابن عباس وجماعة: {أفلم يتبين} وهو تفسير: {أفلم ييأس}. وقيل: إن قراءتهم أصل والمشهورة تصحيف وقع من جهة أن الكاتب كتبه مستوي السينات. وهذا القول سخيف جدًا والظن بأولئك الثقات الحفظة غير ذلك ولهذا قال في الكشاف: هذه والله فرية ما فيها مرية. وجوز أن يتعلق: {أن لو يشاء} ب: {آمنوا} معناه أفلم يقنط من إيمان هؤلاء الكفرة الذين آمنوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعًا. ثم أوعد الكافرين بقوله: {ولا يزال الذين كفروا} يعني عامة الكفار: {تصيبهم بما صنعوا} من كفرهم وسوء أعمالهم: {قارعة} داهية تقرعهم من السبي والقتل: {أو تحل} القارعة: {قريبًا من دارهم} فيتطاير إليهم شررها. {حتى يأتي وعد الله} وهو إسلامهم أو موتهم أو القيامة. وقيل: خاصة في أهل مكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يبعث السرايا حول مكة فتغير عليهم وتختطف منهم، وعلى هذا احتمل أن يكون قوله: {أو تحل} خطابًا أي تحل أنت يا محد قريبًا من دراهم بجيشك كما في يوم الحديبية حتى يأتي وعد الله وهو فتح مكة، وكان قد وعده الله الفتح عمومًا وخصوصًا وكان كما وعد وكان معجزًا: {إن الله لا يخلف الميعاد} قد مر البحث في أول سورة آل عمران ثم ازداد في الوعيد فقال: {ولقد استهزئ} الآية. والإملاء الإمهال وقد مر هناك. والاستفهام في قوله: {فكيف كان عقاب} للتقرير والتهديد. ثم أورد على المشركين ما يجري مجرى الحجاج والتوبيخ والتعجب من عقولهم فقال: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت} ومعنى القائم الحفيظ والرقيب أي الله العالم بكل المعلومات القادر على كل الممكنات كمن ليس كذلك. وجوز في الكشاف أن يقدر الخبر بحيث يمكن عطف وجعلوا عليه التقدير: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه وجعلوا له شركاء فيكون قوله: {لله} من وضع الظاهر مقام الضمير، وذكر السيد صاحب حل القعد أنه يجوز أن يجعل الواو في قوله: {وجعلوا لله} للحال ويضمر للمبتدأ خبر يكون المبتدأ معه جملة مقررة لإنكار ما يقارنها من الحال والتقدير: أفمن هو قائم على كل نفس موجود والحال أنهم جعلوا له: {شركاء} فأقيم الظاهر مقام المضمر كما قلنا تقريرًا للإلهية وتصريحًا بها وإنه هو الذي يستحق العبادة وحده وهذا كما تقول معطي الناس ومغنيهم موجود ويحرم مثلي.
ثم زاد في المحاجة فقال: {قل سموهم} أي جعلتم له شركاء فسموهم له من هم وأنبئوه بأسمائهم. وإنما يقال ذلك في الشيء المستحقر الذي لا يستحق أن يلتفت إليه فيقال: سمه إن شئت يعني أنه أخس من أن يسمى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسمًا فافعل. وقيل: المراد سموهم بالآلهة على سبيل التهديد.
قال في الشكاف: {أم} في قوله: {أم تنبئونه} منقطعة كقولك للرجل قل لي من زيد أم هو أقل من أن يعرف. أقول: وذلك لأنه لا شيء محض إذ لو كان الشريك موجودًا وهو أرضيّ لتعلق به علم العالم بالذات المحيط بجميع السفليات ونحوه: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم} [يونس: 18] وقد مر في أول يونس. ثم أكد هذا المعنى بقوله: {أم بظاهر من القول} أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من الكلام من غير أن يكون له حقيقة كقوله: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها} [يوسف: 40] وهذا الاحتجاج من أعاجيب الأساليب التي اختص بها القرآن الكريم المعجز فللَّه در شأن التنزيل. ثم بين سوء طريقتهم فقال: {بل للذين كفروا مكرهم} قال الواحدي: معنى {بل} هاهنا كما يقال دع ذكر الدليل فإنه لا فائدة فيه إنه كذا وكذا. والكلام في أن المزين هو الله تعالى أو غيره قد مر في أول سورة آل عمران، وكذا البحث فيمن قرأ: {وصدوا} بضم الصاد، وأما من قرأ بالفتح فيحتمل أن يكون لازمًا أي أعرضوا عنه، ويحتمل أن يكون متعديًا أي صرفوا غيرهم، والخلاف في قوله: {ومن يضلل الله} تقدم في مواضع منها آخر الأعراف ثم عاد إلى الإيعاد فقال: {لهم عذاب في الحياة الدنيا} من القتل والقتال واللعن والذم لا المصائب والأمراض لأنها قد تصيب المؤمنين أيضًا، ولأنها مأمور بالصبر عليها والعقاب لا يكون كذلك: {ولعذاب الآخرة أشق} لأنه أشد وأدوم: {وما لهم من الله} أي من عذابه: {من واق} من حافظ أو ما لهم من جهة الله واق أي دافع ومانع من رحمته بل إنما يمنع رحمته منهم باختياره وحكمه. ثم عقب الوعيد بالوعد فقال: {مثل الجنة} وتقديره عند سيبويه فيما قصصنا عليكم في الجنة. وقال غيره: الخبر: {تجري} كما تقول صفة زيد أسمر. وقال الزجاج: إنه تمثيل للغائب بالشاهد ومعناه مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار.
وقيل: إن فائدة الخبر ترجع إلى قوله: {أكلها دائم} كأنه قال مثل الجنة: {التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار} كما تعلمون من حال جناتكم إلا أن هذه: {أكلها دائم} كقوله: {لا مقطوعة ولا ممنوعة} [الواقعة: 33]: {وظلها} دائم أيضًا. والمراد أنه لا حر هناك ولا برد ولا شمس ولا قمر ولا ظلمة، وقد مر هذا البحث في سورة النساء في قوله: {وندخله ظلًا ظليلًا} [الآية: 57] قيل: في الآية دلالة على أن حركات الجنة لا تنتهي إلى سكون دائم كما يقوله أبو الهذيل وأتباعه. قال القاضي: وفيها دليل على أن الجنة لم تخلق بعد وإلا انقطع أكلها لقوله تعالى: {كل من عليها فان} [الرحمن: 26]،: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88] قال: ولم ننكر أن تحصل الآن في السموات جنات تتمتع بها الملائكة ومن يعد حيًا من الأنبياء والشهداء وغيرهم إلا أن جنة الخلد خاصة إنما تخلق بعد الإعادة. وأجيب بأننا نخصص عموم كل شيء هالك بالدليل الدال على أن الجنة مخلوقة وهو قوله: {أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].