فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



34- ثم قال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [آية 41] قيل إنما دعا بهذا أولا فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقيل يعني بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير {اغفر لي الوالدي} يعني أباه وقرأ النخعي ويحيى بن يعمر {اغفر لي ولولدي} يعني ابنيه.
35- وقول جل وعز: {مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم} [آية 43] قوله مهطعين قال مجاهد وابو الضحى أي مديمي النظر وقال قتادة أي مسرعين والمعروف في اللغة أن يقال أهطع إذا أسرع قال أبو عبيدة وقد يكون الوجهان جميعا يعني الإسراع مع إدامة النظر.
36- ثم قال تعالى: {مقنعي رؤسهم} [آية 43] قال مجاهد أي رافعيها وقال قتادة المقنع الرافع رأسه شاخصا ببصره لا يطرف قال أبو جعفر وهذا قول أهل اللغة إلا أن أبا العباس قال يقال اقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلا وخضوعا قال وقد قيل في الآية القولان جميعا قال ويجوز أن يرفع راسه مديما لنظر ثم يطاطئه حديث خضوعا وذلا قال أبو جعفر والمشهور في اللغة ان يقال للرافع راسه مقنع وروي انهم لا يزالون يرفعون رؤسهم وينظرون ما يأتي من عند الله جل وعز وأنشد أهل اللغة:
يباكرن العضاه بمقنعات ** نواجذهن كالحدإ الوقيع

يصف أبلا وأنهن رافعات رؤسهن كالفؤوس عند ومنه قيل مقنعة لارتفاعها ومنه قنع الرجل إذا رضي وقنع إذا سال أي أتى ما يتقنع منه.
37- وقوله جل وعز: {لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} [آية 43] روى سفيان عن أبي إسحاق عن مرة وأفئدتهم هواء قال متخرقة لا تعي شيئا يعني من الخوف وروى حجاج عن ابن جريج قال هواء ليس فيها شيء من الخير كما يقال للبيت الذي ليس فيه شيء هواء وقيل وصفهم بالجبن والفزع أي قلوبهم منخوبة وأصل الهواء في اللغة المجوف الخالي ومنه قول زهير:
كان الرحل منها فوق صعل ** من الظلمان جؤجؤه هواء

أي ليس فيها مخ ولا شيء وقال حسان:
ألا ابلغ أبا سفيان عني ** فأنت مجوف نخب هواء

38- وقوله جل وعز: {وأنذر الناس يوم ياتيهم العذاب} [آية 44] أي خوفهم.
39- وقوله جل وعز: {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال} [آية 44] قال مجاهد أي أقسمتم انكم لا تموتون لقريش.
40- وقوله جل وعز: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [آية 46]
قرأ عمر بن الخطاب رحمه الله عليه {وإن كاد} بالدال وقرأ علي بن أبى طالب رضوان الله عليه {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} بفتح اللام ورفع الفعل و{كاد} بالدال هذا المعروف من قراءته والمشهور من قراءة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس {وإن كاد} بالدال وقرأ مجاهد {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} وهي قراءة الكسائي ومجاهد {وإن} معناها لو أي ولو كان مكرهم لتزول منه الجبال لم يبلغوا هذا ولن يقدروا على الإسلام وقد شاء الله تبارك وتعالى ان يظهره على الدين كله قال أبو جعفر وهذا معروف في كلام العرب كما يقال لو بلغت أسباب السماء وهو لا يبلغها فمثله هذا وروي في قراءة أبي بن كعب رحمه الله {ولولا كلمة الله لزال مكرهم الجبال} وقال قتادة {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} قال حين دعوا لله ولد وقد قال سبحانه: {تكاد السموات يتفطرن منه} ومن قرأ {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} ذهب إلى ان المعنى ما كان مكرهم ليزول به القرآن على تضعيفه وقد ثبت ثبوت الجبال وقال الحسن مكرهم أوهى وأضعف من أن تزول منه الجبال وقرأ بهذه القراءة وقد قيل في معنى الرفع قول آخر يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان نمروذ لما جوع النسور وعلق لها اللحم في الرماح فاستعلى فيل فقيل له أين تريد أيها الفاسق فاهبط قال فهو قوله جل وعز: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} وقال عبد الله بن عباس مكرهم هاهنا شركهم وهو مثل قوله تعالى: {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا}.
41- وقوله جل وعز: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} [آية 48] روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم حرام ولا يفعل فيها خطيئة وقال جابر سالت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ثم قرأ {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام} حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال نا يوسف بن عدي قال حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال على الصراط وقال الحسن تبدل تلأرض كما يقول القائل لقد تبدلت يدينا قال تذهب شمسها وقمرها ونجومها وأنهارها وجبالها فذلك هو التبديل.
42- وقوله جل وعز: {وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد} [آية 49] قال قتادة في الأغلال والأقياد.
43- وقوله جل وعز: {سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار} [آية 50] قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل: {وأسلنا له عين القطر} وقرأ ابن عباس وعكرمة {سرابيلهم من قطر آن} وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} والسرابيل القمص وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم [آية 49] قال قتادة في الأغلال والأقياد.
44- وقوله جل وعز: {سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار} [آية 50] قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل: {وأسلنا له عين القطر} وقرأ ابن عباس وعكرمة {سرابيلهم من قطر آن} وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} والسرابيل القمص وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة إبراهيم:
قول اللّه عزّ وجلّ: {إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [1] {اللَّهِ الَّذِي} [2].
يخفض في الإعراب ويرفع. الخفض على أن تتبعه: {الْحَمِيدِ} والرّفع على الاستئناف لانفصاله من الآية كقوله عزّ وجلّ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} إلى آخر الآية، ثم قال: {التَّائِبُونَ} وفى قراءة عبد اللّه: {التائبين} كل ذلك صواب.
وقوله: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [4]}.
يقول: ليفهمهم وتلزمهم الحجّة. ثم قال عزّ وجلّ: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ} فرفع لأنّ النيّة فيه الاستئناف لا العطف على ما قبله. ومثله: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ} ومثله في براءة: {قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} ثم قال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ} فإذا رأيت الفعل منصوبا وبعده فعل قد نسق عليه بواو أو فاء أو ثمّ أو أو فإن كان يشاكل معنى الفعل الذي قبله نسقته عليه. وإن رأيته غير مشاكل لمعناه استأنفته فرفعته.
فمن المنقطع ما أخبرتك به. ومنه قول اللّه عز وجل: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ} رفعت: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ} لأنها لا تشاكل: {أَنْ يَتُوبَ} ألا ترى أن ضمّك إيّاهما لا يجوز، فاستأنفت أو رددته على قوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ} ومثله: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} فيأبى في موضع رفع لا يجوز إلا ذلك.
ومثله قوله:
والشعر لا يسطيعه من يظلمه ** يريد أن يعربه فيعجمه

وكذلك تقول: آتيك أن تأتينى وأكرمك فتردّ أكرمك على الفعل الأول لأنه مشاكل له وتقول آتيك أن تأتينى وتحسن إلىّ فتجعل وتحسن مردودا على ما شاكلها ويقاس على هذا.
وقوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [5].
يقول: خوّفهم بأيّام عاد وثمود وأشباههم بالعذاب وبالعفو عن آخرين. وهو في المعنى كقولك: خذهم بالشدّة واللين.
وقوله هاهنا: {وَيُذَبِّحُونَ} [6] وفى موضع آخر: {يذبحون} بغير واو وفى موضع آخر.{يقتلون} بغير واو. فمعنى الواو أنهم يمسّهم العذاب غير التذبيح كأنه قال: يعذبونكم بغير الذبح وبالذبح. ومعنى طرح الواو كأنه تفسير لصفات العذاب. وإذا كان الخبر من العذاب أو الثواب مجملا في كلمة ثم فسرته فاجعله بغير الواو. وإذا كان أوّله غير آخره فبالواو. فمن المجمل قول اللّه عز وجل: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثامًا} فالأثام فيه نيّة العذاب قليله وكثيره. ثم فسّره بغير الواو فقال: {يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} ولو كان غير مجمل لم يكن ما ليس به تفسيرا له، ألا ترى أنك تقول عندى دابّتان بغل وبرذون ولا يجوز عندى دابّتان وبغل وبرذون وأنت تريد تفسير الدّابتين بالبغل والبرذون، ففى هذا كفاية عمّا نترك من ذلك فقس عليه.
وقوله: {وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} يقول: فيما كان يصنع بكم فرعون من أصناف العذاب بلاء عظيم من البليّة. ويقال: في ذلكم نعم من ربّكم عظيمة إذ أنجاكم منها. والبلاء قد يكون نعما، وعذابا. ألا ترى أنك تقول: إن فلانا لحسن البلاء عندك تريد الإنعام عليك.
وقوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} [7] معناه: أعلم ربّكم وربما قالت العرب في معنى أفعلت تفعّلت فهذا من ذلك واللّه أعلم. ومثله: أوعدنى وتوعّدنى وهو كثير.
وقوله: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ} [9] جاء فيها أقاويل. حدثنا محمّد قال حدّثنا الفراء قال: حدّثنى حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عباس قال: كانوا إذا جاءهم الرسول قالوا له: اسكت وأشاروا بأصابعهم إلى أفواه أنفسهم كما تسكّت أنت- قال: وأشار لنا الفراء بأصبعه السبّابة على فيه- ردّا عليهم وتكذيبا. وقال بعضهم: كانوا يكذّبونهم ويردّون القول بأيديهم إلى أفواه الرسل وأشار لنا الفراء هكذا بظهر كفه إلى من يخاطبه. قال: وأرانا ابن عبد اللّه الإشارة في الوجهين وأرانا الشيخ ابن العباس بالإشارة بالوجهين وقال بعضهم: فردّوا أيديهم في أفواههم يقول ردّوا ما لو قبلوه لكان نعما وأيادى من اللّه في أفواههم، يقول بأفواههم أي بألسنتهم. وقد وجدنا من العرب من يجعل في موضع الباء فيقول: أدخلك اللّه بالجنّة يريد: في الجنة. قال: وأنشدنى بعضهم:
وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ** ولكنّنى عن سنبس لست أرغب

فقال: أرغب فيها يعنى بنتا له. أي إنى أرغب بها عن لقيط.
وقوله: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} [13] قال: {أَوْ لَتَعُودُنَّ} فجعل فيها لا ما كجواب اليمين وهى في معنى شرط، مثله من الكلام أن تقول: واللّه لأضربنّك أو تقرّ لى: فيكون معناه معنى حتّى أو إلّا، إلا أنها جاءت بحرف نسق. فمن العرب من يجعل الشرط متبعا للذى قبله، إن كانت في الأول لام كان في الثاني لام، وإن كان الأول منصوبا أو مجزوما نسقوا عليه كقوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ} ومن العرب من ينصب ما بعد أو ليؤذن نصبه بالانقطاع عمّا قبله. وقال الشاعر:
لتقعدنّ مقعد القصىّ ** منّى ذي القاذورة المقلىّ

أو تحلفي بربّك العلىّ ** أنيّ أبو ذيّالك الصبىّ

فنصب تحلفي لأنه أراد: أن تحلفي. ولو قال أو لتحلفنّ كان صوابا ومثله قول امرئ القيس:
بكى صاحبى لمّا رأى الدرب دونه ** وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا

فقلت له لا تبك عينك إما ** نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

فنصب آخره ورفع نحاول على معنى إلّا أو حتى. وفى إحدى القراءتين: {تقاتلونهم أو يسلموا} والمعنى- واللّه أعلم- تقاتلونهم حتى يسلموا. وقال الشاعر:
لا أستطيع نزوعا عن مودّتها ** أو يصنع الحبّ بي غير الذي صنعا

وأنت قائل في الكلام: لست لأبى إن لم أقتلك أو تسبقنى في الأرض فتنصب تسبقنى وتجزمها. كأنّ الجزم في جوازه: لست لأبى إن لم يكن أحد هذين، والنصب على أنّ آخره منقطع عن أوّله كما قالوا: لا يسعنى شيء ويضيق عنك، فلم يصلح أن تردّ لا على ويضيق فعلم أنها منقطعة من معناها. كذلك قول العرب: لو تركت والأسد لأكلك لمّا جاءت الواو تردّ اسما على اسم قبله، وقبح أن تردّ الفعل الذي رفع الأوّل على الثاني نصب ألا ترى أنك لا تقول لو تركت وترك الأسد لأكلك. فمن هاهنا أتاه النصب. وجاز الرفع لأن الواو حرف نسق معروف فجاز فيه الوجهان للعلّتين.
وقوله: {ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي} [14] معناه: ذلك لمن خاف مقامه بين يدىّ ومثله قوله: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} معناه: رزقى إيّاكم أنكم تكذّبون والعرب تضيف أفعالها إلى أنفسها وإلى ما أوقعت عليه، فيقولون: قد ندمت على ضربى إيّاك وندمت على ضربك فهذا من ذلك واللّه أعلم.