فصل: قال الدمياطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بُكَير: {فِي يَوْمِ عَاصِفٍ} بالإضافة.
قال أبو الفتح: هذا على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: في يوم ريح عاصف، وحسن حذف الموصوف هنا شيئًا؛ لأنه قد أُلف حذفه في قراءة الجماعة: {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ}.
فإن قيل: فإذا كان {عاصف} قد جرى وصفًا على {يوم} فكيف جاز إضافة {يوم} إليه، والموصوف لا يصاف إلى صفته؛ إذ كانت هي هو في المعنى؛ والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ ألا تراك لا تقول: هذا رُجُلُ عاقلٍ، ولا غلامُ ظريفٍ، وأنت تريد الصفة؟ قيل: جاز ذلك من حيث كان اليوم غير العاصف في المعنى وإن كان إياه في اللفظ؛ لأن العاصف في الحقيقة إنما هو الريح لا اليوم، وليس كذلك هذا رُجُلُ عاقلٍ؛ لأن الرجل هو العاقل في الحقيقة، والشيء لا يضاف إلى نفسه، فهذا فرق.
ومن ذلك قراءة السلمي: {أَلَمْ تَرْ أَنَّ اللَّهَ}5 ساكنة الراء.
قال أبوالفتح: فيها ضعف؛ لأنه إذا حذف الألف للجزم فقد وجب إبقاؤه للحركة قبلها دليلًا عليها، وكالعوض منها لاسيما وهي خفيفة، إلا أنه شبه الفتحة بالكسرة المحذوفة في نحو هذا استخفافًا. أنشد أبو زيد:
قالت سليمى اشْتَرْ لنا دقيقا

وأنشدنا أيضًا:
قالت سليمى كَلْمَةً تَلجْلَجَا ** لو طُبخ النِّيء به لَأُنْضِجَا

يا شيخ لابد لنا أن نَحْجُجَا ** قد حج في ذا العامِ مَن كان رَجا

فاكْتَرْ لنا كَرِيَّ صدق فالنَّجا ** واحذر فلا تَكْتَرْ كَرِيًّا أَعْوجَا

عِلْجًا إذا ساق بنا عَفَنْجَجَا

فأسكن الراء من اشترْ واكترْ استخفافًا، أو إجراء للوصل على حد الوقف. وروينا عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى قول الشاعر:
ومن يتَّقْ فإن الله معه ** ورِزقُ الله مُؤتابٌ وغادِي

فأسكن قاف يتقْ لما ذكرنا، وكذلك شبه السلمى {أَلَمْ تَرْ} بذلك إذا كانت الكسرة أثقل، أو لأنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
ومن ذلك قراءة الحسن: {وَأُدْخِلُ الَّذِينَ} برفع اللام.
قال أبو الفتح: هذه القراءة على أن {أُدْخِلُ} من كلام الله تعالى؛ كأنه قطَع الكلام واستؤنف فقال الله عز وجل: {وَأُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: وأنا أدخلُهم جنات تجرى من تحتها الأنهار بإذن ربهم؛ أي: بإذني، إلا أنه أعاد ذكر الرب ليضيفه إليهم، فتقوى الملابسة باللفظ، فيكون أحنى وأذهب في الإكرام والتقريب منه لهم. ومثله في القرآن: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}1، وقال: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ}2، فهذا كله تحقُّق بالله تعالى، وتقرب منه، وانتساب إليه.
ومن ذلك قراءة أنس بن مالك: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ثابتٍ أَصْلُهَا}.
قال أبو الفتح: قراءة الجماعة: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} أقوى معنى؛ وذلك أنك إذا قلت: ثابت أصلها فقد أجربت ثابتًا صفة على شجرة، وليس الثبات لها؛ إنما هو للأصل. ولعمري إن الصفة إذا كانت في المعنى لِما هو من سبب الموصوف جرت عليه؛ إلا أنها إذا كانت له كانت أخص لفظا به.
وإذا كان الثبات في الحقيقة إنما هو للأصل فالمعتمد بالثبات هو الأصل، فبِقَدْر ذلك ما حسن تقديمه عناية به ومسارعة إلى ذكره، ولأجل ذلك قالوا: زيد ضربته فقدموا المفعول لأن الغرض هنا ليس بذكر الفاعل؛ وإنما هو ذكر المفعول، فقدموه عناية بذكره، ثم لم يُقْنِع ذلك حتى أزالوه عن لفظ الفضلة وجعلوه في اللفظ رَبَّ الجملة، فرفعوه بالابتداء، وصارت الجملة التي إنما كان ذيلًا لها وفضلة ملحقة بها في قولهم: ضربت زيدًا، ثانية له، وواردة في اللفظ بعده، ومسندة إليه، ومخبَرًا بها عنه. وقد تقدم في هذا الكتاب نحو هذا مستقصى.
فكذلك قولك: مررت برجل أبوه قائم، أقوى معنى من قولك: قائم أبوه؛ لأن المخبر عنه بالقيام إنما هو الأب لا رجل؛ ومن هنا ذهب أبو الحسن في نحو قولنا: قام زيد، إلى أن قام في موضع؛ لأنه وقع موقع الاسم؛ لأن تقدير المحدَّث عنه أن يكون أسبق رتبة من الحديث، إلا أن لقراءة أنس هذه وجهًا من القياس حسنًا؛ وذلك أن قوله: ثَابِتٍ أَصْلُها صفة لشجرة، وأصل الصفة أن تكون اسمًا مفردًا لا جملة، يدل على ذلك أن الجملة إذا جرت صفة للنكرة حُكم على موضعها بإعراب المفرد الذي هي واقعة موقعه.
فإذا قال: ثَابِتٍ أصلُها فقد جرى لفظ المفرد صفة على النكرة، وإذا قال: {أصلُها ثابت} فقد وضع الجملة موضع المفرد، فالموضع إذن له لا لها.
فإن قلت: فليس اللفظ مفردًا، ألا ترى أنه ثابت أصلها؟ قيل: هذا لا يبلغ به صورة الجملة؛ لأن ثابتًا جارٍ في اللفظ على ما قبله، وإنما فيه أنه وضع أصلها لتضمنه لفظ الضمير موضع الضمير الخاص بالأول، وليس كذلك {أصلها ثابت}؛ لأن معك صورة الجملة ألبتة، فهذا تقوية لقول أنس.
وكان أبو علي يعتذر من إجازتهم: مررت برجل قائمٌ أبوه، ويقول: إنما ذلك لأن الجملة نكرة، كما أن المفرد هنا لو وقع لم يكن إلا نكرة؛ لأن موصوفه نكرة.
ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن والضحاك ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وعمرو بن فائد ويعقوب: {مِنْ كُلٍّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} بالتنوين.
قال أبو الفتح: أما على هذه القراءة فالمفعول ملفوظ به؛ أي: وآتاكم ما سألتموه أن يؤتيكم منه. وأما على قراءة الجماعة: {مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} على الإضافة فالمفعول محذوف؛ أي: وآتاكم سؤلكم من كل شيء؛ أي: وآتاكم ما ساغ إيتاؤه إياكم أياه منه، فهو كقوله عز وجل: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}2 أي: أوتيت من كل شيء شيئًا. وقد سبق ذكرُنا حذف المفعول للعلم به، وأنه مع ذلك عذْب عالٍ في اللغة.
ومن ذلك قراءة الجحدري والثقفي وأبي الْهَجْهاج: {وَاَجْنِبْنِي} بقطع الألف.
قال أبو الفتح: يقال: جنَبتُ الشيء أَجْنُبُه جُنُوبًا، وتميم تقول: أجنَبْتُهُ أُجْنِبُه إِجْنَابًا؛ أي: نَحَّيته عن الشيء. فجنَبتُهُ كصرفته، وأَجنَبتُهُ جعلته جنِيبًا عنه، وكذلك: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} أي: اصرفني وإياهم عن ذلك، وأَجْنِبني: أي اجعلني كَالْجَنِيبِ لك؛ أي: المنقاد معك عنها.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وأبي جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد- عليهم السلام- ومجاهد: {تَهْوىَ} بفتح الواو، وقرأ مسلمة بن عبد الله: {تُهوَى إليهم}.
قال أبو الفتح: أما قراءة الجماعة: {تَهْوِي إِلَيْهِم} بكسر الواو فتميل إليهم: أي تحبهم، فهذا في المعنى كقولهم: فلان يَنْحَط في هواك؛ أي: يُخلد إليه ويقيم عليه؛ وذلك أن الإنسان إذا أحب شيئًا أكثر من ذكره وأقام عليه، فإذا كرهه أسرع عنه وخف إلى سواه، وعلى ذلك قالوا: أَحبَّ البعيرُ: إذا برك في موضعه، قال:
حُلْت عليه بالقطيع ضَربَا ** ضرب بعير السوء إذا أَحَبَّا

أي: برك.
ومنه قولهم: هَوِيت فلانًا، فهذا من لفظ هَوَى الشيء يَهْوِي، إلا أنهم خالفوا بين المثالين لاختلاف ظاهر الأمرين وإن كانا على معنى واحد متلاقيين، فقراءة علي عليه السلام: {تَهْوَى إليهم} بفتح الواو؛ وهو من هَوِيتُ الشيء إذا أحببته، إلا أنه قال: {إليهم}، وأنت لا تقول: هوِيت إلى فلان؛ لكنك تقول: هويت فلانًا؛ لأنه عليه السلام حمله على المعنى، ألا ترى أن معنى هوِيت الشيء ملت إليه؟ فقال: {تهوَى إليهم} لأنه لاحظ معنى تميل إليهم. وهذا باب من العربية ذو غور، وقد ذكرناه في هذا الكتاب.
ومنه قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}3، عدَّاه بإلىوأنت لا تقول: رَفَثْتُ إلى المرأة، وإنما تقول: رفثتُ بها أو معها؛ لكنه لما كان معنى الرَّفَث معنى الإفضاء عداه بإلى ملاحظة لمعنى ما هو مثله، فكأنه قال: الإفضاء إلى نسائكم، ومنه قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}4 لما كانت التوبة سببًا للعفو لاحظ معناه فقال: عن عباده، حتى كأنه قال: وهو الذي يقبل سبب العفو عن عباده، وقد أفردنا لهذا ونحوه في الخصائص بابًا.
وأما {تُهوَى إليهم} فمنقول من تهوِي إليهم، وإن شئت كان منقولًا من قراءة علي عليه السلام: {تَهْوَى}، كلاهما جائز على ما مضى.
ومن ذلك قراءة يحيى بني يعمر: {ولِوُلْدِي}، وقرأ: {لِوَلَدَيّ} على اثنين الحسين بن علي والزهري وإبراهيم النخعي وأبو جعفر محمد بن علي، وقرأ: {ولِوالِدِي} يعني: أباه وحده سعيد بن جبير.
قال أبو الفتح: الوُلْدُ يكون واحدًا ويكون جمعًا، قال في الواحد:
فليت زيادًا كان في بطن أمه ** وليت زيادًا كان وُلْد حمار

ومن كلام بني أسد: وُلْدُكِ من دمي عقِبيكِ؛ أي: وُلْدُك مَن وَلَدتِهِ فسال دمكِ على عقبيكِ عند ولادته، لا مَن اتخذته وَلَدًا، قريبًا كان منك أو بعيدًا.
وإذا كان جمعًا فهو جمع وَلَد كأَسَد وأُسُد، وخَشبَة وخُشْب. وقد يجوز أن يكون الوُلْد أيضًا جمع وُلْد كالفُلْك في أنه جع الفُلْك، وقالوا: كُور الناقة للواحد والجماعة على هذا، ورجل هُود: أي تائب، وقوم هود. وقول الله تعالى: {مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ}4 أي: رهطه، ويقال: ولَدُه، والوَلَد اسم يجمع الواحد والجماعة والأنثى والذكر. وقالوا: وِلْد أيضًا.
ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود- واختلف عنه- وأبي بن كعب وأبي إسحاق السبيعي: {وإنْ كاد} بالدال {مَكْرُهم لَتزُولُ} بفتح اللام الأولى وضم الثانية.
قال أبو الفتح: هذه {إِنْ} مخففة من الثقيلة، واللام في قوله: {لَتَزُول} هي التي تدخل بعد {إنْ} هذه المخففة من الثقيلة؛ فصلًا بينها وبين {إنْ} التي للنفي في قوله تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}1 أي: ما الكافرون إلا في غرور، فكأنه قال: وإنه كاد مكرهم تزول منه الجبال.
ودخلت يومًا على أبي علي بُعيد عوده من شيراز سنة تسع وستين، فقال لي: ألا أحدثك؟ قلت له: قل! قال: دخل إليَّ هذ الأندلسي فظننته قد تعلم، فإذا هو يظن أن اللام التي تصحب إنْ المخففة من الثقيلة هي لام الابتداء، قلت: لا تعجب، فأكثر مَن ترى هكذا.
ومن ذلك قراءة ابن عباس وأبي هريرة وعلقمة وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن وسنان بن سلمة بن المحبق وعمرو بن عبيد والكلبي وأبي صالح وعيسى الهمداني وقتادة والربيع بن أنس وعمرو بن فائد: {مِنْ قِطْرٍ آنٍ}.
قال أبو الفتح: القِطْر: الصُّفْر والنحاس، هو أيضًا الفِلزُّ، رويناه عن قطرب، وهو أيضًا الصاد، ومنه قدور الصاد؛ أي: قدور الصُّفْر. والآني: الذي قد أنى وأدرك. أَنَى الشيء يأنِي أُنِيًّا وإِنًى مقصور، ومنه قول الله سبحانه: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}6 أي: بلوغه وإدراكه. قال أبو علي: ومنه الإناء؛ لأنه الظرف الذي قد بلغ غايته المرادة فيه من خَرز أو صياغة أو نحو ذلك. قال أمية:
وسليمانُ إذ يَسيل له القِطر ** على ملكه ثلاث ليالِ

وأما القطران ففيه ثلاث لغات: قَطِرَان على فَعِلان، وهو أحد الحروف التي جاءت على فَعِلان؛ وهي: ثلِثَان، وبدِلَان، والشَّقِران. ويقال أيضًا: قَطْرَان بفتح القاف وإسكان الطاء. وقِطْران بكسر القاف وإسكان الطاء. والأصل فيها قَطِرَان فأُسكنا على ما يقال في كَلِمة: كَلْمَة وكِلْمَة، لغة تميمية. قال أبو النجم:
جونٌ كأَن العرَق الْمَنْتُوحَا ** لَبَّسهُ القِطْرَان والْمُسُوحا

وقال النابغة:
وتُخْضَبُ لحية غَدَرَتْ وخانت ** بأحمر من نَجِيع الجوف آنِ

ومن ذلك قراءة يحيى بن عمر الذارع وأحمد بن يزيد بن أسيد السلمي: {ولِيَنْذَرُوا به} بفتح الياء والذال.
قال أبو الفتح: يقال نَذِرتُ بالشيء: إذا علمتَ به فاستعددت له، فهو في معنى فهمته، وعلمت به، وطَبِنْتُ له، وفي وزن ذلك. ولم تستعمل العرب لقولهم: نَذِرت بالشيء مصدرًا، كأنه من الفروع المهجورة الأصول. ومنه عسى لا مصدر لها، وكذلك ليس.
وكأنهم استغنوا عنه بأن والفعل، نحو: سرني أن نَذِرت بالشيء، ويسرني أن تَنْذَر به. اهـ.

.قال الدمياطي:

سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مكية قيل إلا آيتين في كفار قتلى قريش ببدر {ألم تر إلى الذين بدلوا} إلى آخرهما وآيها إحدى وخمسون بصري واثنان كوفي وأربع حرمي وخمس شامي خلافها سبع إلى {النور} معا حرمي وشامي {وعاد وثمود} حرمي وبصري {بخلق جديد} كوفي ودمشقي ومدني أول {وفرعها في السماء} تركها غير أول وغير بصري {وسخر لكم الليل والنهار} شامي {يعمل الظالمون} شامي مشبه الفاصلة سبعة {الر} {الظالمين} {دائبين} {يأتيهم العذاب} {قريب} {والسموات} {من قطران} وعكسه ثلاثة ما يشاء فيها سلام هواء القراآت سبق سكت أبي جعفر على حروف {الر} كإمالة الراء وتقليلها بأول يونس وغيرها.