فصل: (سورة إبراهيم: الآيات 28- 34)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة إبراهيم: الآيات 28- 34]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (33) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}.

.اللغة:

{الْبَوارِ}: الهلاك وفي المصباح: بار الشيء يبور بورا بالضم هلك وبار الشيء بوارا كسد على الاستعارة لأنه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك من هذا الوجه وفي القاموس والتاج: البور بفتح الباء: الأرض قبل أن تصلح للزرع أو التي تجم سنة لتزرع من قابل، والاختبار كالابتيار والهلاك، وأباره اللّه، وكساد السوق كالبوار فيهما وجمع بائر وبالضم الرجل الفاسد والهالك لا خير فيه يستوي فيه الاثنان والجمع والمؤنث، وما بار من الأرض فلم يعمّر كالبائر والبائرة وفي الأساس: فلان له نوره وعليك بوره أي هلاكه وقوم بور وأحلوا دار البوار ونزلت بوار على الكفار قال أبو مكعت الأسدي:
قتلت فكان تظالما وتباغيا ** إن التظالم في الصديق بوار

لو كان أول ما أتيت تهارشت ** أولاد عرج عليك عند وجار

جعلها علما للضباع فاجتمع التعريف والتأنيث ومن المجاز: بارت البياعات كسدت وسوق بائرة وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتعوذ من بوار الأيم وبارت الأرض إذا لم تزرع وأرض بوار وأرضون بور.
{يَصْلَوْنَها}: يدخلونها وفي المصباح صلي بالنار وصليها صليا من باب تعب وجد حرّها والصلاء وزان كتاب حرّ النار وصليت اللحم أصليه من باب رمى إذا شويته.
{خِلالٌ} مخالّة أي صداقة كذا فسرها الزمخشري والجلال وغيرها وهو يقتضي أنها مفرد وفي القرطبي: انه جمع خلة بالضم مثله قلة وقلال وفي الأساس ما يؤيد انه مفرد قال: هو خليلي وخلّي وخلتي وهم أخلائي وخلّاني وبيننا خلة قديمة، وخاللته مخالّة وخلالا وما يؤيد أنه جمع قال: وهذه خلة صالحة وفيه خلال حسنة.

.الإعراب:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ}.
الهمزة للاستفهام التعجبي أي ألا تعجب من صنيع هؤلاء الكفرة الذي لا يصدر عمن له أدنى إدراك. ولم حرف نفي وقلب وجزم والى الذين متعلقان بتر وجملة بدلوا صلة ونعمة اللّه مفعول به ثان لأنه هو الذي يدخل عليه حرف الجر أي بنعمة اللّه وكفرا هو المفعول الأول قال أبو حيان: وزعم الحوفي وأبو البقاء ان كفرا هو مفعول ثان لبدلوا وليس بصحيح لأن بدّل من أخوات اختار فالذي يباشره حرف الجر هو المفعول الثاني والذي يصل اليه الفعل بنفسه لا بواسطة حرف الجر هو المفعول الاول وأحلوا عطف على بدلوا وقومهم مفعول به أول ودار البوار مفعول به ثان. {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ} جهنم بدل أو عطف بيان من دار البوار أو بنصبه بفعل محذوف يفسره ما بعده أي يصلون جهنم وجملة يصلونها حالية على الأول وتفسيرية على الثانية والواو حالية وبئس القرار فعل وفاعل والمخصوص بالذم محذوف أي هي. {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} الواو عاطفة وجعلوا فعل وفاعل وللّه في محل نصب مفعول به ثان لجعلوا وأندادا مفعول به أول ولك أن تعلق للّه بمحذوف حال وليضلوا قيل اللام للعاقبة أو الصيرورة وقيل هي على بابها من التعليل ولكن ليس ذلك غرضا حقيقيا لهم من اتخاذ الأنداد ولكن لما كان ذلك نتيجة له شبه بالغرض وأدخل عليه اللام بطريق الاستعارة التبعية ويضلوا منصوب بأن مضمرة بعد لام العاقبة أو لام التعليل والواو فاعل وعن سبيله متعلقان بيضلوا. {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} قل فعل أمر وجملة تمتعوا مقول القول وتمتعوا فعل أمر وفاعله، فإن: الفاء للتعليل وان واسمها والى النار خبرها. {قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ} اتفق أكثر المعربين على أن مقول القول محذوف يدل عليه جوابه أي قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا وسيرد على هذا القول ما اعترض به بعضهم وذلك في باب البلاغة والذين صفة لعبادي وجملة آمنوا صلة ويقيموا مجزوم في جواب الأمر أي إن قلت لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا إلخ يقيموا الصلاة وينفقوا وجوزوا أن يكون يقيموا وينفقوا بمعنى ليقيموا ولينفقوا فهما مجزومان بلام الأمر ويكون هذا هو المقول وسيرد في باب البلاغة بحث طريف بهذا الصدد والصلاة مفعول به.
وعبارة ابن هشام في المغني: والجمهور على أن الجزم في الآية- أي قل لعبادي- مثله في قولك ائتني أكرمك وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:
1- أحدها للخليل وسيبويه انه بنفس الطلب لما تضمنه من معنى ان الشرطية كما أن أسماء الشرط انما جزمت لذلك.
2- والثاني للسيرا في والفارسي انه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذي هو الشرط المقدر كما أن النصب بضربا في قولك ضربا زيدا لنيابته عن أضرب لا لتضمنه معناه.
3- والثالث للجمهور انه بشرط مقدر بعد الطلب وهذا أرجح من الأول لأن الحذف والتضمين وان اشتركا في أنهما خلاف الأصل لكن في التضمين تغيير معنى الأصل ولا كذلك الحذف وأيضا فإن تضمين الفعل معنى الحرف إما غير واقع أو غير كثير ومن الثاني لأن نائب الشيء يؤدي معناه والطلب لا يؤدي معنى الشرط، وأبطل ابن مالك بالآية أن يكون الجزم في جواب شرط مقدر لأن تقديره يستلزم أن لا يتخلف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال لكن التخلف واقع وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال لا إلى كل فرد فيحتمل أن الأصل يقيم أكثرهم ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف اليه فارتفع واتصل بالفعل وباحتمال انه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالإيمان مطلقا بل المخلصين منهم وكل مؤمن مخلص قال له الرسول أقم الصلاة أقامها، وقال المبرد: التقدير قل لهم أقيموا يقيموا والجزم في جواب أقيموا المقدر لا في جواب قل ويرده أن الجواب لابد أن يخالف المجاب إما في الفعل والفاعل نحو ائتني أكرمك أو في الفعل نحو أسلم تدخل الجنة أو في الفاعل نحو قم أقم ولا يجوز أن يتوافقا فيهما وأيضا فإن الأمر المقدر للمواجهة ويقيموا للغيبة وقيل يقيموا مبني لحلوله محل أقيموا وهو مبني وليس بشيء وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرا في نحو قم واقعد وان الأصل لتقم ولتقعد فحذفت اللام للتخفيف وتبعها حرف المضارعة وبقولهم أقول لأن الأمر معنى فحقه أن يؤدى بالحرف ولأنه أخو النهي ولم يدل عليه إلا بالحرف ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله لتقم أنت يا ابن خير قريش.
{وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} وينفقوا عطف على يقيموا ومما رزقناهم متعلقان بينفقوا وسرا وعلانية منصوبان على الحال أي ذوي سر وذوي علانية بمعنى مسرين ومعلنين أو على المصدر أي انفاق سر وعلانية أو على الظرفية أي وقتي سر وعلانية أو بنزع الخافض أي في سر وعلانية. {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} من قبل متعلقان بينفقوا وان وما في حيزها مصدر مضاف لقبل ويوم فاعل يأتي ولا نافية للجنس أهملت لتكرارها كما في لا حول ولا قوة وقد تقدمت الأوجه فيها وبيع مبتدأ وفيه خبر ولا خلال عطف على لا بيع.
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} اللّه مبتدأ والذي خبره وخلق صلة والسموات والأرض مفعوله. {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقًا لَكُمْ} وأنزل عطف على خلق والفاعل مستتر هو اللّه ومن السماء متعلقان بأنزل وماء مفعول به فأخرج عطف على أنزل وبه جار ومجرور متعلقان بأخرج ومن الثمرات حال لأنه تقدم على موصوفه وهو رزقا، ورزقا مفعول به ولكم صفة لرزقا. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} وسخر لكم الفلك عطف على ما تقدم ولتجري اللام للتعليل وتجري منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وفي البحر متعلقان بتجري وبأمره حال. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ} عطف على ما تقدم. {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ} عطف أيضا ودائبين حال من الشمس والقمر فلما اتفقا لفظا ومعنى ثنيا ولا يضر اختلافهما في التذكير والتأنبث. {وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ} وآتاكم عطف أيضا وهو فعل وفاعل مستتر ومفعول به ومن كل متعلقان بآتاكم وما موصول مضاف لكل وسألتموه صلة ويجوز أن تكون ما مصدرية. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها} الواو عاطفة وان شرطية وتعدوا فعل الشرط والواو فاعل ونعمة اللّه مفعول تعدوا ولا نافية وتحصوها جواب ان. {إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} جملة مستأنفة مسوقة للتأكيد على جحود الإنسان الظالم لآلاء اللّه ونعمه متغافل عن شكرها وان واسمها واللام المزحلقة وظلوم خبر ان الأول وكفار خبر إن الثاني.

.البلاغة:

في هذه الآيات من التهديد والوعيد والارعاد والابراق ما فيها، وسنورد خصائصها بصورة متعاقبة:
فأولها: التعجب الوارد بصيغة الاستفهام من أعمالهم التي لا تمت إلى الحلم بصلة فقد بدلوا نفس النعمة كفرا وجنوا على أنفسهم وعلى قومهم.
وثانيهما: الاستعارة في قوله ليضلوا عن سبيل اللّه ولم يكن ذلك غرضا لهم ولكنه شبيه به لأنه نتيجة محتومة لاتخاذ الأنداد فهي استعارة تصريحية تبعية.
وثالثهما: حذف المقول من قوله: {قل لعبادي الذين آمنوا} إلخ وقد رد الحذاق على هذا الاعراب بقوله وفي هذا الاعراب نظر لأن الجواب حينئذ يكون خبرا من اللّه تعالى بأنه إن قال لهم هذا القول امتثلوا مقتضاه فأقاموا الصلاة وأنفقوا لكنهم قد قيل لهم فلم يمتثل كثير منهم وخبر اللّه يجل عن الحلف وهذه النكتة هي الباعثة لكثير من المعربين على العدول عن هذا الوجه من الاعراب مع تبادره فيما ذكر بادي الرأي ويمكن تصحيحه بحمل العام على الغالب لا على الاستغراق ويقوى بوجهين لطيفين أحدهما ان هذا النظم لم يرد إلا لموصوف بالايمان الحق المنوه بايمانه عند الأمر كهذه الآية وغيرها مثل قوله تعالى: {قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} و{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} والثاني تكرر مجيئه للموصوفين بأنهم عباد اللّه المشرفون باضافتهم إلى اسم اللّه تعالى وقد قالوا: إن لفظ العباد لم يرد في الكتاب العزيز إلا مدحة للمؤمنين وخصوصا إذا انضاف اليه تعالى اضافة التشريف والحاصل ان المأمور في هذه الآي من هو بصدد الامتثال وفي حيز المسارعة للطاعة فالخبر في أمثالهم حق وصدق اما على العموم إن أريد أو على الغالب.
ورابعها: التأكيد الذي جعل الخبر إنكاريا بقوله: {إن الإنسان لظلوم كفار} فقد اشتملت هذه الآية على أربعة تأكيدات أولها ان وثانيها اللام المزحلقة أو لام التأكيد وصيغة {ظلوم} وصيغة {كفار}.

.[سورة إبراهيم: الآيات 35- 41]

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (41)}.

.اللغة:

{وَاجْنُبْنِي}: أهل الحجاز يقولون: جنبني شره بالتشديد وأهل نجد جنبني وأجنبني والمعنى أدمنا وثبتنا على اجتناب عبادتها، ويقال جنبه الشر وأجنبه إياه ثلاثيا ورباعيا وهي لغة نجد وجنّبه إياه مشددا وهي لغة الحجاز وهو المنع وأصله من الجانب، وقال الراغب: وقوله تعالى: {وأجنبني وبني} من جنبته عن كذا أي أبعدته منه وقيل من جنبت الفرس وكأنه سأله أن يبعده عن جانب الشرك بألطاف منه وأسباب خفية وأن نعبد على حذف حرف الجر أي عن أن نعبد وفي القاموس: والجنب محركة أن يجنب فرسا إلى فرسه في السباق فاذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب وفي المصباح: وجنبت الرجل الشر جنوبا من باب قعد أبعدته عنه وجنبته بالثقيل مبالغة وفي المختار: وجنبه الشيء من باب نصر وجنّبة الشيء تجنيبا بمعنى أي نحاه عنه ومنه قوله تعالى: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} وقال أبو علي: ويقال جنبت فلانا الخير، أي نحيته عنه وجنبته أيضا بالتثقيل. قال أبو نصر: والتخفيف أجود قال الس...: وهوى إلى الجبل وهوى الجبل صعده هويا، قال أبو بكر الهذلي يصف تأبط شرا:
وإذا رميت به الفجاج رأيته ** يهوى مخارمها هوي الأجدل

أي إذا قذفته في نواحي الأمكنة المتشعبة رأيته يهوى مخارمها أي يسرع في سلوك مسالكها الضيقة كهوي الأجدل وهو الصقر أي كاسراعه في الطيران.

.الإعراب:

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} إذ ظرف زمان لما مضى متعلق باذكر وجملة قال مضاف إليها الظرف وابراهيم فاعل ورب منادى محذوف منه حرف النداء مضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة واجعل فعل دعاء وفاعله مستتر تقديره أنت وهذا مفعوله الأول والبلد بدل من اسم الاشارة وآمنا مفعول به ثان. {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ} واجنبني فعل دعاء والنون للوقاية والياء مفعوله وبني عطف على الياء أو مفعول معه وان نعبد ان وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض كما قال الراغب أي عن أن نعبد والجار والمجرور متعلقان باجنبني والأصنام مفعول به لنعبد. {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} رب منادى محذوف منه حرف النداء وقد تقدم نظيره وان واسمها وجملة أضللن خبر إن والضمير يعود على الأصنام والمراد بالدعاء طلب الثبات والدوام على ذلك وكثيرا مفعول به ومن الناس صفة لكثيرا وجملة إنهن تعليلية لقوله واجنبني. {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الفاء عاطفة ومن اسم شرط جازم مبتدأ وتبعني فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والنون للوقاية والياء مفعول به فانه الفاء رابطة لجواب الشرط وان واسمها ومني خبرها والجملة في محل جزم جواب الشرط والفعل وجوابه خبر من.
{وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} جملة معطوفة على نظيرتها. {رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} تكرر النداء لتأكيد الابتهال والتضرع وان واسمها وجملة أسكنت خبرها ومن ذريتي متعلقان بمحذوف صفة لمفعول أسكنت المحذوف أي أسكنت ذرية من ذريتي ومن للتبعيض، بواد جار ومجرور متعلقان بأسكنت وغير صفة لواد وذي مضاف لغير وزرع مضاف لذي وعند بيتك الظرف صفة لواد والمحرم صفة لبيتك وسيأتي تفصيل هذا الإسكان في باب الفوائد {رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} كرر نداء ربنا تأكيدا للابتهال.
وليقيموا اللام لام التعليل وهي متعلقة بأسكنت أي أسكنتهم هذا الوادي الخلاء البلقع من كل مرتفق ومرتزق ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم أي العظيم الحرمة ويعمروه بذكراك وعبادتك. {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الفاء الفصيحة واجعل أفئدة فعل دعاء ومفعول به ومن الناس صفة لأفئدة أي قلوبا وجملة تهوي مفعول به ثان لا جعل وإليهم متعلقان بتهوي. {وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وارزقهم عطف على اجعل ومن الثمرات متعلقان بارزقهم أي بعض الثمرات فمن للتبعيض ولعل واسمها وجملة يشكرون خبرها. {رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ} تكرير النداء لتكرير الابتهال ودليل التضرع واللياذ باللّه تعالى. وان واسمها وجملة تعلم خبرها وما مفعول تعلم وجملة نخفي صلة وما نعلن عطف على ما نخفي. {وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} يحتمل أن يكون من كلام اللّه تعالى تصديقا لابراهيم أو من كلام ابراهيم. وما نافية ويخفى فعل مضارع وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بيخفى ومن زائدة وشيء مجرور بمن لفظا فاعل محلا وفي الأرض صفة لشيء ولا في السماء عطف على في الأرض. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ} الحمد مبتدأ وللّه خبر والذي نعت للّه وجملة وهب صلة ولي متعلقان بوهب وعلى الكبر في محل نصب حال وعلى بمعنى مع كقول الشاعر:
إني على ما ترين من كبري ** أعلم من حيث تؤكل الكتف

وإسماعيل مفعول به وإسحاق عطف عليه. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ} إن واسمها واللام المزحلقة وسميع الدعاء خبرها والجملة تعليل لقوله وهب لي على الكبر. {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ} اجعلني فعل دعاء والياء مفعوله الأول ومقيم الصلاة مفعوله الثاني أي مستمرا عليها.
{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ} ومن ذريتي عطف على ياء المتكلم أي واجعل بعض ذريتي مقيم الصلاة وهذا الجار في الحقيقة صفة لذلك المفعول المحذوف أي وبعضا من ذريتي، وربنا منادى وتقبل عطف على ما تقدم ودعائي مفعول به وحذفت الياء مراعاة للفواصل. {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ} اغفر فعل دعاء ولي متعلقان باغفر ولوالدي وللمؤمنين عطف على لي ويوم ظرف زمان متعلق بمحذوف حال أي حال كون الغفران في ذلك اليوم العصيب وسيأتي مزيد بحث حول قيام الحساب في باب البلاغة.