فصل: (سورة إبراهيم: آية 14)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة إبراهيم: آية 14]

{وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14)}
وقوله سبحانه: {ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ} [14]. وهذه استعارة.
لأن المقام لا يضاف إلّا إلى من يجوز عليه القيام. وذلك مستحيل على اللّه سبحانه، فإذن المراد به يوم القيامة، لأن الناس يقومون فيه للحساب، وعرض الأعمال على الثواب والعقاب، فقال سبحانه في صفة ذلك اليوم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}.
وإنما أضاف تعالى هذا المقام إلى نفسه في هذا الموضع، وفى قوله: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ} لأن الحكم في ذلك اليوم له خالصا، لا يشاركه فيه حكم حاكم، ولا يحادّه أمر آمر. وقد يجوز أن يكون المقام هاهنا معنى آخر، وهو أن العرب تسمى المجامع التي تجتمع فيها لتدارس مفاخرها، وتذاكر مآثرها مقامات ومقاوم.
فيجوز أن يكون المراد بالمقام هاهنا الموضع الذي يقصّ فيه سبحانه على بريّته محاسن أعمالهم، ومقابح أفعالهم، لاستحقاق ثوابه وعقابه، واستيجاب رحمته وعذابه، وقد يقولون: هذا مقام فلان ومقامته، على هذا الوجه، وإن لم يكن الإنسان المذكور في ذلك المكان قائما، بل كان قاعدا أو مضطجعا. ومن الشاهد على ذلك قوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ} أي من مجلسك. سماه مقاما- مع ذكره أنّ سليمان عليه السلام كان جالسا فيه- لأنه قال: {قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ}. وإنما سماه مقاما، لأن القاعد إذا قام بعد قعوده ففيه يكون قيامه. وهذا من غرائب القرآن الكريم. وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير.

.[سورة إبراهيم: الآيات 17- 18]

{يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18)}
وقوله سبحانه: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ} [17] فهذه استعارة. لأن المراد بذلك لو كان الموت الحقيقي ولم يكن سبحانه ليقول: وَما هُوَ بِمَيِّتٍ، وإنما المعنى أن غواشى الكروب، وحوازب الأمور.
وقوله سبحانه: {أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} [18] في هذه الآية استعارتان إحداهما قوله تعالى: {اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ}.

.[سورة إبراهيم: آية 37]

{رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)}
وقوله سبحانه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [37]. وهذه من محاسن الاستعارة. وحقيقة الهوىّ النزول من علو إلى انخفاض كالهبوط. والمراد به هاهنا المبالغة في صفة الأفئدة بالنّزوع إلى المقيمين بذلك المكان. ولو قال سبحانه: تحنّ إليهم، لم يكن فيه من الفائدة ما في قوله سبحانه: {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} لأن الحنين قد يوصف به من هو مقيم في مكانه، والهوىّ يفيد انزعاج الهاوي من مستقرّه.

.[سورة إبراهيم: آية 43]

{مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (43)}
وقوله تعالى: {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ} [43] وهذه استعارة.
والمراد بها صفة قلوبهم بالخلوّ من عزائم الصبر والجلد، لعظيم الإشفاق والوجل. ومن عادة العرب أن يسمّوا الجبان يراعة جوفاء، أي ليس بين جوانحه قلب.
وعلى ذلك قول جرير يهجو قوما ويصفهم بالجبن:
قل لخفيف القصبات الجوفان ** جيئوا بمثل عامر والعلهان

ويلكمو يا قصبات الجوفان ** جيئوا بمثل قعنب والعلهان

وإنما وصف الجبان بأنه لا قلب له، لأن القلب محل الشجاعة، وإذا نقى المحل فأولى أن ينتفى الحالّ فيه. وهذا على المبالغة في صفته بالجبن. ويسمون الشيء إذا كان خاليا: {هواء}، أي ليس فيه ما يشغله إلا الهواء.
وعلى هذا قول اللّه سبحانه: {وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغًا} أي خاليا من التجلد، وعاطلا من التصبّر. وقيل أيضا: إن معنى ذلك أنّ أفئدتهم منحرفة لا تعى شيئا، للرعب الذي دخلها، والهول الذي استولى عليها. فهى كالهواء الرقيق في الانحراف، وبطلان الضبط والامتساك.

.[سورة إبراهيم: آية 46]

{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46)}
وقوله سبحانه: {وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ} [46]. وهذه استعارة على إحدى القراءتين. وهما: لتزول. بكسر اللام الأولى وفتح اللام الأخرى. ولتزول.
بفتح اللام الأولى وضم الأخرى. وقرأنا بهذه القراءة للكسائى وحده، وقرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.
فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع: {أن} فيها موضع نعم، لأنها قد ترد بهذا المعنى مثقلة: كقوله: {إنّ وراكبها}.
ويجوز أن ترد مخففة. لأنّ {إن} على أصلها قد تأتى مخففة ومثقلة. ويكون المعنى واحدا.
وكذلك أن المفتوحة. قال الشاعر:
أكاشره وأعلم أن كلانا ** على ما ساء صاحبه حريص

وأراد أنّ كلانا فخفف. فإذا تقرر ذلك صار تقدير الكلام في الآية: ونعم كان مكرهم لتزول منه الجبال. وقد وردت هذه اللام في موضع ليس، لأن الحفيفة فيه تحمل.
قال الفرّاء: سمعت العرب تقول: الكراء حينئذ لرخيص. ولم يقل: إن الكراء لرخيص. فيكون المراد: إن الجبال تزول من مكرهم استعظاما واستفظاعا، لو كانت مما يعقل الحال، ويقدر على الزوال. وهذه اللام هاهنا تومئ إلى معنى: {تكاد}.... اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة إبراهيم:
{كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض}. في الحياة الدنيا ظلمات كثيرة، ظلمة الجهل، وظلمة الغرور، وظلمة الإثم، وظلمة العصيان. وقد أنزل الله كتابه على محمد خاتم الأنبياء ليخرج الناس من هذه الظلمات كلها، وليعلمهم أن هذه الحياة الدنيا مرحلة إلى مابعدها، وأن الذين يستحبون الدنيا على الآخرة ضالون، وأن الذين يقاومون الوحى ويكرهون العيش في مناره جائرون معوجون. ومن قبل محمد أرسل الله موسى لينقذ قومه من ظلمات الذل والعبودية، ويمن عليهم بالحرية المطلقة، حرية العقل والضمير والحركة والمرح في نعمة الله!!. وكل ما طلبه منهم أن يذكروا هذا الفضل، ويعرفوا حق صاحبه {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} والأديان كلها نقلة من الجهل إلى العلم، ومن العوج إلى الاستقامة، والكتاب الذي اختص به محمد- عليه الصلاة والسلام- ملئ بحزم من الأشعة التي تمحو العمى، وتهدى الطريق، وتقود إلى الله- سبحانه- وتعصم من الوقوع في ضروب الجاهليات كلها. ولكن البشرـ على امتداد العصور- يخاصمون الوحى، ويكابرون المرسلين، ويحاولون البطش بهم، ويستغلون ما أوتوا من قوة لفتنة المؤمنين عن الحق، لكن المؤمنين يصمدون ويتحملون {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}. وإخراج أمة من الظلمة إلى النور لا يتم بين عشية وضحاها، إنه يحتاج إلى زمان طويل، وقد مكث نبينا ثلاثا وعشرين سنة يتعهد العرب بالقرآن الكريم حتى محا بداوتهم وجهالتهم وتخففهم العلمى والحضارى، وأمسوا أهلا لصدارة العالم وقيادته. إن القرآن نقلهم نقلة فسيحة: ثقافيا وسياسيا وعقليا وخلقيا، فلما اشتبكوا مع أعداء الله رجحت كفتهم عن جدارة، واستحقوا التمكين في الأرض.
وتلمح هذه المعانى في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد}. إن الأمم المغلوبة على أمرها، المحجوبة بخواصها عن السيادة والصدارة لا تبلغ القمة، وهى واهنة الإرادة مختلطة القصد! لابد أن يغير الإيمان أحوالها ويزودها بطاقات جديدة من اليقين والتجرد والجراءة، حتى تستطيع أن تقهر خصومها، وتضع على الأرض طابعا جديدا من العبودية لله، والازدراء لشهوات الدنيا. عندئذ يحكم الله بزوال دول وإقامة أخرى {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}. فلتفقه هذا الدرس أمتنا الإسلامية التي لا تريد أن تغير نفسها!!. ومن قديم والمجتمع البشرى طبقات أو درجات! هناك السادة والعبيد، أو الرؤساء والأتباع، أو القادة والجماهير، أو أصحاب المواهب المادية والأدبية والمعجبون بهم، المقلدون لهم السائرون وراءهم. وبين الفريقين قاسم مشترك أو هدف واحد، والذين يحبون كاتبا من الكتاب يغلب أن تكون في نفوسهم الأفكار التي يترجم المؤلف عنها.. الفارق أنها مستخفية في ضمائرهم، وأن الكاتب أحسن صياغتها. ويطرد هذا الشبه في ميادين شتى بين الرؤساء والأتباع، أو القادة والمعجبين. وقد لاحظت أنه في موقعة بدر أحاط المشركون بأبى جهل زعيم الكفر وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه!! فكان بينهم كأنه في غابة من الرماح، ولكن أشبال الصحابة أجهزوا عليه. والغريب أن الكفار سوف يلجأون إلى هذه الرابطة في الدار الآخرة، ولكنها لا تغنى عنهم شيئا {وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}! وقد شرح الله هذه الحقائق للناس في يومهم القريب، حتى لا ينخدع رئيس بتابع، ولا تابع برئيس، ومع ذلك فإن نفرا من الرؤساء المغرورين خدعوا الجماهير، واستغلوا ثقتهم فجروهم إلى الهلاك {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار}. إن المصير واحد للأئمة الذين يدعون إلى النار والأغرار الذين يستجيبون لهم..! وتشبه سورة إبراهيم سورة الرعد في شرحها لطبيعة الحق! فإن الحق ينفع الناس إلى جانب صدقه العقلى، أما الباطل فمجلبة للمتاعب والآلام!. في سورة الرعد يقول- جل شأنه ـ: {كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال}. وفى سورة إبراهيم يقول- جل شأنه ـ: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن...} وتتفاوت الأمم بجملة الحقائق التي تستند إليها وتحيا بها، فإن هناك حقائق عقائدية وأخلاقية وعمرانية وحضارية. والمفروض أن كلمة التوحيد جذر شجرة كثيرة الفروع، طيبة الثمر، غزيرته! وأنها تثمر حضارة يانعة لمن عرفها، واستنار بها، واستظل بأفنانها الكثيرة. أما الباطل- فلأنه لا أصل له- لا ينتج إلا القوارح والهزائم {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار}. فهل نتفيأ ظلال الحق؟ أم نجنح إلى غيره فلا نفيد إلا السراب؟!. وتتحدث سورة إبراهيم عن ناحيتين يجب أن تتوفرا للأمة المؤمنة: الأولى: انشغال الأمة بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة أكثر من انشغال الأمم القومية بشئونها الخاصة، فالأمة صاحبة الرسالة الإلهية تستغل تمكينها في الأرض لإعلاء كلمة الله، ومواصلة ذكره وتمجيده: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال}. وتاريخ النبوات كلها يشير إلى أن الدول التي يقيمونها تهتف لله لا لبشر، وتجعل صلتها بالسماء أساس نشاطها الدءوب. ومع شحوب التعاليم السماوية أو غروبها ترى الأمم مستغرقة في الطعام والتمتع والمكاثرة والمفاخرة، فإذا بكت على شيء فعلى هبوط مستواها الاقتصادى، وقلة المواد التي تستهلكها في ملذاتها. والعالم اليوم محتاج إلى أمة تضرب المثل من نفسها في عبادة الله، والحديث عن أمجاده ووصاياه، وتلك هي الأمة الإسلامية.. على أن هذه الأمة المسبحة بحمد الله يجب أن تكون مالكة لزمان الأرض، سيدة على مرافق الحياة المختلفة. وهنا تجئ الناحية الثانية، وهى ناحية توضح أن أهل الإيمان ملاّك لا عالة، وأن بأيديهم قياد الدنيا يصرفونه كيف شاءوا. ويتضح هذا من الآيات الثلاث الآتية، والتى تكررت فيها كلمة: {لكم} خمس مرات!! {الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها...}. إن هناك مؤمنين شردوا عن الصراط المستقيم، وتجمدت مواهبهم، وعاشوا غرباء فوق أرض سخرت لهم، فسخروا فيها، وبدل أن ينصروا الله بما آتاهم ارتعشت أصابعهم، ونكصت أعقابهم، فتقدم أعداء الله إلى الزمام الخالى فامتلكوه، وسخروا الدنيا لكفرهم، وأحرجوا الإيمان في مواطنه فما يكاد يبين. والجهاد في عصرنا: سيادة في البر والبحر والجو، وعلم بالكون يرتفق الأرض والسماء وما بينهما. فما هو حظ المسلمين من ذلك كله؟. إن الأسى يقهرنى عندما أجد أننا لم نصنع طيارة تخترق الفضاء، ولا غواصة تمخر العباب، ولا دبابات يتحرك بها الحديد على الأرض، ليدعم الحق وينصر المظلومين. على حين مهر اليهود في هذه الفنون، وانطلقوا هنا وهناك وكأنهم جن سليمان!. والفارق أن جن سليمان كانوا في قبضة رجل مؤمن يسخر قوته لله، أما يهود اليوم فإنهم جاءوا لخلع جذور العروبة والإسلام، وبناء سلطان للطغيان والتمرد على الله... ما أوسع التفاوت بين ذرية إبراهيم، فيهم من ذهب بنفسه وتبع هواه وكفر بعيسى ومحمد جميعا، وهؤلاء الآن معهم القوة!.