فصل: في رياض آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنهم من ورث الوحى ولم يحسن الوصاية عليه، فعاش خاملا مسيئا وهم عرب هذه الأيام العجاف!. كان إبراهيم صالح مصلحا، جاب الآفاق داعيا إلى التوحيد، ومعلنا حربا شعواء على الأوثان. ثم جاء إلى الحجاز وهو يدعو: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}. وهذا الفرع من ذرية إبراهيم هو إسماعيل من زوجته هاجر. أما الفرع الآخر فهو إسحاق أبو إسرائيل من زوجته سارة، وقد رزق إبراهيم بهما على الكبر، ولذلك يقول: {الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}. والغريب أن اليهود يرون أنفسهم أبناء السيدة الحرة، أما العرب فهم دونهم، لأنهم أبناء أمة! وهذا فكر هابط، فبنو آدم سواء، لا يختلفون إلا بالتقوى، وإذا كان لإبراهيم ميراث فهو لولده جميعا، ورب العالمين أعز وأجل من أن يقطع أبناء يعقوب أرضا يتوارثونها إلى قيام الساعة {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} وفى المعركة الأزلية بين الحق والباطل سيشعر بالضيم مستضعفون ومهزومون، وسيقولون لقاهريهم: {... ولنصبرن على ما آذيتمونا} والظلم مرتعه وخيم. وقد يعجل الله بعقوبته في الدنيا، ومهما تخفف الجزاء فالقصاص حق: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}. وقد تبين لنا من استقراء التاريخ أن كيد الكافرين شديد، وأن مكرهم سيئ، وأن الخطط التي يرسمونها لضرب الحق خبيثة ماهرة!! على أن ذلك كله لن يغير النتائج المقدورة: {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام}. لقد بدأت سورة إبراهيم ببلاغ للناس أن الله أنزل الكتاب على نبيه الخاتم ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وها هي ذي السورة تختم ببلاغ مؤكد حاسم هذا {بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}. على أولى الألباب أن يحترموا عقولهم فلا يعبدوا الأوهام ويسجدوا للأصنام، وعليهم أن يتدبروا الوحى الإلهى، ويتشبثوا بالحق الذي يضئ لهم الطريق، ويوضح الغاية، ويهدى إلى الرشد. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة إبراهيم:
أقول: وجه وضعها بعد سورة الرعد زيادة على ما تقدم بعد إفكاري فيه برهة: أن قوله في مطلعها: {كتاب أنزلناهُ إِليكَ} مناسب لقوله في مقطع تلك: {ومن عِندَهُ علم الكتاب} على أن المراد ب: {من} هو: الله تعالى جل جلاله وأيضًا ففي الرعد: {ولقَد استهزئ برسُلٍ مِن قبلِكَ فأمليت للذين كفروا ثم أَخذتهم} وذلك مجمل في أربعة مواضع: الرسل، والمستهزئين، وصفة الاستهزاء، والأخذ وقد فصلت الأربعة في قوله: {أَلم يأَتِكُم نبأَ الذينَ مِن قبلِكُم قوم نوح وعاد وثمود}. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 3):

قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
بسم الله الذي تفرد بالكمال، وعز عن أن يكون له كفو أو مثال الرحمن لجميع خلقه بكتاب هو الغاية في البيان الرحيم الذي اختار من عباده من ألزمهم روح وداده الر مقصود السورة التوحيد، وبيان أن هذا الكتاب غاية البلاغ إلى الله، لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه المؤدى إليه.
ناقل- بما فيه من الأسرار- للخلق من طور إلى طور- بما يشير إليه حرف الراء، وأدل ما فيها على هذا المرام قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أما التوحيد فواضح، وأما أمر الكتاب فلأنه من جملة دعائه لذريته الذين أسكنهم عند البيت المحرم من ذرية إسماعيل عليه السلام {ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلوا عليهم آياتك وبعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} [البقرة: 129].
ولما ختم الرعد بأنه لا شهادة تكافئ شهادة من عنده علم الكتاب إشارة إلى أن الكتاب هو الشاهد بإعجازه ببلاغته وما حوى من فنون العلوم، وأتى به في ذاك السياق معرفًا لما تقدم من ذكره في البقرة وغيرها ثم تكرر وصفه في سورة يونس وهود ويوسف والرعد بأنه حكيم محكم مفصل مبين، وأنه الحق الثابت الذي تزول الجبال الرواسي وهو ثابت لا يتعتع شيء منه.
ولا يزلزل معنى من معانيه، ذكره في أول هذه السورة منكرًا تنكير التعظيم فقال: {كتاب} أي عظيم في درجات من العظمة.
لا تحتمل عقولكم الإخبار عنها بغير هذا الوصف، ودل تعليل وصفه بالمبين بأنه عربي على أن التقدير: {أنزلناه} أي بما لنا من العظمة: {إليك} بلسان قومك لتبين لهم.
ولما استجمع التعريف بالأوصاف الموجبة للفلاح المذكورة أول السورة المستدل عليها بكل برهان منير وسلطان مبين، فصار بحيث لا يتوقف عن اجتناء ثمرته من وقف على حقائق تلك النعوت، شوق إلى تلك الثمرة بعد تفصيل ما في أول البقرة في التي قبلها كما مضى بما يحث عليه ويقبل بقلب كل عاقل إليه فقال: {لتخرج الناس} أي عامة قومك وغيرهم بدعائك إياهم به وإن كانوا ذوي اضطراب: {من الظلمات} التي هي أنواع كثيرة من الضلالات التي أدت إليها الجهالات: {إلى النور} الذي هو واحد، وهو سبيل الله المدعو بالهداية إليه في الفاتحة، أو لتبين للعرب قومك لأنه بلسانهم بيانًا شافيًا، فتجعلهم- بما تقيم عليهم من الحجج الساطعة، وتوضح لهم من البراهين القاطعة، وتنصب لهم من الأعلام الظاهرة، وتحكم لهم من الأدلة الباهرة- في مثل ضوء النهار بما فتح من مقفل أبصارهم، وكشف عن أغطية قوبهم، فيكونوا متمكنين من أن يخرجوا من ظلمات الكفر التي هي طرق الشيطان إلى نور الإيمان الذي هو سبيله: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] وشبه الإيمان وما أرشد إليه بالنور، لأنه عصمة العقل من الخطأ في الطريق إلى الله كما أن النور عصمة البصر من الضلال عن الطريق الحسي، وإذا خرجوا إلى النور كانوا جديرين بأن يخرجوا جميع الناس: {بإذن ربهم} أي المحسن إليهم؛ والإذن: الإطلاق في الفعل بقول يسمع بالأذن، هذا أصله- قاله الرماني.
ولما كان النور مجملًا، بينه على سبيل الاستئناف أو البدل بتكرير العامل فقال: {إلى صراط العزيز} الذي تعالى عن صفات النقص فعز عن أن يدخل أحد صراطه الذي هو ربه، أو يتعرض أحد إلى سالكه بغير إذنه: {الحميد} المحيط بجميع الكمال، فهو المستحق لجميع المحامد لذاته وبما يفيض على عباده من النعم التي يربيهم ويتحمد إليهم بها على كل حال، فكيف إذا سلكوا سبيله الواضح الواسع السهل!.
ولما أضاف طريق النجاة إلى وصفين يجوز إطلاق كل منهما على الخلق، بينهما باسمه الشريف العَلم على الاستئناف في قراءة نافع وابن عامر بالرفع.
وعلى أنه عطف بيان في قراءة الباقين بالجر لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لاختصاصه بالمعبود بحق ووصفه بما اقتضى توحيده، فقال: {الله} أي المحيط علمًا وقدرة: {الذي له ما في السماوات} أي الأجسام العالية من الأراضي وغيرها.
ولما كان في سياق الدلالة على الخالق وإثبات توحيده، أكد بإعادة الموصول مع صلته فقال: {وما في الأرض} أي فويل لمن أشرك به شيئًا منهما أو فيهما، فإنه لا أبين من أن ما كان مملوكًا لا يصلح لأن يكون شريكًا.
ويجوز أن يكون التقدير: فوأل ونجاة وسلامة لمن اهتدى به فخرج من ظلمات الكفر: {وويل} مصدر بمعنى الهلاك، ينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة أن معنى الهلاك- وهو ضد الوأل الذي هو النجاة- ثابت: {للكافرين} الذين ستروا أدلة عقولهم: {من عذاب شديد} تتضاعف آلامه وقوته؛ والشدة: تجمع يصعب معه التفكيك.
ولما أشار إلى ما للكافرين، وصفهم بما عاقهم عن قبول الخير وتركهم في أودية الشر فقال: {الذين يستحبون} أي يطلبون أن يحبوا أو يوجدون المحبة بغاية الرغبة متابعة للهوى: {الحياة الدنيا} وهي النشأة الأولى التي هي دار الارتحال، مؤثرين لها: {على الآخرة} أي النشأة الأخرى التي هي دار المقام، وذلك بأن يتابعوا أنفسهم على حبها حتى يكونوا كأنهم طالبون لذلك، وهذا دليل على أن المحبة قد تكون بالإرادة؛ والمحبة: ميل الطباع إلى الشيء بالشهوة، فهم يمتنعون خوفًا على دنياهم التي منها رئاستهم عن سلوك الصراط: {و} يضمون إلى ذلك أنهم: {يصدون} أي يعرضون بأنفسهم ويمنعون غيرهم: {عن سبيل الله} أي طريق الملك الأعظم؛ والسبيل: المذهب المهيأ للسلوك: {و} يزيدون على ذلك أنهم: {يبغونها} أي يطلبون لها، حذف الجار وأوصل الفعل تأكيدًا له: {عوجًا} والعوج: ميل عن الاستقامة، وهو بكسر العين في الدين والأمر والأرض، وبالفتح في كل ما كان قائمًا كالحائط والرمح ونحوهما: {أولئك} أي البعداء البغضاء: {في ضلال بعيد} أي عن الحق، إسناد مجازي، لأن البعيد أهل الضلال بميلهم عن الباقي إلى الفاني وبطلبهم العوج فيما قومه الله المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{الله الذي} بالرفع على الابتداء في الحالين: أبو جعفر ونافع وابن عامر والمفضل، وقرأ يعقوب والخزاعي عن ابن فليح بالرفع إذا ابتدأ وبالخفض إذا وصل. الباقون بالجر مطلقًا: {وعيدي} بالياء في الحالين: يعقوب وافق ورش وسهل وعباس في الوصل.

.الوقوف:

{الر} قف كوفي: {الحميد} o ط لمن قرأ: {الله} بالرفع.: {وما في الأرض} ط {شديد} o لا بناء على أن: {الذين} صفة الكافرين: {عوجًا} ط بناء على ما قلنا أو على أن: {الذين} منصوب أو مرفوع على الذم أي أعني الذين أوهم الذين، وإن جعل: {الذين} مبتدأ خبره: {أولئك في ضلال} فلا وقف على: {عوجًا} ولك أن تقف على: {شديد} للآية: {بعيد} o {ليبين لهم} ط لأن قوله: {فيضل} حكم مبتدأ خارج عن تعليل الإرسال: {ويهدي من يشاء} ط {الحكيم} o {بأيام الله} ط {شكور} o ط {نساءكم} ط {عظيم} o {لشديد} o {جميعًا} لا لأن ما بعده جزاء: {حميد} o {وثمود} ط لمن لم يعطف وجعله مستأنفًا ومن عطف فوقه على: {من بعدهم} ط {إلا الله} ط {مريب} o {والأرض} ط فصلًا بين الاستخبار والإخبار: {مسمى} ط لتقدير همزة الاستفهام في: {تريدون}.: {مبين} o {من عباده} ط {وبإذن الله} ط {المؤمنون} o {سبلنا} ط {آذيتمونا} ط {المتوكلون} o {في ملتنا} ط {من بعدهم} ط {وعيد} o {عنيد} o لا لأن ما بعده وصف: {صديد} o لا لذلك: {يميت} ط {غليظ} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)}
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اعلم أن الكلام في أن هذه السورة مكية أو مدنية طريقه الآحاد.
ومتى لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام الشرعية فنزولها بمكة والمدينة سواء، وإنما يختلف الغرض في ذلك إذا حصل فيه ناسخ ومنسوخ فيكون فيه فائدة عظيمة وقوله: {الر كِتَابٌ} معناه أن السورة المسماة بالر كتاب أنزلناه إليك لغرض كذا وكذا فقوله: {الر} مبتدأ وقوله: {كِتَابٌ} خبره وقوله: {أنزلناه إِلَيْكَ} صفة لذلك الخبر. وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
دلت هذه الآية على أن القرآن موصوف بكونه منزلًا من عند الله تعالى.
قالت المعتزلة: النازل والمنزل لا يكون قديمًا.
وجوابنا: أن الموصوف بالنازل والمنزل هو هذه الحروف وهي محدثة بلا نزاع.
المسألة الثانية:
قالت المعتزلة: اللام في قوله: {لِتُخْرِجَ الناس} لام الغرض والحكمة، وهذا يدل على أنه تعالى إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض، وذلك يدل على أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة برعاية المصالح.
أجاب أصحابنا عنه بأن من فعل فعلًا لأجل شيء آخر فهذا إنما يفعله لو كان عاجزًا عن تحصيل هذا المقصود إلا بهذه الواسطة وذلك في حق الله تعالى محال، وإذا ثبت بالدليل أنه يمتنع تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالعلل ثبت أن كل ظاهر أشعر به فإنه مؤول محمول على معنى آخر.