فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
إنما كان كذلك ليكون آكَدَ في إلزام الحجة: وأَنَّى ينفع ذلك إذا لم يُوَفَّقُوا لِسُلُوكِ المحجَّةِ؟ فأهلُ الهدايةِ فازوا بالعنايةِ السابقة، وأصحابُ الغواية وقعوا في ذُلِّ العداوة: فلا اعتراضَ عليه فيما يصنع، ولا يُسأَلُ عما يفعل أو لم يفعل. اهـ.

.تفسير الآيات (5- 6):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر سبحانه الرسل بما ذكره، توقع السامع تفصيل شيء من أخبارهم، فابتدأ بذكر من كتابه أجل كتاب بعد القرآن هدى للناس دليلًا على أنه يفعل ما يشاء من الإضلال والهداية، وتسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتثبيتًا وتصبيرًا على أذى قومه، وإرشادًا إلى ما فيه الصلاح في مكالمتهم، فقال مصدرًا بحرف التوقع: {ولقد أرسلنا} أي بعظمتنا: {موسى بآياتنا} أي البينات؛ ثم فسر الإرسال بقوله: {إن أخرج قومك} أي الذين فيهم قوة على مغالبة الأمور: {من الظلمات} أي أنواع الجهل: {إلى النور} بتلك الآيات: {وذكرهم} أي تذكيرًا عظيمًا: {بأيام الله} أي الذي له الجلال والإكرام من وقائعه في الأمم السالفة وغير ذلك من المنح لأوليائه والمحن لأعدائه كما أرسلناك لذلك: {إن في ذلك} أي التذكير العظيم: {لآيات} على وحدانية الله وعظمته: {لكل صبار} أي بليغ الصبر بلاء الله، قال في العوارف: وقال أبو الحسن بن سالم: هم ثلاثة: متصبر، وصابر، وصبار، فالمتصبر من صبر في الله، فمرة يصبر ومرة يجزع، والصابر من يصبر في الله ولله ولا يجزع ولكن يتوقع منه الشكوى، وقد يمكن منه الجزع، فأما الصبار فذلك الذي صبّره الله في الله ولله وبالله، فهذا لو وقع عليه جميع البلايا لا يجزع ولا يتغير من جهة الوجوب والحقيقة، لا من جهة الرسم والخليقة، وإشارته في هذا ظهور حكم العلم فيه مع ظهور صفة الطبيعة.
{شكور} أي عظيم الشكر لنعمائه، فإن أيامه عند أوليائه لا تخلو من نعمة أو نقمة، وفي صيغة المبالغة أشارة إلى أن عادته تعالى جرت بأنه إنما ينصر أولياءه بعد طول الامتحان بعظيم البلاء ليتبين الصادق من الكاذب: {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} [البقرة: 214]: {حتى إذا استيئس الرسل} [يوسف: 110]،: {الم أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت: 2] وذلك أنه لا شيء أشق على النفوس من مفارقة المألوف لاسيما إن كان دينًا ولاسيما إن كان قد درج عليه الأسلاف، فلا يقوم بالدعاء إلى الدين إلا من بلغ الذروة في الصبر.
ولما ذكر ما أمر به موسى عليه السلام، وكان قد تقدم أمره في الشريف إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاقتداء بالأنبياء الذين هو من رؤوسهم وأولي عزمهم، كان كأنه قيل: فبين أنت للناس ما نزل إليهم وذكرهم بأيام الله اقتداء بأخيك موسى عليه السلام: {و} اذكر لهم خبره فإن أيامه من أعظم أيام الله: أشدها محنة وأجلها منحة: {إذ قال موسى} امتثالًا لما أمرناه به: {لقومه} مذكرًا لهم بأيام الله معهم ثم أيامه مع غيرهم.
ولما كان المراد بالتذكير بالأيام زيادة الترغيب والترهيب، أشار إلى أن مقام الترهيب هنا أهم للحث على تركهم الضلال بترك عادته في الترفق بمثل ما في البقرة والمائدة من الاستعطاف بعاطفة الرحم بقوله: {ياقوم} فأسقطها هنا إشارة إلى أن المقام يقتضي الإبلاغ في الإيجاز في التذكير للخوف من معاجلتهم بالعذاب فقال: {اذكروا نعمة الله} أي ذي الجلال والإكرام، وعبر بالنعمة عن الإنعام حثًا على الاستدلال بالأثر على المؤثر: {عليكم} ثم أبدل من {نعمة} قوله: {إذ} وهو ظرف النعمة.
ولما كانوا قد طال صبرهم جدًا بما طال من بلائهم من فرعون على وجه لا يمكن في العادة خلاصهم منه، وإن أمكن على بعد لم يكن إلا في أزمنة طوال جدًا بتعب شديد، أشار إلى أسراعه بخلاصهم بالنسبة إليه لو جرى على مقتضى العادة جزاء لهم على طول صبرهم، فعبر بالإفعال دون التفعيل الذي اقتضاه سياق البقرة فقال: {أنجاكم من} بلاء: {آل فرعون} أي فرعون نفسه وأتباعه وأوليائه؛ قال في القاموس: ولا يستعمل إلا لما فيه شرف غالبًا، فكأنهم قالوا: من أيّ بلائهم؟ فقال: {يسومونكم} أي يكلفونكم ويولونكم على سبيل الاستهانة والقهر: {سوء العذاب} بالاستعباد.
ولما كان السياق للصبر البليغ، اقتضى ذلك العطف في قوله: {ويذبحون} أي تذبيحًا كثيرًا مميتًا- بما أفاده تعبير الأعراف بالقتل، ومعرفًا بإعادة التعبير بالذبح أن الموت بالسكين: {أبناءكم ويستحيون} أي يطلبوا أن يحيوا: {نساءكم} لإفادة أن ذلك بلاء آخر: {و} الحال أن: {في ذلكم} أي الأمر الشديد المشقة من العذاب المتقدم أو الإنجاء أو هما: {بلاء من ربكم} أي المربي لكم المدبر لأموركم: {عظيم}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما بين أنه إنما أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وذكر كمال إنعامه عليه وعلى قومه في ذلك الإرسال وفي تلك البعثة، أتبع ذلك بشرح بعثة سائر الأنبياء إلى أقوامهم وكيفية معاملة أقوامهم معهم تصبيرًا للرسول عليه السلام على أذى قومه وإرشادًا له إلى كيفية مكالمتهم ومعاملتهم فذكر تعالى على العادة المألوفة قصص بعض الأنبياء عليهم السلام فبدأ بذكر قصة موسى عليه السلام، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بئاياتنا} قال الأصم: آيات موسى عليه السلام هي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار العيون من الحجر وإظلال الجبل وإنزال المن والسلوى.
وقال الجبائي: أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى قومه من بني إسرائيل بآياته وهي دلالاته وكتبه المنزلة عليه، وأمره أن يبين لهم الدين.
وقال أبو مسلم الأصفهاني: إنه تعالى قال في صفة محمد صلى الله عليه وسلم: {كِتَابٌ أنزلناه إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} [إبراهيم: 1] وقال في حق موسى عليه السلام: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} والمقصود: بيان أن المقصود من البعثة واحد في حق جميع الأنبياء عليهم السلام، وهو أن يسعوا في إخراج الخلق من ظلمات الضلالات إلى أنوار الهدايات.
المسألة الثانية:
قال الزجاج: قوله: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} أي بأن أخرج قومك.
ثم قال: {أن} هاهنا تصلح أن تكون مفسرة بمعنى أي، ويكون المعنى: ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أي أخرج قومك، كأن المعنى قلنا له: أخرج قومك.
ومثله قوله: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} [ص: 6] أي أمشوا، والتأويل قيل لهم: امشوا، وتصلح أيضًا أن تكون المخففة التي هي للخبر، والمعنى: أرسلناه بأن يخرج قومه إلا أن الجار حذف ووصلت {أن} بلفظ الأمر، ونظيره قولك: كتبت إليه أن قم وأمرته أن قم، ثم إن الزجاج حكى هذين القولين عن سيبويه.
أما قوله: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} فاعلم أنه تعالى أمر موسى عليه السلام في هذا المقام بشيئين: أحدهما: أن يخرجهم من ظلمات الكفر، والثاني: أن يذكرهم بأيام الله، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال الواحدي: أيام جمع يوم، واليوم هو مقدار المدة من طلوع الشمس إلى غروبها، وكانت الأيام في الأصل أيوام فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون، فأدغمت إحداهما في الأخرى وغلبت الياء.
المسألة الثانية:
أنه يعبر بالأيام عن الوقائع العظيمة التي وقعت فيها.
يقال: فلان عالم بأيام العرب ويريد وقائعها وفي المثل من ير يومًا ير له معناه: من رؤي في يوم مسرورًا بمصرع غيره ير في يوم آخر حزينًا بمصرع نفسه وقال تعالى: {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس} [آل عمران: 140].
إذا عرفت هذا، فالمعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فالترغيب والوعد أن يذكرهم ما أنعم الله عليهم وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل في سائر ما سلف من الأيام، والترهيب والوعيد: أن يذكرهم بأس الله وعذابه وانتقامه ممن كذب الرسل ممن سلف من الأمم فيما سلف من الأيام، مثل ما نزل بعاد وثمود وغيرهم من العذاب، ليرغبوا في الوعد فيصدقوا ويحذروا من الوعيد فيتركوا التكذيب.
واعلم أن أيام الله في حق موسى عليه السلام منها ما كان أيام المحنة والبلاء وهي الأيام التي كانت بنو إسرائيل فيها تحت قهر فرعون ومنها ما كان أيام الراحة والنعماء مثل إنزال المن والسلوى وانفلاق البحر وتظليل الغمام.
ثم قال تعالى: {إِنَّ في ذلك لآيات لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} والمعنى أن في ذلك التذكير والتنبيه دلائل لمن كان صبارًا شكورًا، لأن الحال إما أن يكون حال محنة وبلية أو حال منحة وعطية فإن كان الأول، كان المؤمن صبارًا، وإن كان الثاني كان شكورًا.
وهذا تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يخلو زمانه عن أحد هذين الأمرين فإن جرى الوقت على ما يلائم طبعه ويوافق إرادته كان مشغولًا بالشكر، وإن جرى ما لا يلائم طبعه كان مشغولًا بالصبر.
فإن قيل: إن ذلك التذكيرات آيات للكل فلماذا خص الصبار الشكور بها؟
قلنا: فيه وجوه: الأول: أنهم لما كانوا هم المنتفعون بتلك الآيات صارت كأنها ليست آيات إلا لهم كما في قوله: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] وقوله: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45].
والثاني: لا يبعد أن يقال: الانتفاع بهذا النوع من التذكير لا يمكن حصوله إلا لمن كان صابرًا أو شاكرًا، أما الذي لا يكون كذلك لم ينتفع بهذه الآيات.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه أمر موسى عليه السلام بأن يذكرهم بأيام الله تعالى، حكى عن موسى عليه السلام أنه ذكرهم بها فقال: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} فقوله: {إِذْ أَنجَاكُمْ} ظرف للنعمة بمعنى الأنعام، أي اذكروا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت.
بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: ذكر في سورة البقرة: {يُذَبِّحُونَ} [البقرة: 49] وفي سورة الأعراف: {يُقَتِّلونَ} [الأعراف: 141] وههنا: {وَيُذَبِّحُونَ} مع الواو فما الفرق؟
والجواب: قال تعالى في سورة البقرة: {يُذَبّحُونَ} بغير واو لأنه تفسير لقوله: {سُوءَ العذاب} وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو تقول: أتاني القوم زيد وعمرو.
لأنك أردت أن تفسر القوم بهما ومثله قوله تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَامًا يضاعف لَهُ العذاب} [الفرقان: 68، 69] فالآثام لما صار مفسرًا بمضاعفة العذاب لا جرم حذف عنه الواو، أما في هذه السورة فقد أدخل الواو فيه، لأن المعنى أنهم يعذبونهم بغير التذبيح وبالتذبيح أيضًا فقوله: {وَيُذَبِّحُونَ} نوع آخر من العذاب لا أنه تفسير لما قبله.
السؤال الثاني: كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم؟
والجواب من وجهين: أحدهما: أن تمكين الله إياهم حتى فعلوا ما فعلوا كان بلاء من الله.
والثاني: وهو أن ذلك إشارة إلى الإنجاء، وهو بلاء عظيم، والبلاء هو الابتلاء، وذلك قد يكون بالنعمة تارة، وبالمحنة أخرى، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] وهذا الوجه أولى لأنه يوافق صدر الآية وهو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ}.
السؤال الثالث: هب أن تذبيح الأبناء كان بلاء، أما استحياء النساء كيف يكون بلاء.
الجواب: كانوا يستخدمونهن بالاستحياء في الخلاص منه نعمة، وأيضًا إبقاؤهن منفردات عن الرجال فيه أعظم المضار. اهـ.