فصل: قال ابن العربي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
مَعْنَى ذَكِّرْهُمْ قُلْ لَهُمْ قَوْلًا يَتَذَكَّرُونَ بِهِ أَيَّامَ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
{فِي أَيَّامِ اللَّهِ} قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نِعَمُهُ.
الثَّانِي: نِقَمُهُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَاؤُهُ الْحَسَنُ، وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ.
وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِي مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ رَجُلٌ إذَا صَفَا لَهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ جَعَلَ جَوْزًا فِي قِدْرٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ، فَإِذَا سُئِلَ عَنْ عُمْرِهِ أَخْرَجَ الْقِدْرَ وَفَضَّ الْخَتْمَ، وَعَدَّ الْجَوْزَ، فَيَرَى أَنَّ أَيَّامَهُ بِعَدَدِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوَعْظِ، الْمُرَقِّقِ لِلْقُلُوبِ، الْمُقَوِّي لِلْيَقِينِ؛ فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {بَيْنَمَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأَيَّامُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ}، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْخَضِرِ.
وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا فِيهِ الْغَايَةَ فِي شَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ سَنَدًا وَمَتْنًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا}
أي بحُججنا وبراهيننا وقال مجاهد هي التسع الآيات:
{أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} يحتمل وجهين:
أحدهما: من الضلالة إلى الهدى. الثاني: من ذل الاستعباد إلى عز المملكة.: {وذكِّرهم بأيام الله} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه وعظهم بما سلف من الأيام الماضية لهم، قاله ابن جرير.
الثاني: بالأيام التي انتقم الله فيها من القرون الأولى، قاله الربيع وابن زيد.
الثالث: أن معنى أيام الله أن نعم الله عليهم، قاله مجاهد وقتادة، وقد رواه أبيّ بن كعب مرفوعًا. وقد تسمَّى النعم بالأيام، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غُرٍّ طِوالٍ ** عصينا الملْك فيها أن نَدِينا

ويحتمل تأويلًا رابعًا: أن يريد الأيام التي كانوا فيها عبيدًا مستذلين لأنه أنذرهم قبل استعمال النعم عليهم.
{إنَّ في ذلك لآيات لكُلِّ صبَّارٍ شكورٍ} الصبار: الكثير الصبر، والشكور: الكثير الشكر، قال قتادة: هو العبد إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. وقال الشعبي: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف، وقرأ: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.
وتوارى الحسن عن الحجاج تسع سنين، فلما بلغه موته قال: اللهم قد أمته فأمت سنته وسجد شكرًا وقرأ: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}.
وإنما خص بالآيات كل صبار شكور، وإن كان فيه آيات لجميع الناس لأنه يعتبر بها ويغفل عنها.
قوله عز وجل: {... وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم}
فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: نعمة من ربكم، قاله ابن عباس والحسن.
الثاني: شدة البلية، ذكره ابن عيسى.
الثالث: اختبار وامتحان، قاله ابن كامل. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ولقد أرسلنا موسى} الآية، آيات الله هي العصا واليد وسائر التسع. وقوله: {أن أخرج} تقديره: بأن أخرج، ويجوز أن تكون: {أن} مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وأما: {الظلمات} و: {النور} فيحتمل أن يراد بها من الكفر إلى الإيمان. وهذا على ظاهر أمر بني إسرائيل في أنهم كانوا قبل بعث موسى أشياعًا متفرقين في الدين. قوم مع القبط في عبادة فرعون، وكلهم على غير شيء، وهذا مذهب الطبري- وحكاه عن ابن عباس- وإن صح أنهم كانوا على دين إبراهيم وإسرائيل ونحو هذا ف: {الظلمات} الذل والعبودية، و: {النور} العزة والدين والظهور بأمر الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر هذه الآية وأكثر الآيات في رسالة موسى عليه السلام أنها إنما كانت إلى بني إسرائيل خاصة، في معنى الشرع لهم وأمرهم ونهيهم بفروع الديانة، وإلى فرعون وأشراف قومه في أن ينظروا ويعتبروا في آيات موسى فيقروا بالله ويؤمنوا به تعالى وبموسى ومعجزته ويتحققوا نبوته ويرسلوا معه بني إسرائيل.
قال القاضي أبو محمد: ولا يترتب هذا إلا بإيمان به. وأما أن تكون رسالته إليهم لمعنى اتباعه والدخول في شرعه فليس هذا بظاهر القصة ولا كشف الغيب ذلك، ألا ترى أن موسى خرج عنهم ببني إسرائيل؟ فلو لم يتبع لمضى بأمته، وألا ترة أنه لم يدع القبط بجملتهم وإنما كان يحاور أولي الأمر؟ وأيضًا فليس دعاؤه لهم على حد دعاء نوح وهود وصالح أممهم في معنى كفرهم ومعاصيهم، بل في الاهتداء والتزكي وإرسال بني إسرائيل.
ومما يؤيد هذا أنه لو كانت دعوته لفرعون والقبط على حدود دعوته لبني إسرائيل فلم كان يطلب بأمر الله أن يرسل معه بني إسرائيل؟ بل كان يطلب أن يؤمن الجميع ويتشرعوا بشرعه ويستقر الأمر. وأيضًا فلو كان مبعوثًا إلى القبط لرده الله إليهم حين غرق فرعون وجنوده، ولكن لم يكونوا أمة له فلم يرد إليهم.
قال القاضي أبو محمد: واحتج من ذهب إلى أن موسى بعث إلى جميعهم بقوله تعالى في غير آية: {إلى فرعون وملئه} [الأعراف: 103]، و: {إلى فرعون وقومه} [النمل: 12] والله أعلم.
وقوله: {وذكرهم} الآية. أمر الله عز وجل موسى أن يعظ قومه بالتهديد بنقم الله التي أحلها بالأمم الكافرة قبلهم وبالتعديد لنعمه عليهم في المواطن المتقدمة، وعلى غيرهم من أهل طاعته ليكون جريهم على منهاج الذين أنعم عليهم وهربهم من طريق الذين حلت بهم النقمات، وعبر عن النعم والنقم ب الأيام إذ هي في أيام، وفي هذه العبارة تعظيم هذه الكوائن المذكور بها، ومن هذا المعنى قولهم: يوم عصيب، ويوم عبوس، ويوم بسام، وإنما الحقيقة وصف ما وقع فيه من شدة أو سرور. وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت: {أيام الله}: نعمه: وعن فرقة أنها قالت: {أيام الله}: نقمه.
قال القاضي أبو محمد: ولفظة الأيام تعم المعنيين، لأن التذكير يقع بالوجهين جميعًا.
وقوله: {لكل صبار شكور} إنما أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، فأخذ من صفات المؤمن صفتين تجمع أكثر الخصال وتعم أجمل الأفعال.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}
هذا من التذكير بأيام الله في النعم، وكان يوم الإنجاء عظيمًا لعظم الكائن فيه، وقد تقدم تفسير هذه الآية وقصصها بما يغني عن إعادته، غير أن في هذه الآية زيادة الواو في قوله: {ويذبحون} وفي البقرة: {يذبحون} [البقرة: 49]- بغير واو عطف. فهناك فسر سوء العذاب بأنه التذبيح والاستحياء، وهنا دل بسوء العذاب على أنواع غير التذبيح والاستحياء، وعطف التذبيح والاستحياء عليها.
وقرأ ابن محيصن: {ويَذبَحون} بفتح الياء والباء مخففة.
و{بلاء} في هذه الآية يحتمل أن يريد به المحنة، ويحتمل أن يريد به الاختبار، والمعنى متقارب. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أن أَخرج قومك}
قال الزجاج: {أن} مفسِّر، والمعنى: قلنا له: أَخرج قومك.
وقد سبق بيان الظلمات والنور [البقرة: 257].
وفي قوله: {وذكِّرهم بأيام الله} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نِعَمُ الله، رواه أُبيُّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مجاهد، وقتادة، وابن قتيبة.
والثاني: أنها وقائع الله في الأمم قبلهم، قاله ابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.
والثالث: أنها أيام نِعَم الله عليهم وأيام نِقَمِه ممن كَفر من قوم نوح وعاد وثمود، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {إِن في ذلك} يعني: التذكير: {لآيات لكل صبَّار} على طاعة الله وعن معصيته: {شَكور} لأنعُمه.
والصبَّار: الكثير الصبر، والشَّكور: الكثير الشُّكر، وإِنما خصه بالآيات، لانتفاعه بها.
وما بعد هذا مشروح في سورة [البقرة: 49]. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بِآيَاتِنَا}
أي بحجتنا وبراهيننا؛ أي بالمعجزات الدالة على صدقه.
قال مجاهد: هي التسع الآيات.
{أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظلمات إِلَى النور} نظيره قوله تعالى لنبينا عليه السلام أول السورة: {لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور}.
وقيل: {أَنْ} هنا بمعنى أي، كقوله تعالى: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا} [ص: 6] أي امشوا.
قوله تعالى: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} أي قل لهم قولًا يتذكرون به أيام الله تعالى.
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: بنعم الله عليهم؛ وقاله أبيّ بن كعب ورواه مرفوعًا؛ أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم، وقد تسمى النعم الأيام؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم:
وأيامٍ لنا غُرٍّ طِوالٍ

وعن ابن عباس أيضًا ومقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة؛ يقال: فلان عالم بأيام العرب، أي بوقائعها.
قال ابن زيد: يعني الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية؛ وكذلك روى ابن وهب عن مالك قال: بلاؤه.
وقال الطبريّ: وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم؛ أي بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة؛ وقد كانوا عبيدًا مستذلين؛ واكتفى بذكر الأيام عنه لأنها كانت معلومة عندهم.
وروى سعيد بن جُبَير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله وأيامُ الله بَلاؤه ونِعماؤه» وذكر حديث الخضر؛ ودلّ هذا على جواز الوعظ المرقّق للقلوب، المقوِّي لليقين، الخالي من كل بدعة، والمنزه عن كل ضلالة وشبهة.
{إِنَّ فِي ذلك} أي في التذكير بأيام الله: {لآيَاتٍ} أي دلالات.
{لِّكُلِّ صَبَّارٍ} أي كثير الصبر على طاعة الله، وعن معاصيه.
{شَكُورٍ} لنعم الله.
وقال قتادة: هو العبد؛ إذا أُعطِي شَكر، وإذا ابتلي صَبر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر» ثم تلا هذه الآية: {إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
ونحوه عن الشعبيّ موقوفًا.
وتَوارَى الحسن البصريّ عن الحجّاج سبعَ سنين، فلما بلغه موته قال: اللهم قد أمتّه فأمِت سُنَّته، وسجد شكرًا، وقرأ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
وإنما خص بالآيات كل صبار شكور؛ لأنه يعتبر بها ولا يغفل عنها؛ كما قال: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} وإن كان منذِرًا للجميع.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب}
تقدم في البقرة مستوفى والحمد لله. اهـ.