فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا}
المراد بالآيات المعجزات التي جاء بها موسى، مثل العصا واليد وفلق البحر وغير ذلك من المعجزات العظيمة الباهرة: {أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور} أي أن أخرج قومك بالدعوة من ظلمات الكفر الى نور الإيمان: {وذكرهم بأيام الله} قال ابن عباس وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة: يعني بنعم الله.
وقال مقاتل: بوقائع الله في الأمم السالفة.
يقال: فلان عالم بأيام العرب أي بوقائعهم بما أراد بما كان في أيام الله من النعمة والنقمة، فأخبر بذكر الأيام عن ذلك لأن ذلك كان معلومًا عندهم وعلى هذا يكون المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد.
والترغيب والوعد أن يذكرهم بما أنعم الله عليهم به من النعمة، وعلى من قبلهم ممن آمن بالرسل فيما مضى من الأيام، والترهيب والوعيد أن يذكرهم بأس الله، وشدة انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله، وقيل: بأيام الله في حق موسى أن يذكر قومه بأيام المحنة والشدة والبلاء حين كانوا تحت أيدي القبط يسومونهم سوء العذاب فخلصهم الله من ذلك، وجعلهم مولكًا بعد أن كانوا مملوكين: {إن في ذلك لآيات لكل صبّار شكور} الصبّار: الكثير الصبر، والشكور: الكثير الشكر، وإنما خص الشكور والصبور بالاعتبار بالآيات وإن كان فيها عبرة للكافة لأنهم هم المنتفعون بها دون غيرهم فلهذا خصهم بالآيات، فكأنها ليست لغيرهم فهو كقوله: {وهدى للمتقين} ولأن الانتفاع بالآيات لا يمكن حصوله إلا لمن يكون صابرًا شاكرًا أما من لم يكن كذلك فلا ينتفع بها البتة: {وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم} لما أمر الله موسى أن يذكر قومه بأيام الله امتثل ذلك الأمر، وذكرهم بأيام الله فال: {اذكروا نعمة الله عليكم}: {إذ أنجاكم من آل فرعون} أي اذركوا إنعام الله عليكم في ذلك الوقت الذي أنجاكم فيه من آل فرعون: {يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم}.
فإن قلت قال في سورة البقرة: يذبحون بغير واو وقال هنا ويذبحون بزيادة واو فما الفرق؟ قلت: إنما حذفت الواو في سورة البقرة لأن قوله يذبحون تفسير لقوله يسومونكم سوء العذاب، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو كما تقول جاءني القوم زيد وعمرو إذا أردت تفسير القوم وأما دخول الواو هنا في هذه السورة فلأن آل فرعون كانوا يعذبونهم بأنواع من العذاب غير التذبيح وبالتذبيح أيضًا فقوله: ويذبحون نوع آخر من العذاب لأنه تفسير العذاب: {ويستحيون نساءكم} يعني يتركونهن أحياء: {وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم}.
فإن قلت كيف كان فعل آل فرعون بلاء من ربهم؟ قلت: تمكينهم وإمهالهم حتى فعلوا ما فعلوا بلاء من الله؛ ووجه آخر وهون أذن لكم إشارة إلى الانجاء، وهو بلاء عظيم لأن البلاء يكون ابتلاء بالنعمة والمحنة جميعًا ومنه قوله: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} وهذا الوجه أولى لأنه موافق لأول الآية وهو قوله اذكروا نعمة الله عليكم.
فإن قلت: هب أن تذبيح الأبناء فيه بلاء فكيف يكون استحياء النساء فيه بلاء.
قلت: كانوا يستحيونهن ويتركونهن تحت أيديهم كالإماء فكان ذلك بلاء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى}
والجمهور على تفسير قوله: {بآياتنا}، إنها تسع الآيات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام.
وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة، والتقدير: كما أرسلناك يا محمد بالقرآن بلسان عربي وهو آياتنا، كذلك أرسلنا موسى بالتوارة بلسان قومه، وأن أخرج يحتمل أن أن تكون تفسيرية، وأن تكون مصدرية، ويضعف زعم من زعم أنها زائدة.
وفي قوله: قومك خصوص لرسالته إلى قومه، بخلاف لتخرج الناس، والظاهر أنّ قومه هم بنو إسرائيل.
وقيل: القبط.
فإن كانوا القبط فالظلمات هنا الكفر، والنور الإيمان، وإن كانوا بني إسرائيل وقلنا: إنهم كلهم كانوا مؤمنين، فالظلمات ذل العبودية، والنور العزة بالدين وظهور أمر الله.
وإن كانوا أشياعًا متفرقين في الدين، قوم مع القبط في عبادة فرعون، وقوم على غير شيء، فالظلمات الكفر والنور الإيمان.
قيل: وكان موسى مبعوثًا إلى القبط وبني إسرائيل.
وقيل: إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله، وأن لا يشرك به، والإيمان بموسى، وأنه نبي من عند الله، وإلى بني إسرائيل بالتكليف وبفروع شريعته إذ كانوا مؤمنين.
ويحتمل وذكرهم أن يكون أمرًا مستأنفًا، وأن يكون معطوفًا على أن أخرج، فيكون في حيزان.
وأيام الله قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: نعم الله عليهم، ورواه أبي مرفوعًا.
ومنه قول الشاعر:
وأيام لنا غرّ طوال ** عصينا الملك فيها إن ندينا

وعن ابن عباس أيضًا، ومقاتل، وابن زيد: وقائعه ونقماته في الأمم الماضية، ويقال: فلان عالم بأيام العرب أي وقائعها وحروبها وملاحمها: كيوم ذي قار، ويوم الفجار، ويوم فضة وغيرها.
وروي نحوه عن مالك قال: بلاؤه.
وقال الشاعر:
وأيامنا مشهورة في عدونا

أي وقائعنا.
وعن ابن عباس أيضًا: نعماؤه وبلاؤه، واختاره الطبري، فنعماؤه: بتظليله عليهم الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وفلق البحر.
وبلاؤه: باستعباد فرعون لهم، وتذبيح أبنائهم، وإهلاك القرون قبلهم.
وفي حديث أبيّ في قصة موسى والخضر عليهما السلام، بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه، واختار الطبري هذا القول الآخر.
ولفظة الأيام تعم المعنيين، لأنّ التذكير يقع بالوجهين جميعًا.
وفي هذه اللفظة تعظيم الكوائن المذكر بها.
وعبر عنها بالظرف الذي وقعت فيه.
وكثيرًا ما يقع الإسناد إلى الظرف، وفي الحقيقة الإسناد لغيرها كقوله: {بل مكر الليل والنهار}، ومن ذلك قولهم: يوم عبوس، ويوم عصيب، ويوم بسام. والحقيقة وصف ما وقع فيه من شدّة أو سرور. والإشارة بقوله: إن في ذلك، إلى التذكير بأيام الله. وصبار، شكور، صفتا مبالغة، وهما مشعرتان بأنّ أيام الله المراد بهما بلاؤه ونعماؤه أي: صبار على بلائه، شكور لنعمائه.
فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم، أو بما أفاض عليهم من النعم، تنبه على ما يجب عليه من الصبر إذا أصابه بلاء، من والشكر إذا أصابته نعماء، وخص الصبار والشكور لأنهما هما اللذان ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به.
وقيل: أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، لأنّ الصبر والشكر من سجايا أهل الإيمان.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}
لما تقدم أمره تعالى لموسى بالتذكير بأيام الله، ذكرهم بما أنعم تعالى عليهم من نجاتهم من آل فرعون، وفي ضمنها تعداد شيء مما جرى عليهم من نقمات الله.
وتقدم إعراب إذ في نحو هذا التركيب في قوله: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} وتفسير نظير هذه الآية، إلا أنَّ هنا: ويذبحون بالواو، وفي البقرة بغير واو، وفي الأعراف: {يقتلون} فحيث لم يؤت بالواو وجعل الفعل تفسيرًا لقوله: يسومونكم.
وحيث أتى بها دلّ على المغايرة.
وأنّ سوم سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره، وحيث جاء يقتلون جاء باللفظ المطلق المحتمل للتذبيح، ولغيره من أنواع القتل.
وقرأ ابن محيصن: {ويذبحون} مضارع ذبح ثلاثيًا، وقرأ زيد بن علي كذلك، إلا أنه حذف الواو. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى}
شروعٌ في تفصيل ما أجمل في قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ} الآية: {بآياتنا} أي ملتبسًا بها وهي معجزاتُه التي أظهرها لبني إسرائيلَ: {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} بمعنى أي أخرِجْ لأن الإرسالَ فيه معنى القول أو بأن أخرِجْ كما في قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ} فإن صيغ الأفعال في الدلالة على المصدر سواءٌ، وهو المدارُ في صحة الوصل والمرادُ بذلك إخراجُ بني إسرائيلَ بعد مهلِك فرعون: {مِنَ الظلمات} من الكفر والجهالاتِ التي أدتهم إلى أن يقولوا: يا موسى اجعل لن إلها كما لهم آلهة: {إِلَى النور} إلى الإيمان بالله وتوحيده وسائرِ ما أُمروا به: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} أي بنعمائه وبلائِه كما ينبئ عنه قوله: {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} لكن لا بما جرى عليهم فقط بل عليهم وعلى من قبلهم من الأمم في الأيام الخالية حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} الآيات، أو بأيامه المنطوية على ذلك كما يلوح به قوله تعالى: {إِذْ أَنجَاكُمْ} والالتفاتُ من التكلم إلى الغيبة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنِها والإشعارِ بعدم اختصاصِ ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومِه كما تُوهمه الإضافةُ إلى ضمير المتكلم أي عظْهم بالترغيب والترهيب والوعدِ الوعيد، وقيل: أيامُ الله وقائعُه التي وقعت على الأمم قبلهم، وأيامُ العرب وقائعُها وحروبُها وملاحمها أي أنذرهم وقائعَه التي دهمت الأممَ الدارجة، ويردّه ما تصدى له عليه الصلاة والسلام بصدد الامتثالِ من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى عليك.
{إِنَّ في ذَلِكَ} أي في التذكير بها أو في مجموع تلك النعماءِ والبلاءِ أو في أيامها: {لاَيَاتٍ} عظيمةً أو كثيرةً دالةً على وحدانية الله تعالى وقدرتِه وعلمه وحكمته، فهي على الأول عبارةٌ عن الأيام سواءٌ أريد بها أنفسُها أو ما فيها من النعماء والبلاءِ، ومعنى ظرفية التذكيرِ لها كونُه مناطًا لظهورها، وعلى الثالث عن تلك النعماء والبلاء ومعنى الظرفية ظاهر، وأما على الثاني وهو كونُه إشارةً إلى مجموع النعماءِ فعن كل واحدةَ من تلك النعماء والمشارُ إليه المجموعُ المشتمل عليها من حيث هو مجموعٌ وكلمةُ في تجريديةٌ مثلُها في قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ}: {لّكُلّ صَبَّارٍ} على بلائه: {شَكُورٍ} لنعمائه، وقيل: لكل مؤمنٍ، والتعبيرُ عنهم بذلك للإشعار بأن الصبرَ والشكرَ عنوانُ المؤمن أي لكل مَن يليق بكمال الصبرِ والشكر أو الإيمان ويصبِر أمرَه إليها، لا لمن اتصف بها بالفعل لأنه تعليلٌ للأمر بالتذكير المذكور السابقِ على التذكر المؤدّي إلى تلك المرتبة، فإن من تذكّر ما فاض أو نزل عليه أو على مَنْ قبله من النعماء والبلاءِ وتنبّه لعاقبة الشكر والصبر أو الإيمان لا يكاد يفارقها، وتخصيصُ الآيات بهم لأنهم المنتفعون بها لا لأنها خافيةٌ عن غيرهم، فإن التبيينَ حاصلٌ بالنسبة إلى الكل، وتقديمُ الصبار على الشكور لتقدم متعلَّقِ الصبر أعني البلأَ على متعلّق الشكر أعني النعماء وكون الشكر عاقبة الصبر.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ}
شروعٌ في بيان تصدّيه عليه الصلاة والسلام لما أُمر به من التذكير للإخراج المذكورِ، وإذ منصوبٌ على المفعولية بمضمر خوطب به النبيُّ عليه الصلاة والسلام، وتعليقُ الذكر بالوقت مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيه من الحوادث قد مر سرُّه غيرَ مرة أي اذكر لهم وقت قولِه عليه الصلاة والسلام لقومه: {اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} بدأ عليه الصلاة والسلام بالترغيب لأنه عند النفس أقبلُ وهي إليه أميلُ، والظرفُ متعلّقٌ بنفس النعمة إن جُعلت مصدرًا أو بمحذوف وقع حالًا منها إن جعلت اسمًا أي اذكروا إنعامه عليكم أو اذكروا نعمته كائنةً عليكم، وكذلك كلمةُ إذْ في قوله تعالى: {إِذَا أنجاكم من آل فرعون} أي اذكروا إنعامه عليكم وقت إنجائِه إياكم من آل فرعون أو اذكروا نعمةَ الله مستقرةً عليكم وقت إنجائِه إياكم منهم أو بدلُ اشتمال من نعمةَ الله مرادًا بها الإنعامُ أو العطية: {يَسُومُونَكُمْ} يبغونكم مِنْ سامه خَسفًا إذا أولاه ظلمًا، وأصلُ السَّوم الذهابُ في طلب الشيء: {سُوء العذاب} السوءُ مصدر ساء يسوء والمرادُ به جنسُ العذاب السيّيء أو استعبادهم واستعمالُهم في الأعمال الشاقة والاستهانةُ بهم وغيرُ ذلك مما لا يحصر، ونصبُه على أنه مفعولٌ ليسومونكم: {وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} المولودين وإنما عطفه على يسومونكم إخراجًا له عن مرتبة العذاب المعتاد، وإنما فعلوا ذلك لأن فرعون رأى في المنام أو قال له الكهنة أنه سيولد منهم مَنْ يذهب بملكه فاجتهدوا في ذلك فلم يُغن عنهم من قضاء الله شيئًا.
{وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} أي يُبقونهن في الحياة مع الذل والصَّغار ولذلك عد من جملة البلاء. والجملُ أحوالٌ من آل فرعون أو من ضمير المخاطبين أو منهما جميعًا لأن فيها ضميرَ كلَ منهما: {وَفِى ذلكم} أي فيما ذكر من أفعالهم الفظيعة: {بَلاء مِّن رَّبّكُمْ} أي ابتلاء منه لا أن البلاء عينُ تلك الأفعال اللهم إلا أن تجعل {في} تجريديةً فنسبتُه إلى الله تعالى إما من حيث الخلقُ أو الإقدارُ والتمكين: {عظِيمٌ} لا يطاق، ويجوز أن يكون المشارُ إليه الإنجاء من ذلك، والبلاءُ الابتلاءُ بالنعمة وهو الأنسب كما يلوح به التعرضُ لوصف الربوبية، وعلى الأول يكون ذلك باعتبار المآل الذي هو الإنجاءُ أو باعتبار أن بلأَ المؤمن تربيةٌ له. اهـ.