فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال مجاهد وقَتَادة: ردّوا على الرسل قولهم وكذّبوهم بأفواههم؛ فالضمير الأول للرسل، والثاني للكفار.
وقال الحسن وغيره: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردًّا لقولهم؛ فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل.
وقيل معناه: أَوْمأوا للرسل أن يسكتوا.
وقال مقاتل: أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم.
وقيل: ردّ الرسل أيدي القوم في أفواههم.
وقيل: إن الأيدي هنا النِّعم؛ أي ردّوا نِعم الرسل بأفواههم، أي بالنطق والتكذيب؛ ومجيء الرسل بالشرائع نِعَمٌ؛ والمعنى: كذّبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل.
و{في} بمعنى الباء؛ يقال: جلست في البيت وبالبيت؛ وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض.
وقال أبو عبيدة: هو ضرب مَثَل؛ أي لم يُؤْمنوا ولم يُجيبوا؛ والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت: قد ردّ يده في فيه؛ وقاله الأخفش أيضًا.
وقال القُتَبيّ: لم نسمع أحدًا من العرب يقول: ردّ يده في فيه إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى: عضوا على الأيدي حنقًا وغيظًا؛ لقول الشاعر:
تَرُدّون في فِيهِ غِشَّ الْحَسُو ** دِ حتى يَعَضَّ عليّ الأَكُفَّا

يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعضّ على أصابعه وكفّيه.
وقال آخر:
قَد أَفْنَى أنَامِلَهُ أَزْمَةً ** فأضحَى يَعَضُّ عليَّ الْوَظِيفَا

وقالوا:- يعني الأمم للرسل: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي بالإرسال على زعمكم، لا أنهم أقرّوا أنهم أُرسلوا.
{وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ} أي في ريب ومِرية.
{مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من التوحيد.
{مُرِيبٍ} أي موجب للرّيبة؛ يقال: أربته إذ فعلت أمرًا أوجب ريبة وشكًّا؛ أي نظنّ أنكم تطلبون الملك والدنيا. اهـ.

.قال الخازن:

{وإذ تأذن ربكم}
هذا من جملة ما قال موسى لقومه كأنه قيل اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم، ومعنى تأذن: آذن، أي أعلم ولابد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل وأذن ربكم إيذانًا بليغًا تنتفي عنده الشكوك وتنزاح الشبه المعنى وإذ تأذن ربكم فقال: {ولئن شكرتم} يعني يا بني اسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها من النعم بالإيمان الخالص والعمل الصالح: {لأزيدنكم} يعني نعمة إلى نعمة، ولأضاعفن لكم ما أتيتكم قيل شكر الموجود صيد المفقود.
وقيل: لئن شكرتم بالطاعة لأزيدنكم في الثواب وأصل الشكر تصور النعمة، وإظهارها وحقيقته الاعتراف بنعمة المنم مع تعظيمه، وتوطين النفس على هذه الطريقة وهاهنا دقيقة وهي أن العبد إذا اشتغل بمطالعة أقسام نعم الله عليه، وأنواع فضله وكرمه وإحسانه إليه اشتغل بشكر تلك النعمة وذلك يوجب المزيد وبذلك تتأكد محبة العبد لله وهو مقام شريف ومقام أعلى منه وهو أن يشغله حب المنعم عن الالتفات إلى النعم، وهذا مقام الصدّيقين نسأل الله القيام بواجب شكر النعمة حتى يزيدنا من فضله وكرمه وإحسانه وإنعامه.
وقوله: {ولئن كفرتم} المراد بالكفر هاهنا كفران النعمة، وهو جحودها لأنه مذكور في مقابلة الشكر: {إن عذابي لشديد} يعني لمن كفر نعمتي ولا يشكرها: {وقال موسى إن تكفروا} يعني يا بني اسرائيل: {أنتم ومن في الأرض جميعًا} يعني والناس كلهم جميعًا فإنما ضرر ذلك يعود على أنفسكم بحرمانها الخير كله: {فإن الله لغني} يعني عن جميع خلقه: {حميد} أي محمود في جميع أفعاله لأنه متفضل وعادل: {ألم يأتكم نبأ} يعني خبر: {الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود} قال بعض المفسرين: يحتمل أن يكون هذا خطابًا من موسى لقومه، والمقصود منه أنه يذكرهم بأمر القرون الماضية والأمم الخالية والمقصود منه حصول العبرة بأحوال من تقدم وهلاكهم: {والذين من بعدهم} يعني من بعد هؤلاء الأمم الثلاثة: {لا يعلمهم إلا الله} يعني لا يعلم كنه مقاديرهم وعددهم إلا الله لأن علمه محيط بكل شيء: {ألا يعلم من خلق} وقيل: المراد بقوله والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله أقوام وأمم ما بلغنا خبرهم أصلًا ومنه قوله: {وقرونًا بين ذلك كثيرًا} وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية يقول: كذب النسابون.
يعني أنهم يدعون علم النسب إلى آدم، وقد نفى الله علم ذلك عن العباد.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال: بين إبراهيم وعدنان ثلاثون قرنًا لا يعلمهم إلا الله وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أبًا أبًا إلى آدم، لأنه لا يعلم أولئك إلا الله.
وقوله تعالى: {جاءتهم رسلهم بالبينات} يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات: {فردوا أيديهم في أفواههم}.
وفي معنى الأيدي والأفواه قولان: أحدهما أن المراد بهما هاتان الجارحتان المعلومتان ثم في معنى ذلك وجوه.
قال ابن مسعود: عضوا أيديهم غيظًا.
وقال ابن عباس: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.
وقال مجاهد وقتادة: كذبوا الرسل وردوا ما جاؤوا به.
يقال: رددت قول فلان في فيه أي كذبته.
وقال الكلبي: يعني أن الأمم ردوا أيديهم إلى أفواه أنفسهم، يعني أنهم وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة منهم إلى الرسل أن اسكتوا.
وقال مقاتل: ردوا أيديهم إلى أفواه الرسل يسكتونهم بذلك وقيل: إن الأمم لما سمعوا كلام الرسل عجبوا منه.
وضحكوا على سبيل السخرية فعند ذلك ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل الذي غلبه الضحك.
القول الثاني: أن المراد بالأيدي والأفواه غير الجارحتين فقيل المراد بالأيدي النعم ومعناه ردوا ما لو قبلوه لكان نعمة عليهم يقال لفلان عندي يد أي نعمة، والمراد بالأفواه وتكذيبهم الرسل والمعنى كذبوهم بأفواههم وردوا قولهم وقيل إنهم كفوا عن قبول ما أمروا بقبوله من الحق ولم يؤمنوا به يقال فلان رد يده إلى فيه إذا أمسك عن الجواب فلم يجب وهذا القول فيه بعد لأنهم قد أجابوا بالتكذيب وهو أن الأمم ردوا على رسلهم: {وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به} يعني إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به لأنهم لم يقروا بأنهم أرسلوا إليهم لأنهم لو أقروا بأن الرسل أرسلوا إليهم لكانوا مؤمنين: {وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} يعني يوجب الريبة أو يوقع في الريبة والتهمة، والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر الذي يشك فيه.
فإن قلت: إنهم قالوا أولًا إنا كفرنا بما أرسلتم به فكيف يقولون ثانيًا وإنا لفي شك والشك دون الكفر أو داخل فيه.
قلت: إنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل فكأنهم حصل لهم شبهة توجب لهم الشك فقالوا: إن لم تدع الجزم في كفرنا فلا أقل من أن نكون شاكّين مرتابين في ذلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}
وتقدم شرح تأذن وتلقيه بالقسم في قوله في الأعراف: {وإذ تأذن ربك ليبعثن} واحتمل إذ أن يكون منصوبًا باذكروا، وأن يكون معطوفًا على إذ أنجاكم، لأنّ هذا الإعلام بالمزيد على الشكر من نعمه تعالى.
والظاهر أنّ متعلق الشكر هو الإنعام أي: لئن شكرتم إنعامي، وقاله الحسن والربيع.
قال الحسن: لأزيدنكم من طاعتي.
وقال الربيع: لأزيدنكم من فضلي.
وقال ابن عباس: أي لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم في الثواب.
وكأنه راعى ظاهر المقابلة في قوله: {ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}.
وظاهر الكفر المراد به الشرك، فلذلك فسر الشكر بالتوحيد والطاعة وغيره.
قال: ولئن كفرتم، أي نعمتي فلم تشكروها، رتب العذاب الشديد على كفران نعمة الله تعالى، ولم يبين محل الزيادة، فاحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما، وجاء التركيب على ما عهد في القرآن من أنه إذا ذكر الخبر أسند إليه تعالى.
وإذ ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه فقال: لأزيدنكم، فنسب الزيادة إليه وقال: إنّ عذابي لشديد، ولم يأت التركيب لأعذبنكم، وخرج في لأزيدنكم بالمفعول، وهنا لم يذكر، وإن كان المعنى عليه أي: إنّ عذابي لكم لشديد.
وقرأ عبد الله: {وإذ قال ربكم}، كأنه فسر قوله: {تأذن}، لأنه بمعنى أذن أي: أعلم، وأعلم يكون بالقول.
ثم نبه موسى عليه السلام قومه على أنّ الباري تعالى، وإن أوعد بالعذاب الشديد على الكفر، فهو غير مفتقر إلى شكركم، لأنه تعالى هو الغني عن شكركم، الحميد المستوجب الحمد على ما أسبغ من نعمه، وإن لم يحمده الحامدون، فثمرة شكركم إنما هي عائدة إليكم.
و{أنتم} خطاب لقومه وقال: {ومن في الأرض} يعني: الناس كلهم، لأنّ من كان في العالم العلوي وهم الملائكة لا يدخلون في من في الأرض، وجواب أنْ تكفروا محذوف لدلالة المعنى التقدير: فإنما ضرر كفركم لاحق بكم، والله تعالى متصف بالغني المطلق. والحمد سواء كفروا أم شكروا، وفي خطابه لهم تحقير لشأنهم، وتعظيم لله تعالى، وكذلك في ذكر هاتين الصفتين.
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ}
الظاهر أن هذا من خطاب موسى لقومه. وقيل: ابتداء خطاب من الله لهذه الأمة، وخبر قوم نوح وعاد وثمود قد قصه الله في كتابه، وتقدم في الأعراف وهود، والهمزة في ألم للتقرير والتوبيخ. والظاهر أنّ والذين في موضع خفض عطفًا على ما قبله، إما على الذين، وإما على قوم نوح وعاد وثمود.
قال الزمخشري: والجملة من قوله: {لا يعلمهم إلا الله}، اعتراض والمعنى: أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله انتهى.
وليست جملة اعتراض، لأنّ جملة الاعتراض تكون بين جزءين، يطلب أحدهما الآخر.
وقال أبو البقاء: تكون هذه الجملة حالًا من الضمير في من بعدهم، فإن عنى من الضمير المجرور في بعدهم فلا يجوز لأنه حال مما جر بالإضافة، وليس له محل إعراب من رفع أو نصب، وإن عنى من الضمير المستقر في الجار والمجرور النائب عن العامل أمكن.
وقال أبو البقاء: أيضًا ويجوز أن يكون مستأنفًا، وكذلك جاءتهم.
وأجاز الزمخشري وتبعه أبو البقاء: أن يكون والذين مبتدأ، وخبره لا يعلمهم إلا الله.
وقال الزمخشري: والجملة من المبتدأ والخبر وقعت اعتراضًا انتهى.
وليست باعتراض، لأنها لم تقع بين جزءين: أحدهما يطلب الآخر.
والضمير في {جاءتهم} عائد على {الذين من قبلكم}، والجملة تفسيرية للنبأ.
والظاهر أنّ الأيدي هي الجوارح، وأنّ الضمير في {أيديهم} وفي {أفواههم} عائد على الذين جاءتهم الرسل.
وقال ابن مسعود، وابن زيد أي: جعلوا، أي: أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم ليعضوها غيظًا مما جاءت به الرسل.
وقال ابن زيد: عضوا عليكم الأنامل من الغيظ.
والعض بسبب مشهور من البشر.
وقال الشاعر:
قد أفنى أنامله أزمة ** وأضحى يعض على الوظيفا

وقال آخر:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ** ودقة في عظم ساقي ويدي

وبعد أهلي وجفاء عوّدي ** عضت من الوجد بأطراف اليد

وقال ابن عباس: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.
وقال أبو صالح: لما قال لهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: أنا رسول الله إليكم، وأشاروا بأصابعهم إلى أفواههم أنْ اسكت تكذيبًا له، وردًا لقوله، واستبشاعًا لما جاء به.
وقيل: ردّوا أيديهم في أفواههم ضحكًا واستهزاء كمن غلبه الضحك فوضع يده على فيه.