فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجملة: {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} مستأنفة لبيان النبأ المذكور في: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} أي: جاءتهم الرسل بالمعجزات الظاهرة وبالشرائع الواضحة: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} أي جعلوا أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظًا مما جاءت به الرسل كما في قوله تعالى: {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} [آل عمران: 119]، لأن الرسل جاءتهم بتسفيه أحلامهم، وشتم أصنامهم.
وقيل: إن المعنى أنهم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم لما جاءتهم الرسل بالبينات، أي: اسكتوا واتركوا هذا الذي جئتم به تكذيبًا لهم وردّا لقولهم.
وقيل: المعنى أنهم أشاروا إلى أنفسهم وما يصدر عنها من المقالة، وهي قولهم: {إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي: لا جواب لكم سوى هذا الذي قلناه لكم بألسنتا هذه.
وقيل: وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاءا وتعجبًا.
كما يفعله من غلبه الضحك من وضع يده على فيه.
وقيل: المعنى ردّوا على الرسل قولهم، وكذبوهم بأفواههم، فالضمير الأوّل للرسل والثاني للكفار.
وقيل: جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردًّا لقولهم، فالضمير الأول على هذا للكفار، والثاني للرسل.
وقيل: معناه أومئوا إلى الرسل أن اسكتوا.
وقيل: أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم.
وقيل: إن الأيدي هنا النعم، أي: ردّوا نعم الرسل بأفواههم، أي: بالنطق والتكذيب، والمراد بالنعم هنا ما جاءهم به من الشرائع، وقال أبو عبيدة: ونعم ما قال: هو ضرب مثل، أي: لم يؤمنوا ولم يجيبوا.
والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت: قد ردّ يده في فيه.
وهكذا قال الأخفش، واعترض ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول ردّ يده في فيه: إذا ترك ما أمر به، وإنما المعنى عضوا على الأيدي حنقًا وغيظًا، كقول الشاعر:
يردّن في فيه غيظ الحسود ** حتى يعض عليّ الأكفا

وهذا هو القول الذي قدّمناه على جميع هذه الأقوال، ومنه قول الشاعر:
لو أن سلمى أبصرت تخددي ** عضت من الوجد بأطراف اليد

وهو أقرب التفاسير للآية إن لم يصح عن العرب ما ذكره أبو عبيدة والأخفش، فإن صح ما ذكراه فتفسير الآية به أقرب: {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي قال الكفار للرسل: إنا كفرنا بما أرسلتم به من البينات على زعمكم: {وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} أي: في شك عظيم مما تدعوننا إليه من الإيمان بالله وحده وترك ما سواه: {مُرِيبٍ} أي: موجب للريب.
يقال: أربته إذا فعلت أمرًا أوجب ريبة وشكًا.
والريب قلق النفس وعدم سكونها.
وقد قيل: كيف صرحوا بالكفر ثم أمرهم على الشك؟ وأجيب بأنهم أرادوا إنا كافرون برسالتكم وإن نزلنا عن هذا المقام فلا أقل من أنا نشك في صحة نبوّتكم.
ومع كمال الشك لا مطمع في الاعتراف بنبوتكم، وجملة: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فماذا قالت لهم الرسل؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ أي: أفي وحدانيته سبحانه شك؟ وهي في غاية الوضوح والجلاء.
ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه ووحدانيته، فقالوا: {فَاطِرَ السموات والأرض} أي: خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم: {يَدْعُوكُمْ} إلى الإيمان به وتوحيده: {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} قال أبو عبيدة: {من} زائدة، ووجه ذلك قوله في موضع آخر: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} [الزمر: 53].
وقال سيبويه: هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع؛ وقيل: التبعيض على حقيقته، ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميعها لغيرهم.
وبهذه الآية احتج من جوّز زيادة {من} في الإثبات.
وقيل: {من} للبدل وليست بزائدة ولا تبعيضية، أي: لتكون المغفرة بدلًا من الذنوب: {وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: إلى وقت مسمى عنده سبحانه، وهو الموت فلا يعذبكم في الدنيا: {قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} أي: ما أنتم إلاّ بشر مثلنا في الهيئة والصورة، تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب، ولستم ملائكة: {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا} وصفوهم بالبشر أوّلًا، ثم بإرادة الصدّ لهم عما كان يعبد آباؤهم ثانيًا أي: تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها: {فَأْتُونَا} إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله: {بسلطان مُّبِينٍ} أي: بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدّعونه، وقد جاؤهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة، ولكن هذا النوع من تعنتاتهم، ولون من تلوناتهم.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي: ما نحن في الصورة والهيئة إلاّ بشر مثلكم كما قلتم: {ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أي: يتفضل على من يشاء منهم بالنبوّة.
وقيل: بالتوفيق والهداية: {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان} أي: ما صح ولا استقام لنا أن نأتيكم بحجة من الحجج: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} أي: إلاّ بمشيئته وليس ذلك في قدرتنا.
قيل: المراد بالسلطان هنا هو ما يطلبه الكفار من الآيات على سبيل التعنت، وقيل أعم من ذلك، فإن ما شاءه الله كان وما لم يشأه لم يكن: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أي: عليه وحده، وهذا أمر منهم للمؤمنين بالتوكل على الله دون من عداه، وكأنّ الرسل فصدوا بهذا الأمر للمؤمنين الأمر لهم أنفسهم قصدًا أوّليًا، ولهذا قالوا: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله} أي: وأيّ عذر لنا في ألاّ نتوكل عليه سبحانه؟: {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} أي: والحال أنه قد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه من هدايتنا إلى الطريق الموصل إلى رحمته، وهو ما شرعه لعباده وأوجب عليهم سلوكه: {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا آذَيْتُمُونَا} بما يقع منكم من التكذيب لنا والاقتراحات الباطلة: {وَعَلَى الله} وحده دون من عداه: {فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} قيل: المراد بالتوكل الأوّل استحداثه، وبهذا السعي في بقائه وثبوته.
وقيل: معنى الأوّل إن الذين يطلبون المعجزات يجب عليهم أن يتوكلوا في حصولها على الله سبحانه لا علينا، فإن شاء سبحانه أظهرها وإن شاء لم يظهرها.
ومعنى الثاني: أبداء التوكل على الله في دفع شر الكفار وسفاهتهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ} قال: أخبرهم موسى عن ربه أنهم إن شكروا النعمة زادهم من فضله وأوسع لهم من الرزق وأظهرهم على العالم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن: {لأزِيدَنَّكُمْ} قال: من طاعتي.
وأخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن عليّ بن صالح مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في الآية قال: لا تذهب أنفسكم إلى الدينا فإنها أهون عند الله من ذلك، ولكن يقول لئن شكرتم لأزيدنكم من طاعتي.
وأخرج أحمد، والبيهقي عن أنس قال: «أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها، وأتاه آخر فأمر له بتمرة فقبلها وقال: تمرة من رسول الله، فقال للجارية: اذهبي إلى أمّ سلمة فأعطيه الأربعين درهمًا التي عندها»، وفي إسناد أحمد عمارة بن زاذان، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان.
وقال ابن معين: صالح، وقال أبو زرعة: لا بأس به.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ليس بالمتين، وقال البخاري: ربما يضطرب في حديثه، وقال أحمد: روي عنه أحاديث منكرة، وقال أبو داود: ليس بذاك.
وضعفه الدارقطني، وقال ابن عدي: لا بأس به.
وأخرج البخاري في تاريخه، والضياء المقدسي في المختارة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ألهم خمسة لم يحرم خمسة، وفيها: ومن ألهم الشكر لم يحرم الزيادة» وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأغرّ أن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من أعطيهنّ لم يمنع من الله أربعًا، وفيها: ومن أعطي الشكر لم يمنع الزيادة؟» ولا وجه لتقييد الزيادة بالزيادة في الطاعة، بل الظاهر من الآية العموم كما يفيده جعل الزيادة جزاء للشكر، فمن شكر الله على ما رزقه وسع الله عليه في زرقه، ومن شكر الله على ما أقدره عليه من طاعته زاده من طاعته، ومن شكره على ما أنعم عليه به من الصحة زاده الله صحة ونحو ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} ويقول: كذب النسابون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عمرو بن ميمون مثله.
وأخرج ابن الضريس عن أبي مجلز قال: قال رجل لعليّ بن أبي طالب: أنا أنسب الناس، قال: إنك لا تنسب الناس، فقال بلى: فقال له عليّ: أرأيت قوله: {وَعَادًا وَثَمُودَاْ وأصحاب الرس وَقُرُونًا بَيْنَ ذلك كَثِيرًا} [الفرقان: 38] قال: أنا أنسب ذلك الكثير، قال: أرأيت قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} فسكت.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال: ما وجدنا أحدًا يعرف ما وراء معدّ بن عدنان.
وأخرج أبو عبيد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبًا لا يعرفون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} قال: لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم: {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} يقولون: لا نصدّقكم فيما جئتم به فإن عندنا فيه شكًا قويًا.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وأبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن مسعود: {فرّدوا أيديهم في أفواههم} قال: عضوا عليها.
وفي لفظ: على أناملهم غيظًا على رسلهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
أخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ويؤخركم إلى أجل مسمى} قال: ما قد خط من الأجل، فإذا جاء الأجل من الله لم يؤخر.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا: إذا آذاك البرغوث، فخذ قدحًا من ماء واقرأ عليه سبع مرات: {وما لنا ألا نتوكل على الله...} الآية، ثم ترش حول فراشك.
وأخرج المستغفري في الدعوات، عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا آذاك البرغوث، فخذ قدحًا من ماء واقرأ عليه سبع مرات: {وما لنا ألا نتوكل على الله...} الآية. فإن كنتم مؤمنين، فكفوا شركم وأذاكم عنا، ثم ترشه حول فراشك، فإنك تبيت آمنا من شرها». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قوله تعالى: {أَفِي الله شَكٌّ}: يجوز في {شَكٌّ} وجهان، أظهرُهما: أنه فاعل بالجارِّ قبله، وجاز ذلك لاعتماده على الاستفهام. والثاني: أنه مبتدأٌ وخبره الجارُّ، والأولُ أوْلَى، بل كان ينبغي أن يَتَعَيَّن لأنه يلزمُ مِنَ الثاني الفصلُ بين الصفة والموصوفِ بأجنبيّ وهو المبتدأ، وهذا بخلاف الأول، فإنَّ الفاصلَ ليسَ أجنبيًا؛ إذ هو فاعلٌ، والفاعلُ كالجزء من رافعه. ويدلُّ على ذلك تجويزُهم: ما رأيت رجلًا أحسنَ في عينه الكحلُ منه في عين زيد بنصب أحسنَ صفةً ورفع الكحلُ فاعلًا بأَفْعَلَ، ولم يَضُرَّ الفصلُ به بين أَفْعَل وبين مِنْ لكونه كالجزء مِنْ رافعِه، ولم يُجيزوا رَفْعَ أحسن خبرًا مقدَّمًا والكحلُ مبتدأ مؤخر، لئلا يلزم الفصلُ بين أَفْعَل وبين مِنْ بأجنبي. ووجهُ الاستشهادِ من هذه المسألة: أنهم جعلوا المبتدأَ أجنبيًا بخلاف الفاعل، ولهذه المسألةِ موضعٌ غيرُ هذا.
وقرأ العامَّةُ {فاطرِ} بالجرِّ. وفيه وجهان: النعتُ والبدليةُ، قاله أبو البقاء: وفيه نظر؛ فإنَّ الإِبدالَ بالمشتقاتِ يَقِلُّ، ولو جعله عطفَ بيانٍ كان أسهلَ. قال الزمخشريُّ: أُدْخِلَتْ همزةُ الإِنكارِ على الظرف، لأنَّ الكلامَ ليس في الشَّكِّ، إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشكَّ لظهورِ الأدلَّةِ وشهادتِها عليه.
وقوله: {لِيَغْفِرَ} اللامُ متعلِّقةٌ بالدعاء، أي: لأجلِ غفران ربِّكم، كقوله:
دَعَوْتُ لِما نابني مِسْورا ** فَلَبَّى فَلَبَّى يَدَيْ مِسْوَرِ

ويجوز أن تكونَ اللامُ مُعَدِّيةً كقولِك: دَعَوْتُكَ لِزيدٍ، وقوله: {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان} [غافر: 10]. والتقدير: يَدْعُوْكم إلى غفرانِ ذنوبِكم.
وقوله: {أَن تَصُدُّونَا} العامَّة على تخفيفِ النون. وقرأ طلحةُ بتشديدها كما شدَّد {تَدْعُونَّا}. وفيها تخريجان، أحدُهما: ما تقدَّم في نظيرتِها على أَنْ تكونَ {أَنْ} هي المخففةَ لا الناصبةَ، واسمُها ضميرُ الشأنِ، وشذَّ عَدَمُ الفصلِ بينها وبين الجملة الفعلية. والثاني: أنها الناصبةُ، ولكنْ أُهْمِلَتْ حملًا على ما المصدريَّةِ، كقراءةِ {أَنْ يُتِمُّ} برفع {يُتِمُّ}. وقد تقدَّمَ القولُ فيه.
و{مِنْ} في: {مِّن ذُنُوبِكُمْ} قيل: مزيدةٌ. وقيل: تبعيضيةٌ. وقيل: بمعنى البدلِ أي: بدلَ عقوبةِ ذنوبكم، كقوله: {أَرَضِيتُمْ بالحياة الدنيا مِنَ الآخرة} [التوبة: 38].
قوله: {تُرِيْدون} يجوز أن يكونَ صفةً ثانيةً ل {بَشَرٌ}، وحُمِل على معناه؛ لأنَّ بمنزلةِ القومِ والرَّهْط، كقوله: {أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} [التغابن: 6] وأَنْ يكونَ مُسْتَأنفًا.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ}: يجوز أن يكونَ خبرَ {كان}: {لنا}، و: {أَن نَّأْتِيَكُمْ} اسمَها، أي: وما كان لنا إتيانُكم بسلطانٍ. و: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} حالٌ. ويجوز أن يكونَ الخبرُ: {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} و{لنا} تبيينٌ.
{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}
قوله تعالى: {وَمَا لَنَا أَلاَّ}: كقوله: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ} [البقرة: 246] وقد تقدَّم و{لَنَصْبِرَنَّ} جوابُ قسمٍ. وقوله: {ما آذَيْتُمونا} يجوز أَنْ تكونَ {ما} مصدريةً، وهو الأرجحُ لعدم الحاجةِ إلى رابطٍ ادُّعِيَ حَذْفُه على غير قياس والثاني أنها موصولةٌ اسميةٌ، والعائدُ محذوفٌ على التدريج، إذ الأصل: آذيْتُمونا به، ثم حُذِفَت الباءُ، فَوَصَلَ الفعلُ إليه بنفسِه. وقرأ الحسن بكسرِ لامِ الأمرِ في {فَلْيَتَوَكَّلْ} وهو الأصلُ. اهـ.