فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
قوله جلّ ذكره: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَّخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمّىً}.
استفهام والمراد منه توبيخ ونفي. سبحانه لا يتحرك نَفَسٌ إلا بتصريفه.
وكيف يبصر جلالَ قَدْرِهِ إلا من كَحَّله بنور بِرِّه؟
ثم قال: {يَدعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ}: ليس العجب ممن تكلف لسيده المشاق وتحمل ما لا يطاق، وأَلاَّ يهربَ من خدمةٍ أو يجنحَ إلى راحة.. إنما العَجَبُ من سيدٍ عزيزٍ كريمٍ يدعو عَبْدَه ليغفرَ له وقد أخطأ، ويعاملَه بالإحسان وقد جفا.
والذي لا يَكُفُّ عن العناد، ولا يؤثر رضَاءَ سيده على راحة نفسه لا يُحْمَلُ هذا إلا على قِسمةٍ بالشقاء سابقة.. وإن أحكام الله بردِّه صادقة. ثم أخبر أنهم قالوا ِرُسلُهِم: قوله جلّ ذكره: {قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
نظروا إلى الرسل من ظواهرهم، ولم يعرفوا سرائرهم، ومالوا إلى تقليد أسلافهم، وأصروا على ما اعتادوه من شقاقهم وخلافهم.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}
قالت لهم الرسلُ ما نحن إلا أمثالكم، والفرق بيننا أنه- سبحانه- مَنَّ علينا بتعريفه، واسْتخلَصنا بما أَفْرَدَنا به من تشريفه. والذي اقترحتم علينا من ظهور الآيات فليس لنا إلى الإتْيَانِ به سبيلٌ إلاَّ أن يُظْهِرَه الله علينا إذا شاء بما شاء- وهو عليه قدير.
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ}: وقد رقَّانا من حدِّ التكليف بالبرهان إلى وجود روح البيان بكثرة ما أفاض علينا من جميل الإحسان، فكفانا من مهان الشان.: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ}: وقد حقَّق لنا ما سبق به الضمان من وجود الإحسان، وكفاية ما أظلَّنا من الامتنان.: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} ولم نخرج إلى التقاضي على الله فيما وعدنا الله.
قوله: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا ءَاذَيْتُمُونَا}: والصبر على البلاَءِ يهون إذا كان على رؤية المُبْلِي، وفي معناه أنشدوا:
يستقدمون بلاياهم كأنهمُ ** لا ييأسون من الدنيا إذا قبلوا

. اهـ.

.تفسير الآيات (13- 18):

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انقضت هذه المحاورة وقد علم منها كل منصف ما عليه الرسل من الحلم والعلم والحكمة، وما عليه مخالفهم من الضلال والجهل والعناد، وكان في الكلام ما ربما أشعر بانقضائه، ابتدأ تعالى عنهم محاورة أخرى، عاطفًا لها على ما مضى، فقال: {وقال الذين كفروا لرسلهم} مستهينين بمن قصروا التجاءهم عليه، مؤكدين لاستشعارهم بإنكار من رأى مدافعة الله عن أوليائه لقولهم: والذي يحلف به!
ليكونن أحد الأمرين: {لنخرجنكم من أرضنا} أي التي لنا الآن الغلبة عليها: {أو لتعودن في ملتنا} بأن تكفوا عن معارضتنا كما كنتم دعوى الرسالة، فإطلاق ملتهم على السكوت عنهم من إطلاق اسم الكل على الجزء على زعمهم مثل: {جعلوا أصابعهم في آذانهم} [نوح: 7] وهو مجاز مرسل، فصبروا على ذلك كما أخبروا به توكلًا على ربهم واستمروا على نصيحتهم لهم بدعائهم إلى الله: {فأوحى إليهم} أي كلمهم في خفاء بسبب توعد أممهم لهم، مختصًا لهم بذلك: {ربهم} المحسن إليهم الذي توكلوا عليه، تسكينًا لقلوبهم وتسلية لنفوسهم، وأكد لما- لمن ينظر كثرة الكفار وقوتهم- من التوقف في مضمون الخبر ولاسيما إن كان كافرًا، قائلًا: {لنهلكن} بما لنا من العظمة المقتضية لنفوذ الأمر؛ والإهلاك: إذهاب الشيء إلى حيث لا يقع عليه الإحساس: {الظالمين} أي العريقين في الظلم، وربما تبنا على بعض من أخبرنا عنه بأنه كفر، وهو من لم يكن عريقًا في كفره الذي هو أظلم الظلم: {ولنسكننكم} أي دونهم: {الأرض} أي مطلقها وخصوص أرضهم، وأشار إلى عدم الخلود بالجار فقال: {من بعدهم} بأن نورثكموها سواء قدرناهم على إخراجكم أم لا، فكأنه قيل: هل ذلك خاص بهم؟ فقيل: لا، بل: {ذلك} أي الأمر العالي المرام: {لمن خاف مقامي} أي المكان الذي يقوم فيه من أحاسبه: ماذا تكون عاقبته فيه، وهو أبلغ من: خافني،: {وخاف وعيد} لابد أن أهلك ظالمه وأسكنه أرضه بعده، فاستبشروا بذلك الوعد من الله تعالى: {واستفتحوا}
على أعدائهم فأفلحوا وأنجحوا: {وخاب كل جبار عنيد} فأهلكناهم كلهم، وكان لنا الغنى والحمد بعد إهلاكهم كما كان قبله؛ والعناد: الامتناع من الحق مع العلم به كبرًا وبغيًا، من عند عن الحق عنودًا، والجبرية: طلب علو المنزلة بما ليس وراءه غاية في الصفة، فهو ذم للعبد من حيث إنه طالب ما ليس له؛ ثم أتبعه ما هو كدليل على خيبته من أن سيره إلى ما أمامه من العذاب، فهو واقع فيه لا محالة وهو لا يشعر، وعبر عن غفلته عنه بقوله: {من ورائه جهنم} أي لابد أنه يتبوأها.
ولما كان المرجع وجود السقي للصديد مطلقًا، بني للمفعول قوله: {ويسقى} أي فيها: {من ماء صديد} وهو غسالة أهل النار كقيحهم ودمائهم: {يتجرعه} أي يتكلف بلعه شيئًا فشيئًا لمرارته وحرارته، فيغص به ويلقى منه من الشدة ما لا يعلم قدره إلا الله: {ولا يكاد يسيغه} ولا يقرب من إساغته، فإن الإساغة جر الشيء في الحلق على تقبل النفس: {ويأتيه الموت} أي أسبابه التي لو جاءه سبب منها في الدنيا لمات: {من كل مكان} والمكان: جوهر مهيأ للاستقرار، فهو كناية عن أنه يحصل له من الشدائد ما يميت من قضى بموته: {وما هو بميت} أي بثابت له الموت أصلًا.
لأنا قضينا بدوام حياته زيادة في عذابه، والموت: عرض يضاد الإدراك في البنية الحيوانية: {ومن ورائه} أي هذا الشخص، بعد ذلك في يوم الجزاء الذي لابد منه، وما خلقنا السماوات والأرض إلا من أجله: {عذاب غليظ} يأخذه في ذلك اليوم- مع ما قدمته له في الدنيا- وهو غافل عنه أخذ ما يكون من وراء، فيكون أشد كما هو الحال الآتي بغتة، أو يكون المعنى أن من بعد هذا العذاب في جهنم عذابًا آخر، لا تحتمل عقولكم وصفه بأكثر من الغلظ.
فلما فرغ من محاوراتهم، وما تبعها مما بين فيه أنه لا يغنيهم من بطشه شيء، ضرب لهم في ذلك مثلًا فقال: {مثل} وهو مستعار هنا للصفة التي فيها غرابة: {الذين كفروا} مستهينين: {بربهم} مثل من قصد أمرًا ثم لم ينظر لنفسه في السلوك إليه بل اغتر بمن جار به عن الطريق، فأبعد كل البعد حتى وصل إلى شعاب لا يمكن فيها المقام، ولا يتأتى منها الرجوع فهلك ضياعًا.
ولما كان الفرق بين الإنسان والعدم إنما هو بالعمل، ذكر ما علم منه أن المثل لأعمالهم على طريق الجواب لمن كأنه قال: ما مثلهم؟ فقال: {أعمالهم} أي المكارم التي كانوا يعملونها في الدنيا من الصلة والعتق وفداء الأسرى والجود ونحو ذلك، في يوم الجزاء، ويجوز أن يكون مبتدأ ثانيًا- كما قال الحوفي وابن عطية.
وهو وخبره خبر المبتدأ الأول، ولا يحتاج إلى رابط لأنه نفس المثل الذي معناه الصفة: {كرماد} وهو ما سحقه الاحتراق سحق الغبار: {اشتدت به الريح} أي أسرعت بالحركة على عظم القوة؛ والريح: جسم رقيق مثبت في الجو من شأنه الهبوب، والرياح خمس: شمال وجنوب وصبًا ودبور ونكباء: {في يوم عاصف} أي شديد الريح، فأطارته في كل صوب، فصاروا بحيث: {لا يقدرون} أي يوم الجزاء؛ ولما كان الأمر هنا متمحصًا للأعمال، قدم قوله: {مما كسبوا} في الدنيا من أعمالهم في ذلك اليوم: {على شيء} بل ذهب هباء منثورًا لبنائه على غير أساس، فثبت بمقتضى ذلك أن الذين كفروا بربهم واستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة في ضلال بعيد، بل: {ذلك} أي الأمر الشديد الشناعة: {هو} أي خاصة: {الضلال البعيد} الذي لا يقدر صاحبه على تداركه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الأنبياء عليهم السلام، أنهم اكتفوا في دفع شرور أعدائهم بالتوكل عليه والاعتماد على حفظه وحياطته، حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا: {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} والمعنى: ليكونن أحد الأمرين لا محالة إما إخراجكم وإما عودكم إلى ملتنا.
والسبب فيه أن أهل الحق في كل زمان يكونون قليلين وأهل الباطل يكونون كثيرين والظلمة والفسقة يكونون متعاونين متعاضدين، فلهذه الأسباب قدروا على هذه السفاهة.
فإن قيل: هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودوا فيها.
قلنا: الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن أولئك الأنبياء عليهم السلام إنما نشأوا في تلك البلاد وكانوا من تلك القبائل في أول الأمر ما أظهروا المخالفة مع أولئك الكفار، بل كانوا في ظاهر الأمر معهم من غير إظهار مخالفة فالقوم ظنوا لهذا السبب أنهم كانوا في أول الأمر على دينهم فلهذا السبب قالوا: {أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا}.
الوجه الثاني: أن هذا حكاية كلام الكفار ولا يجب في كل ما قالوه أن يكونوا صادقين فيه فلعلهم توهموا ذلك مع أنه ما كان الأمر كما توهموه.
الوجه الثالث: لعل الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل إلا أن المقصود بهذا الخطاب أتباعهم وأصحابهم ولا بأس أن يقال: إنهم كانوا قبل ذلك لوقت على دين أولئك الكفار.
الوجه الرابع: قال صاحب الكشاف: العود بمعنى الصيرورة كثير في كلام العرب.
الوجه الخامس: لعل أولئك الأنبياء كانوا قبل إرسالهم على ملة من الملل، ثم إنه تعالى أوحى إليهم بنسخ تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي الأقوام على تلك الشريعة التي صارت منسوخة مصرين على سبيل الكفر، وعلى هذا التقدير فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء أن يعودوا إلى تلك الملة.