فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجاء بلفظ؛ الماضي ومعناه الاستقبال، واتصل هذا بقوله: {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي وقاربوا لما استفتحوا فأهلكوا، ثم بعثوا للحساب فبرزوا لله جميعًا لا يسترهم عنه ساتر.
{لِلَّهِ} لأجل أمر الله إِياهم بالبروز.
{فَقَالَ الضعفاء} يعني الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} وهم القادة.
{إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} يجوز أن يكون تَبعٌ مصدرًا؛ التقدير: ذوي تبع.
ويجوز أن يكون جمع تابع؛ مثل حارس وحَرَس، وخادم وخَدَم، وراصد ورَصَد، وباقر وبَقَر.
{فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ} أي دافعون {عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ} أي شيئًا، و{مِن} صلة؛ يقال: أغنى عنه إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع.
{قَالُواْ لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} أي لو هدانا الله إلى الإِيمان لهديناكم إليه.
وقيل: لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها.
وقيل؛ لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه.
{سَوَاءٌ عَلَيْنَا} هذا ابتداء خبره {أَجَزِعْنَا} أي: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} أي من مهرب وملجأ.
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر، وبمعنى الاسم؛ يقال: حَاصَ فلان عن كذا أي فرّ وزاغ يَحِيص حَيْصًا وحُيُوصًا وحَيَصَانًا؛ والمعنى: ما لنا وجه نتباعد به عن النار.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا هَلُمَّ فلنجزع فيجزعون ويصيحون خمسمائة عام فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}».
وقال محمد بن كعب القُرَظيّ: ذُكِر لنا أن أهل النار يقول بعضهم لبعض: يا هؤلاء! قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلمّ فلنصبر؛ فلعلّ الصّبر ينفعنا كما صبر أهل الطّاعة على طاعة الله فنفعهم الصّبر إذ صبروا؛ فأجمعوا رأيهم على الصّبر فصبروا، فطال صبرهم فجزعوا، فنادوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص} أي مَنجَى، فقام إبليس عند ذلك فقال: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} يقول: لست بمغنٍ عنكم شيئًا {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} الحديث بطوله، وقد كتبناه في كتاب التذكرة بكماله. اهـ.

.قال الخازن:

{ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق}.
يعني لم يخلقهما باطلًا ولا عبثًا وإنما خلقها لأمر عظيم وغرض صحيح {إن يشأ يذهبكم} يعني أيها الناس {ويأت بخلق جديد} يعني: سواكم أطوع لله منكم.
والمعنى: أن الذي قدر على خلق السموات والأرض، قادر على إفناء قوم وإماتتهم وإيجاد خلق آخر سواهم لأن القادر لا يصعب عليه شيء.
وقيل هذا خطاب لكفار مكة يريد يمتكم يا معشر الكفار، ويخلق قومًا غيركم خيرًا منكم وأطوع {وما ذلك على الله بعزيز} يعني بممتنع لأن الأشياء كلها سهلة على الله، وإن جلت وعظمت.
قوله: {وبرزوا لله جميعًا} يعني خرجوا من قبورهم إلى الله ليحاسبهم ويجازيهم على قدر أعمالهم والبراز الفضاء، وبرز حصل في البراز وذلك أن يظهر بذاته كلها والمعنى، وخرجوا من قبورهم وظهروا إلى الفضاء وأورد بلفظ الماضي وإن كان معناه الاستقبال لأن كل ما أخبر الله عنه، فهو حق وصدق.
وكائن لامحالة فصار كأنه قد حصل ودخل في الوجود {فقال الضعفاء} يعني الأتباع {للذين استكبروا} وهم القادة والرؤساء {ن كنا لكم تبعًا} يعني في الدين والاعتقاد {فهل أنتم} يعني في هذا اليوم {مغنون عنا} يعني دافعون عنا {من عذاب الله من شيء} من هنا للتبعيض والمعنى هل تقدرون على أن تدفعوا عنا بعض عذاب الله الذي حل بنا {قالوا} يعني الرؤساء والقادة، والمتبوعين للتابعين {لو هدانا الله لهديناكم} يعني لو أرشدنا الله لأرشدناكم ودعوناكم إلى الهدى ولكن لما أضلنا دعوناكم إلى الضلالة {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا} يعني مستويان علينا الجزع والصبر.
والجزع، أبلغ من الحزن لأنه يصرف الإنسان عما هو بصدده، ويقطعه عنه {ما لنا من محيص} يعني من مهرب، ولا مناجاة مما نحن فيه من العذاب.
قال مقاتل: يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون: تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر فعند ذلك يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص.
وقال محمد بن كعب القرظي: بلغني أن أهل النار يستغيثون بالخزنة كما قال الله وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب فردت الخزنة عليهم وقالوا ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى فردت الخزنة وقالوا ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال فلما يئسوا مما عند الخزنة، نادوا يا مالك ليقض علينا ربك سألوا الموت فلا يجيبهم ثمانين سنة، والسنة ثلاثمائة وستون يومًا واليوم كألف سنة مما تعدون ثم يجيبهم بقوله: {إنكم ماكثون} فلما يئسوا مما عنده قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنصبر كما صبر أهل الطاعة لعل ذلك ينفعنا فصبروا وطال صبرهم فلم ينفعهم وجزعوا، فلم ينفعهم عند ذلك قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}.
الجزع: عدم احتمال الشدة، وهو نقيض الصبر.
قال الشاعر:
جزعت ولم أجزع من البين مجزعًا ** وعذبت قلبًا بالكواعب مولعا

{ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وبرزوا لله جميعًا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعًا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} قرأ السلمي {ألم تر} بسكون الراء، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وتوجيه آخر وهو أنْ ترى حذفت العرب ألفها في قولهم: قام القوم ولو تر ما زيد، كما حذفت ياء لا أبالي في لا أبال، فلما دخل الجازم تخيل أنّ الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في: لا أبالي لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة.
والرؤية هنا بمعنى العلم، فهي من رؤية القلب.
وقرأ الإخوان: {خالق} اسم فاعل، و{الأرض} بالخفض.
قرأ باقي السبعة: {خلق} فعلًا ماضيًا، و{الأرض} بالفتح.
ومعنى {بالحق} قال الزمخشري: بالحكمة، والغرض الصحيح، والأمر العظيم، ولم يخلقها عبثًا ولا شهوة.
وقال ابن عطية: {بالحق} أي بما يحق من جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، وليدل عليه وعلى قدرته.
وقيل: بقوله وكلامه.
وقيل: {بالحق} حال أي محقًا، والظاهر أن قوله: {يذهبكم}، خطاب عام للناس.
وعن ابن عباس: خطاب للكفار.
{ويأت بخلق جديد}: يحتمل أن يكون المعنى: إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين، ويحتمل من غير جنسكم.
والأول قول جمهور المفسرين، وتقدم نحو هذين الاحتمالين للمفسرين في قوله في النساء: {إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين} وبينا في ذلك أنه لا يحتمل إلا الوجه الأول.
{وما ذلك} أي: وما ذهابكم والإتيان بخلق جديد بممتنع ولا متعذر عليه تعالى، لأنه تعالى هو القادر على ما يشاء.
وقال الزمخشري: لأنه قادر الذات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فإذا خلص له الداعي إلى شيء، وانتفى الصارف، تكون من غير توقف كتحريك أصبعك.
وإذا دعا إليه داع ولم يعترض من دونه صارف انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال لقوله: القادر، لأنهم يثبتون القادرية وينفون القدرة، ولتشبيه فعله تعالى بفعل العبد في قوله: كتحريك أصبعك.
وعندنا أن تحريك أصبعنا ليس إلا بقدرة الله تعالى، وأنّ ما نسب إلينا من القدرة ليس مؤثرًا في إيجاد شيء.
وقال الزمخشري أيضًا: وهذه الآية بيان لإبعادهم في الضلال، وعظيم خطبهم في الكفر بالله، لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة، وحكمته البالغة، وأنه هو الحقيق بأن يعبد ويخاف عقابه، ويرجى ثوابه في دار الجزاء انتهى.
{وبرزوا}: أي ظهروا من قبورهم إلى جزاء الله وحسابه.
وقال الزمخشري: ومعنى بروزهم لله، والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش، ويظنون أنّ ذلك خافٍ على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم، وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية.
وقال ابن عطية: {وبرزوا} معناه صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة، فاستعير ذلك لجميع يوم القيامة.
وقال أبو عبد الله الرازي: تأويل الحكماء أنّ النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت متجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها، وذلك هو البروز لله تعالى.
وهذا الرجل كثيرًا ما يورد كلام الفلاسفة وهم مباينون لأهل الشرائع في تفسير كلام الله تعالى المنزل بلغة العرب، والعرب لا تفهم شيئًا من مفاهيم أهل الفلسفة، فتفسيرهم كاللغز والأحاجي، ويسميهم هذا الرجل حكماء، وهم من أجهل الكفرة بالله تعالى وبأنبيائه.
والضمير في {وبرزوا} عائد على الخلق المحاسبين، وعبر بلفظ الماضي لصدق المخبر به، فكأنه قد وقع.
وقرأ زيد بن علي: {وبرزوا} مبنيًا للمفعول، وبتشديد الراء.
و{الضعفاء}: الأتباع، والعوام.
وكتب بواو في المصحف قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ومثله: {علمؤا بني إسرائيل}.
و{الذين استكبروا}: هم رؤساؤهم وقاداتهم، استغووا الضعفاء واستتبعوهم.
واستكبروا وتكبروا، وأظهروا تعظيم أنفسهم.
أو استكبروا عن اتباع الرسل وعبادة الله.
و{تبعًا}: يحتمل أن يكون اسم جمع لتابع، كخادم وخدم، وغائب وغيب.
ويحتمل أن يكون مصدرًا كقوله: عدل ورضا.
و{هل أنتم مغنون}؟ استفهام معناه توبيخهم إياهم وتقريعهم، وقد علموا أنهم لن يغنوا والمعنى: إنا اتبعناكم فيما كنتم فيه من الضلال كما أمرتمونا وما أغنيتم عنا شيئًا، فلذلك جاء جوابهم: {لو هدانا الله لهديناكم}، أجابوا بذلك على سبيل الاعتذار والخجل ورد الهداية لله تعالى، وهو كلام حق في نفسه.
وقال الزمخشري: من الأولى للتبيين، والثانية للتبعيض، كأنه قيل: هل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله؟ ويجوز أن يكونا للتبعيض معًا بمعنى: هل أنتم مغنون عنا بعض شيء، هو بعض عذاب الله أي: بعض بعض عذاب الله انتهى.
وهذان التوجيهان اللذان وجههما الزمخشري في من في المكانين يقتضي أولهما التقديم في قوله: {من شيء} على قوله: {من عذاب الله}، لأنه جعل {من شيء} هو المبين بقوله: {من عذاب الله} و{من} التبيينية يتقدم عليها ما تبينه، ولا يتأخروا لتوجيه لثاني، وهو بعض شيء، هو بعض العذاب يقتضي أن يكون بدلًا، فيكون بدل عام من خاص، لأنّ من شيء أعم من قوله: {من عذاب الله}، وإن عنى بشيء شيئًا من العذاب فيؤول المعنى إلى ما قدر، وهو بعض بعض عذاب الله. وهذا لا يقال، لأنّ بعضية الشيء مطلقة، فلا يكون لها بعض.
ونص الحوفي، وأبو البقاء: على أنّ {مِن} في قوله: {من شيء}، زائدة.
قال الحوفي: {من عذاب الله} متعلق بمغنون، و{من} في {من شيء} لاستغراق الجنس، زائدة للتوكيد.
وقال أبو البقاء: و{مِن} زائدة أي: شيئًا كائنًا من عذاب الله، ويكون محمولًا على المعنى تقديره: هل تمنعون عنا شيئًا؟ ويجوز أن يكون شيء واقعًا موقع المصدر أي: غنى فيكون من عذاب الله متعلقًا بمغنون انتهى.
ومسوغ الزيادة كون الخبر في سياق الاستفهام، فكان الاستفهام دخل عليه وباشره، وصارت الزيادة هنا كالزيادة في تركيب: فهل تغنون.
وقال الزمخشري: أجابوهم معتذرين عما كان منهم إليهم بأنّ الله لو هداهم إلى الإيمان لهدوهم، ولم يضلوهم إما مدركين الذنب في ضلالهم، وإضلالهم على الله كما حكى الله عنهم.
وقالوا: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا، ولو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء، يقولون ذلك في الآخرة كما كانوا يقولونه في الدنيا، ويدل عليه قوله حكاية عن المنافقين: {يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء} انتهى.
وحكى أبو عبد الله الرازي عن الزمخشري أنهم قالوا ذلك مع أنهم كذبوا فيه، ويدل عليه قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {يوم يبعثهم الله جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء}.
قال أبو عبد الله الرازي: واعلم أنّ المعتزلة لا يجوزون صدور الكذب على أهل القيامة، فكان هذا القول منه مخالفًا لأصول مشايخه، لا يقبل منه.
وقال الزمخشري أيضًا: ويجوز أن يكون المعنى: لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الإيمان.
قال أبو عبد الله الرازي: وذكر القاضي هذا الوجه وزيفه بأنْ قال: لا يجوز حمل هذا على اللطف، لأن ذلك قد فعله الله.
وقيل: لو خلصنا الله من العذاب وهدانا إلى طريق الجنة لهديناكم.
وقال الزمخشري في بسط هذا القول: لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي: لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة، كما سلكنا بكم سبيل الهلكة انتهى.
وقيل: ويدل على أنّ المراد بالهدى الهدى إلى طريق الجنة، أنه هو الذي التمسوه وطلبوه، فوجب أن يكون المراد.
وقال ابن عباس: لو أرشدنا الله لأرشدناكم.
والظاهر أنّ قوله: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا...} إلى آخره، داخل تحت قول المستكبرين، وجاءت جملة بلا واو عطف، كأن كل جملة أنشئت مستقلة غير معطوفة، وإن كانت مرتبطًا بعضها ببعض من جهة المعنى لأنّ سؤالهم: {هل أنتم مغنون عنا}؟ إنما كان لجزعهم مما هم فيه فقالوا ذلك: سوّوا بينهم، وبينهم في ذلك لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها، يقولون: ما هذا الجزع والتوبيخ، ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر.
ولما قالوا: {لو هدانا الله}، أتبعوا ذلك بالإقناط من النجاة فقالوا: {ما لنا من محيص}: أي منجى ومهرب، جزعنا أم صبرنا.
وقيل: {سواء علينا} من كلام الضعفاء والذين استكبروا والتقدير: قالوا جميعًا سواء علينا يخبرون عن حالهم. وتقدم الكلام في مثل هذه التسوية في أول البقرة، والظاهر أن هذه المحاورة بين الضعاء والرؤساء هي في موضع العرض وقت البروز بين يدي الله.
وعن محمد بن كعب، وابن زيد: أن قولهم {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا}، بعد صبرهم في النار خمسمائة عام، وبعد جزعهم مثلها. اهـ.