فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَقَالَ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} أي قال: الأتباع الضعفاء للرؤساء الأقوياء المتكبرين لما هم فيه من الرياسة: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: في الدنيا، فكذبنا الرسل وكفرنا بالله متابعة لكم.
والتبع جمع تابع، أو مصدر وصف به للمبالغة، أو على تقدير: ذوي تبع.
قال الزجاج: جمعهم في حشرهم فاجتمع التابع والمتبوع، فقال الضعفاء للذين استكبروا من أكابرهم عن عبادة الله: {إنا كنا لكم تبعًا}.
جمع تابع، مثل خادم وخدم، وحارس وحرس، وراصد ورصد {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} أي: دافعون عنا {من عذاب الله من شيء}، {من} الأولى للبيان، والثانية للتبعيض، أي: بعض الشيء الذي هو عذاب الله؛ يقال: أغنى عنه: إذا دفع عنه الأذى، وأغناه إذا أوصل إليه النفع.
{قَالُواْ لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} أي: قال المستكبرون مجيبين عن قول المستضعفين، والجملة مستأنفة بتقدير سؤال كأنه قيل: كيف أجابوا؟ أي لو هدانا الله إلى الإيمان لهديناكم إليه.
وقيل: لو هدانا الله إلى طريق الجنة لهديناكم إليها.
وقيل: لو نجانا الله من العذاب لنجيناكم منه.
{سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا ما لَنَا مِن مَّحِيصٍ} أي: مستوٍ علينا الجزع والصبر، والهمزة و{أم} لتأكيد التسوية في قوله: {سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} [البقرة: 6].
{مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} أي: من منجى ومهرب من العذاب، يقال: حاص فلان عن كذا، أي: فرّ وزاغ، يحيص حيصًا وحيوصًا وحيصانًا، والمعنى: ما لنا وجه نتباعد به عن النار، ويجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين، وإن كان الظاهر أنه من كلام المستكبرين.
{وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر} أي: قال للفريقين هذه المقالة، ومعنى {لما قضي الأمر}: لما دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار على ما يأتي بيانه في سورة مريم.
{إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} وهو وعده سبحانه بالبعث والحساب، ومجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته {وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} أي: وعدتكم وعدًا باطلًا، بأنه لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار، فأخلفتكم ما وعدتكم به من ذلك.
قال الفراء: وعد الحق هو من إضافة الشيء إلى نفسه كقولهم: مسجد الجامع.
وقال البصريون: وعدكم وعد اليوم الحق {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان} أي: تسلط عليكم بإظهار حجة على ما وعدتكم به وزينته لكم {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} أي: إلا مجرّد دعائي لكم إلى الغواية والضلال بلا حجة ولا برهان، ودعوته إياهم ليست من جنس السلطان حتى تستثنى منه، بل الاستثناء منقطع، أي: لكن دعوتكم فاستجبتم لي، أي: فسارعتم إلى إجابتي.
وقيل: المراد بالسلطان هنا: القهر، أي: ما كان لي عليكم من قهر يضطركم إلى إجابتي.
وقيل: هذا الاستثناء هو من باب:
تحية بينهم ضرب وجيع

مبالغة في نفيه للسلطان عن نفسه كأنه قال: إنما يكون لي عليكم سلطان إذا كان مجرّد الدعاء من السلطان، وليس منه قطعًا.
{فَلاَ تَلُومُونِى} بما وقعتم فيه بسبب وعدي لكم بالباطل وإخلافي لهذا الموعد {وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} باستجابتكم لي بمجرّد الدعوة التي لا سلطان عليها ولا حجة، فإن من قبل المواعيد الباطلة والدعاوي الزائغة عن طريق الحق فعلى نفسه جنى، ولمارنه قطع، ولاسيما ودعوتي هذه الباطلة، وموعدي الفاسد وقعا معارضين لوعد الله لكم وعد الحق، ودعوته لكم إلى الدار السلام، مع قيام الحجة التي لا تخفى على عاقل، ولا تلتبس إلاّ على مخذول، وقريب من هذا من يقتدي بآراء الرجال المخالفة لما في كتاب الله سبحانه، ولما في سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويؤثرها على ما فيهما، فإنه قد استجاب للباطل الذي لم تقع عليه حجة، ولا دلّ عليه برهان، وترك الحجة والبرهان خلف ظهره، كما يفعله كثير من المقتدين بالرجال المتنكبين طريق الحق بسوء اختيارهم، اللهم غفرا.
{مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} يقال: صرخ فلان: إذا استغاث يصرخ صراخًا وصرخًا، واستصرخ بمعنى: صرخ، والمصرخ: المغيث، والمستصرخ: المستغيث.
يقال: استصرخني فأصرخته، والصريخ: صوت المستصرخ، والصريخ أيضًا: الصارخ، وهو المغيث والمستغيث، وهو من أسماء الأضداد كما في الصحاح.
قال ابن الأعرابي: الصارخ: المستغيث، والمصرخ: المغيث، ومعنى الآية: ما أنا بمغيثكم مما أنتم فيه من العذاب، وما أنتم بمغيثي مما أنا فيه، وفيه إرشاد لهم إلى أن الشيطان في تلك الحالة مبتلى بما ابتلوا به من العذاب، محتاج إلى من يغيثه ويخلصه مما هو فيه، فكيف يطمعون في إغاثة من هو محتاج إلى من يغيثه؟ ومما ورد مورد هذه الأقوال من قول العرب قول أمية بن أبي الصلت:
فلا تجزعوا إني لكم غير مصرخ ** وليس لكم عندي غناء ولا نفر

و{مصرخيّ} بفتح الياء في قراءة الجمهور، وقرأ الأعمش وحمزة بكسر الياء على أصل التقاء الساكنين.
قال الفراء: قراءة حمزة وهم منه، وقلّ من سلم عن خطأ.
وقال الزجاج: هي قراءة رديئة ولا وجه لها إلاّ وجه ضعيف يعني: ما ذكرناه من أنه كسرها على الأصل في التقاء الساكنين.
وقال قطرب: هذه لغة بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء، وأنشد الفراء فيما ورد على هذه القراءة قول الشاعر:
قلت لها يا تاء هل لك في ** قالت له ما أنت بالمرضي

{إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} لما كشف لهم القناع بأنه لا يغني عنهم من عذاب الله شيئًا، ولا ينصرهم بنوع من أنواع النصر، صرح لهم بأنه كافر بإشراكهم له مع الله في الرّبوبية، من قبل هذا الوقت الذي قال لهم الشيطان فيه هذه المقالة، وهو ما كان منهم في الدنيا من جعله شريكًا.
ولقد قام لهم الشيطان في هذا اليوم مقامًا يقصم ظهورهم ويقطع قلوبهم، فأوضح لهم أولًا أن مواعيده التي كان يعدهم بها في الدنيا باطلة معارضة لوعد الحق من الله سبحانه وأنه أخلفهم ما وعدهم من تلك المواعيد ولم يف لهم بشيء منها، ثم أوضح لهم ثانيًا بأنهم قبلوا قوله بما لا يوجب القبول، ولا يتفق على عقل عاقل لعدم الحجة التي لابد للعاقل منها في قبول قول غيره، ثم أوضح ثالثًا بأنه لم يكن منه إلاّ مجرّد الدعوة العاطلة عن البرهان، الخالية عن أيسر شيء مما يتمسك به العقلاء، ثم نعى عليهم رابعًا ما وقعوا فيه، ودفع لومهم له وأمرهم بأن يلوموا أنفسهم؛ لأنهم هم الذين قبلوا الباطل البحت، الذي لا يلتبس بطلانه على من له أدنى عقل، ثم أوضح لهم خامسًا بأنه لا نصر عنده ولا إغاثة، ولا يستطيع لهم نفعًا، ولا يدفع عنهم ضرًّا، بل هو مثلهم في الوقوع في البلية والعجز عن الخلوص عن هذه المحنة، ثم صرح لهم سادسًا بأنه قد كفر بما اعتقدوه فيه وأثبتوه له، فتضاعفت عليهم الحسرات وتوالت عليهم المصائب.
وإذا كان جملة {إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} من تتمة كلامه كما ذهب إليه البعض فهو نوع سابع من كلامه الذي خاطبهم به، فأثبت لهم الظلم، ثم ذكر ما هو جزاؤهم عليه من العذاب الأليم، لا على قول من قال: إنه ابتداء كلام من جهة الله سبحانه.
وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن {ما} مصدرية في {ما أشركتمون} وقيل: يجوز أن تكون موصولة على معنى {إني كفرت} بالذي أشركتمونيه وهو الله، عزّ وجلّ، ويكون هذا حكاية لكفره بالله عند أن أمره بالسجود لآدم.
{وَأُدْخِلَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} لما أخبر سبحانه بحال أهل النار أخبر بحال أهل الجنة.
وقرأ الجمهور {أدخل} على البناء للمفعول، وقرأ الحسن {وأدخل} على الاستقبال والبناء للفاعل، أي: وأنا أدخل الذين آمنوا، ثم ذكر سبحانه خلودهم في الجنات وعدم انقطاع نعيمهم، ثم ذكر أن ذلك بإذن ربهم، أي: بتوفيقه ولطفه وهدايته، هذا على قراءة الجمهور، وأما على قراءة الحسن فيكون {بإذن ربهم} متعلقًا بقوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام} أي: تحية الملائكة في الجنة سلام بإذن ربهم، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة يونس.
وقد أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} قال: بخلق آخر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فقال الضعفاء} قال: الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا} قال: للقادة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله: {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} قال زيد بن أسلم: جزعوا مائة سنة وصبروا مائة سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن كعب بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {سَوَاء عَلَيْنَا} الآية قال: «يقول أهل النار: هلموا فلنصبر، فيصبرون خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلموا فلنجزع، فبكوا خمسمائة عام، فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص}» والظاهر أن هذه المراجعة كانت بينهم بعد دخولهم النار، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النار فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النار قَالَ الذين استكبروا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} [غافر: 47- 48].
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر عن عقبة بن عامر يرفعه، وذكر فيه حديث الشفاعة، ثم قال: «ويقول الكافر عند ذلك: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، فمن يشفع لنا؟ ما هو إلاّ إبليس فهو الذي أضلنا، فيأتون إبليس فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور من مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظهم بجهنم، ويقول عند ذلك {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} الآية».
وضعف السيوطي إسناده، ولعلّ سبب ذلك كون في إسناده رشدين ابن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن دجين الحجزي، عن عقبة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: إذا كان يوم القيامة قام إبليس خطيبًا على منبر من نار فقال: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ} إلى قوله: {وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} قال: بناصريّ {إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} قال: بطاعتكم إياي في الدنيا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في هذه الآية قال: خطيبان يقومان يوم القيامة: إبليس، وعيسى، فأما إبليس فيقوم في حزبه فيقول: هذا القول يعني: المذكور في الآية، وأما عيسى فيقول: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعبدوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ} قال: ما أنا بنافعكم، وما أنتم بنافعيّ {إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ} قال شركه: عبادته.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة {مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ} قال: ما أنا بمغيثكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام} قال: الملائكة يسلمون عليهم في الجنة. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
أخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين وقضى بينهم وفرغ من القضاء، يقول المؤمنون: قد قضى بيننا ربنا وفرغ من القضاء، فمن يشفع لنا إلى ربنا؟ فيقولون: آدم، خلقه الله بيده وكلمه. فيأتونه فيقولون: قد قضى ربنا وفرغ من القضاء، قم أنت فاشفع إلى ربنا. فيقول: ائتوا نوحًا، فيأتون نوحًا عليه السلام فيدلهم على إبراهيم عليه السلام، فيأتون إبراهيم عليه السلام فيدلهم على موسى عليه السلام، فيأتون موسى عليه السلام فيدلهم على عيسى عليه السلام، فيأتون عيسى عليه السلام فيقول: أدلكم على العربي الأمي، فيأتوني، فيأذن الله لي أن أقوم إليه، فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قط حتى آتي ربي فيشفعني ويجعل لي نورًا من شعر رأسي إلى ظفر قدمي. ويقول الكافرون عند ذلك: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، ما هو إلا إبليس... فهو الذي أضلنا. فيأتون إبليس فيقولون: قد وجد المؤمنون من يشفع لهم، قم أنت فاشفع لنا فإنك أنت أضللتنا، فيقوم إبليس فيثور مجلسه من أنتن ريح شمها أحد قط، ثم يعظم لجهنم ويقول عند ذلك {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم...} الآية».
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في قوله: {وقال الشيطان لما قضي الأمر...} الآية. قال: قام إبليس يخطبهم فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم...} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم...} يقول: بمغن عنكم شيئًا {وما أنتم بمصرخيّ إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالته، مقتوا أنفسهم فنودوا {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [غافر: 10] الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة، قام إبليس خطيبًا على منبر من نار فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق...} إلى قوله: {وما أنتم بمصرخي} قال: بناصري {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: بطاعتكم إياي في الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الشعبي رضي الله عنه في هذه الآية، قال: خطيبان يقومان يوم القيامة، إبليس وعيسى ابن مريم، فاما إبليس، فيقوم في حزبه فيقول هذا القول. وأما عيسى عليه السلام فيقول: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} [المائدة: 117].
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن من الناس، من يذلله الشيطان كما يذلل أحدكم قعوده من الإِبل.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ} قال: ما أنا بنافعكم وما أنتم بنافعي {إني كفرت بما اشركتمون من قبل} قال: شركة عبادته.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ما أنا بمصرخكم} قال: ما أنا بمغيثكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {بمصرخيّ} قال: بمغيثيّ.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} يقول: عصيت الله فيكم.
{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {تحيتهم فيها سلام} قال: الملائكة يسلمون عليهم في الجنة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ}.
قوله تعالى: {وَعْدَ الحق}: يجوز أن يكونَ من إضافةِ الموصوفِ لصفتِه، أي: الوعد الحق، وأن يرادَ بالحق صفةُ الباري تعالى، أي: وَعَدَكم الله وَعْدَه، وأن يراد بالحقِّ البعثُ والجزاءُ على الإِجمال، فتكونَ إضافةً صريحةً.
قوله: {إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنه استثناءٌ منقطعٌ لأنَّ دعاءَه ليس من جنسِ السلطانِ وهو الحُجَّةُ البيِّنَةُ. والثاني: أنه متصلٌ، لأنَّ القدرةَ على حَمْلِ الإنسانِ على الشرِّ تارةً تكون بالقَهْرِ، وتارةً تكون بقوة الداعية في قلبه، وذلك بالوسوسة إليه فهو نوعٌ من التسلُّطِ.