فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ألم تَرَ كَيْفَ ضرب اللهُ مثلًا كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ}.
في الكلمة الطيبة قولان:
أحدهما: أنها الإيمان، قاله مجاهد وابن جريج.
الثاني: أنه عنى بها المؤمن نفسه، قاله عطية العوفي والربيع بن أنس.
وفي الشجرة الطيبة قولان:
أحدهما: أنها النخلة، وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك.
الثاني: أنها شجرة في الجنة، قاله ابن عباس.
وحكى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أن الكلمة الطيبة: الإيمان، والشجرة الطيبة: المؤمن.
{أصلها ثابت} يعني في الأرض.
{وفرعها في السماء} أي نحو السماء.
{تؤتي أكُلَها} يعني ثمرها.
{كلَّ حين بإذن ربها} والحين عند أهل اللغة: الوقت. قال النابغة:
تناذرها الرّاقون من سُوءِ سُمِّها ** تُطلِّقُه حينًا وحينًا تُراجع

وفي {الحين} ها هنا ستة تأويلات:
أحدها: يعني كل سنة، قاله مجاهد، لأنها تحمل كل سنة.
الثاني: كل ثمانية أشهر، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنها مدة الحمل ظاهرًا وباطنًا.
الثالث: كل ستة أشهر، قاله الحسن وعكرمة، لأنها مدة الحمل ظاهرًا.
الرابع: كل أربعة أشهر، قاله سعيد بن المسيب لأنها مدة يرونها من طلعها إلى جذاذها.
الخامس: كل شهرين، لأنها مدة صلاحها إلى جفافها.
السادس: كل غدوة وعشية، لأنه وقت اجتنائها، قاله ابن عباس.
وفي قوله تعالى: {في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وجهان:
أحدهما: أن المراد بالحياة الدنيا زمان حياته فيها، وبالآخرة المساءلة في القبر، قاله طاوس وقتادة.
الثاني: أن المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر أن يأتيه منكر ونكير فيقولان له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: إن اهتَدَى: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم.
{ويضلُّ اللهُ الظالمين} فيه وجهان:
أحدهما: عن حجتهم في قبورهم، كما ضلوا في الحياة الدنيا بكفرهم.
الثاني: يمهلهم حتى يزدادوا ضلالًا في الدنيا.
{ويفعل الله ما يشاء} فيه وجهان:
أحدهما: مِن إمهال وانتقام.
الثاني: من ضغطة القبر ومساءلة منكر ونكير.
وروى ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منه سعد بن معاذ، ولقد ضم ضَمّةً».
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ عذاب القبر من ثلاثة: ثلثٌ من البول. وثلثٌ من الغيبة، وثلثٌ من النميمة. وسبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءَلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر: يا رسول الله أيكون معي عقلي:؟ قال: «نعم» قال. كُفيت إذن، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله عز وجل: {ومثل كلمة خبيثة} فيها قولان:
أحدهما: أنها الكفر.
الثاني: أنها الكافر نفسه.
{كشجرة خبيثةٍ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها شجرة الحنظل، قاله أنس بن مالك.
الثاني: أنها شجرة لم تخلف، قاله ابن عباس.
الثالث: أنها الكشوت.
{اجتثت من فوق الأرض} أي اقتلعت من أصلها، ومنه قول لقيط:
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم ** فمن رأى مِثل ذا يومًا ومَنْ سمعا

{ما لها من قرار} فيه وجهان:
أحدهما: ما لها من أصل.
الثاني: ما لها من ثبات. وتشبيه الكلمة الخبيثة بهذه الشجرة التي ليس لها أصل يبقى، ولا ثمر يجتنى أن الكافر ليس له عمل في الأرض يبقى، ولا ذكر في السماء يرقى.
قوله عز وجل: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}.
فيه وجهان:
أحدهما: يزيدهم الله أدلة على القول الثابت.
الثاني: يديمهم الله على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة.
يُثبِّتُ الله ما آتاكَ من حسنٍ ** تثبيتَ موسى ونصرًا كالذي نصِرا

وفي قوله: {بالقول الثابت} وجهان:
أحدهما: أنه الشهادتان، وهو قول ابن جرير.
الثاني: أنه العمل الصالح.
ويحتمل ثالثًا: أنه القرآن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24)}.
قوله: {ألم تر} بمعنى ألم تعلم، و{مثلًا} مفعول بضرب، و{كلمة} مفعول أول بها، و{ضرب} هذه تتعدى إلى مفعولين، لأنها بمنزلة جعل ونحوه إذ معناها: جعل ضربها. وقال المهدوي: {مثلًا} مفعول، و{كلمة} بدل منه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على أنها تتعدى إلى مفعول واحد، وإنما أوهم في هذا قلة التحرير في {ضرب} هذه.
والكاف في قوله: {كشجرة} في موضع الحال، أي مشبهة شجرة.
قال القاضي أبو محمد: وقال ابن عباس وغيره: الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله، مثلها الله ب الشجرة الطيبة، وهي النخلة في قول أكثر المتأولين، فكأن هذه الكلمة {أصلها ثابت} في قلوب المؤمنين، وفضلها وما يصدر عنها من الأفعال الزكية والحسنة وما يتحصل من عفو الله ورحمته- هو فرعها يصعد إلى السماء من قبل العبد، ويتنزل بها من قبل الله تعالى.
وقرأ أنس بن مالك {ثابت أصلها} وقالت فرقة: إنما مثل الله بالشجرة الطيبة المؤمن نفسه، إذ الكلمة الطيبة لا تقع إلا منه، فكأن الكلام كلمة طيبة وقائلها. وكأن المؤمن ثابت في الأرض وأفعاله وأقواله صاعدة، فهو كشجرة فرعها في السماء، وما يكون أبدًا من المؤمن من الطاعة، أو عن الكلمة من الفضل والأجر والغفران هو بمثابة الأكل الذي تأتي به كل حين.
وقوله عن الشجرة {وفرعها في السماء} أي في الهواء نحو السماء، والعرب تقول عن المستطيل نحو الهواء، وفي الحديث: «خلق الله آدم طوله في السماء ستون ذراعًا»، وفي كتاب سيبويه: والقيدودة: الطويل في غير سماء.
قال القاضي أبو محمد: كأنه انقاد وامتد.
وقال أنس بن مالك وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: الشجرة الطيبة في هذه الآية هي النخلة، وروي ذلك في أحاديث وقال ابن عباس أيضًا: هي شجرة في الجنة.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن تكون شجرة غير معينة إلا أنها كل ما اتصف بهذه الصفات فيدخل في ذلك النخلة وغيرها. وقد شبه الرسول عليه السلام المؤمن الذي يقرا القرآن بالأترجة، فلا يتعذر أيضًا أن يشبه بشجرتها.
والأكل الثمر وقرأ عاصم وحده {أكُلها} بضم الكاف.
وقوله: {كل حين}: الحين في اللغة- القطيع من الزمن غير محدد كقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين} [الإنسان: 1] وكقوله: {ولتعلمن نبأه بعد حين} [ص: 88]. وقد تقتضي لفظة الحين بقرينتها تحديدًا، كهذه الآية، فإن ابن عباس وعكرمة ومجاهدًا والحكم وحمادًا وجماعة من الفقهاء قالوا: من حلف ألا يفعل شيئًا حينًا فإنه لا يفعله سنة، واستشهدوا بهذه الآية: {تؤتي أكلها كل حين} أي كل سنة، وقال ابن عباس وعكرمة والحسن: أي كل ستة أشهر، وقال ابن المسيب: الحين شهران لأن النخلة تدوم مثمرة شهرين، وقال ابن عباس أيضًا والضحاك والربيع بن أنس: {كل حين} أي غدوة وعشية ومتى أريد جناها.
قال القاضي أبو محمد: وهكذا يشبهها المؤمن الذي هو في جميع أيامه في عمل، أو الكلمة التي أجرها والصادر عنها من الأعمال مستمر، فيشبه أن قول الله تعالى إنما شبه المؤمن أو الكلمة بالشجرة في حال إثمارها إذ تلك أفضل أحوالها. وتأول الطبري في ذلك أن أكل الطلح في الشتاء، وإن أكل الثمر في كل وقت من أوقات العام، وهو إتيان أكل، وإن فارق النخل، وإن فرضنا التشبيه بها على الإطلاق. وهي إنما تؤتي في وقت دون وقت، فالمعنى كشجرة لا تخل بما جعلت له من الإتيان بالأكل في الأوقات المعلومة، فكذلك هذا المؤمن لا يخل بما يسر له من الأعمال الصالحة أو الكلمة التي لا تغب بركتها والأعمال الصادرة عنها بل هي في حفظ النظام كالشجرة الطيبة في حفظ وقتها المعلوم. وباقي الآية بين.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال: الحين سنة- راعى أن ثمر النخلة وجناها إنما يأتي كل سنة، ومن قال ستة أشهر- راعى من وقت جذاذ النخل إلى حملها من الوقت المقبل. وقيل إن التشبيه وقع بالنخل الذي يثمر مرتين في العام، ومن قال شهرين. قال: هي مدة الجني في النخل. وكلهم أفتى بقوله في الإيمان على الحين.
وحكي الكسائي والفراء: أن في قراءة أبي بن كعب {وضرب الله مثلًا كلمة خبيثة}، والكلمة الخبيثة هي كلمة الكفر وما قاربها من كلام السوء في الظلم ونحوه. و{الشجرة الخبيثة} قال أكثر المفسرين هي شجرة الحنظل-قاله أنس بن مالك ورواه عن النبي عليه السلام، وهذا عندي على جهة المثال. وقالت فرقة: هي الثوم، وقال الزجاج: قيل هي الكشوت.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذه الأقوال من الاعتراض: أن هذه كلها من النجم وليست من الشجر، والله تعالى إنما مثل بالشجرة فلا تسمى هذه إلا بتجوز، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثوم والبصل: من أكل من هذه الشجرة، وأيضًا فإن هذه كلها ضعيفة وإن لم تجتث، اللهم إلا أن تقول: اجتثت بالخلقة.
وقال ابن عباس: هذا مثل ضربه الله ولم يخلق هذه الشجرة على وجه الأرض.
والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف. فالخبث هو أن تكون كالعضاة، أو كشجر السموم أو نحوها. إذا اجتثت- أي اقتلعت، حيث جثتها بنزع الأصول وبقيت في غاية الوهاء والضعف- لتقلبها أقل ريح. فالكافر يرى أن بيده شيئًا وهو لا يستقر ولا يغني عنه، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد أو للجهل بها أنها شيء نافع وهي خبيثة الجني غير باقية.
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}.
{القول الثابت في الحياة الدنيا}، كلمة الإخلاص والنجاة من النار: لا إله إلا الله، والإقرار بالنبوة.
وهذه الآية تعم العالم من لدن آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، وقال طاوس وقتادة وجمهور العلماء: {الحياة الدنيا} هي مدة حياة الإنسان. {وفي الآخرة} هي وقت سؤاله في قبره. وقال البراء بن عازب وجماعة {في الحياة الدنيا} هي وقت سؤاله في قبره-ورواه البراء عن النبي عليه السلام في لفظ متأول.
قال القاضي أبو محمد: ووجه القول لأن ذلك في مدة وجود الدنيا.
وقوله: {في الآخرة} هو يوم القيامة عند العرض.
قال القاضي أبو محمد: والأول أحسن، ورجحه الطبري.
و{الظالمين} في هذه الآية، الكافرين، بدليل أنه عادل بهم المؤمنين، وعادل التثبيت بالإضلال، وقوله: {ويفعل الله ما يشاء} تقرير لهذا التقسيم المتقدم، كأن امرأً رأى التقسيم فطلب في نفسه علته، فقيل له: {ويفعل الله ما يشاء} بحق الملك.
وفي هذه الآية رد على القدرية.
وذكر الطبري في صفة مساءلة العبد في قبره أحاديث، منها ما وقع في الصحيح. وهي من عقائد الدين، وأنكرت ذلك المعتزلة. ولم تقل بأن العبد يسال في قبره، وجماعة السنة تقول: إن الله يخلق له في قبره إدراكات وتحصيلًا، إما بحياة كالمتعارفة، وإما بحضور النفس وإن لم تتلبس بالجسد كالعرف، كل هذا جائز في قدرة الله تعالى، غير أن في الأحاديث: «إنه يسمع خفق النعال»، ومنها: «إنه يرى الضوء كأن الشمس دنت للغروب»، وفيها: «إنه ليراجع»، وفيها: «فيعاد روحه إلى جسده»، وهذا كله يتضمن الحياة- فسبحان رب هذه القدرة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلًا}.
قال المفسرون: ألم تر بعين قلبك فتعلم باعلامي إِياك كيف ضرب الله مثلًا، أي: بيَّن شَبَهًا، {كلمة طيبة} قال ابن عباس: هي شهادة أن لا إِله إِلا الله.
{كشجرة طيبة} أي: طيبة الثمرة، فترك ذكر الثمرة اكتفاء بدلالة الكلام عليه.
وفي هذه الشجرة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها النخلة، وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وأنس بن مالك، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك في آخرين.
والثاني: أنها شجرة في الجنة، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والثالث: أنها المؤمن، وأصله الثابت أنه يعمل في الأرض ويبلغ عملُه السماء.
وقوله: {تُؤتي أُكُلَهَا كل حين} فالمؤمن يذكر الله كل ساعة من النهار، رواه عطية عن ابن عباس.
قوله تعالى: {أصلها ثابت} أي: في الأرض، {وفرعها} أعلاها عالٍ {في السماء} أي: نحو السماء، وأُكُلُها: ثمرها.
وفي الحين هاهنا ستة أقوال:
أحدها: أنه ثمانية أشهر، قاله علي عليه السلام.
والثاني: ستة أشهر، رواه سعيد بن جُبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، وقتادة.
والثالث: أنه بُكْرة وعشية، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس.
والرابع: أنه السنة، روي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال مجاهد، وابن زيد.
والخامس: أنه شهران، قاله سعيد بن المسيب.
والسادس: أنه غُدوة وعشية وكلّ ساعة، قاله ابن جرير.