فصل: قال الشوكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما في الصفة الرابعة فلأن شجرة المعرفة موجبة لما علمت من الأحوال ومؤثرة في حصولها والمسبب لا ينفك عن السبب، فدوام أكل هذه الشجرة أتم من دوام أكل الشجرة المنعوتة فهي أولى بهذه الصفة بل ربما توغل العبد في المعرفة فيصير بحيث كلما لاحظ شيئًا لاحظ الحق فيه وربما عظم ترقيه فيصير لا يرى شيئًا إلا يرى الله تعالى قبله، وأيضًا قد يحصل للنفس من هذه المعرفة الهامات نفسانية وملكات روحانية ثم لا يزال يصعد منها في كل حين ولحظة كلام طيب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل كثمرة هذه الشجرة، وفي قوله سبحانه: {بِإِذْنِ رَبّهَا} [إبراهيم: 25] دقيقة عجيبة وذلك لأن الإنسان عند حصول هذه الأحوال السنية والدرجات العلية قد يفرح بها من حيث هي هي وقد يترقى فلا يفرح بها كذلك وإنما يفرح بها من حيث أنها من المولى جل جلاله وعند ذلك يكون فرحه في الحقيقة بالمولى تبارك وتعالى ولذلك قال بعض المحققين: من آثر العرفان للعرفان فقد وقف بالساحل ومن آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف فقد خاض لجة الوصول.
وذكر بعضهم في هذا المثال كلامًا لا يخلو عن حسن، وهو أنه إنما مثل سبحانه الإيمان بالشجرة لأن الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرق راسخ.
وأصل قائم.
وأغصان عالية فكذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء: معرفة في القلب.
وقول باللسان.
وعمل بالأركان، ولم يرتض قدس سره تفسير الشجرة بالنخلة ولا الحين بما شاع فقال: بعد نقل كلام جماعة إن هؤلاء وإن أصابوا في البحث عن مفردات ألفاظ الآية ألا أنهم بعدوا عن إدراك المقصود لأنه تعالى وصف شجرة بالصفات المذكورة ولا حاجة بنا إلى أن تلك الشجرة هي النخلة أم غيرها، فإنا نعلم بالضرورة أن الشجرة الكذائية يسعى في تحصيلها وادخارها لنفسه كل عاقل سواء كان لها وجود في الدنيا أو لم يكن لأن هذه الصفة أمر مطلوب التحصيل، واختلافهم في تفسير الحين أيضًا من هذا الباب والله تعالى أعلم، وذكر تبارك وتعالى في المثل الثاني شجرة أيضًا إلا أنه تعالى وصفها بثلاث صفات.
الصفة الأولى: كونها {خَبِيثَةٍ} وذلك يحتمل أن يكون بحسب الرائحة وأن يكون بحسب الطعم وأن يكون بحسب الصورة وأن يكون بحسب اشتمالها على المضار الكثيرة ولا حاجة إلى القول بأنها شجرة كذا أو كذا فإن الشجرة الجامعة لتلك الصفات وإن لم تكن موجودة إلا أنها إذا كانت معلومة الصفة كان التشبيه بها نافعًا في المطلوب.
والثانية: {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض} وهذه في مقابلة أصلها ثابت في الأول.
والثالثة: نفى أن يكون لها قرار وهذه كالمتممة للصفة الثانية، والمراد بالكلمة المشبهة بذلك الجهل بالله تعالى والإشراك به سبحانه فإنه أول الآفات وعنوان المخافات ورأس السقاوات فخبثه أظهر من أن يخفى وليس له حجة ولا ثبات ولا قوة بل هودًا حض غير ثابت. اهـ، وهو كلام حسن لكن فيه مخالفة لظواهر كثير من الآثار فتأمل.
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}.
الذي ثبت عندهم وتمكن في قلوبهم وهو الكلمة الطيبة التي ذكرت صفتها العجيبة، والظاهر أن الجار متعلق بيثبت وكذا قوله سبحانه: {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} أي يثبتهم بالبقاء على ذلك مدة حياتهم فلا يزالون إذا قيض لهم من يفتنهم ويحاول زللهم عنه كما جرى لأصحاب الاخدود.
ولجرجيس وشمسون وكما جرى لبلال وكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم {وَفِي الآخرة} أي بعد الموت وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة وفي مواقف القيامة فلا يتعلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك ولا تدهشهم الأهوال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن البراء بن عازب أنه قال في الآية: التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا له: من ربك؟ قال: ربي الله.
قالا: وما دينك؟ قال: ديني الإسلام: قال: ومن نبيك؟ قال: نبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمراد من {الآخرة} يوم القيامة، وأخرج الطبراني في الأوسط.
وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية: «{يُثَبّتُ الله} الخ في الآخرة القبر» وعلى هذا فالمراد بالحياة الدنيا مدة الحياة وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء واختاره الطبري.
نعم اختار بعضهم أن الحياة الدنيا مدة حياتهم والآخرة يوم القيامة والعرض؛ وكأن الداعي لذلك عموم {الذين كَفَرُواْ} وشمولهم لمؤمني الأمم السابقة مع عدم عموم سؤال القبر، وجوز تعلق الجار الأول بآمنوا على معنى آمنوا بالتوحيد الخالص فوحدوه ونزهوه عما لا يليق بجنابه سبحانه، وكذا جوز تعلق الجار الثاني بالثابت ومن الناس من زعم أن الثبيت في الدنيا الفتح والنصر وفي الآخرة اجلنة والثواب لا يخفى أن هذا مما لا يكاد يقال، وأمر تعلق الجارين ما قدمنا وهذا عند بعضهم مثال إيتاء الشجرة أكلها كل حين {وَيُضِلُّ الله الظالمين} أي يخلق فيهم الضلال عن الحق الذي ثبت المؤمنين عليه حسب إرادتهم واختيارهم الناشىء عن سوء استعدادهم، والمراد بهم الكفرة بدليل مقابلتهم بالذين آمنوا ووصفهم بالظلم إما باعتبار وضعهم للشيء في غير موضعه، وإما باعتبار ظلمهم لأنفسهم حيث بدلوا فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فلم يهتدوا إلى القول الثابت أو حيث قلدوا أهل الضلال وأعرضوا عن البينات الواضحة، واضلالهم على ما قيل في الدنيا أنهم لا يثبتون في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أول شيء وهم في الآخرة أضل وأزل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الكافر إذا حضره الموت تنزل عليه الملائكة عليهم السلام يضربون وجهه ودبره فإذا دخل قبره أقعد فقيل له: من ربك؟ فلم يرجع إليهم شيئًا وأنساه الله تعالى ذكر ذلك، وإذا قيل له: من الرسول الذي بعث إليكم؟ لم يهتد له ولم يرجع إليهم شيئًا فذلك قوله تعالى: {وَيُضِلُّ الله الظالمين}: {وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاء} من تثبيت بعض واضلال بعض آخرين حسبما توجبه مشيئته التابعة للحكم البالغة المقتضية لذلك، وفي إظهار الاسم الجليل في الموضعين من الفخامة وتربية المهابة ما لا يخفى مع ما فيه كما قيل من الإيذان بالتفاوت في مبادىء التثبيت والإضلال فإن مبدأ صدور كل منهما عنه سبحانه وتعالى من صفاته العلا غير ما هو مبدأ صدور الآخر، وفي ظاهر الآية من الرد على المعتزلة ما فيها. اهـ.

.قال الشوكاني:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.
لما ذكر سبحانه مثل أعمال الكفار، وأنها كرماد اشتدّت به الريح، ثم ذكر نعيم المؤمنين، وما جازاهم الله به من إدخالهم الجنة خالدين فيها، وتحية الملائكة لهم ذكر تعالى ها هنا مثلًا للكلمة الطيبة، وهي كلمة الإسلام، أي: لا إله إلاّ الله، أو ما هو أعمّ من ذلك من كلمات الخير، وذكر مثلًا للكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشرك، أو ما هو أعم من ذلك من كلمات الشرّ، فقال مخاطبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مخاطبًا لمن يصلح للخطاب: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا} أي: اختار مثلًا وضعه في موضعه اللائق به، وانتصاب {مثلًا} على أنه مفعول ضرب، و{كلمة} بدل منه، ويجوز أن تنتصب الكلمة على أنها عطف بيان ل {مثلًا}، ويجوز أن تنتصب الكلمة بفعل مقدّر، أي: جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وحكم بأنها مثلها، ومحل {كشجرة} النصب على أنها صفة لكلمة، أو الرفع على تقدير مبتدأ، أي: هي كشجرة، ويجوز أن تكون {كلمة} أوّل مفعولي {ضرب}، وأخرت عن المفعول الثاني، وهو {مثلًا} لئلا تبعد عن صفتها، والأوّل أولى، و{كلمة} وما بعدها تفسير للمثل، ثم وصف الشجرة بقوله: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} أي: راسخ آمن من الانقلاع بسبب تمكنها من الأرض بعروقها {فِى السماء} أي: أعلاها ذاهب إلى جهة السماء مرتفع في الهواء.
ثم وصفها سبحانه بأنها {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} كل وقت {بِإِذْنِ رَبّهَا} بإرادته ومشيئته، قيل: وهي النخلة.
وقيل غيرها.
وقيل: والمراد بكونها {تؤتي أكلها كل حين} أي: كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف.
وقيل: المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين؛ وقيل: كل غدوة وعشية، وقيل: كل شهر.
وقيل: كل ستة أشهر.
قال النحاس: وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة؛ لأن الحين عند جميع أهل اللغة إلاّ من شذّ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره، وأنشد الأصمعي قول النابغة:
تطلقه حينًا وحينًا تراجع

قال النحاس: وهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت.
وقد ورد الحين في بعض المواضع يراد به: أكثر كقوله: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر} [الإنسان: 1].
وقد تقدّم بيان أقوال العلماء في الحين في سورة البقرة في قوله: {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ ومتاع إلى حِينٍ} [البقرة: 36].
وقال الزجاج: الحين: الوقت طال أم قصر.
{وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتفكرون أحوال المبدأ والمعاد.
وبدائع صنعه سبحانه الدالة على وجوده ووحدانيته، وفي ضرب الأمثال زيادة تذكير وتفهيم وتصوير للمعاني.
{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} قد تقدّم تفسيرها.
وقيل: هي الكافر نفسه، والكلمة الطيبة: المؤمن نفسه.
{كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} أي: كمثل شجرة خبيثة، قيل: هي شجرة الحنظل.
وقيل: هي شجرة الثوم.
وقيل: الكمأة؛ وقيل: الطحلبة.
وقيل: هي الكشوث بالضم وآخره مثلثة، وهي شجرة لا ورق لها ولا عروق في الأرض.
قال الشاعر:
وهي كشوث فلا أصل ولا ثمر

وقرئ {ومثلًا كلمة} بالنصب عطفًا على كلمة طيبة {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض} أي: استؤصلت واقتلعت من أصلها، ومنه قول الشاعر:
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم

قال المؤرج: أخذت جثتها وهي نفسها، والجثة: شخص الإنسان، يقال: جثَّه: قلعه، واجتثه: اقتلعه.
ومعنى {من فوق الأرض}: أنه ليس لها أصل راسخ، وعروق متمكنة من الأرض {ما لَهَا مِن قَرَارٍ} أي: من استقرار على الأرض.
وقيل: من: ثبات على الأرض، كما أن الكافر وكلمته لا حجة له ولا ثبات فيه، ولا خير يأتي منه أصلًا، ولا يصعد له قول طيب ولا عمل طيب.
{يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ بالقول الثابت} أي: بالحجة الواضحة، وهي الكلمة الطيبة المتقدّم ذكرها، وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة: «شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله» وذلك إذا قعد المؤمن في قبره.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فذلك قوله تعالى: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ بالقول الثابت}» وقيل: معنى تثبيت الله لهم: هو أن يدوموا على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبت الله ما آتاك من حسن ** تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا

ومعنى {في الحياة الدنيا} أنهم يستمرّون على القول الثابت في الحياة الدنيا.
قال جماعة: المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية: القبر؛ لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا.
ومعنى {وَفِي الآخرة} وقت الحساب.
وقيل: المراد بالحياة الدنيا: وقت المساءلة في القبر، وفي الآخرة: وقت المساءلة يوم القيامة: والمراد: أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردّد ولا جهل، كما يقول: من لم يوفق: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت {وَيُضِلُّ الله الظالمين} أي: يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم، ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا.
قيل: والمراد بالظالمين هنا: الكفرة.
وقيل: كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة، فإنه لا يثبت في مواقف الفتن، ولا يهتدي إلى الحق.
ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا رادّ لحكمه، ولا يسأل عما يفعل.
قال الفراء: أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل: والله أعلم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي، عن ابن عباس في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ الله مَثَلًا كَلِمَةً طَيّبَةً} قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله: {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} وهو المؤمن {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} يقول: لا إله إلاّ الله ثابت في قلب المؤمن {وَفَرْعُهَا في السماء} يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء.
{وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} وهي الشرك {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} يعني: الكافر {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض لَهَا مِن قَرَارٍ} يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملًا.
وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم.
وأخرج الترمذي، والنسائي، والبزار، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال: {مَثَلُ كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} حتى بلغ: {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا} قال: «هي النخلة» {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} حتى بلغ: {ما لها مِن قَرَارٍ} قال: «هي الحنظلة».
وروي موقوفًا على أنس، قال الترمذي: الموقوف أصح.
وأخرج أحمد وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ} قال: «هي التي لا ينقص ورقها قال: هي النخلة» وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه: «إن شجرة من الشجر، لا يطرح ورقها مثل المؤمن» قال: فوقع الناس في شجر البوادي.
ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» وفي لفظ للبخاري قال: «أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحاتّ ورقها وتؤتي أكلها كل حين» فذكر نحوه.
وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ما الشجرة الطيبة؟»، ثم قال: «هي النخلة» وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبّهَا} قال: كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يكون أخضر ثم يكون أصفر.
وأخرج عنه أيضًا في قوله: {كُلَّ حِينٍ} قال: جذاذ النخل.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} قال: تطعم في كل ستة أشهر.
وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا قال: الحين هنا: سنة.
وأخرج البيهقي عنه أيضًا قال: الحين: قد يكون غدوة وعشية.
وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة.
وأخرج البخاري، ومسلم، وأهل السنن، وغيرهم عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله سبحانه: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ بالقول الثابت في الحياة الدنيا وَفِى الآخرة}» وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ} الآية قال: التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا: من ربك؟ فقال: ربي الله، قال: وما دينك؟ قال: ديني الإسلام.
قال: ومن نبيك؟ قال نبيي محمد صلى الله عليه وسلم.
فذلك التثبيت في الحياة الدنيا.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال: في الآخرة القبر.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ} الآية قال: «هذا في القبر». وأخرج البيهقي من حديثها نحوه.
وأخرج البزار عنها أيضًا قالت: «قلت: يا رسول الله، تبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: {يُثَبّتُ الله الذين ءامَنُواْ} الآية» وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضع بسطها، وهي معروفة. اهـ.