فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فمعنى ذلك أن يَد الله مبسوطة دائمًا، ذلك أن الليلَ يبدأ في كل لحظة عند قَوْم، ويبدأ النهار عند قوم في نفس اللحظة؛ ويتتابع ميلاد الليل والنهار حَسْب دوران الشمس حول الأرض.
وهكذا لا يجب أن نظلم شجرة الثوم، أو شجرة الحَنْظل، أو أي شجرة من مخلوقات الله ونَصِفَها بأنها شجرة خبيثة، فلا شيء خبيثٌ من مخلوقات الله.
ونحن حين نجد شابًا يقوم بثَنْي قطعة من الحديد قد يحسبه الجاهل أنه يُسيء استخدام الحديد، ولكن العاقل يعلم أنه يقوم بِثَنْيها ليصنع منها مَا يفيده؛ كخُطَّاف يشدُّ به شيئًا يلزمه.
وعمدة الكلمة الطيبة هي شهادة لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله ومن هذه الشهادة يتفرَّع كل الخير. ومن هنا نعلم أن عُمْدة الكلمة الخبيثة هي الكفر بتلك الشهادة، وما يتبع الكفر من عناد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصَدٍّ عن سبيل الله؛ ومن تكذيبٍ لمعجزات الرسل؛ وإنكارٍ لمنهج الله.
ولقائل أنْ يقول: ما دام الحق سبحانه قد قال إن هناك شجرةً خبيثة؛ فلابد أن تُوجَد تلك الشجرة، وأقول: إن كُلَّ ما يضرُّ الإنسان في وقت ما هو خبيث؛ فالسكر مثلًا يكون خبيثًا بالنسبة لمريض بالسكر؛ وكل كائن فيه حسناتٌ مفيدة؛ وله جانب ضَارّ في حالات معينة؛ وعلى الإنسان المختار أن يُميِّز ما يضرُّه وما ينفعه.
ونلحظ هنا في وَصْف الكلمة الخبيثة بأنها كالشجرة الخبيثة؛ أن الحق سبحانه لم يَقُلْ إن تلك الشجرة الخبيثة لها فَرْع في السماء؛ ذلك أنها مُجْتثة من الأرض؛ مُخْلخلة الجذور؛ فلا سَند لها من الأرض؛ ولا مددَ لها من السماء.
ولذلك يَصِفها الحق سبحانه: {مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 26].
أي: ما لها من ثبات أو قيام، وكذلك الكُفْر بالله؛ ومَنْ يكفر لا يصعد له عمل طيّب، فلا أساسَ يصعد به العمل أو القول الطيب. ولهذا وصفت الشجرة الخبيثة بصفات ثلاث، أولها: أنها شجرة خبيثة وثانيها: أنها عديمة الأصل بغير ثبات، وثالثها: ما لها من قرار لعدم ثبات الأصل.
ثم يبين الله جل علاه متحدثًا عن حصاد الحالتين، فالأولى: أمن وأمان في الدنيا والآخرة. والحالة الثانية: ظلم بضلال، وقلق بضنك، وفي الآخرة لهم عذاب أليم.
ويقول سبحانه وتعالى: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ...}.
وتأتي هنا كلمة التثبيت طبيعية بعد قوله: {اجتثت مِن فَوْقِ الأرض مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 26].
لأن الذي يُجتثُّ لا ثبوتَ له ولا استقرارَ؛ فجاء بالمقابل بقوله: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ...} [إبراهيم: 27].
وتُوحي كلمة التثبيت أيضًا بأن الإنسان ابنٌ للأغيار، وتطرأ عليه الأحداث التي هي نتيجة لاختيار المُكلَّفين في نفاذ حُكْم أو إبطاله، فالمُكلَّف حين يأمره الله بحكم؛ قد يُنفِّذه، وقد لا ينفذه.
وكذلك قد يتعرض المكلّف لمخالف لمنهج الله، فلا يُنفِّذ هذا المخالفُ تعاليم المنهج؛ ويؤذي مَنْ يتبع التعاليم، وهنا يثق المؤمن أن له إلهًا لن يخذله في مواجهة تلك الظروف، وسينصره إنْ قريبٌ أو بعيد على ذلك.
وهكذا لا تنال الأحداث من المؤمن، ويصدق قوله الحق: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ...} [إبراهيم: 27].
فهم قد آمنوا بوجوده وبقدرته، وبأن له طلاقة مشيئة يُثبِّتهم بها مهما كانت جسامة الأحداث؛ ذلك أن المؤمن يعلم عن يقين أن الحق سبحانه قد قال وصدق: {أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28].
وما دام المؤمن قد ثبت قلبه بالإيمان وبالقول الثابت؛ فهو لا يتعرّض لزيغ القلب؛ ولا يتزعزع عن الحق.
والتثبيت يختلف في أعراف الناس باختلاف المُثبّت؛ فحين يُخلْخَل عمود في جدار البيت؛ فصاحب البيت يأتي بالمهندس الذي يقوم بعمل دعائمَ لتثبيت هذا العمود؛ ويتبادل الناسُ الإعجابَ بقدرات هذا المهندس، ويتحاكى الناس بقدرات هذا المهندس على التثبيت للأعمدة التي كادتْ أنْ تنهار، وهذا ما يحدث في عُرْف البشر؛ فما بَالُنا بما يمكن أنْ يفعله خالق البشر؟
وقوله الحق: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ..} [إبراهيم: 27].
يرُّدك إلى المُثبِّت الذي لَنْ يطرأ على تثبيته أدنى خَلَل. وكلمة التثبيت دَلَّتْنَا على أن الإنسان ابنُ أغيارٍ؛ وقد تحدثُ له أشياء غَيْر مطابقة لما يريده في الحياة؛ لذلك فالمؤمن يجب ألاّ يَخُور؛ لأن له ربًا لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار.
وسبحانه يُثبِّت الذين آمنوا: {بالقول الثابت فِي الحياة الدنيا...} [إبراهيم: 27].
والقول الثابت؛ لأنه من الحَقِّ الذي لا يتغيَّر؛ وهذا القَوْلِ مُوجَّه للمؤمنين الذين يواجههم قَوْم أشرار اختاروا أنْ يكونوا على غير منهج الله.
وهذا القول يوضح للمؤمنين ضرورة أن يهدأوا؛ وأنْ يجعلوا أنفسهم في معيّة الله دائمًا، وأنْ يعلموا أنّ الظالمَ لو عَلِم ما أعدَّه الله للمظلوم من ثواب وحُسْن جزاء لَضَنَّ الظالم بظُلْمه على المظلوم ولَقَال: ولماذا أجعل الله في جانبه؟
والذين اضْطهِدوافي دينهم؛ وقام الكفار بتعذيبهم؛ لم يُفْتَنوا في الدين؛ فكلما قَسا عليهم الكفار ضَرْبًا وتعذيبًا كلما تذكروا حنانَ الحقِّ فتحمّلوا ما يذيقهم الكافرون من عذاب.
وحُسْن الجزاء قد يكون في الدنيا التي يُثبَّت فيها المؤمن بمشيئة الله؛ وهي بنت الأغيار وبنت الأسباب؛ فأنت في الدنيا تحوز على أيِّ شيء بأن تتعبَ من أجل أنْ تحصلَ عليه، وتكِدّ لتتعلم؛ وتعثر على وظيفة أو مهنة؛ ثم تتزوج لِتُكوِّن أُسْرة؛ وتخدُم غيرك؛ ويخدُمك غيرك، وتزاول كل أسبابك بغيرك؛ فأنت تأكل مما تطبخ زوجتك، أو أمك أو مَنْ تستخدمه ليؤدي لك هذا العمل.
باختصار كلما ارتقيتَ؛ فأنت ترتقي بأثر مجهود ما. وكُلّ متعة تحصل عليها إنما هي نتيجة لمجهود جَادٍّ منك؛ وأنت تحاول دائمًا أن تُقلِّل المجهود والأسباب لتزيد من متعتك.
فَما بالُكَ بالآخرة التي لا تكليفَ ولا أسبابَ فيها؛ وكل ما فيها قد جهَّزه الحق تعالى مقدّمًا للإنسان؛ ثوابًا إنْ آمنَ، وعذابًا إنْ كفر وعصى، وإنْ كنتَ مؤمنًا فالحق سبحانه يُجازيك بجنة عَرْضها السماوات والأرض؛ فيها كُلُّ ما تشتهي الأنفس.
وإذا كان الحق سبحانه يُثبِّت الذين آمنوا في الدنيا بالقول الثابت الحق فتثبيتُه لهم في الآخرة هو حياةٌ بدون أسباب.
ونجده سبحانه لم يَقُلْ هنا: الحياة الآخرة، بل قال: {فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة...} [إبراهيم: 27].
ذلك أن الارتقاءات الطُّموحية في الحياة تكون مناسبة للمجهود المبذول فيها، ولكن الأمرَ في الآخرة يختلف تمامًا؛ لأن الحق سبحانه هو الذي يُجازي على قَدْر طلاقة مشيئته، وهو يُثبِّتهم بداية من سؤال القبر ونهايةَ إلى أن يَلْقوا الثواب على حُسْن ما فعلوا من خير في سبيل الله.
وما دام الحق سبحانه قد ذكر هنا التثبيتَ في الحياة الدنيا والآخرة؛ فلابد أن يأتي بالمقابل، ويقول:
{وَيُضِلُّ الله الظالمين وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
وسبحانه يُضلّ الظالم لأنه اختار أنْ يظلم؛ وهو سبحانه قد جعل للإنسان حَقَّ الاختيار، فَمنَ اختار أن يظلمَ؛ لابد له من عقاب. وإذا كان سبحانه قد خلق الخَلْقَ وجعل الكون مُسخرًا لهم؛ وأعطى المؤمن والكافر من عطاء الربوبية؛ فإن اختار الكافرُ كفره؛ فهو لن يُنفِّذ تكاليف الألوهية التي أنزلها الله منهجًا لهداية الناس.
والكافر إنما يظلم نفسه؛ ذلك أنه ما دام قد أنِسَ إلى الكفر فالحق سبحانه يختم على قلبه؛ فلا يخرج من القلب الكفر، ولا يدخل إليه الإيمان؛ وهو رَبُّ العالمين يفعل ما يشاء.
وإذا كان الحق سبحانه يعطي كل إنسان ما يريد؛ وما دام الكافر يطلب أن يكون كافرًا؛ فسبحانه يمدُّ له في أسباب الكفر ليأخذه من بعد ذلك بها؛ كما يمدُّ الله للمؤمنين كُلَّ أسباب الإيمان مِصْداقًا لقوله الحق: {كُلًا نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20].
وهكذا تكون طلاقة قدرة الحق سبحانه وهو يفعل ما يشاء، ذلك أنه لا يوجد إله غيره.
والحق سبحانه قد أكرمنا بالعبودية له وحده، ذلك أننا رأينا جميعًا وشاهدنا أثر عبودية الإنسان للإنسان؛ حين يأخذ السيد خَيْر العبد؛ وقد ذاقتْ البشرية الكثير من وَيْلاتها، ولكن العبودية لله تختلف تمامًا حيث يأخذ العبد خَيْر السيد؛ ويُغدِق السيد إحسانه على عباده. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أنزلناه إِلَيْكَ}.
يعني: هذا كتاب أنزلنا جبريل ليقرأه عليك، وهو القرآن {لِتُخْرِجَ الناس} أي: لتدعو الناس {مِنَ الظلمات إِلَى النور} يعني: من الكفر إلى الإيمان.
وسمى الكفر ظلمات، لأن الكفر طريق الضلالة.
فمن وقع فيه ضلّ الطريق.
وسمى الإيمان نورًا، لأنه طريق واضح مبين {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} يقول: بأمر ربهم {إلى صِرَاطِ العزيز الحميد} يعني: دين الإسلام العزيز، المنيع بالنقمة لمن عصاه، ولم يجب الرسل.
الحميد لمن وحده.
ويقال: {الحميد} في فعاله.
ويقال: {الحميد} لأفعال الخلق.
يشكر لهم اليسير من أعمالهم، ويعطي الجزيل.
ثم قال تعالى: {الله الذي لَهُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض} من الخلق.
قرأ ابن عامر ونافع: {الله} بالضم على معنى الابتداء.
وقرأ الباقون {الله} بالكسر على معنى البناء.
ثم قال: {وَوَيْلٌ للكافرين} يعني: الكافرين بوحدانية الله تعالى: {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي: غليظ، دائم.
والويل: الشدة من العذاب.
ويقال: الويل وادٍ في جهنم.
ثم نعتهم فقال: {الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الآخرة} يعني: يستأثرون، ويختارون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يعني: يصرفون الناس عن ملة الإسلام {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يعني: يريدون بملة الإسلام غيرًا وزيغًا {أُوْلَئِكَ في ضلال بَعِيدٍ} عن الحق.
يعني: في خطأ طويل بعيد عن الحق.
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} يعني: بلغة قومه، ليفهموه وليكون أبيَنَ لهم.
يعني: {لِيُبَيّنَ لَهُمُ} طريق الهدى {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء} عن دين الإسلام من لم يكن أهلًا لذلك {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} إلى دينه الإسلام من كان أهلًا لذلك، {وَهُوَ العزيز} في ملكه، {الحكيم} في أمره، وقضائه، ويقال: {الحكيم} حكم بالضلالة والهدى لمن يشاء.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} يعني: باليد والعصا {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} يعني: ادع قومك {مِنَ الظلمات إِلَى النور} يعني: من الكفر إلى الإيمان {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} يعني: خوّفهم بمثل عذاب الأمم الخالية، ليؤمنوا.
وقال مجاهد: أيام نعمه.
وكذلك قال قتادة والسدي.
يعني: ذكرهم نعمائي ليؤمنوا بي.
وروي في الخبر أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن حببني إلى عبادي.
قال: يا رب كيف أحببك إلى عبادك، والقلوب بيدك؟ فأوحى الله إليه أن ذكرهم نعمائي.
ثم قال: {إِنَّ في ذَلِكَ لاَيَاتٍ} يعني: في الذي فعلت بالأمم الخالية، وما أعطيتهم من النعم لعلامات {لّكُلّ صَبَّارٍ} على طاعة الله، والصبار هو البالغ في الصبر {شَكُورٍ} يعني: شكور لنعم الله تعالى، وهو على ميزان فَعُول وهو المبالغة في الشكر.
ثم قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ} يعني: من فرعون وآله.
كما قال في آية أخرى: {كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ والذين مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيات رَبِّهِمْ فأهلكناهم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا ءَالَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظالمين} [الأنفال: 54] يعني: فرعون وآله.
{يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} يقول: يعذبونكم بأشد العذاب {وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} الصغار {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ} يعني: يستخدمون نساءكم {وَفِى ذلكم} يعني: ذبح الأبناء، واستخدام النساء، {بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} يعني: بلية عظيمة لكم من خالقكم.
ويقال: في إنجاء الله نعمة عظيمة لكم.
قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} يعني: قال.
ويقال: أعلم ربكم {لَئِن شَكَرْتُمْ} نعمتي عليكم {لازِيدَنَّكُمْ} من النعمة {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} بتوحيد الله وجحدتم نعمتي عليكم {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} في الآخرة.
قال الفقيه: حدثنا أبي رحمه الله بإسناده عن أبي هريرة أنه قال: من رزق ستًا لم يحرم ستًا.
من رزق الشكر لم يحرم الزيادة لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لازِيدَنَّكُمْ} ومن رزق الصبر لم يحرم الثواب لقوله تعالى: {قُلْ ياعباد الذين ءَامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ومن رزق التوبة لم يحرم القبول لقوله تعالى: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [الشورى: 25] ومن رزق الاستغفار لم يحرم المغفرة لقوله تعالى: {فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] ومن رزق الدعاء لم يحرم الإجابة لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين} [غافر: 60] ومن رزق النفقة لم يحرم الخلف لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مِّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} [سبأ: 39] قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن في الأرض جَمِيعًا} يعني: إن جحدتم نعم الله، ولم تؤمنوا به {فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ} يعني: عن إيمانكم وطاعتكم {حَمِيدٌ} لمن عبده منكم بالمغفرة.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ} يقول: ألم يأتكم في القرآن خبر الذين من قبلكم من الأمم الماضية، كيف عذّبهم الله تعالى عند تكذيب رسلهم {قَوْمُ نُوحٍ} كيف أهلكهم بالغرق، {وَعَادٌ} كيف أهلكهم الله بالريح، {وَثَمُودُ} كيف أهلكهم بالصيحة، فهذا تهديد لأهل مكة ليعتبروا بهم.
قوله تعالى: {والذين مِن بَعْدِهِمْ} كيف عذبوا {لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} يعني: لا يعلم عددهم إلا الله.
قال ابن مسعود: كذب النسابون وقرأ: {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} يعني: جاء الرسل بالأمر والنهي {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} قال مقاتل: وضع الكفار أيديهم على أفواههم.
فقالوا للرسل: اسكتوا فإنكم كذبة، وإن العذاب غير نازل بنا.
وروى هبيرة بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود في قوله: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} قال: جعلوا أصابعهم في فيهم.
وقال القتبي: أي عضوا عليها حنقا وغيظًا.
قال مجاهد وقتادة: يعني: ردّوا عليهم قولهم وكذبوهم ويقال: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ} يعني: نِعَم رسلهم، لأن مجيئهم بالبينات نعم.
ومعنى قوله: {فِى أَفْوَاهِهِمْ} أي: بأفواههم.
أي: ردوا تلك النعمة بالنطق بالتكذيب {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا} فهذا هو ردهم {بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} يعني: بما تدعونا إليه {وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} وهو المبالغة في الشك يعني: ظاهر الشك.