فصل: (سورة إبراهيم: آية 26)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة إبراهيم: آية 26]

{وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (26)}.
{كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ} كمثل شجرة خبيثة، أى: صفتها كصفتها. وقرئ: {ومثل} كلمة بالنصب، عطفا على كلمة {طيبة}. والكلمة الخبيثة: كلمة الشرك. وقيل: كل كلمة قبيحة. وأمّا الشجرة الخبيثة فكل شجرة لا يطيب ثمرها كشجرة الحنظل والكشوث ونحو ذلك. وقوله: {اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ} في مقابلة قوله: {أَصْلُها ثابِتٌ} ومعنى {اجْتُثَّتْ} استؤصلت. وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة كلها {ما لَها مِنْ قَرارٍ} أى استقرار. يقال: قرّ الشيء قرارًا، كقولك: ثبت ثباتا، شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة، فهو داحض غير ثابت والذي لا يبقى إما يضمحل عن قريب لبطلانه، من قولهم: الباطل لجلج. وعن قتادة أنه قيل لبعض العلماء: ما تقول في كلمة خبيثة؟ فقال: ما أعلم لها في الأرض مستقرًا، ولا في السماء مصعدًا، إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافى بها القيامة.

.[سورة إبراهيم: آية 27]

{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (27)}.
{بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} الذي ثبت بالحجة والبرهان في قلب صاحبه وتمكن فيه، فاعتقده واطمأنت إليه نفسه. وتثبيتهم به في الدنيا: أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزلوا، كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود، والذين نشروا بالمناشير ومشطت لحومهم بأمشاط الحديد، وكما ثبت جرجيس وشمسون وغيرهما. وتثبيتهم في الآخرة. أنهم إذا سئلوا عند تواقف الأشهاد عن معتقدهم ودينهم، لم يتلعثموا ولم يبهتوا، ولم تحيرهم أهوال الحشر. وقيل معناه الثبات عند سؤال القبر. وعن البراء ابن عازب رضى اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال: ثم يعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
فيقول: ربى اللّه، ودينى الإسلام، ونبيي محمد، فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فذلك قوله: {يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت} {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} الذين لم يتمسكوا بحجة في دينهم، وإنما اقتصروا على تقليد كبارهم وشيوخهم، كما قلد المشركون آباءهم فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} وإضلالهم في الدنيا أنهم لا يثبتون في مواقف الفتن وتزل أقدامهم أوّل شيء، وهم في الآخرة أضل وأذل {وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ} أى ما توجبه الحكمة، لأن مشيئة اللّه تابعة للحكمة، من تثبيت المؤمنين وتأييدهم، وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم، ومن إضلال الظالمين وخذلانهم، والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم. اهـ.

.قال النسفي:

سورة إبراهيم عليه السلام مكية: اثنتان وخمسون آية.
{الر كِتَابٌ} هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب يعني السورة، والجملة التي هي {أنزلناه إِلَيْكَ} في موضع الرفع صفة للنكرة {لِتُخْرِجَ الناس} بدعائك إياهم {مِنَ الظلمات إِلَى النور} من الضلالة إلى الهدى {بِإِذْنِ رَبّهِمْ} بتيسيره وتسهيله مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب وذلك ما يمنحهم من التوفيق {إلى صراط} بدل من {النور} بتكرير العامل {العزيز} الغالب بالانتقام {الحميد} المحمود على الإنعام {الله} بالرفع مدني وشامي على هو {الله} وبالجر غيرهما على أنه عطف بيان للعزيز الحميد {الذى لَهُ مَا في السماوات وَمَا في الأرض} خلقًا وملكًا.
ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان توعد الكافرين بالويل وهو نقيض الوأل وهو النجاة وهو اسم معنى كالهلاك فقال: {وَوَيْلٌ للكافرين مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} وهو مبتدأ وخبر، وصفة {الذين يَسْتَحِبُّونَ} يختارون ويؤثرون {الحياة الدنيا عَلَى الأخرة وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عن دينه {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجًا والأصل ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل.
{الذين} مبتدأ خبره {أُوْلَئِكَ في ضلال بَعِيدٍ} عن الحق.
ووصف الضلال بالبعد من الإسناد والمجازي والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن طريق الحق فوصف به فعله كما تقول جد جده، أو مجرور صفة للكافرين، أو منصوب على الذم أو مرفوع على أعني الذين أوهم الذين.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} إلا متكلمًا بلغتهم {لِيُبَيّنَ لَهُمْ} ما هو مبعوث به وله فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولون له: لم نفهم ما خوطبنا به.
فإن قلت: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس جميعًا بقوله: {قُلْ يا أَيُّهَا الناس إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة قلت: لا يخلو ما إن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة، لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل فتعين أن ينزل بلسان واحد، وكان لسان قومه أولى بالتعيين لأنهم أقرب إليه ولأنه أبعد من التحريف والتبديل {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء} من آثر سبب الضلالة {وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ} من آثر سبب الاهتداء {وَهُوَ العزيز} فلا يغالب على مشيئته {الحكيم} فلا يخذل إلا أهل الخذلان {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا موسى بآياتنا} التسع {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ} بأن أخرج أو أي أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول كأنه قيل: أرسلناه وقلنا له أخرج قومك {مِنَ الظلمات إِلَى النور وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود، ومنه أيام العرب لحروبها وملاحمها أو بأيام الإنعام حيث ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وفلق لهم البحر {إِنَّ في ذلك لآيات لّكُلّ صَبَّارٍ} على البلايا {شَكُورٍ} على العطايا كأنه قال لكل مؤمن إذ الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوء العذاب} {إذ} ظرف للنعمة بمعنى الإنعام أي إنعامه عليكم ذلك الوقت، أو بدل اشتمال من نعمة الله أي اذكروا وقت إنجائكم {وَيُذَبّحُونَ أَبْنَاءكُمْ} ذكر في البقرة {يذبحون} [البقرة: 49] وفي الأعراف {يقتلون} [الأعراف: 141] بلا واو، وهنا مع الواو.
والحاصل أن التذبيح حيث طرح الواو جعل تفسيرًا للعذاب وبيانًا له، وحيث أثبت الواو جعل التذبيح من حيث إنه زاد على جنس العذاب كأنه جنس آخر {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِى ذلكم بَلاء مِّن رَّبّكُمْ عَظِيمٌ} الإشارة إلى العذاب والبلاء المحنة أو إلى الإنجاء والبلاء النعمة.
{وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} أي آذن ونظير {تأذن} وآذن توعد وأوعد.
ولابد في تفعل من زيادة معنى ليس في أفعل كأنه قيل: وإذ آذن ربكم إيذانًا بليغًا تنتفي عنده الشكوك والشبه وهو من جملة ما قال موسى لقومه، وانتصابه للعطف على {نعمة الله عليكم} كأنه قيل: وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم والمعنى وإذ تأذن ربكم فقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ} يا بني إسرائيل ما خولتكم من نعمة الإنجاء وغيرها {لأَزِيدَنَّكُمْ} نعمة إلى نعمة فالشكر قيد الموجود وصيد المفقود وقيل: إذا سمعت النعمة نغمة الشكر تأهبت للمزيد.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لئن شكرتم بالجد في الطاعة لأزيدنكم بالجد في المثوبة {وَلَئِن كَفَرْتُمْ} ما أنعمت به عليكم {إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ} لمن كفر نعمتي، أما في الدنيا فسلب النعم وأما في العقبى فتوالى النقم.
{وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ} يا بني إسرائيل {وَمَن في الأرض جَمِيعًا} والناس كلهم {فَإِنَّ الله لَغَنِىٌّ} عن شكركم {حَمِيدٌ} وإن لم يحمده الحامدون وأنتم ضررتم أنفسكم حيث حرمتموها الخير الذي لابد لكم منه {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} من كلام موسى لقومه أو ابتداء خطاب لأهل عصر محمد عليه السلام {والذين مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله} جملة من مبتدأ وخبر وقعت اعتراضًا، أو عطف {الذين من بعدهم} على {قوم نوح} و{لا يعلمهم إلا الله} اعتراض، والمعنى أنهم من الكثرة بحيث لا يعلم عددهم إلا الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبًا لا يعرفون.
ورُوى أنه عليه السلام قال عند نزول هذه الآية: كذب النسابون {جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} بالمعجزات {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ} الضميران يعودان إلى الكفرة أي أخذوا أناملهم بأسنانهم تعجبًا أو عضوا عليها تغيظًا، أو الثاني يعود إلى الأنبياء أي رد القوم أيديهم في أفواه الرسل كيلا يتكلموا بما أرسلوا به {وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ} من الإيمان بالله والتوحيد {مُرِيبٍ} موقع في الريبة {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى الله شَكٌّ} أدخلت همزة الإنكار على الظرف لأن الكلام ليس في الشك إنما هو في المشكوك فيه، وأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة وهو جواب قولهم: {وإنا لفي شك} {فَاطِرِ السموات والأرض يَدْعُوكُمْ} إِلَى الإيمان {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} إِذا آمنتم ولم تجيء مع {من} إلا في خطاب الكافرين كقوله: {واتقوه وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [نوح: 4، 3] {ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله وَءامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [الاحقاف: 31] وقال في خطاب المؤمنين: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة} إلى أن قال: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف: 11، 10] وغير ذلك مما يعرف بالاستقراء، وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد {وَيُؤَخّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى وقت قد سماه وبين مقداره.
{قَالُواْ} أي القوم {إِنْ أَنتُمْ} ما أنتم {إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} لا فضل بيننا وبينكم ولا فضل لكم علينا فلم تخصون بالنبوة دوننا {تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا} يعني الأصنام {فَأْتُونَا بسلطان مُّبِينٍ} بحجة بينة وقد جاءتهم رسلهم بالبينات، وإنما أرادوا بالسلطان المبين آية قد اقترحوها تعنتًا ولجاجا.
{قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} تسليم قولهم إنهم بشر مثلهم {ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} بالإيمان والنبوة كما منّ علينا {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُمْ بسلطان إِلاَّ بِإِذْنِ الله} جواب لقولهم: {فأتونا بسلطان مبين} والمعنى أن الإتيان بالآية التي قد اقترحتموها ليس إلينا ولا في استطاعتنا وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون} أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل وقصدوا به أنفسهم قصدًا أوليًا كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وإيذائكم ألا ترى إلى قوله: {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله} معناه وأي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه {وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه وهو التوفيق لهداية كل منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين قال أبو تراب: التوكل طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والشكر عند العطاء والصبر عند البلاء {وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا آذَيْتُمُونَا} جواب قسم مضمر أي حلفوا على الصبر على أذاهم وأن لا يمسكوا عن دعائهم {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون} أي فليثبت المتوكلون على توكلهم حتى لا يكون تكرارا.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ} {سبْلنا} {لرسْلهم} أبو عمرو {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَا} من ديارنا {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} أي ليكونن أحد الأمرين إخراجكم أو عودكم وحلفوا على ذلك والعود بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن معه فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد {فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين} القول مضمر أو أجرى الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ} أي أرض الظالمين وديارهم.
في الحديث: «من آذى جاره ورثه الله داره» {ذلك} الإهلاك والإسكان أي ذلك الأمر حق {لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} موقفي وهو موقف الحساب أو المقام مقحم أو خاف قيامي عليه بالعلم كقوله: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] والمعنى أن ذلك حق للمتقين {وَخَافَ وَعِيدِ} {عذابي} وبالياء يعقوب {واستفتحوا} واستنصروا الله على أعدائهم وهو معطوف على أوحى إليهم {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ} وخسر كل متكبر بطر {عَنِيدٍ} مجانب للحق.
معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل: الضمير للكفار ومعناه واستفتح الكفار على الرسل ظنًا منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه {مِّن وَرَائِهِ} من بين يديه {جَهَنَّمُ} وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حيث يبعث ويوقف {ويسقى} معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى {مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} ما يسيل من جلود أهل النار، و{صديد} عطف بيان لماء لأنه مبهم فبين بقوله: {صديد}.
{يَتَجَرَّعُهُ} يشربه جرعة جرعة {وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ} ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله: {لم يكد يراها} [النور: 40] أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أي أسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا تفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكًا {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} لأنه لو مات لاستراح {وَمِن وَرَائِهِ} ومن بين يديه {عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذابًا أشد مما قبله وأغلظ.
وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد.
{مَثَلُ الذين} مبتدأ محذوف الخبر أي فيما يتلى عليكم مثل الذين {كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ} والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول: كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد {اشتدت بِهِ الريح} {الرياح} مدني {فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح كقولك: يوم ماطر، وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسرى وعقر الإبل للأضياف وغير ذلك شبهها في حبوطها لبنائها على غير أساس وهو الإيمان بالله تعالى برماد طيرته الريح العاصف {لاَّ يَقْدِرُونَ} يوم القيامة {مِمَّا كَسَبُواْ} من أعمالهم {على شَيْءٍ} أي لا يرون له أثرًا من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء {ذلك هُوَ الضلال البعيد} إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب {أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم الخطاب لكل أحد {أَنَّ الله خَلَقَ السماوات والأرض} {خالق} مضافًا حمزة وعلي {بالحق} بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثًا {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقًا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم إعلامًا بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم.
{وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} ويبرزون يوم القيامة وإنما جيء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد.
ونحوه {وَنَادَى أصحاب الجنة} [الأعراف: 44] {ونادى أصحاب النار} [الأعراف: 50] وغير ذلك، ومعنى بروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز لهم أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية، أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه {فَقَالَ الضعفاء} في الرأي وهم السفلة والأتباع وكتب الضعفاء بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو {لِلَّذِينَ استكبروا} وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} تابعين.
جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع والتبع الأتباع يقال: تبعه تبعًا {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ الله مِن شَيْءٍ} فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه.
و{من} الأولى للتبيين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ولما كان قول الضعفاء توبيخًا لهم وعتابًا على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم {قَالُواْ} لهم مجيبين معتذرين {لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} أي لو هدانا الله إلى الإيمان في الدنيا لهديناكم إليه أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} مستويان علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية.