فصل: تفسير الآية رقم (86):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (86):

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانت هذه الآيات كلها كالدليل على قوله تعالى: {وضربت عليهم الذلة والمسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله} [البقرة: 61] فذلكة ذلك قوله تعالى: {أولئك} أي البعداء البغضاء {الذين اشتروا} أي لجوا فأخذوا {الحياة الدنيا} على خساستها {بالآخرة} مع نفاستها، والدنيا فُعلى من الدنو وهو الأنزل رتبة، في مقابلة عليا، ولأنه لزمتها العاجلة صارت في مقابلة الأخرى اللازمة للعلو، ففي الدنيا نزول قدر وتعجل وفي الأخرى علو قدر وتأخر، فتقابلتا على ما يفهم تقابلين من معنى كل واحدة منهما- قاله الحرالي: فالآية من الاحتكاك، ذكر الدنيا أولًا يدل على حذف العليا ثانيًا، وذكر الآخرة ثانيًا يدل على حذف العاجلة أولًا.
{فلا} أي فتسبب عن ذلك أنه لا {يخفف} من التخفيف وهو مصير الثقيل والمستفل إلى حال الطافي المستعلي كحال ما بين الحجر والهواء- قاله الحرالي: {عنهم العذاب} في واحدة من الدارين {ولا هم ينصرون} وهو أيضًا من أعظم الأدلة على خذلان من غزا لأجل المغنم أو غل، وقد ورد في كثير من الأحاديث والآثار التصريح بذلك، منها ما رواه مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب» وهو أيضًا شرع قديم ففي سفر يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام أنه لما فتح مدينة أريحا بعد موت موسى عليه السلام بعث إلى مدينة عاي ثلاث آلاف مقاتل ليفتحوها، فقتل منهم أهل عاي جماعة وهزموهم، فاضطربت قلوبهم وصارت كالماء، فسجد يشوع على الأرض أمام تابوت الرب هو ومشيخة بني إسرائيل، فقال له الرب: انهض قائمًا، وأخبره أن قومه قد غلوا فلا يقدرون الآن أن يثبتوا لأعدائهم حتى ينحوا الحرام عنهم، وقال الله له: وإذا كان غد فقدموا أسباطكم ليقترعوا، والسبط الذي تصيبه قرعة الرب تتقدم عشائره، والعشيرة التي تصيبها القرعة تتقدم بيوتاتها، والبيت الذي يصيبه قرعة الرب ويصاب الحرام عنده يحرق بالنار هو وكل شيء له، لأنه تعدى على أمر الرب ولأنه أثم بإسرائيل؛ ففعل ما أمره الرب فأصابت القرعة عاجار بن كرمى من سبط يهودا، فأحضره وبنيه وبناته ومواشيه وخيمته وكل من كان له، فأصعدهم إلى غور عاجار، ورجمهم جميع بني إسرائيل بالحجارة، وأحرقوهم بالنار، وجعلوا فوقه تلًا من الحجارة الكبار إلى اليوم، ولذلك دعي اسم ذلك الموضع غور عاجار إلى اليوم، ثم أتوا من الغد إلى عاي فقتلوا جميع من فيها من بني آدم الذكور والإناث وأحرقوها. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن والله سبحانه مكن المكلف من تحصيل أيهما شاء وأراد، فإذا اشتغل بتحصيل أحدهما فقد فوت الآخر على نفسه، فجعل الله ما أعرض اليهود عنه من الإيمان بما في كتبهم وما حصل في أيديهم من الكفر ولذات الدنيا كالبيع والشراء، وذلك من الله تعالى في نهاية الذم لهم لأن المغبون في البيع والشراء في الدنيا مذموم حتى يوصف بأنه تغير في عقله فبأن يذم مشتري متاع الدنيا بالآخرة أولى. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَلا يخفف عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}:

.قال الفخر:

في دخول الفاء في قوله: {فَلاَ يُخَفَّفُ} قولان، أحدهما: العطف على {اشتروا} والقول الآخر بمعنى جواب الأمر، كقولك أولئك الضلال انتبه فلا خير فيهم والأول أوجه لأنه لا حاجة فيه إلى الإضمار. اهـ.
وقال الفخر:
بعضهم حمل التخفيف على أنه لا ينقطع بل يدوم، لأنه لو انقطع لكان قد خف، وحمله آخرون على شدته لا على دوامه والأولى أن يقال: إن العذاب قد يخف بالانقطاع وقد يخف بالقلة في كل وقت أو في بعض الأوقات، فإذا وصف تعالى عذابهم بأنه لا يخفف اقتضى ذلك نفي جميع ما ذكرناه. اهـ.
قال الفخر:
أما قوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ففيه وجهان: الأكثرون حملوه على نفي النصرة في الآخرة يعني أن أحدًا لا يدفع هذا العذاب عنهم ولا هم ينصرون على من يريد عذابهم ومنهم من حمله على نفي النصرة في الدنيا، والأول أولى لأنه تعالى جعل ذلك جزاء على صنيعهم، ولذلك قال: {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} وهذه الصفة لا تليق إلا بالآخرة، لأن عذاب الدنيا وإن حصل فيصير كالحدود التي تقام على المقصر ولأن الكفار قد يصيرون غالبين للمؤمنين في بعض الأوقات. اهـ.

.قال الألوسي:

{أُولَئِكَ الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة} أي آثروا الحياة الدنا واستبدلوها بالآخرة وأعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب} الموعودون به يوم القيامة أو مطلق العذاب دنيويًا كان أو أخرويًا.
{وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} بدفع الخزي إلى آخر الدنيا أو بدفع الجزية في الدنيا، والتعذيب في العقبى، وعلى الاحتمال الأول في الأمرين يستفاد نفي دفع العذاب من نفي تخفيفه بأبلغ وجه وآكده، ورجحه بعضهم بأن المقام على الثاني يستدعي تقديم نفي الدفع على نفي التخفيف، وتقديم المسند إليه لرعاية الفاصلة والتقوى لا للحصر إذ ليس المقام مقامه، ولذا لم يقل فلا عنهم يخفف العذاب، والجملة معطوفة على الصلة.
ويجوز أن يوصل الموصول بصلتين مختلفتين زمانًا، وجوز أن يكون أولئك مبتدأ والذين خبره، وهذه الجملة خبر بعد خبر، والفاء لما أن الموصول إذا كانت صلته فعلًا كان فيها معنى الشرط، وفيه أن معنى الشرطية لا يسري إلى المبتدأ الواقعة خبرًا عنه، وجوز أيضًا أن يكون أولئك مبتدأ والذين مبتدأ ثان، وهذه الجملة خبر الثاني، والمجموع خبر الأول، ولا يحتاج إلى رابط لأن الذين هم أولئك، ولا يخفى ما فيه هذا. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: الآيات 75- 77]:

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}.
{أَفَتَطْمَعُونَ} الخطاب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم والمؤمنين {أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ} أن يحدثوا الإيمان لأجل دعوتكم ويستجيبوا لكم، كقوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} يعنى اليهود، {وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ} طائفة فيمن سلف {منهم يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ} وهو ما يتلونه من التوراة {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} كما حرّفوا صفة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وآية الرّجم، وقيل كان قوم من السبعين المختارين سمعوا كلام اللَّه حين كلم موسى بالطور وما أمر به ونهى، ثم قالوا: سمعنا اللَّه يقول في آخره: إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس. وقرئ: {كلم اللَّه}، {مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ} من بعد ما فهموه وضبطوه بعقولهم ولم تبق لهم شبهة في صحته {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنهم كاذبون مفترون.
والمعنى: إن كفر هؤلاء وحرّفوا فلهم سابقة في ذلك.
{وَإِذا لَقُوا} يعنى اليهود قالُوا قال منافقوهم {آمَنَّا} بأنكم على الحق، وأنّ محمدا هو الرسول المبشر به {وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ} الذين لم ينافقوا {إِلى بَعْضٍ} الذين نافقوا {قالُوا} عاتبين عليهم {أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بما بين لكم في التوراة من صفة محمد. أو قال المنافقون لأعقابهم يرونهم التصلب في دينهم: {أتحدّثونهم}، إنكارا عليهم أن يفتحوا عليهم شيئا في كتابهم فينافقون المؤمنين وينافقون اليهود {لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ} ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم به، وقولهم هو في كتابكم هكذا محاجة عند اللَّه. ألا تراك تقول: هو في كتاب اللَّه هكذا. وهو عند اللَّه هكذا، بمعنى واحد {يَعْلَمُ جميع ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} ومن ذلك إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان.

.[سورة البقرة: الآيات 78- 79]:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}.
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} لا يحسنون الكتب فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها {لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ} التوراة {إِلَّا أَمانِيَّ} إلا ما هم عليه من أمانيهم، وأن اللَّه يعفو عنهم ويرحمهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم، وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم وما تمنيهم أحبارهم من أنّ النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. وقيل: إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فتقبلوها على التقليد. قال أعرابى لابن دأب في شيء حدث به: أهذا شيء رويته، أم تمنيته، أم اختلقته وقيل: إلا ما يقرؤن من قوله:
تَمَنَّى كِتَابَ اللَّهِ أَوَّلَ لَيْلَةٍ

والاشتقاق من منى إذا قدّر، لأن المتمنى يقدّر في نفسه ويحزر ما يتمناه، وكذلك المختلق والقارئ يقدر أن كلمة كذا بعد كذا.
و{إلا أمانيّ}: من الاستثناء المنقطع. وقرئ: {أمانى}، بالتخفيف. ذكر العلماء الذين عاندوا بالتحريف مع العلم والاستيقان، ثم العوامّ الذين قلدوهم، ونبه على أنهم في الضلال سواء، لأن العالم عليه أن يعمل بعلمه، وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم.
{يَكْتُبُونَ الْكِتابَ} المحرّف {بِأَيْدِيهِمْ} تأكيد، وهو من مجاز التأكيد، كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك هذه.
{مِمَّا يَكْسِبُونَ} من الرشا.

.[سورة البقرة: الآيات 80- 82]:

{وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82)}.
{إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل. وعن مجاهد: كانوا يقولون مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما.
{فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ} متعلق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عند اللَّه عهدا فلن يخلف اللَّه عهده. و{أَمْ} إمّا أن تكون معادلة بمعنى أى الأمرين كائن على سبيل التقرير، لأن العلم واقع بكون أحدهما. ويجوز أن تكون منقطعة بَلى إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} أى بلى تمسكم أبدا، بدليل قوله: {هُمْ فِيها خالِدُونَ}.
{مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} من السيئات، يعنى كبيرة من الكبائر {وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} تلك واستولت عليه، كما يحيط العدوّ ولم يتفص عنها بالتوبة.
وقرئ: {خطاياه}، و{خطيئاته}. وقيل في الإحاطة: كان ذنبه أغلب من طاعته. وسأل رجل الحسن عن الخطيئة قال: سبحان اللَّه: ألا أراك ذا لحية وما تدرى ما الخطيئة، انظر في المصحف فكل آية نهى فيها اللَّه عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة.

.[سورة البقرة: آية 83]:

{وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)}.
{لا تَعْبُدُونَ} إخبار في معنى النهى، كما تقول: تذهب إلى فلان تقول له كذا، تريد الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهى، لأنه كأنه سورع إلى الامتثال والانتهاء، فهو يخبر عنه وتنصره قراءة عبد اللَّه وأبيّ لا تعبدوا ولابد من إرادة القول، ويدل عليه أيضا قوله: {وَقُولُوا}.
وقوله: {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} إما أن يقدّر: وتحسنون بالوالدين إحسانا. أو وأحسنوا. وقيل:
هو جواب قوله: {أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ} إجراء له مجرى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون. وقيل: معناه أن لا تعبدوا، فلما حذفت أن رفع، كقوله:
أَلَا أَيُّهذَا الزّاجِرِى أَحْضُرَ الوَغَى

ويدل عليه قراءة عبد اللَّه {أن لا تعبدوا} ويحتمل {أن لا تعبدوا} أن تكون {أن} فيه مفسرة، وأن تكون أن مع الفعل بدلا عن الميثاق، كأنه قيل: أخذنا ميثاق بنى إسرائيل توحيدهم وقرئ بالتاء حكاية لما خوطبوا به، وبالياء لأنهم غيب.
{حُسْنًا} قولا هو حسن في نفسه لإفراط حسنه. وقرئ: {حسنا}. و{حسنى}- على المصدر- كبشرى.
{ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} على طريقه الالتفات أى توليتم عن الميثاق ورفضتموه.
{إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} قيل: هم الذين أسلموا منهم {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق، والتولية.

.[سورة البقرة: الآيات 84- 86]:

{وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)}.
{لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ} لا يفعل ذلك بعضكم ببعض. جعل غير الرجل نفسه. إذا اتصل به أصلا أو دينا. وقيل: إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه، لأنه يقتص منه.
{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} عليها كقولك: فلان مقرّ على نفسه بكذا شاهد عليها. وقيل: وأنتم تشهدون اليوم يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ} استبعاد لما أسند اليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم. والمعنى ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعنى أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرّين تنزيلا، لتغير الصفة منزلة تغير الذات، كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به.
وقوله: {تَقْتُلُونَ} بيان لقوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ} وقيل: هؤلاء موصول بمعنى الذي. وقرئ {تظاهرون} بحذف التاء وإدغامها، وتتظاهرون بإثباتها، وتظهرون بمعنى تتظهرون: أى تتعاونون عليهم. وقرئ: {تفدوهم}، و{تفادوهم}. و{أسرى}، و{أسارى}.
{وَهُوَ} ضمير الشأن. ويجوز أن يكون مبهما تفسيره {إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ} أى بالفداء {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} أى بالقتال والإجلاء. وذلك أنّ قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا خلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، وإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه. فعيرتهم العرب وقالت كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم، فيقولون: أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحيى أن نذل حلفاءنا. والخزي: قتل بنى قريظة وأسرهم وإجلاء بنى النضير. وقيل الجزية.
وإنما ردّ من فعل منهم ذلك إلى أشد العذاب، لأن عصيانه أشدّ. وقرئ: {يردّون}، و{يعملون} بالياء والتاء.
{فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} عذاب الدنيا بنقصان الجزية، ولا ينصرهم أحد بالدفع عنهم. وكذلك عذاب الآخرة. اهـ.