فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ألم تر إِلى الذين بدَّلوا نعمة الله كفرًا}.
في المشار إِليهم سبعة أقوال:
أحدها: أنهم الأفجران من قريش: بنو أمية، وبنو المغيرة، روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب.
والثاني: أنهم منافقو قريش، رواه أبو الطُّفيل عن علي.
والثالث: بنو أمية، وبنو المغيرة، ورؤساء أهل بدر الذين ساقوا أهل بدر إِلى بدر، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: أهل مكة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.
والخامس: المشركون من أهل بدر، قاله جاهد، وابن زيد.
والسادس: أنهم الذين قُتلوا ببدر من كفار قريش، قاله سعيد بن جبير، وأبو مالك.
والسابع: أنها عامة في جميع المشركين، قاله الحسن.
قال المفسرون: وتبديلهم نعمة الله كفرًا، أن الله أنعم عليهم برسوله، وأسكنهم حَرَمه، فكفروا بالله وبرسوله، ودعَوْا قومهم إِلى الكفر به، فذلك قوله: {وأحلَّوا قومهم دار البوار} أي: الهلاك.
ثم فسر الدار بقوله: {جهنم يصلونها} أي: يقاسون حَرَّها {وبئس القرار} أي: بئس المقرُّ هي.
قوله تعالى: {وجعلوا لله أندادًا}.
قد بينَّاه في سورة [البقرة: 22]، واللام في {ليَضِلُّوا} لام العاقبة، وقد سبق شرحها [يونس: 88]، ومن قرأ {لِيُضِلوا} بضم الياء، أراد: ليُضِلُّوا الناس عن دين الله.
قوله تعالى: {قل تمتعوا} أي: في حياتكم الدنيا، وهذا وعيد لهم.
قال ابن عباس: لو كان الكافر مريضًا لا ينام، جائعًا لا يأكل ولا يشرب، لكان هذا نعيمًا يتمتع به بالقياس إِلى ما يصير إِليه من العذاب، ولو كان المؤمن في أنعم عيش، لكان بؤسًا عندما يصير إِليه من نعيم الآخرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا}.
أي جعلوا بدل نعمة الله عليهم الكفر في تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، حين بعثه الله منهم وفيهم فكفروا، والمراد مشركو قريش وأن الآية نزلت فيهم؛ عن ابن عباس وعليّ وغيرهما.
وقيل: نزلت في المشركين الذين قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
قال أبو الطُّفَيل: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: هم قريش الذين نُحِروا يوم بدر.
وقيل: نزلت في الأفْجَرَيْن من قريش بني مخزوم وبني أمية، فأما بنو أمية فمتِّعوا إلى حين؛ وأما بنو مخزوم فأهلكوا يوم بَدْر؛ قاله علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وقول رابع: أنهم مُتنصِّرة العرب جَبَلة بن الأَيْهَم وأصحابه حين لَطَم فجعل له عمر القصاص بمثلها، فلم يرض وأَنِفَ فارتد مُتنصرًا ولَحق بالروم في جماعة من قومه؛ عن ابن عباس وقتادة.
ولما صار إلى بلد الروم ندم فقال:
تَنصَّرتِ الأشرافُ من عارِ لَطْمةٍ ** وما كان فيها لو صَبَرْتُ لها ضَرَرْ

تَكنَّفنيِ منها لَجَاجٌ ونَخْوةٌ ** وبِعتُ لها العينَ الصحيحة بالْعَوَرْ

فيا ليتني أَرَعى المَخَاضَ ببلدةٍ ** ولم أنكر القولَ الذي قاله عُمرْ

وقال الحسن: إنها عامة في جميع المشركين.
{وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ} أي أنزلوهم.
قال ابن عباس: هم قادة المشركين يوم بدر.
{قَوْمَهُمْ} أي الذين اتبعوهم.
{دَارَ البوار} قيل: جهنم؛ قاله ابن زيد.
وقيل: يوم بدر؛ قاله عليّ بن أبي طالب ومجاهد.
والبوار الهلاك؛ ومنه قول الشاعر:
فلم أَرَ مثلَهمْ أبطالَ حَرْبٍ ** غداةَ الحرب إذْ خِيفَ البَوَارُ

{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} بيّن أن دار البوار جهنم كما قال ابن زيد، وعلى هذا لا يجوز الوقف على {دَارَ الْبَوَارِ} لأن جهنم منصوبة على الترجمة عن {دَارَ الْبَوَارِ} فلو رفعها رافع بإضمار، على معنى: هي جهنم، أو بما عاد من الضمير في {يَصْلَوْنَهَا} لحسن الوقف على {دَارَ الْبَوَارِ}.
{وَبِئْسَ القرار} أي المستقر.
قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَادًا} أي أصنامًا عبدوها؛ وقد تقدم في البقرة.
{لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ} أي عن دينه.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، وكذلك في الحج {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} [الحج: 9] ومثله في لقمان والزمر وضَمَّها الباقون على معنى ليُضلوا الناس عن سبيله، وأما من فتح فعلى معنى أنهم هم يَضلّون عن سبيل الله على اللزوم، أي عاقبتهم إلى الإضلال والضلال؛ فهذه لام العاقبة.
{قُلْ تَمَتَّعُواْ} وعيد لهم، وهو إشارة إلى تقليل ما هم فيه من ملاذ الدنيا إذ هو منقطع.
{فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار} أي مردّكم ومرجعكم إلى عذاب جهنم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا}.
خ عن ابن عباس في قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا}؟ قال: هم كفار مكة وفي رواية هم والله كفار قريش.
قال عمر: هم قريش ونعمة الله هو محمد صلى الله عليه وسلم {وأحلوا قومهم دار البوار} قال البوار: يوم بدر وعن علي قال هم كفار قريش فجروا يوم بدر، وقال عمر بن الخطاب: الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية أما بنو المغيرة فقد كفيتموهم يوم بدر، وأما بنو أمية فقد متعوا إلى حين فقوله بدلوا نعمة الله كفرًا معناه أن الله تعالى لما أنعم على قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فأرسله إليهم وأنزل عليه كتابه ليخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان اختاروا الكفر على الإيمان، وغيروا نعمة الله عليهم.
وقيل: يجوز أن يكون بدلوا شكر نعمة الله عليهم كفرًا لأنهم لما وجب عليهم الشكر بسبب هذه النعمة أتوا بالكفر فكأنهم غيروا الشكر، وبدلوه بالكفر وأحلوا قومهم، يعني ومن تبعهم على دينهم وكفرهم دار البوار يعني دار الهلاك ثم فسرها بقوله: {جهنم يصلونها وبئس القرار} يعني المستقر {وجعلوا لله أندادًا} يعني أمثالًا وأشباهًا من الأصنام، وليس لله تعالى ند ولا شبيه، ولا مثيل تعالى لله عن الند والتشبيه والمثيل علوًا كبيرًا {ليضلوا عن سبيله} يعني ليضلوا الناس عن طريق الهدى ودين الحق {قل تمتعوا} أي قل: يا محمد لهؤلاء الكفار تمتعوا في الدنيا أيامًا قلائل {فإن مصيركم إلى النار} يعني في الآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)}.
البوار: الهلاك.
قال الشاعر:
فلم أر مثلهم أبطال حرب ** غداة الحرب إذ خيف البوار

{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وجعلوا لله أندادًا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار}: لم ذكر حال المؤمنين وهداهم، وحال الكافرين وإضلالهم، ذكر السبب في إضلالم.
والذين بدلوا ظاهره أنه عام في جميع المشركين قاله الحسن، بدلوا بنعمة الإيمان الكفر.
وقال مجاهد: هم أهل مكة، أنعم الله تعالى عليهم ببعثه رسولًا منهم يعلمهم أمر دينه وشرفهم به، وأسكنهم حرمه، وجعلهم قوام بيته، فوضعوا مكان شكر هذه النعمة كفرًا.
وسأل ابن عباس عمر عنهم فقال: هما الأعراب من قريش أخوالي أي: بني مخزوم، واستؤصلوا ببدر.
وأعمامك أي: بني أمية، ومتعوا إلى حين.
وعن علي نحو من ذلك.
وقال قتادة: هم قادة المشركين يوم بدر.
وعن علي: هم قريش الذين تحزبوا يوم بدر.
وعلى أنهم قريش جماعة من الصحابة والتابعين.
وعن علي أيضًا: هم منافقو قريش أنعم عليهم بإظهار علم الإسلام بأن صان دماءهم وأموالهم وذراريهم، ثم عادوا إلى الكفر.
وعن ابن عباس: في جبلة بن الأيهم، ولا يريد أنها نزلت فيه، لأن نزول الآية قبل قصته، وقصته كانت في خلافة عمر، وإنما يريد ابن عباس أنها تخص من فعل فعل جبلة إلى يوم القيامة.
ونعمة الله على حذف مضاف أي: بدلوا شكر نعمة الله كقوله: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} أي شكر رزقكم، كأنه وجب عليهم الشكر فوضعوا مكانه كفرًا، وجعلوا مكان شكرهم التكذيب.
قال الزمخشري: ووجه آخر وهو أنهم بدلوا نفس النعمة بالكفر حاصلًا لهم الكفر بدل النعمة، وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمة، وجعلهم قوام بيته، وأكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فكفروا نعمة الله بدل ما ألزمهم من الشكر العظيم، أو أصابهم الله بالنعمة والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم الله بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، وبقي الكفر طوقًا في أعناقهم انتهى.
ونعمة الله هو المفعول الثاني، لأنه هو الذي يدخل عليه حرف الجر أي: بنعمة الله، وكفرًا هو المفعول الأول كقوله: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} أي بسيئاتهم حسنات.
فالمنصوب هو الحاصل، والمجرور بالباء أو المنصوب على إسقاطها هو الذاهب، على هذا لسان العرب، وهو على خلاف ما يفهمه العوام، وكثير ممن ينتمي إلى العلم.
وقد أوضحنا هذه المسألة في قوله في البقرة: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} وإذا قدرت مضافًا محذوفًا وهو شكر نعمة الله، فهو الذي دخلت عليه الباء ثم حذفت، وإذا لم يقدر مضاف محذوف فالباء دخلت على نعمة ثم حذفت.
وأحلوا قومهم أي: من تابعهم على الكفر.
وزعم الحوفي وأبو البقاء أنّ كفرًا هو مفعول ثان لبدلوا، وليس بصحيح، لأنّ بدل من أخوات اختار، فالذي يباشره حرف الجر هو المفعول الثاني، والذي يصل إليه الفعل بنفسه لا بواسطة حرف الجر هو المفعول الأول.
وأعرب الحوفي وأبو البقاء: {جهنم} بدلًا من {دار البوار}، والزمخشري عطف بيان، فعلى هذا يكون الإحلال في الآخرة.
و{دار البوار جهنم}، وقاله: ابن زيد.
وقيل: عن علي يوم بدر، وعن عطاء بن يسار: نزلت في قتلى بدر، فيكون دار البوار أي: الهلاك في الدنيا كقليب بدر وغيره من المواضع التي قتلوا فيه.
وعلى هذا أعرب ابن عطية وأبو البقاء: {جهنم} منصوب على الاشتغال أي: يصلون جهنم يصلونها.
ويؤيد هذا التأويل قراءة ابن أبي عبلة: {جهنم} بالرفع على أنه يحتمل أن يكون {جهنم} مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهذا التأويل أولى، لأنّ النصب على الاشتغال مرجوح من حيث أنه لم يتقدم ما يرجحه، ولا ما يكون مساويًا، وجمهور القراء على النصب. ولم يكونوا ليقرأوا بغير الراجح أو المساوي، إذ زيد ضربته أفصح من زيدًا ضربته، فلذلك كان ارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف في قراءة ابن أبي عبلة راجحًا، وعلى تأويل الاشتغال يكون يصلونها لا موضع له من الإعراب، وعلى التأويل الأول جوزوا أن يكون حالًا من {جهنم}، أو حالًا من {دار البوار}، أو حالًا من {قومهم}، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: وبئس القرار هي أي: جهنم.
{وجعلوا لله أندادًا} أي زادوا إلى كفرهم نعمته أن صيروا له أندادًا وهي الأصنام التي اتخذوا آلهة من دون الله.
وقرأ ابن كثير وأبو عمر: و{ليضلوا} هذا، و{ليضل} في الحج ولقمان والروم بفتح الياء، وباقي السبعة بضمها.
والظاهر أنّ اللام لام الصيرورة والمآل.
لما كانت نتيجة جعل الأنداد آلهة الضلال أو الإضلال، جرى مجرى لام العلة في قولك: جئتك لتكرمني، على طريقة التشبيه.
وقيل: قراءة الفتح لا تحتمل أن تكون اللام لام العاقبة، وأما بالضم فتحتمل العاقبة.
والعلة والأمر بالتمتع أمر تهديد ووعيد على حد قوله: {اعملوا ما شئتم} قال الزمخشري: تمتعوا إيذان بأنهم لانغماسهم في التمتع بالحاضر، وأنهم لا يعرفون غيره ولا يريدونه، مأمورون به، قد أمرهم آمر مطاع لا يسعهم أن يخالفوه، ولا يملكوه لأنفسهم أمرًا دونه، وهو آمر الشهوة والمعنى: إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لأمر الشهوة فإنّ مصيركم إلى النار.
ويجوز أن يراد الخذلان والتخلية ونحوه: {قل تمتع بكفرك قليلًا إنك من أصحاب النار} انتهى ومصيركم مصدر صار التامة بمعنى رجع.
وخبر {إنّ} هو قوله: {إلى النار}، ولا يقال هنا صار بمعنى انتقل، ولذلك تعدى بإلى أي: فإنّ انتقالكم إلى النار، لأنه تبقى إنّ بلا خبر، ولا ينبغي أن يدعي حذفه، فيكون التقدير: فإن مصيركم إلى النار واقع لا محالة أو كائن، لأنّ حذف الخبر في مثل هذا التركيب قليل، وأكثر ما يحذف إذا كان اسم إنّ نكرة، والخبر جار ومجرور.
وقد أجاز الحوفي: أن يكون {إلى النار} متعلقًا بمصيركم، فعلى هذا يكون الخبر محذوفًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَرَ}.