فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}.
أخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام} قال: فاستجاب الله تعالى لإِبراهيم عليه السلام دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنمًا بعد دعوته، وجعل هذا البلد آمنًا، ورزق أهله من الثمرات، وجعله إمامًا، وجعل من ذريته من يقيم الصلاة، وتقبل دعاءه، وأراه مناسكه وتاب عليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس} قال: الأصنام {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} قال: اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم عليه السلام، لا والله ما كانوا لعانين ولا طعانين. قال: وكان يقال: إن من أشرار عباد الله كل لعان. قال: وقال نبي الله ابن مريم عليه السلام {إن تعذبهم فإنهم عبادك وان تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118].
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني دعوت للعرب، فقلت: اللهم من لقيك منهم مؤمنًا موقنًا بك مصدقًا بلقائك، فاغفر له أيام حياته. وهي دعوة أبينا إبراهيم، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة، ومن أقرب الناس إلى لوائي يومئذ العرب».
وأخرج أبو نعيم في الدلائل، عن عقيل بن أبي طالب، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار، جلس إليهم عند جمرة العقبة، فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه، فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحيَ إليه، فقرأ من سورة إبراهيم {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام...} إلى آخر السورة. فرق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن إبراهيم التيمي قال: من يأمن البلاء بعد قول إبراهيم {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}؟.
وأخرج عن سفيان بن عيينة قال: لم يعبد أحد من ولد إسماعيل الأصنام لقوله: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} قيل: فكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد إبراهيم؟ قال: لأنه دعا لأهل هذا البلد أن لا يعبدوا الأصنام ودعا لهم بالأمن. فقال: {اجعل هذا البلد آمنًا} ولم يدع لجميع البلدان بذلك. وقال: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} فيه وقد خص أهله وقال: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة}.
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}.
أخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعد، عن أبيه قال: كانت سارة عليها السلام تحت إبراهيم عليه السلام، فمكثت معه دهرًا لا ترزق منه ولدًا، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر، أمة لها قبطية. فولدت له إسماعيل عليه السلام، فغارت من ذلك سارة رضي الله عنها فوجدت في نفسها وعتبت على هاجر، فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف، فقال لها إبراهيم عليه السلام: هل لك أن تبري يمينك؟ فقالت: كيف أصنع؟ قال: اثقبي أذنيها واخفضيها، والخفض هو الختان. ففعلت ذلك بها، فوضعت هاجر رضي الله عنها في أذنيها قرطين، فازدادت بهما حسنًا. فقالت سارة رضي الله عنها: أراني إنما زدتها جمالًا، فلم تقاره على كونه معها وَوَجَدَ بها إبراهيم عليه السلام وجدًا شديدًا فنقلها إلى مكة، فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع} قال: اسكن إسماعيل وأمه مكة.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن إبراهيم عليه السلام قال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} لو قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لغلبتكم عليه الترك والروم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} قال: لو قال أفئدة الناس تهوي إليهم، لازدحمت عليه فارس والروم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم، عن الحكم قال: سألت عكرمة وطاوسًا وعطاء بن أبي رباح عن هذه الآية فقالوا: البيت تهوي إليه قلوبهم يأتونه. وفي لفظ قالوا: هواهم إلى مكة أن يحجوا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} قال: تنزع إليهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن محمد بن مسلم الطائفي؛ أن إبراهيم عليه السلام لما دعا للحرم وارزق أهله من الثمرات، نقل الله الطائف من فلسطين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري رضي الله عنه قال: إن الله تعالى نقل قرية من قرى الشام فوضعها بالطائف، لدعوة إبراهيم عليه السلام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة {بواد غير ذي زرع} قال: مكة. لم يكن بها زرع يومئذ.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} وأنه بيت طهره الله من السوء وجعله قبلة وجعله حرمه، اختاره نبي الله إبراهيم عليه السلام لولده.
وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في خطبته: إن هذا البيت أول من وليه، ناس من {طسم} فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته، فأهلكهم الله. ثم وليه من جرهم فعصوا فيه واستخفوا بحقه واستحلوا حرمته، فأهلكهم الله، ثم وليتموه معاشر قريش... فلا تعصوا ولا تستخفوا بحقه ولا تستحلوا حرمته، وصلاة فيه أفضل من مائة صلاة بغيره، والمعاصي فيه على قدر ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} قال: إن إبراهيم سأل الله أن يجعل أناسًا من الناس يهوون سكنى مكة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} يقول: خذ بقلوب الناس إليهم، فإنه حيث يهوي القلب يذهب الجسد، فلذلك ليس من مؤمن إلا وقلبه معلق بحب الكعبة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن إبراهيم عليه السلام حين دعا قال: اجعل افئدة الناس تهوي إليهم، لازدحمت عليه اليهود والنصارى. ولكنه خص حين قال: {أفئدة من الناس} فجعل ذلك أفئدة المؤمنين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب بسند حسن، عن ابن عباس قال: لو كان إبراهيم عليه السلام قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لحجه اليهود والنصارى والناس كلهم، ولكنه قال: {أفئدة من الناس} فخص به المؤمنين.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة: «اللهم بارك لهم في صاعهم ومدهم، واجعل أفئدة الناس تهوي إليهم». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35)}.
قوله تعالى: {هذا البلد آمِنًا}: مفعولا الجَعْلِ التصييري، وقد تقدَّم تحريرُه في البقرة. قال الزمخشري: فإن قلت: أيُّ فَرْقٍ بين قوله: {اجعل هذا بَلَدًا آمِنًا} [البقرة: 126] وبين قوله: {هذا البلد آمِنًا}؟ قلت: قد سأل في الأول أن يجعلَه مِنْ جملة البلادِ التي يأْمَنُ أهلُها ولا يخافون، وفي الثاني أن يُخْرجَه مِنْ صفةٍ كان عليها من الخوفِ إلى ضِدِّها من الأمنِ، كأنه قال: هو بلدٌ مَخُوفٌ فاجْعَلْه آمِنًا.
قوله: {واجنبني} يُقال: جَنَبَه شرًّا، وأَجْنَبَه إياه، ثلاثيًا، ورباعيًا، وهي لغةُ نجدٍ، وجَنِّبه إياه مشددًا، وهي لغةُ الحجازِ، وهو المَنْعُ، وأصلُه مِنَ الجانب. وقال الراغب: وقولُه تعالى: {واجنبني وَبَنِيَّ} مِنْ جَنَبْتُه عن كذا، أي: أَبْعَدْتُه منه. وقيل: مِنْ جَنَبْتُ الفَرَسَ كأنما أن يقودَه عن جانبِ الشِّرْك بألطافٍ منه وأسبابٍ خفيَّةٍ.
و{أَن نَّعْبُدَ} على حَذْفِ الحرف، أي: عن أن. وقرأ الجحدريُّ وعيسى الثقفي {وأَجْنِبْني} بقطعِ الهمزة مِنْ أَجْنَبَ.
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}.
والضميرُ في {إنَّهُنَّ} و{أَضْلَلْنَ} عائدٌ على الأصنامِ لأنها جمعُ تكسيرٍ غيرُ عاقلٍ. وقوله: {مني}، أي: من أشياعي.
قوله: {وَمَنْ عَصَانِي} شرطٌ، ومحلُّ {مَنْ} الرفعُ بالابتداءِ، والجوابُ {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} والعائدُ محذوفٌ، اي: له.
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}.
قوله تعالى: {مِن ذُرِّيَّتِي}: يجوزُ أَنْ يكون المفعولُ محذوفًا، وهذا الجارُّ صفتُه، أي: أسكنْتُ ذريةً مِنْ ذريتي. ويجوز أن تكونَ {مِنْ} مزيدةً عند الأخفش.
قوله: {بوادٍ}، أي: في وادٍ، نحو: هو بمكة.
قوله: {عِندَ بَيْتِكَ} يجوز أن يكونَ صفةً لـ: وادٍ. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكونَ بدلًا منه، يعني أنه يكونُ بدلَ بعضٍ مِنْ كُلّ، لأنَّ الواديَ أعمُّ مِنْ حضرةِ البيت. وفيه نظرٌ، من حيث إنَّ عند لا تتصرَّف.
قوله: {ليُقِيموا} يجوز أَنْ تكونَ هذه اللامُ لامَ أمرٍ، وأن تكونَ لامَ علَّة. وفي متعلقها حينئذٍ وجهان، أحدُهما: أنها متعلقةٌ بأَسْكنْتُ وهو ظاهرٌ، ويكون النداءُ معترضًا. الثاني: أنها متعلقةٌ باجْنُبْني، أي: اجْنُبْهم الأصْنامَ ليُقِيموا، وفيه بُعْدٌ.
قوله: {أَفْئِدَةً مِّنَ الناس} العامَّةُ على {أفْئِدة} جمع فُؤاد كغُراب وأَغْربة. وقرأ هشام عن ابن عامر بياءٍ بعد الهمزة، فقيل: إشباع، كقوله:
-........................... ** يُحِبَّك عَظْمٌ في الترابِ تَرِيْبُ

أي: تَرِب، وكقوله:
أعوذُ باللهِ مِنَ العَقْرابِ ** الشائلاتِ عُقدَ الأَذْنابِ

وقد طعن جماعةٌ على هذه القراءةِ وقالوا: الإِشباعُ من ضرائرِ الشعر فكيف يُجْعَلُ في أفصحِ كلامٍ؟ وزعم بعضُهم أنَّ هشامًا إنَّما قرأ بتسهيلِ الهمزةِ بين بين، فظنَّها الراوي زيادةَ ياءٍ بعد الهمزة، قال: كما تُوُهِّم عن أبي عمروٍ واختلاسُه في {بارئكم} و{يَأْمُركم} أنه سَكَّن. وهذا ليس بشيءٍ فإنَّ الرواةَ أجلُّ من هذا.
وقرأ زيدٌ بن عليّ إفادة بزنةِ رِفادة، وفيها وجهان، أحدهما: أن يكونَ مصدرًا لأِفاد كأَقام إقامةً، أي: ذوي إفادةٍ، وهم الناسُ الذين يُنْتَفَعُ بهم. والثاني: أن يكون أصلُها وِفادة فأُبْدِلَتِ الواوُ همزةً نحو: إشاح وإعاء.
وقرأت أمُّ الهيثم أَفْوِدَة بواوٍ مكسورة، وفيها وجهان، أحدُهما: أن يكونَ جمع فُوَاد المُسَهًّل: وذلك أنَّ الهمزةَ المفتوحةَ المضمومَ ما قبلها يَطَّرِد قَلْبُها واوًا نحو: جُوَن، ففُعِل في فُؤاد المفرد ذلك، فأُقِرَّت في الجمع على حالها. والثاني: قال صاحب اللوامح: هي جمعُ وَفْد. قلت: فكان ينبغي أن يكونَ اللفظ أَوْفِدة بتقديم الواو، إلا أن يُقال: إنه جَمَعَ وَفْدًا على أَوْفِدَة ثم قلَبه فوزنه أَعْفِلَة، كقولهم: آرام في أرْآم وبابِه، إلا أنه يَقِلُّ جمعُ فَعْل على أفْعِلة نحو: نَجْد وأَنْجدة، وَوَهْي وأَوْهِيَة. وأمُّ الهيثمِ امرأةٌ نُقِلَ عنها شيءٌ من اللغة.
وقرئ {آفِدَة} بزِنَةِ ضارِبة، وهي تحتمل وجهين، أحدُهما: أن تكونَ مقلوبةً مِنْ أَفئدة بتقديم الهمزة على الفاء فَقُلِبَتْ الهمزةُ ألفًا، فوزنها أَعْفِلة كآرام في أرْآم.
والثاني: أنها اسمُ فاعلٍ مِنْ أَفِد يَأْفَدُ، أي: قَرُب ودَنا، والمعنى: جماعة آفِدَة، أو جماعات آفِدة.
وقُرِئ {آفِدَة} بالقَصْرِ، وفيها وجهان أيضًا، أحدُهما: أن يكونَ اسمَ فاعلٍ على فَعِل كفَرِحَ فهو فَرِح. والثاني: أن تكونَ محففةً من {أَفْئِدة}. بنَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكن قبلها، وحَذْفِ الهمزةِ.
و{من الناس} في {مِنْ} وجهان، أحدُهما: أنها لابتداءِ الغاية. قال الزمخشريُّ: ويجوز أن تكونَ {مِنْ} لابتداءِ الغايةِ كقولك: القلبُ مني سقيم تريد: قلبي، كأنه قيل: أفئدةَ ناسٍ، وإنما نَكَّرْتَ المضافَ في هذا التمثيلِ لتنكيرِ {أَفْئدة} لأنها في الآية نكرةٌ، ليتناولَ بعضَ الأفئدةِ. قال الشيخ: ولا يَظْهر كونُها للغايةِ؛ لأنه ليس لنا فِعْلٌ يُبتدأ فيه بغايةٍ ينتهي إليها، إذ لا يَصِحُّ جَعْلُ ابتداءِ الأفئدة من الناس.
والثاني: أنها للتبعيضِ، وفي التفسير: لو لم يقل {من الناس} لحجَّ الناسُ كلُّهم.
قوله: {تَهْوي} هذا هو المفعولُ الثاني للجَعْل. والعامَّة {تَهْوِي} بكسرِ العين بمعنى: تُسْرِعُ وتَطيرُ شوقًا إليهم. قال:
وإذا رَمَيْتَ به الفِجاجَ رَأَيْتَه ** يَهْوي مخارمَها هُوِيَّ الأجْدَلِ

وأصلُه أنْ يتعدَّى باللام، كقوله:
حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها ** طارَتْ وفي كَفِّه مِنْ ريشِها بِتَكُ

وإنَّما عُدِّي ب {إلى} لأنه ضُمِّنَ معنى تميل، كقوله:
تَهْوي إلى مكَّةَ تَبْغي الهدى ** ما مُؤْمِنُ الجِنِّ كأَنْجاسِها

وقرأ أميرُ المؤمنين علي وزيد بن علي ومحمد بن علي وجعفر ابن محمد ومجاهد بفتح الواو، وفيه قولان، أحدُهما: أنَّ {إلى} زائدةٌ، أي: تهواهم. والثاني: أنه ضُمِّنَ معنى تَنْزِعُ وتميل، ومصدرُ الأول على هُوِيّ، كقوله:
-.......................... ** يَهْوي مخارِمَها هُوِيَّ الأجْدَل

والثاني على هَوَى. وقال أبو البقاء: معناهما متقاربان إلاَّ أَنَّ هَوَى- يعني بفتح الواو- متعدٍّ بنفسه، وإنما عُدِّيَ بإلى حَمْلًا على تميل.
وقرأ مسلمة بن عبد الله: {تُهْوَى} بضم التاء وفتح الواو مبنيًا للمفعول مِنْ أهوى المنقول مِنْ هَوِيَ اللازمِ، أي: يُسْرَع بها إلى إليهم. اهـ.