فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)}.
مقصد إبراهيم عليه السلام بقوله: {ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن} التنبيه على اختصاره في الدعاء، وتفويضه إلى ما علم الله من رغائبه وحرصه على هداية بنيه والرفق بهم وغير ذلك، ثم انصرف إلى الثناء على الله تعالى بأنه علام الغيوب، وإلى حمده على هباته، وهذه من الآيات المعلمة أن علم الله تعالى بالأشياء هو على التفصيل التام.
وروي في قوله: {على الكبر} أنه لما ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عامًا، وروي أقل من هذا، و{إسماعيل} أسنّ من {إسحاق}، فيما روي، وبحسب ترتيب هذه الآية-وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: بشر إبراهيم وهو ابن مائة وسبعة عشر عامًا.
وقوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة}، دعا إبراهيم عليه السلام في أمر كان مثابرًا عليه متمسكًا به، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا فإنما القصد إدامة الأمر واستمراره.
وقرأ طلحة والأعمش {دعاء ربنا} بغير ياء. وقرأ أبو عمرو وابن كثير {دعائي} بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم دون الوقف في الوصل. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف. وروى ورش عن نافع: إثبات الياء في الوصل، وقرأت فرقة {ولوالديّ} واختلف في تأويل ذلك، وقالت فرقة: كان هذا من إبراهيم قبل يأسه من إيمان أبيه وتبينه أنه عدو لله، فأراد أباه وأمه، لأنها كانت مؤمنة، وقيل: أراد آدم ونوحًا عليهما السلام. وقرأ سعيد بن جبير {ولوالدي} بإفراد الأب وحده، وهذا يدخله ما تقدم من التأويلات، وقرأ الزهري وإبراهيم النخعي {ولولديّ} على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق، وأنكرها عاصم الجحدري، وقال إن في مصحف أبيّ بن كعب {ولأبوي}، وقرأ يحيى بن يعمر {ولوُلْدي} بضم الواو وسكون اللام، والولد لغة في الولد، ومنه قول الشاعر- أنشده أبو علي وغيره: الطويل:
فليت زيادًا كان في بطن أمِّه ** وليت زيادًا كان وُلْدَ حمار

ويحتمل أن يكون الولد جمع ولد كأسد في جمع أسد.
وقوله: {يوم يقوم الحساب} معناه يوم يقوم الناس للحساب، فأسند القيام للحساب إيجازًا، إذ المعنى مفهوم.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يريد قيام الحساب نفسه، ويكون القيام بمعنى ظهوره وتلبس العباد بين يدي الله به، كما تقول: قامت السوق وقامت الصلاة، وقامت الحرب على ساق. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ربنا إِنك تعلم ما نخفي}.
قال أبو صالح عن ابن عباس: ما نخفي من الوَجد بمفارقة إِسماعيل، وما نعلن من الحُبِّ له.
قال المفسرون: إِنما قال هذا لمّا نزل إِسماعيل الحرم، وأراد فراقه.
قوله تعالى: {الحمد لله الذي وهب لي على الكِبَر}.
أي: بعد الكبر {إِسماعيل وإِسحاق} قال ابن عباس: وُلد له إِسماعيلُ وهو ابن تسع وتسعين، ووُلد له إِسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة.
قوله تعالى: {ربنا وتقبَّل دعائي} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وهبيرة عن حفص عن عاصم: {وتقبَّل دعائي} بياء في الوصل.
وقال البزي عن ابن كثير: يصل ويقف بياء.
وقال قنبل عن ابن كثير: يُشِمُّ الياء في الوصل، ولا يثبتها، ويقف عليها بالألف.
الباقون {دعاءِ} بغير ياء في الحالين.
قال أبو علي: الوقف والوصل بياء هو القياس، والإِشمام جائز، لدلالة الكسرة على الياء.
قوله تعالى: {ربنا اغفر لي ولوالديَّ}.
قال ابن الأنباري: استغفرَ لأبويه وهما حيّان، طمعًا في أن يُهْدَيا إِلى الإِسلام.
وقيل: أراد بوالديه: آدم، وحواء.
وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ، والنخعي، والزهري: {ولِولَديَّ} يعني: إِسماعيل وإِسحاق، يدل عليه ذِكرُهما قبل ذلك.
وقرأ مجاهد: {ولوالِدِي} على التوحيد.
وقرأ عاصم الجُحدري: {ولِوُلْدي} بضم الواو.
وقرأ يحيى بن يعمر، والجَوني: {ولِوَلَدِي} بفتح الواو وكسر الدال على التوحيد.
{يوم يقوم الحساب} أي: يَظهر الجزاء على الأعمال.
وقيل: معناه: يوم يقوم الناس للحساب، فاكتُفي بذِكر الحساب من ذِكر الناس إِذ كان المعنى مفهومًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ}.
أي ليس يخفى عليك شيء من أحوالنا.
وقال ابن عباس ومقاتل: تعلم جميع ما أخفيه وما أعلنه من الوجد بإسماعيل وأمه حيث أُسْكِنَا بوادٍ غير ذي زرع.
{وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السماء} قيل: هو من قول إبراهيم.
وقيل: هو من قول الله تعالى لما قال إبراهيم: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ} قال الله: {وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السماء}.
{الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر} أي على كبر سني وسنّ امرأتي؛ قال ابن عباس: ولد له إسمعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وإسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة.
وقال سعيد بن جُبَير: بُشِّر إبراهيمُ بإسحاق بعد عشر ومائة سنة.
{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدعاء}.
قوله تعالى: {رَبِّ اجعلني مُقِيمَ الصلاة} أي من الثابتين على الإسلام والتزام أحكامه.
{وَمِن ذُرِّيَتِي} أي واجعل من ذريتي من يقيمها.
{رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} أي عبادتي كما قال: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].
وقال عليه السلام: «الدعاءُ مُخُّ العبادة» وقد تقدم في البقرة.
{رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} قيل: استغفر إبراهيمُ لوالديه قبل أن يثبت عنده أنهما عدوان لله.
قال القُشَيريّ: ولا يبعد أن تكون أمه مسلمة لأن الله ذكر عذره في استغفاره لأبيه دون أمه.
قلت: وعلى هذا قراءة سعيد بن جبير، {رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ} يعني أباه.
وقيل: استغفر لهما طمعًا في إيمانهما.
وقيل: استغفر لهما بشرط أن يُسلما.
وقيل: أراد آدم وحوّاء.
وقد رُوي أن العبد إذا قال: اللهم اغفر لي ولوالديَّ وكان أبواه قد ماتا كافرين انصرفت المغفرة إلى آدم وحواء لأنهما والدا الخلق أجمع.
وقيل: إنه أراد ولديه إسمعيل وإسحاق.
وكان إبراهيم النخعي يقرأ: {وَلِوَلَدَيّ} يعني ابنيه، وكذلك قرأ يحيى بن يَعْمَر؛ ذكره الماوَرْدي والنحاس.
{وَلِلْمُؤْمِنِينَ} قال ابن عباس: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: {لِلْمُؤْمِنِينَ} كلهم وهو أظهر.
{يَوْمَ يَقُومُ الحساب} أي يوم يقوم الناس للحساب. اهـ.

.قال الخازن:

{ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن}.
يعني إنك تعلم السر كما تعلم العلن عما لا تفاوت فيه؛ والمعنى أنك تعلم أحوالنا، وما يصلحنا وما يفسدنا وأنت أرحم بنا منا فلا حاجة بنا إلى الدعاء، والطلب إنما ندعوك إظهارًا للعبودية لك، وتخشعًا لعظمتك وتذللًا لعزتك وافتقارًا إلى ما عندك وقيل: معناه تعلم ما نخفي من الوجد بفرقة إسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع وما نعلن يعني من البكاء وقيل: ما نخفي يعني من الحزن المتمكن في القلب، وما نعلن يعني ما جرى بينه وبين هاجر عند الوداع حين قالت لإبراهيم عليه السلام إلى من تكلنا قال: إلى الله قالت إذًا لا يضيعنا {وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء} فقيل: هذا من تتمة قول إبراهيم يعني وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان وقال الأكثرون: إنه من قول الله تعالى تصديقًا لإبراهيم فيما قال: فهو كقوله وكذلك يفعلون {الحمد لله رب الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق} قال ابن عباس: ولد إسماعيل لإبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة وقال سعيد بن جبير: بشر إبراهيم بإسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة، ومعنى قوله: {على الكبر} مع الكبر لأن هبة الولد في هذا السن من أعظم المنن لأنه سن اليأس من الولد لهذا شكر الله على هذه المنة.
فقال: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق.
فإن قلت: كيف جمع بين إسماعيل وإسحاق في الدعاء في وقت واحد وإنما بشر باسحاق بعد إسماعيل بزمان طويل؟ قلت: يحتمل أن إبراهيم عليه السلام إنما أتى بهذا الدعاء عندما بشر باسحاق وذلك أنه لما عظمت المنة على قلبه بهبة ولدين عظيمين عند كبره قال عند ذلك الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ولا يرد على هذا ما ورد في الحديث أنه دعا بما تقدم عند مفارقة إسماعيل وأمه لأن الذي صح في الحديث أنه دعا بقوله ربنا إني أسكنت ذريتي إلى قوله لعلهم يشكرون إذا ثبت هذا فيكون قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق في وقت آخر والله أعلم بحقيقة الحال {إن ربي لسميع الدعاء} كان إبراهيم عليه السلام قد دعا ربه وسأله الولد بقوله: {رب هب لي من الصالحين} فلما استجاب الله دعاءه ووهبه ما سأل شكر الله على ما أكرمه به ومن إجابة دعائه فعند ذلك قال الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء وهو من قولك سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله {ربِّ اجعلني مقيم الصلاة} يعني ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها في أوقاتها {ومن ذريتي} أي واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة وإنما أدخل لفظة من التي هي للتبعيض في قوله ومن ذريتي لأنه أعلم بإعلام الله إياه أنه قد يوجد من ذريته جمع من الكفار لا يقيمون الصلاة فلهذا قال ومن ذريتي وأراد بهم المؤمنين من ذريته {ربنا وتقبل دعاء} سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يتقبل دعاءه فاستجاب الله لإبراهيم وقيل دعاءه بفضله ومنه كرمه {ربنا اغفر لي} فان قلت طلب المغفرة من الله إنما يكون لسابق ذنب قد سلف حتى يطلب المغفرة من ذلك الذنب وقد ثبت عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب فما وجه طلب المغفرة له؟ قلت: المقصود منه الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى وقطع الطمع من كل شيء إلا من فضله وكرمه والاعتراف بالعبودية لله تعالى والاتكال على رحمته {ولوالدي}.
فإن قلت: كيف استغفر إبراهيم لأبويه وكانا كافرين؟ قلت: أراد أنهما إن أسلما وتابا وقيل إنما قال ذلك أن يتبين له أنهما من أصحاب الجحيم وقيل إن أمه أسلمت فدعا لها وقيل أراد بوالديه آدم وحواء {وللمؤمنين} يعني واغفر للمؤمنين كلهم {يوم يقوم الحساب} يعني يوم يبدو ويظهر الحساب وقيل أراد يوم الناس للحساب فاكتفى بذلك أي بذكر الحساب لكونه مفهومًا عند السامع وهذا دعاء للمؤمنين بالمغفرة والله سبحانه وتعالى لا يرد دعاء خليله إبراهيم عليه السلام ففيه بشارة عظيمة لجميع المؤمنين بالمغفرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38)}.
كرر النداء للتضرع والالتجاء، ولا يظهر تفاوت بين إضافة رب إلى ياء المتكلم، وبين إضافته إلى جمع المتكلم، وما نخفي وما نعلن عام فيما يخفونه وما يعلنونه.
وقيل: ما نخفي من الوجد لما وقع بيننا من الفرقة، وما نعلن من البكاء والدعاء.
وقيل: ما نخفي من كآبة الافتراق، وما نعلن مما جرى بينه وبين هاجر حين قالت له عند الوداع: إلى من تكلنا؟ قال: إلى الله أكلكم.
قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم.
قالت: لا نخشى تركتنا إلى كافٍ.
والظاهر أنّ قوله: {وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء}، من كلام إبراهيم لاكتناف ما قبله وما بعده بكلام إبراهيم.
لما ذكر أنه تعالى عمم ما يخفى هو ومن كنى عنه، تمم جميع الأشياء، وأنها غير خافية عنه تعالى.
وقيل: وما يخفى الآية من كلام الله عز وجل تصديقًا لإبراهيم عليه السلام كقوله تعالى: {وكذلك يفعلون} والظاهر أنْ هذه الجمل التي تكلم بها إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم تقع منه في زمان واحد، وإنما حكى الله عنه ما وقع في أزمان مختلفة، يدل على ذلك أن إسحاق لم يكن موجودًا حالة دعائه، إذ ترك هاجر والطفل بمكة.
فالظاهر أنّ حمده الله تعالى على هبة ولديه له كان بعد وجود إسحاق، وعلى الكبر يدل على مطلق الكبر، ولم يتعرض لتعيين المدة التي وهب له فيها ولداه.
وروي أنه ولد له إسماعيل وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة.
وقيل: إسماعيل لأربع وستين، وإسحاق لتسعين.
وعن ابن جبير: لم يولد له إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة.
وإنما ذكر حال الكبر لأنّ المنة فيها بهبة الولد أعظم من حيث أنّ الكبر مظنة اليأس من الولد، فإنّ مجيء الشيء بعد الإياس أحلى في النفس وأبهج لها.
وعلى الكبر في موضع الحال لأنه قال: وأنا كبير، وعلى علي بابها من الاستعلاء لكنه مجاز، إذ الكبر معنى لا جرم يتكون، وكأنه لما أسنّ وكبر صار مستعليًا على الكبر.
وقال الزمخشري: على في قوله على الكبر بمعنى مع، كقوله:
إني على ما ترين من كبري ** أعلم من حيث يؤكل الكتف

وكنى بسميع الدعاء عن الإجابة والتقبل، وكان قد دعا الله أن يهبه ولدًا بقوله: {رب هب لي من الصالحين} فحمد الله على ما وهبه من الولد وأكرمه به من إجابة دعائه.
والظاهر إضافة سميع إلى المفعول وهو من إضافة المثال الذي على وزن فعيل إلى المفعول، فيكون إضافة من نصب، ويكون ذلك حجة على إعمال فعيل الذي للمبالغة في المفعول على ما ذهب إليه سيبويه، وقد خالف في ذلك جمهور البصريين، وخالف الكوفيون فيه.
وفي إعمال باقي الخمسة الأمثلة فعول، وفعال، ومفعال، وفعل، وهذا مذكور في علم النحو.
ويمكن أن يقال في هذا ليس ذلك إضافة من نصب فيلزم جواز إعماله، بل هي إضافة كإضافة اسم الفاعل في نحو: هذا ضارب زيد أمس.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون من إضافة فعيل إلى فاعله، ويجعل دعاء الله سميعًا على الإسناد المجازي، والمراد: سماع الله انتهى.
وهو بعيد لاستلزامه أن يكون من باب الصفة المشبهة، والصفة متعدية، ولا يجوز ذلك إلا عند أبي علي الفارسي حيث لا يكون لبس.
وأما هنا فاللبس حاصل، إذ الظاهر أنه من إضافة المثال للمفعول، لا من إضافته إلى الفاعل.
وإنما أجاز ذلك الفارسي في مثل: زيد ظالم العبيد إذا علم أنّ له عبيدًا ظالمين.
ودعاؤه بأنْ يجعله مقيم الصلاة وهو مقيمها، إنما يريد بذلك الديمومة.
ومن ذريتي، من للتبعيض، لأنه أعلم أنّ من ذريته من يكون كافرًا، أو من يهمل إقامتها وإن كان مؤمنًا.
وقرأ طلحة، والأعمش: دعاء ربنا بغير ياء.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم في الوقف.
وروى ورش عن نافع: إثباتها في الوصل.
والظاهر أنّ إبراهيم سأل المغفرة لأبويه القريبين، وكانت أمه مؤمنة، وكان والده لم ييأس من إيمانه ولم تتبين له عداوة الله، وهذا يتمشى إذا قلنا: إن هذه الأدعية كانت في أوقات مختلفة، فجمع هنا أشياء مما كان دعا بها.
وقيل: أراد أمه، ونوحًا عليه السلام.
وقيل: آدم وحواء.
والأظهر القول الأول.
وقد جاء نصًا دعاؤه لأبيه بالمغفرة في قوله: {واغفر لأبي إنه كان من الضالين} وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز له أن يستغفر لأبويه وكانا كافرين؟ قلت: هو من تجويزات العقل، لا يعلم امتناع جوازه إلا بالتوقيف انتهى.
وهو في ذلك موافق لأهل السنة، مخالف لمذهب الاعتزال.
وقرأ الحسين بن علي، ومحمد، وزيد: ربنا على الخبر.
وابن يعمر والزهري والنخعي: ولولديّ بغير ألف وبفتح اللام يعني: إسماعيل وإسحاق، وأنكر عاصم الجحدري هذه القراءة، وقال: إنّ في مصحف أبيَّ بن كعب: ولأبوي، وعن يحيى بن يعمر: ولولدي بضم الواو وسكون اللام، فاحتمل أنْ يكون جمع ولد كأسد في أسد، ويكون قد دعا لذريته، وأن يكون لغة في الولد.
وقال الشاعر:
فليت زيادًا كان في بطن أمه ** وليت زيادًا كان ولد حمار

كما قالوا: العدم والعدم.
وقرأ ابن جبير: ولوالدي بإسكان الياء على الإفراد كقوله: واغفر لأبي، وقيام الحساب مجاز عن وقوعه وثبوته كما يقال: قامت الحرب على ساق، أو على حذف مضاف أي: أهل الحساب كما قال: {يقوم الناس لرب العالمين}. اهـ.