فصل: هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة:

قال الله: {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين} وقال تعالى: {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقرا لا يولد لها ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه خلعة من الله وكرامة له حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام وهي التي قال الله عز وجل: {إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم وروى العوفي عن ابن عباس قوله إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين مكة ألم تسمع إلى قوله: {إن أول بيت وضع للناس للدى ببكة مباركا وهدى للعالمين}.
وزعم كعب الأحبار أنها حران وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط وأخوه ناحور وامرأة إبراهيم سارة وامرأة أخيه ملكا فنزلوا حران فمات تارح أبو إبراهيم بها.
وقال السدي انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها رواه ابن جرير وهو غريب والمشهور أنها ابنت عمه هاران الذي تنسب إليه حران ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش فقد أبعد النجعة وقال بلا علم وادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذ ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل ولو فرض أن هذا كان مشروعا في وقت كما هو منقول عن الربانيين من اليهود فإن الأنبياء لا تتعاطاه والله أعلم ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجرا من بلاده كما تقدم والله أعلم وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحا لله شكرا على هذه النعمة وضرب قبته شرقي بيت المقدس ثم انطلق مرتحلا إلى التيمن وأنه كان جوع أي قحط وشدة وغلاء فارتحلوا إلى مصر وذكروا قصة سارة مع ملكها وإن إبراهيم قال لها قولي أنا أخته وذكروا خدام الملك اياها هاجر ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن يعني أرض بيت المقدس وما والاها ومعه دواب وعبيد وأموال.
وقد قال البخاري حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقال بينا هو ذات يوم وسارة اذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل اليه وسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعا بعض حجبته فقال إنك لم تأتني بإنسان وإنما أتيتني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم فقالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفا وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار عن عمرو بن علي الفلاس عن عبدالوهاب الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلا فأتى الجبار فقيل له إنه قد نزل هاهنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وانك أختي فلا تكذبيني عنده فانطلق بها فلما ذهب يتناولها أخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت له فأرسل فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات فدعا أدنى حشمه فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر وأخرجاه من حديث هشام ثم قال البزار لا نعلم أسنده عن محمد عن أبي هريرة الا هشام ورواه غيره موقوفا.
وقال الإمام أحمد حدثنا علي بن حفص عن ورقاء هو ابن عمر اليشكري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله لسارة أنها أختي قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس قال فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك قال أختي قال فأسل بها قال فأرسل بها إليه وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنك أختي إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت توضأ وتصلي وتقول اللهم ان كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي الا على زوجي فلا تسلط على الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد قال أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أنها قالت اللهم ان يمت يقال هي قتلته قال فارسل قال ثم قام إليها قال فقامت توضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلى على زوجي فلا تسلط على الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أنها قالت اللهم ان يمت يقال هي قتلته قال فأرسل قال ثم قام إليها قال فقامت توضأ وتصلي وتقول اللهم ان كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركظ برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة انها قالت اللهم ان يمت يقل هي قتلته قال فارسل قال فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر قال فرجعت فقالت لإبراهيم أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط لصحيح وقد رواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة الا ما حل بها عن دين الله فقال إني سقيم وقال بل فعله كبيرهم هذا وقال للملك حين أراد امرأته هي أختي فقوله في الحديث هي أختي أي في دين الله وقوله لها إنه ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ويتعين حمله على هذا لأن لوطا كان معهم وهو نبي عليه السلام وقوله لها لما رجعت إليه مهيم معناه ما الخبر فقالت إن الله رد كيد الكافرين وفي رواية الفاجر وهو الملك وأخدم جارية وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله أن يدفع عن أهله وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء وهكذا فعلت هي أيضا فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرا قامت إلى وضوئها وصلاتها ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم ولهذا قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلوة} فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهم وأرضاهن ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه وكان مشاهدا لها وهي عند الملك وكيف عصمها الله منه ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها ولله الحمد والمنة.
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخا للضحاك الملك المشهور بالظلم وكان عاملا لأخيه على مصر ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح وذكر ابن هشام في التيجان أن الذي أرادها عمرو بن امرئ القيس بن مايلون بن سبأ وكان على مصر نقله السهيلي فالله أعلم.
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن وهي الأرض المقدسة التي كان فيها ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل وصحبتهم هاجر القبطية المصرية ثم إن لوطا عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور بالمعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان وكان أهلها أشرارا كفارا فجارا وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل فأمره أن يمد بصره وينظر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الأرض وهذه البشارة اتصلت بهذه الأمة بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية يؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها قالوا ثم أن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ أمواله وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شرقي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل والله أعلم.
ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.

.ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر:

قال أهل الكتاب إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة وأن الله بشره بذلك وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة قالت سارة لإبراهيم عليه السلام إن الرب قد أحرمني الولد فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقني منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام فحين دخل بها حملت منه قالوا فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها افعلي بها ما شئت فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرا وأمرها بالرجوع وبشرها أنها ستلد ابنا وتسميه إسماعيل ويكون وحش الناس يده على الكل ويد الكل به ويملك جميع بلاد إخوته فشكرت الله عز وجل على ذلك وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه الذي سادت به العرب وملكت جميع البلاد غربا وشرقا وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تؤت أمة من الأمم قبلهم وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به وعموم بعثته لجميع أهل الأرض ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام قالوا وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد إسحاق بثلاث عشرة سنة ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة فخر لله ساجدا وقال له قد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وهذه أيضا بشارة بهذه الأمة العظيمة وهؤلاء الاثنا عشر عظيما هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم في حديثه عبدالملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون اثنا عشر أميرا ثم قال كلمة لم أفهمها فسألت أبي ما قال قال كلهم من قريش أخرجاه في الصحيحين وفي رواية لا يزال هذا الأمر قائما وفي رواية عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فهؤلاء منهم الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومنهم عمر بن عبدالعزيز أيضا ومنهم بعض بني العباس وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا بل لابد من وجودهم وليس المراد الأئمة الاثني عشر الذي يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكري فيما يزعمون فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من علي وابنه الحسن بن علي حين ترك القتال وسلم الأمر لمعاوية وأخمد نار الفتنة وسكن رحى الحروب بين المسلمين والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤس وهذيان في النفوس لا حقيقة له ولا عين ولا أثر.
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل اشتدت غيرة سارة منها وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا فلما تركهما هناك وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه وقالت يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا هاهنا وليس معنا ما يكفينا فلم يجبها فلما أحلت عليه وهو لا يجيبها قالت له الله أمرك بهذا قال نعم قالت فإذا لا يضيعنا وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها قال السهيل فكانت أول من اختتن من النساء وأول من ثقبت أذنها منهن وأول من طولت ذيلها.

.ذكر مهاجرة إبراهيم بابنة إسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق:

قال البخاري قال عبد الله بن محمد هو أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يلتوي أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هلى ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت ممن الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا» فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسمعيل عند الماء فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم اسمعيل وهي تحب الانس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك أقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسمعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد فقالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة الا لم يوافقاه» قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسمعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسمعيل يبري نبلالة تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال يا اسمعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم. ثم قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عامر عبد الله بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من إبراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء وذكر تمامه بنحو ما تقدم وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفي بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الإسرائيليات وفيه أن اسمعيل كان رضيعا إذ ذاك وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده اسمعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره فيكون عمر اسمعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وهذا امتثال لأمر الله عز وجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال كما هو مقرر في موضعه.
وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبدالرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» تابعه عبدالرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به وفي بعض الألفاظ «اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم» والقدوم هو الآلة وقيل موضع وهذا اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة» رواه ابن حبان في صحيحه وليس في هذا السياق ذكر قصة الذبيح وأنه اسمعيل ولم يذكر في قد مات إبراهيم عليه السلام الا ثلاث مرات أولاهن بعد أن تزوج اسمعيل بعد موت هاجر وكيف تركهم من حين صغر الولد على ما ذكر إلى حين تزويجه لا ينظر في حالهم وقد ذكر أن الأرض كانت تطوى له وقيل إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة الأكيدة وكان بعض هذا السياق متلقى من الإسرائيليات ومطرز بشيء من المرفوعات ولم يذكر فيه قصة الذبيح وقد دللنا على أن الذبيح هو اسمعيل على الصحيح في سورة الصافات.