فصل: تفسير الآيات (42- 43):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (42- 43):

قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم دعاءه بيوم الحساب الموجب ذكره لكل سعادة ونسيانه لكل شقاوة، ذكر بعض ما يتفق فيه رجوعًا إلى ما مضى من أحوال يوم القيامة على أحسن وجه، فقال- عاطفًا على قوله: {قل لعبادي} وجل المقصد تهديد أهل الظلم بالإشراك وغيره، وخاطب الرأس الذي لا يمكن ذلك منه ليكون أوقع في قلب غيره-: {ولا تحسبن الله} أي الملك الأعظم الذي هو أحكم الحاكمين.
ولما كان اعتقاد ترك الحساب يلزم منه نسبة الحاكم إلى العجز أو السفه أو الغفلة، وكان قد أثبت قدرته وحكمته في هذه السورة وغيرها نزهةً عن الغفلة لينتبه المنكرون للبعث من غفلتهم فقال: {غافلًا} والغفلة: ذهاب المعنى عن النفس {عما يعمل الظالمون} الذين بدلوا نعمة الله كفرًا، فكانوا عريقين في الظلم وإن كان مستند ظلمهم شبهًا علمية يقيمونها، فكأنه قيل: فما الذي يفعل بهم؟ فقال: {إنما يؤخرهم} أي يؤخر حسابهم على النقير والقطمير سواء عذبوا في الدنيا أو لا {ليوم تشخص} أي تفتح فتكون بحيث لا تطرف {فيه} منهم {الأبصار} أي حال كونهم {مهطعين} أي مسرعين غاية الإسراع إلى حيث دعوا خوفًا وجزعًا، مع الإقبال بالبصر نحو الداعي لا يلفتونه إلى غيره {مقنعي رؤوسهم} أي رافعيها وناصبيها ناظرين في ذل وخشوع إلى جهة واحدة، وهي جهة الداعي، لا يلتفتون يمينًا ولا شمالًا، وهذا كناية عن أشد الذل والصغار، ثم أتبعه ما يؤكده فقال مصرحًا بمعنى الشخوص: {لا يرتد إليهم} ولما كانوا في هيئة الأعين في الطرف والسكون قريبًا من السواء، وحد فقال: {طرفهم} بل أعينهم شاخصة دائمة الفتح لا تطرف كالمحتضر لما بأصحابها من الهول {وأفئدتهم} جمع فؤاد، وهو العضو الذي من شأنه أن يحمى بالغضب؛ قال في القاموس: والتفؤد: التحرق والتوقد، ومنه الفؤاد للقلب مذكر، جمعه أفئدة.
{هواء} أي عدم فارغة لا شيء فيها من الجرأة والأنفة التي يظهرونها الآن كما قال حسان بن ثابت- رضى الله عنهم ـ:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ** فأنت مجوف نخب هواء

والهواء: الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، والنخب: الجبان، وكذا الهواء- قاله في القاموس.
فأنذرهم أهوال ذلك اليوم فإنه لا يبقى معهم فيه شيء مما هم فيه من الإباء والاستكبار. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
اعلم أنه لما بين دلائل التوحيد ثم حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه طلب من الله أن يصونه عن الشرك، وطلب منه أن يوفقه للأعمال الصالحة وأن يخصه بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة ذكر بعد ذلك ما يدل على وجود يوم القيامة، وما يدل على صفة يوم القيامة، أما الذي يدل على وجود القيامة فهو قوله: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غافلا عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون} فالمقصود منه التنبيه على أنه تعالى لو لم ينتقم للمظلوم من الظالم، لزم أن يكون إما غافلًا عن ذلك الظالم أو عاجزًا عن الإنتقام، أو كان راضيًا بذلك الظلم، ولما كانت الغفلة والعجز والرضا بالظلم محالًا على الله امتنع أن لا ينتقم للمظلوم من الظالم.
فإن قيل: كيف يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يحسب الله موصوفًا بالغفلة؟
والجواب من وجوه: الأول: المراد به التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلًا، كقوله: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14].
{وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} [القصص: 88] وكقوله: {يا أيها الذين آمنوا}.
والثاني: أن المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الإنتقام لأجل غفلته عن ذلك الظلم، ولما كان امتناع هذه الغفلة معلومًا لكل أحد لا جرم كان عدم الانتقام محالًا.
والثالث: أن المراد ولا تحسبنه يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير.
الرابع: أن يكون هذا الكلام وإن كان خطابًا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر، إلا أنه يكون في الحقيقة خطابًا مع الأمة، وعن سفيان بن عيينة: أنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم، ثم بين تعالى أنه إنما يؤخر عقاب هؤلاء الظالمين ليوم موصوف بصفات.
الصفة الأولى: أنه تشخص فيه الأبصار.
يقال: شخص بصر الرجل إذا بقيت عينه مفتوحة لا يطرفها، وشخوص البصر يدل على الحيرة والدهشة وسقوط القوة.
والصفة الثانية: قوله: {مُهْطِعِينَ} وفي تفسير الإهطاع أقوال أربعة:
القول الأول: قال أبو عبيدة هو الإسراع.
يقال: أهطع البعير في سيره واستهطع إذا أسرع وعلى هذا الوجه، فالمعنى: أن الغالب من حال من يبقى بصره شاخصًا من شدة الخوف أن يبقى واقفًا، فبين الله تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد، فإنهم مع شخوص أبصارهم يكونون مهطعين، أي مسرعين نحو ذلك البلاء.
القول الثاني: في الإهطاع قال أحمد بن يحيى: المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع.
والقول الثالث: المهطع الساكت.
والقول الرابع: قال الليث: يقال للرجل إذا قر وذل أهطع.
الصفة الثالثة: قوله: {مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ} والإقناع رفع الرأس والنظر في ذل وخشوع، فقوله: {مُقْنِعِى رُؤُوسِهِمْ} أي رافعي رؤوسهم والمعنى أن المعتاد فيمن يشاهد البلاء أنه يطرق رأسه عنه لكي لا يراه، فبين تعالى أن حالهم بخلاف هذا المعتاد وأنهم يرفعون رؤوسهم.
الصفة الرابعة: قوله: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} والمراد من هذه الصفة دوام ذلك الشخوص، فقوله: {تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار} لا يفيد كون هذا الشخوص دائمًا وقوله: {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} يفيد دوام هذا الشخوص، وذلك يدل على دوام تلك الحيرة والدهشة في قلوبهم.
الصفة الخامسة: قوله: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} الهواء الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ثم جعل وصفًا فقيل: قلب فلان هواء إذا كان خاليًا لا قوة فيه، والمراد بيان أن قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جميع الخواطر والأفكار لعظم ما ينالهم من الحيرة ومن كل رجاء وأمل لما تحققوه من العقاب ومن كل سرور، لكثرة ما فيه من الحزن، إذا عرفت هذه الصفات الخمسة فقد اختلفوا في وقت حصولها فقيل: إنها عند المحاسبة بدليل أنه تعالى إنما ذكر هذه الصفات عقيب وصف ذلك اليوم بأنه يوم يقوم الحساب، وقيل: إنها تحصل عندما يتميز فريق عن فريق، والسعداء يذهبون إلى الجنة، والأشقياء إلى النار.
وقيل: بل يحصل عند إجابة الداعي والقيام من القبور، والأول أولى للدليل الذي ذكرناه، والله أعلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون}.
قال ميمون بن مهران: وعيد للظالم وتعزية للمظلوم.
قوله عز وجل: {مهطعين} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه مسرعين قاله سعيد بن جبير والحسن وقتادة، مأخوذ من أهطع يهطع إهطاعًا إذا أسرع، ومنه قوله تعالى: {مهطعين إلى الداع} أي مسرعين. قال الشاعر:
بدجلة دارُهُم ولقد أراهم ** بدجلة مهطعين إلى السماع

الثاني: أنه الدائم النظر لا يطرف، قاله ابن عباس والضحاك.
الثالث: أنه المطرِق الذي لا يرفع رأسه، قاله ابن زيد.
{مقنعي رءُوسهم} وإقناع الرأس فيه تأويلان:
أحدهما: ناكسي رؤوسهم بلغة قريش، قاله مؤرج السدوسي وقتادة.
الثاني: رافعي رؤوسهم، وإقناع الرأس رفْعُه، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول الشاعر:
أنغض رأسه نحوي وأقنعا ** كأنما أبصَرَ شيئًا أطمعَا

{لا يرتد إليهم طرفهم} أي لا يرجع إليهم طرفهم، والطرف هو النظر وسميت العَيْن طرْفًا لأنها بها يكون، قال جميل:
وأَقْصِرُ طَرْفي دُون جُمْل كرامةً ** لجُمْلٍ وللطرْفِ الذي أنا قاصِر

{وأفئدتهم هواءٌ} والمراد بالأفئدة مواضع القلوب، وهي الصدور.
وقوله: {هواء} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنها تتردد في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه فكأنها تهوي، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
الثاني: أنها قد زالت عن أماكنها حتى بلغت الحناجر، فلا تنفصل ولا تعود، قاله قتادة.
الثالث: أنها المتخرمَة التي لا تعي شيئًا، قاله مُرّة.
الرابع: أنها خالية من الخير، وما كان خاليًا فهو هواء، قاله ابن عباس ومنه قول حسان:
ألا أبلِغ أبا سفيان عني ** فأنتَ مُجوَّف نخب هواء

. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والخطاب بقوله: {تحسبن} لمحمد عليه السلام، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا.
وقرأ طلحة بن مصرف {ولا تحسب الله غافلًا} بإسقاط النون، وكذلك {ولا تحسب الله مخلف وعده} [إبراهيم: 47] وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن والأعرج: {نؤخرهم} بنون العظمة. وقرأ الجمهور: {يؤخرهم} بالياء، أي الله تعالى.
و{تشخص} معناه: تحد النظر لفزع ولفرط ذلك بشخص المحتضر، والمهطع المسرع في مشيه- قاله ابن جبير وقتادة.
قال القاضي أبو محمد: وذلك بذلة واستكانة، كإسراع الأسير والخائف ونحوه- وهذا هو أرجح الأقوال- وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع وقلما يكون إسراعها إلا مع خوف السوط ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر: الكامل:
بمهطع سرج كأن عنانه ** في رأس جذع من أوال مشذب

ومن ذلك قول عمران بن حطان: البسيط:
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته ** داع سميع فلونا وساقونا

ومنه قول ابن مفرغ: الوافر:
بدجلة دارهم ولقد أراهم ** بدجلة مهطعين إلى السماع

ومن ذلك قول الآخر: الطويل:
بمستهطع رسل كأن جديله ** بقيدوم رعد من صوام ممنع

وقال ابن عباس وأبو الضحى: الإهطاع شدة النظر من غير أن يطرف وقال ابن زيد المهطع: الذي لا يرفع رأسه. قال أبو عبيدة: وقد يكون الإهطاع الوجهين جميعًا الإسراع وإدامة النظر، والمقنع هو الذي يرفع رأسه قدمًا بوجهه نحو الشيء، ومن ذلك قول الشاعر: الشماخ: الوافر:
يباكرن العضاة بمقنعات ** نواجذهن كالحدأ الوقيع

يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر.
وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد. وذكر المبرد- فيما حكي عن مكي- أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة.
قال القاضي أبو محمد: والأول أشهر.
وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} أي لا يطوفون من الحذر والجزع وشدة الحال، وقوله: {وأفئدتهم هواء} تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فرغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، ويحتمل أن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صدورهم وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روي- حناجرهم- فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدًا في اضطراب.
قال القاضي أبو محمد: وعلى هاتين الجهتين يشبه قلب الجبان وقلب الرجل المضطرب في أموره بالهواء، فمن ذلك قول الشاعر: الطويل:
ولا تكن من أخدان كل يراعه ** هواء كسقب الناب جوفًا مكاسره

ومن ذلك قول حسان: الوافر:
ألا أبلغ أبا سفيان عني ** فأنت مجوف نخب هواء

ومن ذلك قول زهير: الوافر:
كأن الرحل منه فوق صعل ** من الظلمان جوجؤه هواء

فالمعنى: أنه في غاية الخفة في إجفاله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولا تحسبَنَّ الله غافلًا عما يعمل الظالمون}.
قال ابن عباس: هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم.
قوله تعالى: {إِنما يؤخِّرهم} وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو رزين، وقتادة: {نؤخِّرهم} بالنون، أي: يؤخر جزاءهم {ليوم تشخص فيه الأبصار} أي: تشخص أبصار الخلائق لظهور الأحوال فلا تغتمض.
قوله تعالى: {مهطعين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أن الإِهطاع: النظر من غير أن يَطْرِف الناظر، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والضحاك، وأبو الضُّحى.
والثاني: أنه الإِسراع، قاله الحسن، وسعيد بن جُبير، وقتادة، وأبو عبيدة.
وقال ابن قتيبة: يقال: أهطع البعير في سيره، واستهطع: إِذا أسرع.
وفي ما أسرعوا إِليه قولان:
أحدهما: إِلى الداعي، قاله قتادة.
والثاني: إِلى النار، قاله مقاتل.
والثالث: أن المُهطع: الذي لا يرفع رأسه، قاله ابن زيد.
وفي قوله: {مقنعي رؤوسهم} قولان:
أحدهما: رافعي رؤوسهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وأبو عبيدة، وأنشد أبو عبيدة:
أَنْغَضَ نَحْوِي رَأْسَهُ وأَقْنَعَا ** كَأَنَمَّا أَبْصَرَ شَيْئًا أَطْمَعَا

وقال ابن قتيبة: المقنع رأسه: الذي رفعه وأقبل بطرْفه على ما بين يديه.
وقال الزجاج: رافعي رؤوسهم، ملتصقة بأعناقهم.
و{مهطعين مقنعي رؤوسهم} نصبٌ على الحال، المعنى: ليوم تشخص فيه أبصارهم مهطعين.
والثاني: ناكسي رؤوسِهم، حكاه الماوردي عن المؤرِّج.
قوله تعالى: {لا يرتدُّ إِليهم طرفهم} أي: لا ترجع إِليهم أبصارهم من شدة النظر، فهي شاخصة.
قال ابن قتيبة: والمعنى: أن نظرهم إِلى شيء واحد.
قال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إِلى السماء، لا ينظر أحد إِلى أحد.
قوله تعالى: {وأفئدتهم هواءٌ} الأفئدة: مساكن القلوب.
وفي معنى الكلام أربعة أقوال:
أحدها: أن القلوب خرجت من مواضعها فصارت في الحناجر، رواه عطاء عن ابن عباس.
وقال قتادة: خرجت من صدورهم فنَشِبَت في حلوقهم، فأفئدتهم هواءٌ ليس فيها شيء.
والثاني: وأفئدتهم ليس فيها شيء من الخير، فهي كالخِرْبة، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: وأفئدتهم مُنخرِقة لا تعي شيئًا، قاله مُرَّة بن شراحيل.
وقال الزجاج: متخرِّقة لا تعي شيئًا من الخوف.
والرابع: وأفئدتهم جُوْف لا عقول لها، قاله أبو عبيدة، وأنشد لحسَّان:
أَلاَ أَبْلِغْ أُبَا سُفْيَانَ عَنِّي ** فَأَنْتَ مُجَوَّفٌ نَخِبٌ هَوَاءُ

فعلى هذا يكون المعنى: أن قلوبهم خلت عن العقول، لمِا رأوا من الهول.
والعرب تسمي كلَّ أجوَفَ خاوٍ: هواءً.
قال ابن قتيبة: ويقال: أفئدتهم منخوبة من الخوف والجُبْن. اهـ.