فصل: قال أبو حيان في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والإنذار: تخويف بشرٍّ سوف يقع من قبل زمنه، ليوضح لك بشاعة المخالفة، وكذلك التبشير هو تنبيه لخير قادم لم يَأتِ أوانه كي تستعدّ لاستقباله.
وقَوْل الحق سبحانه: {هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ...} [إبراهيم: 52].
يتضمن البشارة أيضًا؛ ولكنه يرتكز ويؤكد من بعد ذلك في قوله: {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ...} [إبراهيم: 52].
لأن الخيبة ستقع على مرتكب الذنوب.
وأقول: إن الإنذار هنا هو نعمة؛ لأنه يُذكِّر الإنسان فلا يُقدِم على ارتكاب الذنب أو المعصية، فساعةَ تُقدم للإنسان مغبة العمل السيء؛ فكأنك تُقدم إليه نعمة، وتُسدي إليه جميلًا ومعروفًا.
ويتابع سبحانه: {وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ..} [إبراهيم: 52].
وهذه هي القضية العقدية الأولى، والتي تأتي في قِمّة كل القضايا؛ فهو إله واحد نصدر جميعًا عن أمره؛ لأن الأمر الهام في هذه الحياة أن تتضافر حركة الأحياء وتتساند؛ لا أن تتعاند. ولا يرتقي بنيان، ما إذا كنتَ أنت تبني يومًا ليأتي غيرك فيهدم ما بنيتَ.
ومهمة حركة الحياة أن نُؤدِّي مهمتنا كخلفاء لله في الأرض؛ بأن تتعاضدَ مواهبنا، لا أن تتعارضَ، فيتحرك المجتمع الإنساني كله في اتجاه واحد؛ لأنه من إله واحد وأمر واحد.
وحين يقول الحق سبحانه: {هذا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ...} [إبراهيم: 52].
فهو يحدد لنا قِوَام الدين بعد تلقّيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُبلّغه مَنْ سمعه لمن لم يسمعه.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امْرءًا سمع مقالتي فوعاها، وأداها إلى مَنْ لم يسمعها».
وذلك لتبقى سلسلة البلاغ متصلة، وإنْ لم يُبلغ قوم فالوِزْر على مَنْ لم يُبلّغ، وبذلك يحرم نفسه من شرف التبعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فَمنْ يعلم حكمًا من أحكام الدين؛ فالمطلوب منه هو تبليغه للغير؛ مثلما طلب الحق سبحانه من رسوله أن يُبلِّغ أحكامه.
والحق سبحانه هو القائل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...} [البقرة: 143].
وهكذا شهد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بلَّغكم وبَقِي على كل مسلم يعلم حُكْما من أحكام الدين أن يُبلِّغه لِمَنْ لا يعرفه؛ فقد ينتفع به أكثر منه؛ وبعد أن سمع الحكم قد يعمل به، بينما مَنْ أبلغه الحكم لا يعمل به.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «رُبَّ مُبلَّغٍ أوْعَى من سامع».
ولذلك أقول دائمًا: إياك أن تخلط بين المعلومة التي تُقال لك: وبين سلوك مَنْ قالها لك، ولنسمع الشاعر الذي قال:
خُذْ عِلْمي ولاَ تركَنْ إلى عَملِي ** وَأجْنِ الثمارَ وخَلِّ العُودَ للحطَبِ

وهكذا يتحمل المسلم مسئولية الإبلاغِ بما يعرف من أحكام الدين لمن لا عِلْمَ لهم بها؛ لتظل الرسالة موصولة، وكلنا نعلم أن الحق سبحانه قد قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر...} [آل عمران: 110].
أي: أنكم يا أمة محمد، قد أخذتم مهمة الأنبياء.
ولأن البلاغ قد جاء من الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول أمين في تبليغه؛ لذلك لا يمكن أنْ يصدرَ عن الواحد الحكيم أوامر متضاربة، ولكن التضارب إنما ينشأ من اختلاف الآخر؛ أو من عدم حكمة الآمر، ولْنُدقِّق جيدًا في قول الحق سبحانه: {وليعلموا أَنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ...} [إبراهيم: 52].
فكلمة {واحد} جاءت لتمنع مجرّد تصوُّر الشراكة؛ فلا أحدَ مثله، وهو أحدٌ غير مُركَّب من أجزاء؛ فليس له أجهزة تشبه أجهزة البشر مثلًا؛ فلو كان له أجهزة لَكانَ في ذاته يحتاجُ لأبعاضه، وهذا لا يصِحُّ ولا يمكن تخيُّله مع الله سبحانه وتعالى.
وتلك هي القضية الأساسية التي يعيها أولو الألباب الذين يستقبلون هذا البلاغ. وأولو الألباب هي جمع، ومفرد ألباب هو لُبّ، ولُبّ الشيء هو حقيقة جوهره؛ لأن القشرةَ توجد لتحفظَ هذا اللُّب، والمحفوظ دائمًا هو أنفَسُ من الشيء الذي يُغلّفه لِيحفظه.
وهكذا يكون أولو الألباب هم البشر الذين يستقبلون القضية الإيمانية بعقولهم؛ ويُحرِّكون عقولهم ليتذكروها دائمًا؛ ذلك أن مشاغل الحياة ومُتعتها وشهواتها قد تَصْرِف الإنسان عن المنهج؛ ولذلك قال الحق سبحانه هنا:
{وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الألباب} [إبراهيم: 52].
أي: يتذكر أصحاب العقول أن الله واحدٌ أحد؛ فلا إلهَ إلا هو؛ ولذلك شهد سبحانه لنفسه قبل أنْ يشهدَ له أيُّ كائن آخر، وقال: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ...} [آل عمران: 18].
وهذه شهادةُ الذات للذاتِ، ويُضيف سبحانه: {والملائكة وَأُوْلُواْ العلم} [آل عمران: 18].
وشهادة الملائكة هي شهادة المُواجهة التي عايشوها، وشهادة أُولي الألبابِ هي شهادة الاستدلال.
وشهد الحق سبحانه أيضًا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسول: وكذلك شهد الرسول لنفسه، فهو يقول مثلنا جميعًا: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.
وهكذا فعَلى أُولي الألباب مهمة. أنْ يتذكَّروا ويُذكِّروا بأنه إله واحد أحدٌ. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيات السابقة:

{وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ}.
هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم.
ويوم منصوب على أنه مفعول ثان لا نذر، ولا يصح أن يكون ظرفًا، لأنّ ذلك اليوم ليس بزمان للإنذار، وهذا اليوم هو يوم القيامة والمعنى: وأنذر الناس الظالمين، ويبين ذلك قوله: {فيقول الذين ظلموا}، لأن المؤمنين يبشرون ولا ينذرون.
وقيل: اليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات، ولقاء الملائكة بلا بشرى كقوله: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّق} ومعنى التأخر إلى أجل قريب الرد إلى الدنيا قاله الضحاك، إذ الإمهال إلى أمد وحد من الزمان قريب قاله السدي، أي: لتدارك ما فرطوا من إجابة الدعوة، واتباع الرسل.
أو لم تكونوا هو على إضمار القول والظاهر أنّ التقدير فيقال لهم، والقائل الملائكة، أو القائل الله تعالى.
يوبخون بذلك، ويذكرون مقالتهم في إنكار البعث، وإقسامهم على ذلك كما قال تعالى: {واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} ومعنى ما لكم من زوال، من الأرض بعد الموت أي: لا نبعث من القبور.
وقال محمد بن كعب: إنّ هذا القول يكون منهم وهم في النار، ويرد عليهم: أو لم تكونوا، ومعناه التوبيخ والتقريع.
وقال الزمخشري أو لم تكونوا أقسمتم على إرادة القول، وفيه وجهان: أن يقولوا ذلك بطرًا وأشرًا، ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه.
وأن يقولوا بلسان الحال حيث بنوا شديدًا، وأملوا بعيدًا.
وما لكم جواب القسم، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله: {أقسمتم}، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل: ما لنا من زوال، والمعنى: أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزولون بالموت والفناء، وقيل: لا تنتقلون إلى دار أخرى انتهى.
فجعل الزمخشري أو لم تكونوا محكيًا بقولهم، وهو مخالف لما قد بيناه من أنه يقال لهم ذلك، وقوله: لا يزولون بالموت والفناء ليس بجيد، لأنهم مقرون بالموت والفناء.
وقوله هو قول مجاهد.
وسكنتم إن كان من السكون، فالمعنى: أنهم قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين بسيرة من قبلهم في الظلم والفساد، لا يحدثونها بما لقي الظالمون قبلهم.
وإن كان من السكنى، فإنّ السكنى من السكون الذي هو اللبث، والأصل تعديته بفي كما يقال: أقام في الدار وقر فيها، ولكنه لما أطلق على سكون خاص تصرف فيه، فقيل: سكن الدار كما قيل: تبوأها، وتبين لكم بالخبر وبالمشاهدة ما فعلنا بهم من الهلاك والانتقام.
وقرأ الجمهور: وتبين فعلًا ماضيًا، وفاعله مضمر يدل عليه الكلام أي: وتبين لكم هو أي حالهم، ولا يجوز أن يكون الفاعل كيف، لأنّ كيف إنما تأتي اسم استفهام أو شرط، وكلاهما لا يعمل فيه ما قبله، إلا ما روي شاذًا من دخول على علي كيف في قولهم: على كيف تبيع الأحمرين، وإلى في قولهم: أنظر إلى كيف تصنع، وإنما كيف هنا سؤال عن حال في موضع نصب بفعلنا.
وقرأ السلمي فيما حكى عنه أبو عمرو الداني: ونبين بضم النون، ورفع النون الأخيرة مضارع بين، وحكاها صاحب اللوامح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك على إضمار ونحن نبين، والجملة حالية.
وقال المهدوي عن السلمي: إنه قرأ كذلك، إلا أنه جزم النون عطفًا على أو لم تكونوا أي: ولم نبين فهو مشارك في التقرير.
وضربنا لكم الأمثال أي: صفات ما فعلوا وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم.
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)}.
المقرّن: المشدود في القرن، وهو الحبل.
الصفد: الغل، والقيد يقال: صفده صفدًا قيده، والاسم الصفد، وفي التكثير صفده مشددًا.
قال الشاعر:
وأبقى بالملوك مصفدينا

وأصفدته: أعطيته.
وقيل: صفد وأصفد معًا في القيد والإعطاء.
قال الشاعر:
فلم أعرض أبيت اللعن بالصفد

أي: بالعطاء.
وسمي العطاء صفدًا لأنه يقيده ويعبد.
السربال: القميص، يقال: سربلته فتسربل.
القطران: ما يحلب من شجر الابهل فيطبخ، وتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحره وحدته، وهو أقبل الأشياء اشتعالًا، ويقال فيه قطران بوزن سكران، وقطران بوزن سرحان.
{وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب}: الظاهر أنّ الضمير في مكروا عائد على المخاطبين في قوله: {أو لم تكونوا أقسمتم من قبل} أي مكروا بالشرك بالله، وتكذيب الرسل.
وقيل: الضمير عائد على قوم الرسول كقوله: {وأنذر الناس} أي: وقد مكر قومك يا محمد، وهو الذي في قوله: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} الآية ومعنى مكرهم أي: المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم، والظاهر أنّ هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا، وليس مقولًا في الآخرة.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم.
وعند الله مكرهم أي: علم مكرهم فهو مطلع عليه، فلا ينفذ لهم فيه قصدًا، ولا يبلغهم فيه أملًا أو جزاء مكرهم، وهو عذابه لهم.
والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل: وعند الله ما مكروا أي مكرهم.
وقال الزمخشري: أو يكون مضافًا إلى المفعول على معنى: وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به، وهو عذابهم الذي يستحقونه، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى.
وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو، إذ قدر يمكرهم به، والمحفوظ أنّ مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه.
قال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا} وتقول: زيد ممكور به، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا.
وقرأ الجمهور: وإن كان بالنون.
وقرأ عمرو، وعلي، وعبد الله، وأبيّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وزيد بن علي: وإن كاد بدال مكان النون لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية، وروي كذلك عن ابن عباس.
وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وابن وثاب، والكسائي كذلك، إلا أنهم قرأُوا وإن كان بالنون، فعلى هاتين القراءتين تكون إنْ هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وذلك على مذهب البصريين.
وأما على مذهب الكوفيين فإن نافية، واللام بمعنى إلا.
فمن قرأ كاد بالدال فالمعنى: أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم، ولا يقع الزوال.
وعلى قراءة كان بالنون، يكون زوال الجبال قد وقع، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته، وهو بحيث يزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها.
ويحتمل أن يكون معنى لتزول ليقرب زوالها، فيصير المعنى كمعنى قراءة كاد.
ويؤيد هذا التأويل ما ذكره أبو حاتم من أنّ في قراءة أبيّ: ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال، وينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير لمخالفتها لسواد المصحف المجمع عليه.
وقرأ الجمهور وباقي السبعة: وإن كان بالنون مكرهم لتزول بكسر اللام، ونصب الأخيرة.
ورويت هذه القراءة عن علي، واختلف في تخريجها.
فعن الحسن وجماعة أنّ إنْ نافية، وكان تامة، والمعنى: وتحقير مكرهم، وأنه ما كان لتزول منه الشرائع والنبوات وأقدار الله التي هي كالجبال في ثبوتها وقوتها، ويؤيد هذا التأويل ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ: {وما كان} بما النافية: لكنّ هذا التأويل، وما روي عن ابن مسعود من قراءة وما بالنفي، يعارض ما تقدم من القراءات، لأنّ فيها تعظيم مكرهم، وفي هذا تحقيره.
ويحتمل على تقدير أنها نافية أن تكون كان ناقصة، واللام لام الجحود، وخبر كان على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين: أهو محذوف؟ أو هو الفعل الذي دخلت عليه اللام؟ وعلى أنّ إنْ نافية وكان ناقصة، واللام في لتزول متعلقة بفعل في موضع خبر كان، خرجه الحوفي.
وقال الزمخشري: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، وإن عظم مكرهم وتتابع في الشدة بضرب زوال الجبال منه مثلًا لتفاقمه وشدته أي: وإن كان مكرهم مستوٍ لإزالة الجبال معدًا لذلك.
وقال ابن عطية: ويحتمل عندي هذه القراءة أن تكون بمعنى تعظيم مكرهم أي: وإن كان شديدًا بما يفعل ليذهب به عظام الأمور انتهى.
وعلى تخريج هذين تكون إن هي المخففة من الثقيلة، وكان هي الناقصة.
وعلى هذا التخريج تتفق معاني القراءات أو تتقارب، وعلى تخريج النفي تتعارض كما ذكرنا.
وقرئ {لتزول} بفتح اللام الأولى ونصب الثانية، وذلك على لغة من فتح لام كي.
والذي يظهر أنّ زوال الجبال مجاز ضرب مثلًا لمكر قريش، وعظمه والجبال لا تزول، وهذا من باب الغلو والإيغال والمبالغة في ذم مكرهم.