فصل: من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومحلُّ {لاَ يُؤْمِنُونَ} النصبُ على الحال، ويجوز أَنْ لا يكونَ لها محلَّ، لأنها بيانٌ لقوله: {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ}.
وقوله: {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين} استئناف.
والسَّلْكُ: الإِدخال. يقال: سَلَكْتُ الخيطَ في الإبْرة، ومنه {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42]. يُقال: سَلَكَه وأَسْلكه، أي: نَظَمَه، قال الشاعر:
وكنتُ لِزازَ خَصْمِك لم أُعَرِّدْ ** وقد سَلَكُوكَ في أَمْرٍ عَصِيْبِ

وقال الآخر في أَسَلَكَ:
حتى إذا أَسْلَكُوهمْ في قُتائِدَةٍ ** شَلًا كما تَطْرُدُ الجَمَّالةُ الشُّرُدا

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)}
قوله تعالى: {فَظَلُّواْ}: هي الناقصةُ، والضميرُ في {فظلُّوا} عائدٌ على الكفارِ المُفَتَّحِ لهم البابُ، وقيل: يعودُ على الملائكة، وقرأ الأعمشُ وأبو حَيْوة {يَعْرِجون} بكسر الراء، وهي في لغةُ هُذَيْلٍ في عَرَج يَعْرِج، أي: صَعِد.
{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
قوله تعالى: {سُكِّرَتْ}: قرأ ابن كثير {سُكِرَتْ} مبنيًا للمفعول مخففَ الكاف، وباقي السبعة كذلك، إلا أنهم شدَّدُوا الكاف، والزهري {سَكِرَتْ} بفتح السين وكسرِ الكاف خفيفةً مبنيًا للفاعل.
فأمَّا القراءةُ الأولى فيجوز أن تكونَ بمعنى المشددة، فإنَّ التخفيفَ يَصْلُح للقليلِ والكثير، وهما مأخوذتان من السِّكْر بكسرِ السينِ وهو السَّدُّ، فالمعنى: حُبِسَتْ أبصارنا وسُدَّت، وقيل: بمعنى عُطِبَتْ، وقيل: بمعنى أُخِذَتْ، وقيل: بمعنى سُحِرَتْ، وقيل: المشدَّدُ مِنْ سِكْرِ الماء، والمخفَّفُ بمعنى سُحِرَتْ. وقيل: المشدَّدُ مِنْ سِكْر الماءِ بالكسرِ، والمخفَّفُ مِنْ سُكْرِ الشَّراب بالضم.
والمشهورُ أنَّ سَكَر لا يتعدَّى فكيف بُني للمفعول. فقال أبو علي: ويجوز أن يكونَ سُمِع متعدَّيًا في البصر والذي قاله المحققون مِنْ أهل اللغة أنَّ سَكَرَ: إنْ كان مَنْ سَكِرَ الشرابِ، أو مِنْ سَكَرِ الريح، فالتضعيفُ فيه للتعدية، وإن كان مِنْ سَكَرِ الماءِ فالتضعيفُ للتكثيرِ لأنه متعدًّ مخففًا، وذلك أنه يُقال: سَكَرَتْ الريح تَسْكُرُ سَكَرًا إذا رَكَدَتْ، وسَكِر الرجلُ من الشراب سَكَرًا إذا رَكَد ولم يَنْفُذْ لحاجته، فهذان قاصران، فالتضعيفُ فيهما للتعدية، ويقال: سَكَرْتُ الماءَ في مجارِيْه: إذا مَنَعْتَه من الجَرْيِ، فهذا متعدٍّ، قالتضعيفُ فيه للتكثير.
وأمَّا قراءةُ ابنِ كثير فإن كانت مِنْ سَكَر الماءِ فواضحةٌ لأنه متعدٍّ، وإن كانَتْ مِنْ سَكَرِ الشَّرابِ أو سَكَر الريحِ فيجوز أن يكون الفعلُ استُعْمل لازمًا تارةً ومتعديًا أخرى، نحو: رَجَع زيدٌ، ورَجَعَه غيرُه، وسَعَدَ وسَعَدَه غيرُه.
وقال الزمخشري: و{سُكِّرت}: حُيِّرَتْ، أو حُبِسَتْ من السَّكَر أو السَّكْر، وقُرئ {سُكِرَتْ} بالتخفيف، أي: حُبِسَتْ كما يُحْبَسُ النهرُ مِنَ الجَرْيِ فجعل قراءة التشديدِ محتملةً لمعنيين، وقراءةَ التخفيفِ لمعنىً واحدٍ.
وأمَّا قراءةُ الزُّهريِّ فواضِحَةٌ، أي: عُطِبَتْ، وقيل: هي مطاوعُ أَسْكَرْتُ المكانَ فسَكِرَ، أي: سَدَدْتُه فانْسَدَّ. اهـ.
من الإعجاز العلمى في القرآن للدكتور زغلول النجار بحث بعنوان:

.من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار
هاتان الآيتان الكريمتان وردتا في سياق الحديث عن عناد ومكابرة كفار قريش لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وتكذيبهم ببعثته، وتشكيكهم في الوحي الذي أنزل إليه من ربه، واتهامهم له بالجنون، وهم أعرف الناس بأنه صلي لله عليه وسلم كان أرجح الناس عقلا، وأعظمهم خلقا، وأشرفهم نسبا، ولذلك نزلت الآيات في مطلع سورة الحجر لتشيد بالقرآن الكريم، ولتهدد هؤلاء الجاحدين بمشهد يوم عظيم يعانون فيه أهوال الآخرة فيتمنون لو كانوا في الدنيا قد أسلموا لرب العالمين، وآمنوا ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين، وبآيات هذا الكتاب المبين، وبيوم البعث الذي كانوا به ينذرون.
وليهون القرآن الكريم علي هذا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم صلف هؤلاء المتكبرين تطلب منه الآيات القرآنية أن يدعهم في غيهم يأكلون ويتمتعون، ويشغلهم الأمل بطول الأجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من عذاب مهين في الدنيا قبل الآخرة، وذلك جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم!!!
وهذا التهديد والوعيد من الله تعالى لهؤلاء المجرمين من الكفار والمشركين، يتبعه تذكير بمصائر غيرهم من الأمم السابقة عليهم، وبأن الله تعالى لم يهلك أيا من تلك القري الظالمة التي كذبت بآياته ورسله إلا وجعل لهلاكها أجلا محددا.
وتذكر الآيات تحديات كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزائهم به، وإستنكارهم لشرف بعثته حتي طلبوا منه أن يأتيهم بالملائكة ليشهدوا له بصدق نبوته، فيرد الحق تبارك وتعالى عليهم بأن الملائكة لاتنزل إلا بالحق، وأن من هذا الحق أن يدمر المكذبون بآيات الله ورسله بعد أن جاءتهم نذر ربهم!!
ثم تؤكد تلك الآيات الكريمات علي أن الله تعالي هو الذي أنزل القرآن العظيم، وأنه تعالي قد تعهد بحفظه فحفظ، فلايمكن لمحاولة تحريف أن تطوله، ولا لمؤامرة تبديل أن تصيبه، مهما حاول المحرفون، وتضافر المتآمرون، وهذا الحفظ الرباني لآخر الكتب السماوية وأتمها وأكملها، لهو بحق أعظم المعجزات المبهرة لهذا الكتاب الخالد، وعلي الرغم من ذلك كله فقد كذب به هؤلاء المعاندون، كما يكذب به نفر من كفار هذا الزمان الرديء ومشركيه وملاحدته.
ومن قبيل تهوين الأمر علي خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وعلي أتباعه الصالحين في زماننا وفي كل زمان تذكره الآيات وتذكرهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متفردا بجحود قومه، وتكذيبهم، ومكابرتهم، وعنادهم، واستهزائهم، فقد سبقه من الأنبياء والمرسلين من تعرضوا لذلك وأشد منه، فاستحقت أقوامهم المكذبة عقاب الله في الدنيا قبل الآخرة!! ومن الغريب أن الجاحدين من الخلق، الذين أشركوا بالله، أو كفروا به سبحانه وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر في كل زمان ومكان، لم يكن لينقصهم الدليل المنطقي علي قبول وحي السماء، ومافيه من آيات بينات ولكنه الصلف والعناد والمكابرة في مقابلة الحق، ومواجهة كل حجة أتتهم، وكل بينة جاءتهم، تماما بتمام، كما كان موقف كفار قريش من خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، ومما أنزل إليه من قرآن كريم، فتصور لنا الآيات في مطلع سورة الحجر نموذجا صارخا لمكابرة أهل الباطل وعنادهم في مواجهة الحق، وذلك بقول ربنا-تبارك وتعالى-: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}. بمعني أنه حتي لو فتح الله تعالى على هؤلاء المكابرين بابا من السماء، وأعانهم علي الاستمرار بالعروج فيه بأجسادهم وكامل حواسهم، حتي يطلعوا علي بديع صنع الله في ملكوته، وعلي عظيم قدرته في إبداع خلقه، وعلي اتساع سلطانه وملكه، وعلي حشود الخاضعين له بالعبادة والطاعة والتسبيح في خشية وإشفاق بالغين، لشكوا في تلك الرؤية المباشرة، ولكذبوا أبصارهم وعقولهم وباقي حواسهم، ولاتهموا أنفسهم بالعجز التام عن الرؤية تارة، وبالوقوع تحت تأثير السحر تارة أخري، وذلك في محاولة لإنكار الحق من فرط مكابرتهم وصلفهم وعنادهم!!
وعلي الرغم من كون لو حرف امتناع لامتناع، وكون هاتين الآيتين الكريمتين قد وردتا في مقام التشبيه والتصوير لحال المكابرين من الكفار والمشركين وعنادهم وصلفهم، إلا أن صياغتهما قد جاءت- كما تجيء صياغة كل آيات القرآن الكريم- علي قدر مذهل من الدقة العلمية والشمول للحقيقة الكونية والكمال المطلق مما يشهد بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، وأن خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض سبحانه وتعالى.
وأحاول في هذا المقال عرض عدد مما استطعت إدراكه من ملامح الإعجاز العلمي في هاتين الآيتين الكريمتين علي النحو التالي:

.اللمحة الإعجازية الأولي:

صورة من سفينة الفضاء جاليليو توضح طبقة النهار على كل من كوكب الأرض والقمر ويرى نصف كل منهما المواجه للشمس منيرا في ظلمة الكون، والصورة الثانية مأخوذة من مكوك الفضاء تشالينجر لرائد الفضاء بروس ماكاندليس يدور حول كوكب الأرض فيرى نور النهار خيطا أزرق دقيقا في ظلمة الكون وقد وردت في قول الحق-تبارك وتعالى-: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء}. مما يؤكد أن السماء ليست فراغا كما كان يعتقد الناس إلي عهد قريب، حتي ثبت لنا أنها بنيان محكم، يتعذر دخوله إلا عن طريق أبواب تفتح للداخل فيه، والسماء لغة، هي: كل ما علاك فأظلك، وإصطلاحا، هي: ذلك العالم العلوي الذي نراه فوق رؤوسنا بكل مافيه من أجرام.
وعلميا هي كل مايحيط بالأرض من مختلف صور المادة والطاقة بدءا من غلافها الغازي، وانتهاء بحدود الكون، والذي أدرك العلماء منه مساحة يبلغ قطرها 24 ألف مليون سنة ضوئية علي الأقل أي حوالي 228*2110 كيلو متر، وحصوا فيه أكثر من مائتي ألف مليون مجرة من أمثال مجرتنا المعروفة بإسم سكة التبانة أو درب اللبانة والتي حصي العلماء فيها حوالي مليون مليون نجم كشمسنا، والكون فوق ذلك دائم الاتساع إلي نهاية لايعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
وقد ثبت مؤخرا أن السماء مليئة بمختلف صور المادة والطاقة التي انتشرت بعد انفجار الجرم الكوني الأول والذي كان يضم كل مادة الكون، ومختلف صور الطاقة المنبثة في أرجائه اليوم وذلك عند تحوله من مرحلة الرتق إلي مرحلة الفتق كما يصفهما القرآن الكريم، ويقدر علماء الكون أن ذلك قد حدث منذ فترة تقدر بحوالي العشرة بلايين من السنين علي أقل تقدير.
وعند انفجار ذلك الجرم الكوني الأول تحولت مادته ومختلف صور الطاقة المخزونة فيه إلي سحابة هائلة من الدخان ملأت فسحة الكون، ثم أخذت في التبرد والتكثف بالتدريج حتي وصلت الي حالة من التوازن الحراري بين جسيمات المادة وفوتونات الطاقة، وهنا تشكلت بعض نوي الإيدروجين المزدوج الديوتريوم، وتبع ذلك تخلق النوي الذرية لأخف عنصرين معروفين لنا وهما الأيدروجين والهيليوم، ثم تخلق نسب ضئيلة من العناصر الأثقل وزنا.
وبواسطة دوامات الطاقة التي إنتشرت في سحابة الدخان التي ملأت أرجاء الكون تشكلت السدم وهي أجسام غازية في غالبيتها، تتناثر بين غازاتها بعض الهباءات الصلبة، وتدور المادة فيها في دوامات شديدة تساعد علي المزيد من تكثفها في سلسلة من العمليات المنضبطة حتي تصل إلي مرحلة الإندماج النووي التي تكون النجوم بمختلف أحجامها، وهيئاتها، ودرجات حرارتها، وكثافة المادة فيها، ومنها النجوم العادية أو نجوم النسق الأساسي المفردة والمزدوجة، والمستعرات الشديدة الحرارة العمالقة الحمر والعمالقة الكبار والنجوم البيضاء القزمة، ومنها النجوم النيوترونية النابضات منها وغير النابضات التي تصل كثافة المادة فيها إلي خمسين بليون طن للسنتيمتر المكعب، وأشباه النجوم التي تقل كثافة المادة فيها عنها في شمسنا ومنها الثقوب السود التي تصل كثافة المادة فيها إلي مائتي بليون طن للسنتيمتر المكعب، والثقوب الدافئة وغير ذلك من أجرام السماء مما يشكل المجرات والتجمعات المجرية، وغيرها من نظم الكون المبهرة.
ومن أشلاء النجوم تكونت الكواكب والكويكبات، والأقمار والمذنبات، والشهب والنيازك، والأشعات الكونية التي تملأ فسحة الكون بأشكالها المتعددة، وغير ذلك مما لانعلم من أسرار هذا الوجود.
وقبل سنوات قليلة لم يكن أحد من الناس يعلم أن السماء علي إتساعها ليست فراغا، ولكنها مليئة بالمادة علي هيئة رقيقة للغاية، تشكلها غازات مخلخلة يغلب علي تركيبها غازا الإيدروجين والهيليوم، مع نسب ضئيلة جدا من الأوكسيجين، والنيتروجين، والنيون، وبخار الماء، وهباءات نادرة من المواد الصلبة، مع إنتشار هائل للأشعات الكونية بمختلف صورها في مختلف جنبات الكون، ولقد كان السبب الرئيسي لتصور أن الكون فراغ تام هو التناقص التدريجي لضغط الغلاف الغازي للأرض مع الأرتفاع عن سطحها حتي لايكاد يدرك بعد ألف كيلو متر فوق سطح البحر، ومن أسباب زيادة كثافة الغلاف الغازي للأرض بالقرب من سطحها هو إنطلاق كميات هائلة من بخار الماء وغازات عديدة أغلبها أكاسيد الكربون والنتروجين من جوفها أثناء تبرد قشرتها، وعبر فوهات البراكين التي نشطت ولاتزال تنشط علي سطحها وقد إختلطت تلك الغازات الأرضية بالسحابة الغازية الكونية، وساعدت جاذبية الأرض علي الإحتفاظ بالغلاف الغازي للأرض بكثافته التي تتناقص بإستمرار بالبعد عنها حتي تتساوي مع كثافة الغلالة الغازية الاولية التي تملأ أرجاء الكون وتندمج فيها.
وعلي ذلك فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن السماء بناء محكم، تملأه المادة والطاقة، ولايمكن إختراقه إلا عن طريق أبواب تفتح فيه، وهو ماأكده القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة في أكثر من آية صريحة، ومنها الآية الكريمة التي نحن بصددها ولو فتحنا عليهم بابا من السماء، وهي شهادة صدق علي أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، وأنزل القرآن الكريم بعلمه الحق.

.اللمحة الإعجازية الثانية:

وتتضح من وصف الحركة في السماء بالعروج: فظلوا فيه يعرجون، والعروج لغة هو سير الجسم في خط منعطف منحن، فقد ثبت علميا أن حركة الأجسام في الكون لايمكن أن تكون في خطوط مستقيمة، بل لابد لها من الإنحناء نظرا لإنتشار المادة والطاقة في كل الكون، وتأثير كل من جاذبية المادة بأشكالها المختلفة والمجالات المغناطيسية للطاقة بتعدد صورها، علي حركة الأجسام في الكون، فأي جسم مادي مهما عظمت كتلته أو تضاءلت لايمكنه التحرك في الكون إلا في خطوط منحنية وحتي الأشعة الكونية علي تناهي دقائقها في الصغر وهي تتكون من اللبنات الأولية للمادة مثل البروتونات والنيوترونات والإليكترونات، فإنها إذا عبرت خطوط أي مجال مغناطيسي فإن هذا المجال يحني مسار الشعاع بزاوية قائمة علي مساره. فإنتشار كل من المادة والطاقة في الكون عبر عملية الفتق وماصاحبها من إنفجار عظيم كانت من أسباب تكوره، وكذلك كان إنتشار قوي الجاذبية في أرجاء الكون من أسباب تكور كل أجرامه، وكان التوازن الدقيق الذي أوجده الخالق العظيم بين كل من قوي الجاذبية والقوي الدافعة الناتجة عن عملية الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل أجرام السماء، والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات والتي يدور بها كل منهم حول محوره. فعند إنفجار الجرم الكوني الأول إنطلق كل ماكان به من مخزون المادة والطاقة بالقوة الدافعة الناتجة عن ذلك الانفجار العظيم عملية الفتق والتي أكسبت كل صور المادة والطاقة المنطلقة إلي فسحة الكون طاقة حركة هائلة، وجعلتها بذلك واقعة تحت تأثير قوتين متعارضتين هما قوة التجاذب الرابطة بينها، والقوة الطاردة الناتجة عن ذلك الإنفجار الكوني، والتوازن الدقيق بين هاتين القوتين المتعارضتين هو الذي يحفظ أجرام السماء في مداراتها، ويجعلها تتحرك فيها حركة دائرية بخطوط منحنية بإستمرار، كما جعلها تدور حول محاورها بسرعات محددة.
ودوران الأجرام السماوية حول محاورها وفي مداراتها تخضع لقانون يعرف باسم قانون بقاء التحرك الزاوي أو قانون العروج وينص هذا القانون علي أن كمية التحرك الزاوي لأي جرم سماوي تقدر علي أساس نسبة سرعة دورانه حول محوره إلي نصف قطره علي محور الدوران، وتبقي كمية التحرك الزاوي تلك محفوظة في حالة إنعدام مؤثرات أخري، ولكن إذا تعرض الجرم السماوي إلي مؤثرات خارجية أو داخلية فإنه سرعان ما يكيف حركته الزاوية في ضوء التغيرات الطارئة. فعلي سبيل المثال تزداد سرعة التحرك الزاوي للجرم كلما إنكمش حجمه، وكما سبق وأن ذكرنا فإن جميع الأجرام الأولية قد تكثفت مادتها علي مراحل متتالية من سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن إنفجار الجرم الابتدائي الذي حوي كل مادة وطاقة الكون، تاركة كميات هائلة من الغازات والغبار والأشعات الكونية، وعلي ذلك فقد كانت الكواكب الإبتدائية- علي سبيل المثال أكبر حجما بمئات المرات من الكواكب الحالية، وكانت أرضنا الإبتدائية مائتي ضعف حجم الأرض الحالية علي الأقل، وهذه الكواكب الابتدائية أخذت في التكثف علي مراحل متتالية حتي وصلت إلي صورتها الحالية.