فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{وَإِن مّن شَىْء}
إن للنفي ومن مزيدة للتأكيد وشيءٍ في محل الرفع على الابتداء، أي ما من شيء من الأشياء الممكنةِ، فيدخُل فيه ما ذكر دخولًا أوليًا {إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} الظرفُ خبرٌ للمبتدأ، وخزائنُه مرتفعٌ به على أنه فاعله لاعتماده، أو خبر له، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والخزائنُ جمع الخِزانة وهي ما يحفظ فيه نفائسُ الأموال لا غيرُ، غلَب في العرف على ما للملوك والسلاطينِ من خزائن أرزاقِ الناس، شُبِّهت مقدوراتُه تعالى الفائتةُ للحصر المندرجةُ تحت قدرتِه الشاملة في كونها مستورةً عن علوم العالمين ومصونةً عن وصول أيديهم مع كمال افتقارِهم إليها ورغبتِهم فيها، وكونِها مهيأةً متأتّيةً لإيجاده وتكوينه، بحيث متى تعلقت الإرادةُ بوجودها وُجدت بلا تأخر بنفائس الأموالِ المخزونةِ في الخزائن السلطانيةِ فذكرُ الخزائن على طريقة الاستعارةِ التخييلية {وَمَا نُنَزّلُهُ} أي ما نُوجِد وما نكوّن شيئًا من تلك الأشياء ملتبسًا بشيء من الأشياء {إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي إلا ملتبسًا بمقدار معينٍ تقتضيه الحِكمةُ وتستدعيه المشيئةُ التابعة لها، لا بما تقتضيه القدرةُ فإن ذلك غيرُ متناهٍ، فإن تخصيصَ كل شيء بصفة معينةٍ وقدرٍ معين ووقتٍ محدود دون ما عدا ذلك، مع استواء الكلِّ في الإمكان واستحقاقِ تعلّقِ القدرة به، لابد له من حكمة تقتضي اختصاصَ كلَ من ذلك بما اختص به، وهذا البيانُ سرُّ عدمِ تكوينِ الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في خزائن القدرة، وهو إما عطفٌ على مقدر أي ننزله وما ننزله إلخ، أو حالٌ مما سبق أي عندنا خزائنُ كل شيءٍ، والحال أنا ما ننزِّله إلا بقدر معلوم، فالأول لبيان سعةِ القدرةِ والثاني لبيان بالغِ الحِكمة، وحيث كان إنشاءُ ذلك بطريق التفضّل من العالم العلويِّ إلى العالم السفلي كما في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج} وكان ذلك بطريق التدريج عبّر عنه بالتنزيل، وصيغةُ المضارع للدلالة على الاستمرار.
{وَأَرْسَلْنَا الرياح} عطفٌ على جعلنا لكم فيها معايشَ، وما بينها اعتراضٌ لتحقيق ما سبق وترشيحِ ما لحِق أي أرسلنا الرياح {لَوَاقِحَ} أي حواملَ، شُبّهت الريحُ التي تجيء بالخير من إنشاء سحابٍ ماطرٍ بالحامل كما شُبّه بالعقيم ما لا يكون كذلك، أو ملقِّحاتٍ بالشجر والسحابِ، ونظيره الطوائحُ بمعنى المُطيحات في قوله:
ومختبطٍ مما تُطيح الطوائحُ

أي المهلِكات، وقرئ {وأرسلنا الريحَ} على إرادة الجنس {فَأَنزَلْنَا مِنَ السماء} بعد ما أنشأنا بتلك الرياحِ سحابًا ماطرًا {مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أي جعلناه لكم سُقيًا وهو أبلغُ من سقيناكموه، لما فيه من الدِلالة على جعل الماءِ معدًا لهم ينتفعون به متى شاءوا {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} نفى عنهم ما أثبته لجنابه بقوله: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} كأنه قيل: نحن القادرون على إيجاده وخزْنِه في السحاب وإنزاله وما أنتم على ذلك بقادرين، وقيل: ما أنتم بخازنين له بعدما أنزلناه في الغُدران والآبارِ والعيون، بل نحن نخزنُه فيها لنجعلَها سقيًا لكم مع أن طبيعةَ الماء تقتضي الغَوْر. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}
{وَإِن مّن شَىْء} {إن} نافية و{مِنْ} مزيدة للتأكيد و{شَىْء} في محل الرفع على الابتداء أي ما شيء من الأشياء الممكنة فيدخل فيها ما ذكر دخولًا أوليًا والاقتصار عليه قصور.
وزعم ابن جريج. وغيره أن الشيء هنا المطر خاصة.
{إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} الظرف خبر للمبتدأ و{خَزَائِنُهُ} مرتفع به على أه فاعل لاعتماده أو مبتدأ والظرف خبره والجملة خبر للمبتدأ الأول، والخزائن جمع خزانة ولا تفتح وهي اسم للمكان الذي يحفظ فيه نفاس الأموال لا غير غلبت على ما قيل في العرف على ما للملوك والسلاطين من خزائن أرزاق الناس، شبهت مقدوراته تعالى الغائبة للحصر المندرجة تحت قدرته الشاملة في كونها مستورة عن علوم العالمين ومصونة عن وصول أيديهم مع وفور رغبتهم فيها وكونها متهيأة متأتية لإيجاده وتكوينه بحيث متى تعلقت الإرادة بوجودها وجدت بلا تأخر بنفائس الأموال المخزونة في الخزائن السلطانية فذكر الخزائن على طريقة الاستعارة التخييلية قاله غير واحد، وجوز أن يكون قد شبه اقتداره تعالى على كل شيء وإيجاده لما يشاء بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدة لأن يخرج منها ما شاء فذكر ذلك على سبيل الاستعارة التمثيلية، والمراد ما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه، وقيل: الأنسب أنه مثل لعلمه تعالى بكل معلوم، ووجه على ما قيل أنه يبقى {شَىْء} على عمومه لشموله الواجب والممكن بخلاف القدرة ولأن {عِندَ} أنسب بالعلم لأن المقدور ليس عنده إلا بعد الوجود.
وتعقب بأن كون المقدورات في خزان القدرة ليس باعتبار الوجود الخارجي بل الوجود العلمي، وقال قوم: الخزائن على حقيقتها وهي الأماكن التي تحفظ فيها الأشياء وإن للريح مكانًا وللمطر مكانًا ولكل مكان حفظة من الملائكة عليهم السلام، ولا يخفى أنه لا يمكن مع تعميم الشيء {وَمَا نُنَزّلُهُ} أي نوجد وما نكون شيئًا من تلك الأشياء ملتبسًا بشيء من الأشياء {إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي إلا ملتبسًا بمقدار معين تقتضيه الحكمة وتستدعيه المشيئة التابعة لها من بين المقدورات الغير المتناهية فإن تخيص كل شيء بصفة معينة وقدر معين ووقت محدود دون ما عدا ذلك مع استواء الكل في الأشكال وصحة تعلق القدرة به لابد له من حكمة تقتضي اختصاص كل من ذلك بما اختص به.
وهذا لبيان سر عدم تكون الأشياء على وجه الكثرة حسبما هو في الخزائن، وهو إما عطف على مقدر أي ننزله وما ننزله إلا بقدر إلى آخره أو حال مما سبق أي عندنا خزائن كل شيء والحال إنا ما ننزله إلا بقدر إلى آخره، فالأول: لبيان سعة القدرة، والثاني: لبيان بالغ الحكمة قاله مولانا شيخ الإسلام.
وقرأ الأعمش {وَمَا مُّجْرِمِينَ إِلا} إلى رخره، وهي على ما في البحر قراءة تفيسر لمخالفتها لسواد المصحف، والأولى في التفسير ما ذكرنا، وإنما عبر عن إيجاد ذلك وإنشائه بالتنزيل لما أنه بطريق التفضل من العالم العلوي إلى العالم السفلي وقيل: لما أن فيه إخراج الشيء مما تميل إليه ذاته من العدم إلى ما لا تميل إليه ذاته من الوجود، وهذا كما في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6]، وقوله سبحانه: {وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]، وكأن من حمل الشيء على المطر غره ظاهر التنزيل فارتكب خلاف ظاهره جدًا، وكأنه لما كان ذلك بطريق التدريج عبر عنه بالتنزيل، وجيء بصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار.
واستدل بعض القائلين بشيئية المعدوم على ذلك بهذه الآية، وقد بين وجهه والجواب عنه الإمام ونحن مع القائلين بالشيئية.
{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} عطف على {جَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} وما بينهما اعتراض لتحقيق ما سبق وترشيح ما لحق، واللواقح جمع لاقح بمعنى حامل يقال: ناقة لاقح أي حامل، ووصف الرياح بذلك على التشبيه البليغ، شبهت الريح التي بالسحاب الماطر بالناقة الحامل لأنها حاملة لذلك السحاب أو للماء الذي فيه، وقال الفراء: إنها جمع لاقح على النسب كلابن وتامر أي ذات لقاح وحمل، وذهب إليه الراغب، ويقال لضدها ريح عقيم، وقال أبو عبيدة: {لَوَاقِحَ} أي ملاقح جمع ملقحة كالطوائح في قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ** مختبط مما تطيح الطوائح

أي المطاوح جمع مطيحة، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه فيها لتحمل، والمراد ملقحات للسحاب أو الشجر فيكون قد استعير اللقح لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأول حقيقة وعلى الثاني مجاز إذ الملقى في الشجر، وإسناده إليها على الأول حقيقة وعلى الثاني مجاز إذ الملقى في الشجر السحاب لا الريح والرياح اللواقح هي ريح الجنوب كما رواه ابن أبي الدنيا عن قتادة مرفوعًا، وروى الديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة نحوه، وأخرج ابن جرير وغيره عن عبيد بن عمير قال: يبعث الله تعالى المبشرة فتقم الأرض قما ثم يبعث المثيرة السحاب فتجعله كسفًا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركامًا ثم يبعث اللواقح فتلقحه فيمطر.
وقرأ حمزة {وَأَرْسَلْنَا الريح} بالإفراد على تأويل الجنس فتكون في معنى الجمع فلذا صح جعل {لَوَاقِحَ} حالًا منها وذلك كقولهم: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، ولا تخالف هذه القراءة ما قالوه في حديث «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا». من أن الرياح تستعمل للخير والريح للشر لما قال الشهاب من أن ذلك ليس من الوضع وإنما هو من الاستعمال وهو أمر أغلبي لا كلي فقد استعملت الريح في الخير أيضًا نحو قوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} [يونس: 22]. أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأما كون المراد بالخير الدعاء بطول العمر ليرى رياحًا كثيرة فلا وجه له.
{فَأَنزَلْنَا مِنَ السماء} بعد ما أنشأنا بتلك الرياح سحابًا ماطرًا {مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} جعلناه لكم سقيا تسقون به مزارعكم ومواشيكم وهو على ما قيل أبلغ من سقيناكم لما فيه من الدلالة على جعل الماء معدًا لهم ينتفعون به متى شاؤا، وقد فرق بين اسقي وسقى غير واحد فقد قال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام أو من السماء أو من نهر جار اسقيته أي جعلت شربًا له وجعلت له منه مسقى فإذا كان للشفة قالوا سقى ولم يقولوا أسقى، وقال أبو علي: يقال سقيته حتى روى وأسقيته نهرًا جعلته شربًا له، وربما استعملوا سقى بلا همزة كأسقى كما في قول لبيد يصف سحابًا:
أقول وصوته مني بعيد ** يحط اللث من قلل الجبال

سقى قومي بني نجد وأسقى ** نميرًا والقبائل من هلال

فإنه لا يريد بسقي قومي ما يروى عطاشهم ولكن يريد رزقهم سقيًا لبلادهم يخصبون بها وبعيد أن يسأل لقومه ما يروى ولغيرهم ما يخصبون به، ولا يرد على قول الأزهري أنه لا يقال أسقى في سقيا الشفعة قول ذي الرمة:
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ** يكلمني أحجاره وملاعبه

قال الإمام: لأنه أراد بأسقيه أدعو له بالسقيا ولا يقال في ذلك كما قال أبو عبيد سوى أسقى، هذا وقد جاء الضمير هنا متصلًا بعد ضمير منصوب متصل أعرف منه ومذهب سيبويه في مثلك ذلك وجوب الاتصال.
{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} نفي سبحانه عنهم ما أثبته لجنابة بقوله جل جلاله: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر: 21]. قيل: نحن القادرون على إيجاده وخزنه في السحاب وإنزاله، وما أنتم على ذلك بقادرين، وقيل: المراد نفي حفظه أي وما أنتم له بحافظين في مجاريه عن أن يغور فلا تنتفعون به وعن سفيان أن المعنى وما أنتم له بمانعين لإنزاله من السماء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}
هذا اعتراض ناشىء عن قوله: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} [سورة الحجر: 19]. الآية.
وفي الكلام حذف الصفة كقوله تعالى: {يأخذ كل سفينة غصبًا} [سورة الكهف: 79]. أي سفينةٍ صالحةٍ. والخزائن تمثيل لصلوحية القدرة الإلهية لتكوين الأشياء النافعة.
شبهت هيئة إيجاد الأشياء النافعة بهيئة إخراج المخزونات من الخزائن على طريقة التمثيلية المَكنية، ورُمز إلى الهيئة المشبّه بها بما هو من لوازمها وهو الخزائن.
وتقدم عند قوله تعالى: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله} في [سورة الأنعام: 50].
وشمل ذلك الأشياء المتفرقة في العالم التي تصل إلى الناس بدوافع وأسباب تستتب في أحوال مخصوصة، أو بتركيب شيء مع شيء مثل نزول البَرد من السحاب وانفجار العيون من الأرض بقصد أو على وجه المصادفة.
وقوله: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} أطلق الإنزال على تمكين الناس من الأمور التي خلقها الله لنفعهم، قال تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} في [سورة البقرة 29]، إطلاقًا مجازيًا لأن ما خلقه الله لمّا كان من أثر أمر التكوين الإلهي شبّه تمكين الناس منه بإنزال شيء من علو باعتبار أنه من العالم اللدني، وهو علو معنوي، أو باعتبار أن تصاريف الأمور كائن في العوالم العلوية، وهذا كقوله تعالى: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [سورة الزمر 6]، وقوله تعالى: {يتنزل الأمر بينهن} في [سورة الطلاق: 12].
والقَدر بفتح الدال: التقدير.
وتقدم عند قوله تعالى: {فسالت أودية بقدرها} في [سورة الرعد: 17].
والمراد {بمعلوم} أنه معلوم تقديره عند الله تعالى.
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)}
انتقال من الاستدلال بظواهر السماء وظواهر الأرض إلى الاستدلال بظواهر كرة الهواء الواقعة بين السماء والأرض، وذلك للاستدلال بفعل الرياح والمنة بما فيها من الفوائد.
والإرسال: مجاز في نقل الشيء من مكان إلى مكان.
وهذا يدل على أن الرياح مستمرة الهبوب في الكرة الهوائية، وهي تظهر في مكان آتية إليه من مكان آخر وهكذا...
و{لواقح} حال من {الرياح}
وقع هذا الحال إدماجًا لإفادة معنيين كما سيأتي عن مالك رحمه الله.
و{لواقح} صالحٌ لأن يكون جمع لاَقح وهي الناقة الحبلى.
واستعمل هنا استعارة للريح المشتملة على الرطوبة التي تكون سببًا في نزول المطر، كما استعمل في ضدها العقيم ضد اللاقح في قوله تعالى: {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [سورة الذاريات: 41].
وصالح لأن يكون جمع مُلقح وهو الذي يجعل غيره لاقحًا، أي الفحل إذا ألقح الناقة، فإن فواعل يجيء جمعَ مُفعل مذكرٍ نادرًا كقول الحارث أو ضرار النهشلي:
لبيك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط مما تطيحُ الطوايح

روعي فيه جواز تأنيث المشبه به.
وهي جمع الفحول لأن جمع ما لا يعقل يجوز تأنيثه.
ومعنى الإلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطرًا على الأرض؛ وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تَنقُلَ إلى نَوْره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح. وهذا هو الإبّار. وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة. وبعضه يكتفي منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر.
ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العمليْن اللّذين تعملهما الرياح، وقد فُسرت الآية بهما. واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر.
وروى أبو بكر بن العربي عن مالك أنه قال: قال الله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح} فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ولا أريد ما ييبس في أكمامه ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذٍ لم يكن فسادًا لا خير فيه. ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت.
وفرع قوله: {فأنزلنا من السماء ماء} على قوله: {وأرسلنا الرياح}.
وقرأ حمزة {وأرسلنا الريح لواقح} بإفراد {الريح} وجمع {لواقح} على إرادة الجنس والجنس له عدة أفراد.
و{أسقيناكموه} بمعنى جعلناه لكم سقيًا، فالهمزة فيه للجعل. وكثر إطلاق أسقى بمعنى سقى.
واستعمل الخزن هنا في معنى الخزن في قوله آنفًا {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} [سورة الحجر: 21]. أي وما أنتم له بحافظين ومنشئين عندما تريدون. اهـ.