فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {ولقد جعلنا في السماء بروجًا} قال: كواكب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {ولقد جعلنا في السماء بروجًا} قال: الكواكب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله: {ولقد جعلنا في السماء بروجًا} قال: الكواكب العظام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية {ولقد جعلنا في السماء بروجًا} قال: قصورًا في السماء فيها الحرس.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وحفظناها من كل شيطان رجيم} قال: الرجيم، الملعون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إلا من استرق السمع} فأراد أن يخطف السمع كقوله: {إلا من خطف الخطفة} [الصافات: 10].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {إلا من استرق السمع} قال: هو كقوله: {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب مبين} قال: كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تَقْتُل، ولكن تحرُق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال جرير بن عبد الله حدثني يا رسول الله عن السماء الدنيا والأرض السفلى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما السماء الدنيا، فإن الله خلقها من دخان، ثم رفعها وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وزينها بمصابيح النجوم وجعلنا رجومًا للشياطين، وحفظها من كل شيطان رجيم».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {والأرض مددناها} قال: قال عز وجل في آية أخرى {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30]. قال: ذكر لنا أن أم القرى مكة، ومنها دحيت الأرض. قال قتادة رضي الله عنه، وكان الحسن يقول: أخذ طينة فقال لها انبسطي، وفي قوله: {وألقينا فيها رواسي} قال: رواسيها جبالها {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} يقول: معلوم مقسوم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأنبتنا فيها من كل شيء موزون} قال: معلوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {من كل شيء موزون} قال: مقدر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {من كل شيء موزون} قال: مقدر بقدر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله: {من كل شيء موزون} قال: الأشياء التي توزن.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {من كل شيء موزون} قال: ما أنبتت الجبال مثل الكحل وشبهه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ومن لستم له برازقين} قال: الدواب والأنعام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن منصور في قوله: {ومن لستم له برازقين} قال: الوحش.
وأخرج البزار وابن مردويه في العظمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خزائن الله الكلام، فإذا أراد شيئًا قال له كن فكان».
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} قال: المطر خاصّة.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} قال: المطر.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن الحكم بن عتيبة رضي الله عنه في قوله: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} قال: ما من عام بأكثر مطرًا من عام ولا أقل، ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون، وربما كان في البحر. قال: وبلغنا أنه ينزل مع القطر من الملائكة أكثر من عدد ولدِ إبليس وولد آدم، يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت ومن يرزق ذلك النبات.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر الأخرى، ثم قرأ {وما ننزله إلا بقدر معلوم}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث شاء، ثم قرأ {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس أحد بأكسب من أحد ولا عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث شاء».
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء من البلدان، وما نزلت قطرة من السماء ولا خرجت من ريح إلا بمكيال أو بميزان».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما نزل قطر إلا بميزان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن معاوية رضي الله عنه، أنه قال: ألستم تعلمون أن كتاب الله حق؟ قالوا: بلى. قال: فاقرؤوا هذه الآية {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} ألستم تؤمنون بهذا وتعلمون أنه حق؟ قالوا: بلى.! قال: فكيف تلومونني بعد هذا!؟ فقام الأحنف فقال: يا معاوية، والله ما نلومك على ما في خزائن الله؛ ولكن إنما نلومك على ما أنزله الله من خزائنه فجعلته أنت في خزائنك وأغلقت عليه بابك. فسكت معاوية.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب، وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه والديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ريح الجنوب من الجنة، وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كابه، وفيها منافع للناس، والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة فيصيبها نفحة منها، فبردها هذا من ذلك».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصّبا، وأهلكت عاد بالدبور، والجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء، فتلقح به السحاب فيدرّ كما تدر اللقحة ثم تمطر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء من السحاب، فتمر به السحاب فيدرّ كما تدر اللقحة.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: تلقح الشجر وتمري السحاب.
وأخرج أبو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن أبي رجاء رضي الله عنه قال: قلت للحسن رضي الله عنه {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: لواقح للشجر قلت: أو للسحاب؟ قال: وللسحاب، تمر به حتى تمطر.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: تلقح الماء في السحاب.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن الضحاك في قوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} قال: الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلئ ماء.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: الرياح اللواقح تخرج من تحت صخرة بيت المقدس.
وأخرج ابن حبان وابن السني في عمل يوم وليلة، والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه، عن سلمة بن الأكوع قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول: «اللهم لقحًا لا عقيمًا».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن عبيد بن عمير قال: يبعث الله المبشرة، فتعم الأرض بماء، ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب فيجعله كسفًا، ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتلقحه فتمطر.
وأخرج ابن المنذر عن عبيد بن عمير قال: الأرواح أربعة: ريح تعم وريح تثير تجعله كسفًا، وريح تجعله ركامًا وريح تمطر.
وأخرج أبو الشيخ عن إبراهيم في قوله: {لواقح} قال: تلقح السحاب، تجمعه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان في قوله: {وما أنتم له بخازنين} قال: بمانعين، وفي قوله: {ونحن الوارثون} قال: الوارث، الباقي. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
قوله تعالى: {جَعَلْنَا}: يجوز أن يكونَ بمعنى خَلَقْنا، فيتعلَّقَ به الجارُّ، وأن يكونَ بمعنى صَيَّرنا، فيكون مفعولُه الأول {بُروجًا}، ومفعولُه الثاني الجارَّ، فيتعلَّقُ بمحذوف.
و{للناظرين} متعلّق بـ {زيَّنَاها}، والضميرُ للسماء، وقيل: للبروجِ، وهي الكواكبُ، زَيَّنها بالضوء، والنظر عينيٌّ، وقيل: قلبيٌّ، وحُذِف متعلِّقُه لِيَعُمَّ.
قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ استرق}: فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: في محلِّ نصب على الاستثناءِ المتصلِ، والمعنى: فإنها لم تُحْفَظْ منه، قاله غيرُ واحدٍ، والثاني: منقطع، ومحلُّه النصبُ أيضًا. الثالث: أنه بدلٌ مِنْ {كُلِّ شَيْطَانٍ} فيكون محلُّه الجرَّ، قاله الحوفي وأبو البقاء، وفيه نظر؛ لأن الكلامَ موجَبٌ. الرابع: أنه نعتٌ لـ: {كُلِّ شَيْطَانٍ}، فيكونُ محلُّه الجرَّ على خلافٍ في هذه المسألة. الخامس: أنه في محلِّ رفعٍ بالابتداء، وخبرُه الجملةُ مِنْ قوله: {فأَتْبعه}، وإنما دَخَلَتِ الفاءُ لأنَّ {مَنْ}: إمَّا شرطيةٌ، وإمَّا موصولةٌ مُشَبَّهَةٌ بالشرطية، قاله أبو البقاء، وحينئذ يكونُ من بابِ الاستثناء المنقطع.
والشِّهاب: الشُّعْلَةُ من النار، وسُمِّي بها الكوكبُ لِشِدَّة ضوئِه وبَرِيْقِهِ، ويُجمع على شُهُب في الكثرة، وأَشْهِبَة، والشُّهْبَةُ: بياضٌ مختلِط بسوادٍ تشبيهًا بالشهاب لاختلاطِه بالدخان، ومنه كتيبةٌ شَهْباءُ لسوادِ القوم وبياضِ الحديد، ومِنْ ثَمَّ غَلِط الناسُ في إطلاقهم الشُّهْبَةَ على البياضِ الخالِص.
قوله تعالى: {والأرض مَدَدْنَاهَا}: {الأرض} نصبٌ على الاشتغالِ، ولم يُقرأ بغيرِه؛ لأنه راجحٌ مِنْ حيث العطفُ على جملةٍ فعليةٍ قبلها، وهي قوله: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجًا} [الحجر: 16].
قال الشيخ: ولمَّا كانَتْ هذه الجملةُ بعدها جملةً فعليةً كان النصبُ ارجحَ مِنَ الرفع. قلت: لم يَعُدُّوا هذا من القرائن المرجَّحة للنصب، إنما عَدُّوا عطفَها على جملةٍ فعليةٍ قبلَها لا عطفَ جملةٍ فعليةٍ عليها، ولكنه القياسُ، إذ تُعْطَفُ فيه فعليةٌ على مثلِها بخلافِ ما لو رَفَعْتَ، إذ تَعْطِفُ فعليةً على اسميةٍ، لكنهم لم يعتبروا ذلك والضميرُ في {فيها} للأرض، وقيل: للرواسي، وقيل: لهما.
قوله: {مِن كُلِّ شَيْءٍ} يجوز في {مَنْ} أن تكونَ تبعيضيةً وهو الصحيحُ، وأن تكونَ مزيدةً عند الكوفيين والأخفش.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)}
قوله تعالى: {وَمَن لَّسْتُمْ}: يجوز في {مَنْ} خمسةُ أوجهٍ، أحدُها:- وهو قول الزجاج- أنه منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ تقديرُه: وأَعَشْنا مَنْ لستم لهم برازقين، كالعبيد والدوابِّ والوحوشِ. الثاني: أنه منصوبٌ عطفًا على {معايش}، أي: وجعلنا لكم فيها مَنْ لستم له برازقين من الدوابِّ المنتفعِ بها. الثالث: أنه منصوبٌ عطفًا على محلِّ لكم. الرابع: أنه مجرورٌ عطفًا على كم المجرورِ باللام، وجاز ذلك مِنْ غيرِ إعادةِ الجارِّ على رأيِ الكوفيين وبعضِ البصريين، وقد تقدَّم تحقيقُه في سورة البقرة، عند قوله: {وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد} [البقرة: 217]. الخامس: أنه مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه محذوفٌ. أي: ومَنْ لستم له برازقين جَعَلْنا له فيها معايشَ، وسُمِع من العرب ضربْتُ زيدًا وعمروٌ برفع عمرٌو مبتدأً، محذوفَ الخبر، أي: وعمرٌو ضربْتُه.
و{مَنْ} يجوز أن يُرادَ بها العقلاءُ، أي: ومَنْ لستُمْ له برازقين مِنْ مواليكم الذين تزعمون أنَّكم ترزقونه من وأن يُرادَ بها غيرُهم، أي: ومَنْ لَسْتُمْ له برازقين من الدوابِّ، وإن كنتم تزعمون أنكم ترزقونهم، وإليه ذهب جماعةٌ من المفسِّرين، ويجوز أن يُراد بها النوعان، وهو حَسَنٌ لفظًا ومعنى.
قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ}: {إنْ} نافيةٌ، و{مِنْ} مزيدةٌ في المبتدأ، و{عندنا} خبرُه، و{خزائنُه} فاعلٌ به لاعتماده، ويجوز أن يكونَ {عندنا} خبرًا لما بعده، والجملةُ خبرُ الأولِ، والأولُ أَوْلى لقُرْب الجارِّ من المفرد.
قوله: {إِلاَّ بِقَدَرٍ} يجوزُ أن يتعلَّق بالفعلِ قبلَه، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من المفعولِ، أي: إلاَّ ملتبسًا بقَدرٍ.
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22)}
قوله تعالى: {لَوَاقِحَ} حالٌ مقدرةٌ من {الرياح}، وفي اللواقح أقوال، أحدها: أنه جمع مُلْقِح لأنه مِنْ أَلْقَحَ يُلْقِحُ فهو مُلْقِحٌ، فحقُّه مَلاقِح، فَحُذِفَتِ الميمُ تخفيفًا. يقال: أَلْقَحتِ الريحُ السحابَ، كما يقالُ: ألقح الفحلُ الأنثى، ومثله الطوائح، وأصلُه المَطاوِح لأنه مِنْ أطاح يُطيح قال:
لِيُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومةٍ ** ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطيح الطَّوائِحُ

وهذا قول أبي عبيدة.
والثاني: أنها جمع لاقِح يُقال: لَقِحَتِ الريحُ: إذا حَمَلَتِ الماءَ، وقال الأزهري: حوامِلُ تحملُ السَّحابَ كقولك: أَلْقَحَتِ الناقةُ فَلَحِقَتْ، إذا حَمَلَتِ الجنينَ في بطنِها، فشُبِّهَتْ الريحُ بها، ومنه قوله:
إذا لَقِحَتْ حربٌ عَوانٌ مُضِرَّةٌ ** ضَروسٌ تَهِرُّ الناسَ أنيابُها عُصْلُ

والثالث: أنها جمعُ لاقِح على النَسب كـ: لابنِ وتامرِ، أي: ذاتُ لِقاح؛ لأنَّ الريحَ إذا مَرَّتْ على الماء، ثم مَرَّتْ على السحابِ والماءِ كان فيها لِقاحٌ، قاله الفراء، وقد تقدَّم الخلافُ في {معايش} في الأعراف، وفي {يُنَزِّل}، وفي {الريح} في البقرة، ولم يَبْقَ هنا إلا مَنْ أفردَ {الريح}، فإنه يُقال: كيف نصبَ الحالَ مجموعةً عن مفردٍ؟ وقد تقدم أن المرادَ به الجنسُ وهو جمعٌ في المعنى فلا محذورَ.
قوله: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} يقال: أَسْقاه وسَقاه وسيأتي بيانُهما في السورة بعدها فإنه قُرِئ بهما، واتصل الضميران هنا لاختلافِهما رتبةً، ولو فُصِل ثانيهما لجاز عند غير سيبويه، وهذا كما تقدَّم في قوله: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} [هود: 28].
قوله: {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} جملةٌ مستأنفة و{له} متعلّق بـ {خازنين}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيات السابقة:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
بروجًا أي نجومًا هي لها زينة، ثم تلك النجوم للشياطين رجوم.
{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18)}
إذا رام الشياطينُ أن يسترقوا السمع كانت النجومُ لها رجومًا.
كذلك للقلوب نجومٌ وهي المعارف وهي في الوقت ذاته رجوم على الشياطين؛ فلو دنا إبليسُ وجنودُه من قلب ولِّي من الأولياء أحرقَتْه بل محقَّتْه نجومُ عقلِه وأقمارُ علمِه وشموسُ توحيده.
وكما أنَّ نجومَ السماءِ زينةٌ للناظرين إذا لاحظوها فقلوبُ العارفين إذا نظر إليها ملائكة السماءِ لهي زينة.
قوله جلّ ذكره: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ}.
النفوس أرض عبادة العابدين، وقلوبُ العارفين أرض المعرفة وأرواح المشتاقين أرض المحبة، والخوف، والرجاء لها رواسٍ، وكذلك الرغبة والرهبة.
ويقال من الرواسي التي أثبتها في الأرض الأولياءُ فَبِهِمْ يثبت الناس إذا وَقَعَ بهم الفزعُ ومن الرواسي العلماءُ الذين بهم قِوَامُ الشريعة؛ فعلماءُ الأصول هم قِوامُ أصلِ الدِّين، والفقهاء بهم نظامُ الشرع، قال بعضهم:
واحسرتا من فراق قوم ** هم المصابيحُ والأمنُ والمُزْنُ

قوله جلّ ذكره: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شيء مَّوْزُونٍ}.
كما أنبت فنونًا من النبات دَات أنوار أنبت في القلوب صنوفًا في الأنوار، منها نور اليقين ونور العرفان، ونور الحضور ونور الشهود، ونور التوحيد.. إلى غير ذلك من الأنوار.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)}
سببُ عيشِ كلِّ مختلفٌ؛ فعْيْشُ المريدين من إقباله، وعيش العارفين التجمل بأفضاله.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)}
خزائنه في الحقيقة مقدوراته، وهو- سبحانه- قادر على كل ما هو مرسوم بالحدوث.
ويقال خزائنه في الأرض قلوبُ العارفين بالله، وفي الخزانة جواهر في كل صنف؛ فحقائقُ العقل جواهر وضعها في قلوب قوم، ولطائف العلم جواهر بدائع المعرفة، وأسرار العارفين مواضع سِرِّه، والنفوس خزائن توفيقه، والقلوب خزائن تحقيقه، واللسان خزانةُ ذِكْرِه.
ويقال من عرف أن خزائن الأشياء عند الله تقاصرت خُطَاه عن التردد على منازل الناس في طَلَبِ الإرفاق منهم، وسعى في الآفاق في طلب الأرازق منها، قاطعًا أَمَلَه عن الخَلْق، مُفرِدًا قلبَه لله متجرِّدًا عن التعلُّق بغير الله.
قوله: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}: عَرَفَ القِسْمَة منْ استراح عن كدِّ الطلب؛ فإِنَّ المعلومَ لا يتغير، والمقسوم لا يزيد ولا ينقص، وإذا لم يَجِبْ عليه شيءٌ لأحد فبقدرته على إجابة العبد إلى طلبته لا يتوجب عليه شيء.
ويقال أراح قلوب الفقراء مِنْ تَحمُّل المِنَّةِ من الأغنياء مما يعطونهم، وأراح الأغنياء من مطالبة الفقراء منهم شيئًا، فليس للفقير صَرْفُ القلب عن الله سبحانه إلى مخلوق واعتقادُ مِنَّةٍ لأحد، إذ المُلْكُ كله لله، والأمر بيد الله، ولا قادر على الإبداع إلا الله.
قوله جلّ ذكره: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}.
كما أن الرياحَ في الآفاق مُقَدِّمَاتُ المطر كذلك الآمال في القلوب، وما يقرب العبد مما يتوارد على قلبه من مبشرات الخواطر، ونسيم النجاة في الطلب يحصل، فيستروح القلب إليه قبل حصول المأمول من الكفاية واللطف.
قوله جلّ ذكره: {فَأَسْقَيْنَاكُمُوُهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
أسفاه إذا جعل له السُّقيا؛ كذلك يجعل الحق- سبحانه- لأوليائه ألطافًا معلومة في أوقات محدودة! كما قال في وصف أهل الجنة: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةَ وعَشِيًّا} [مريم: 62].
كذلك يجعل من شراب القلوب لِكُلِّ وردًا معلومًا، ثم قضايا ذلك تختلف: فمِنْ شراب يُسْكِر، ومن شراب يُحْضِر، ومن شراب يزيل الإحساس، كما قيل:
فصحوك من لفظي هو الصحو كله ** وسُكْرُكَ من لحظي يبيح لك الشُّرْبا

ويقال إذا هبَّت رياح التوحيد على الأسرار كنست آثار البشرية، فلا للأغيار فيها أثر، ولا عن الخلائق لهم خبر.
ويقال إذا هبَّت رياح القرب على قلوب العارفين عَطَّرَتْها بنفخات الأنس، فيَسْقَوْن في نسيمها على الدوام، وفي معناه أنشدوا:
وهبَّتْ شمال آخر الليل قَرَّةٌ ** ولا ثوبَ إلا بُرْدَةَ ورائيا

وما زال بُردِي لينا من ردائها ** إلى الحوْلِ حتى أصبح البُرْدُ باليا

ويقال إذا هبَّت رياح العناية على أحوال عبد عادت مَسَاوِيه مناقِبَه ومثالبُه محاسنه. اهـ.