فصل: قال الشوكانى في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونعلم أن من إعجازات الأذان أنه جعل النداء باسم الله أكبر؛ ولم يَقُلْ: الله كبير؛ وذلك احترامًا لما يشغلنا في الدنيا من موضوعات قد نراها كبيرة؛ ذلك أن الدنيا لا يجب أن تُهَان؛ لأنها المَعْبر إلى الجزاء القادم في الآخرة.
ولذلك أقول دائمًا: إن الدنيا أهم من أن تُنسَى؛ وفي نفس الوقت هي أتفه من أنْ تكون غاية، فأنت في الدنيا تضرب في الأرض وتسعى لِقُوتِك وقُوتِ مَنْ تعول؛ وليُعينك هذا القوتُ على العبادة.
لذلك فلا يحتقر أحد الدنيا؛ بل ليشكر الله ويدعوه أنْ يوُفّقه فيها، وأن يبذلَ كل جَهْد في سبيل نجاحه في عمله؛ فالعمل الطيب ينال عليه العبدُ حُسْن الجزاء؛ وفَوْر أن يسمعَ المؤمن الله أكبر؛ فعليه أن يتجهَ إلى مَنْ هو أكبر فعلًا، وهو الحق سبحانه، وأن يؤدي الصلاة. هذا هو المعنى المُستقى من المستقدِم للصلاة والمُسْتأخِر عنها.
وهناك من العلماء مَنْ رأى ملاحظَ شتَّى في الآية الكريمة فمعناها قد يكون عامًا يشمل الزمن كله؛ وقد تكون بمعنى خاص كمعنى المستقدم للصلاة والمستأخِر عنها.
وقد يكون المعنى أشدَّ خصوصية من ذلك؛ فنحن حين نُصلّي نقف صفوفًا، ويقف الرجال أولًا؛ ثم الأطفال؛ ثم النساء؛ ومن الرجال مَنْ يتقدّم الصفوف كَيْلا تقع عيونه على امرأة؛ ومنهم مَنْ قد يتحايل ويقف في الصفوف الأخيرة ليرى النساء؛ فأوضح الحق سبحانه أن مثل هذه الأمور لا تفوت عليه، فهو العالم بالأسرار وأخفى منها.
أو: أن يكون المعنى هو المُستقدمين إلى الجهاد في سبيل الله أو المتأخرين عن الجهاد في سبيله، ومَنْ يموت حَتْف أنفه أي: على فراشه لا دَخْلَ له بهذه المسألة.
أما إنْ دعا داعي الجهاد، ويُقدِّم نفسه للحرب ويُقاتل وينال الشهادة، فالحق سبحانه وتعالى يعلم مَنْ تقدّم إلى لقائه محبةً وجهادًا لِرفعة شأن الدين.
وقد يكون في ظاهر الأمر وفي عيون غيره مِمَّنْ يكرهون الحياة؛ ولكنه في حقيقة الأمر مُحِبّ للحياة بأكثر مِمَّنْ يدّعون حُبّها؛ لأنه امتلك اليقين الإيماني بأن خالقَ الدنيا يستحق أن ينالَ الجهاد في سبيل القِيم التي أرادها منهاجًا ينعدل به ميزان الكون؛ وإن استشهد فقد وعده سبحانه الخُلْد في الجنة ونعيمها.
ونجد أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْعُ لي يا رسول الله أن أستشهد؛ فيردّ عليه النبي الكريم: «متعنا بنفسك يا أبا بكر».
وعلى ذلك لا يكون المستأخر هنا محلَّ لَوْم؛ لأن الإيمان يحتاج لِمَنْ يصونه ويُثبّته؛ كما يحتاج إلى مَنْ يؤكد أن الإيمان بالله أعزُّ من الحياة نفسها؛ وهو المُتقدّم للقتال، وينال الشهادةَ في سبيل الله.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}
أي: أن المُتولّي تربيتك يا محمد لن يترك مَنْ خاصموك وعاندوك، وأهانوك وآذوْكَ دون عقاب.
وكلمة: {يَحْشُرُهُمْ} [الحجر: 25].
تكفي كدليل على أن الله يقفُ لهم بالمرصاد، فهم قد أنكروا البعث؛ ولم يجرؤ أحدهم أن يُنكِر الموت، وإذا كان الحق سبحانه قد سبق وعبَّر عن البعث بقوله الحق: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15-16].
فهم كانوا قد غفلوا عن الإعداد لِمَا بعد الموت، وكأنهم يشكُّون في أنه قادم، وجاء لهم بخبر الموت كأمر حتميّ، وسبقتْه هو لتؤكد أنه سوف يحدث، فالحشر منسوب لله سبحانه، وهو قادر عليه، كما قدر على الإحياء من عدم، فلا وَجْهَ للشك أو الإنكار.
ثم جاء لهم بخبر البعث الذي يشكُّون فيه؛ وهو أمر سبق وأنْ ساق عليه سبحانه الأدلة الواضحة.
ولذلك جاء بالخبر المصحوب بضمير الفصل: {يَحْشُرُهُمْ} [الحجر: 25].
وسبحانه يُجرِي الأمور كلها بحكمة واقتدار، فهو العليم بما تتطلبه الحكمة عِلْمًا يحيط بكل الزوايا والجهات. اهـ.

.قال الشوكانى في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
لما ذكر سبحانه كفر الكافرين وعجزهم وعجز أصنامهم، ذكر قدرته الباهرة وخلقه البديع ليستدل بذلك على وحدانيته، فقال: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا} الجعل إن كان بمعنى الخلق، ففي السماء متعلق به، وإن كان بمعنى التصيير، ففي السماء خبره، والبروج في اللغة: القصور والمنازل، والمراد بها هنا: منازل الشمس والقمر والنجوم السيارة، وهي: الاثنا عشر المشهورة كما تدل على ذلك التجربة، والعرب تعدّ المعرفة بمواقع النجوم ومنازلها من أجل العلوم.
ويستدلون بها على الطرقات والأوقات والخصب والجدب.
وقالوا: الفلك إثنا عشر برجًا، وأسماء هذه البروج: الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، السنبلة، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت.
كل ثلاثة منها على طبيعة عنصر من العناصر الأربعة المشتغلين بهذا العلم، ويسمون الحمل والأسد والقوس: مثلثة نارية، والثور والسنبلة والجدي: مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو: مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت: مثلثة مائية.
وأصل البروج: الظهور، ومنه: تبرج المرأة: بإظهار زينتها.
وقال الحسن وقتادة: البروج: النجوم، وسميت بذلك، لظهورها وارتفاعها.
وقيل: السبعة السيارة منها، قاله أبو صالح.
وقيل: هي قصور وبيوت في السماء فيها حرس.
والضمير في {وزيناها} راجع إلى السماء، أي: وزينا السماء بالشمس والقمر والنجوم والبروج للناظرين إليها، أو للمتفكرين المعتبرين، المستدلين إذا كان من النظر، وهو الاستدلال.
{وحفظناها} أي: السماء {مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} قال أبو عبيدة: الرجيم: المرجوم بالنجوم، كما في قوله: {رُجُومًا للشياطين} [الملك: 5]، والرجم في اللغة: هو الرمي بالحجارة، ثم قيل: للعن والطرد والإبعاد: رجم. لأن الرامي بالحجارة يوجب هذه المعاني.
{إِلاَّ مَنِ استرق السمع} استثناء متصل، أي: إلاّ ممن استرق السمع، ويجوز أن يكون منقطعًا، أي: ولكن من استرق السمع {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} والمعنى: حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئًا من الوحي وغيره إلاّ من استرق السمع، فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله، ومعنى {فأتبعه}: تبعه ولحقه أو أدركه.
والشهاب: الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما في قوله: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النمل: 7]. قال ذو الرمة:
كأنه كوكب في إثر عفريت

وسمي الكوكب شهابًا، لبريقه شبه النار، والمبين: الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم.
قال القرطبي: واختلف في الشهاب، هل يقتل أم لا؟ فقال ابن عباس: الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل، وقال الحسن وطائفة: يقتل، فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجنّ قولان: أحدهما: أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، ولذلك انقطعت الكهانة.
والثاني: أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجنّ.
قال ذكره الماوردي، ثم قال: والقول الأوّل أصح.
قال: واختلف هل كان رمي بالشهب قبل المبعث؟ فقال الأكثرون: نعم، وقيل: لا، وإنما ذلك بعد المبعث، قال الزجاج: والرمي بالشهب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم مما حدث بعد مولده؛ لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم.
قال كثير من أهل العلم: نحن نرى انقضاض الكواكب، فيجوز أن يكون ذلك كما نرى.
ثم يصير نارًا إذا أدرك الشيطان.
ويجوز أن يقال: يرمون بشعلة من نار الهواء فيخيل إليناء أنه نجم يسري.
{والأرض مددناها} أي: بسطناها وفرشناها، كما في قوله: {والارض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} [النازعات: 30]، وفي قوله: {والأرض فرشناها فَنِعْمَ الماهدون} [الذاريات: 48]، وفيه ردّ على من زعم أنها كالكرة.
{وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} أي: جبال ثابتة، لئلا تحرك بأهلها، وقد تقدم بيان ذلك في سورة الرعد.
{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} أي: أنبتنا في الأرض من كل شيء مقدّر معلوم، فعبر عن ذلك بالوزن؛ لأنه مقدار تعرف به الأشياء، ومنه قول الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه

وقيل: معنى {موزون} مقسوم.
وقيل: معدود.
والمقصود من الإثبات الإنشاء والإيجاد؛ وقيل: الضمير راجع إلى الجبال أي: أنبتنا في الجبال من كل شيء موزون من الذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحو ذلك.
وقيل: موزون بميزان الحكمة، ومقدّر بقدر الحاجة.
وقيل: الموزون: هو المحكوم بحسنه، كما يقال: كلام موزون، أي: حسن: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} تعيشون بها من المطاعم والمشارب جمع معيشة.
وقيل: هي الملابس.
وقيل: هي التصرف في أسباب الرزق مدّة الحياة.
قال الماوردي: وهو الظاهر.
قلت: بل القول الأوّل أظهر، ومنه قول جرير:
تكلفني معيشة آل زيد ** ومن لي بالمرقق والضباب

{وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} معطوف على معايش، أي: وجعلنا لكم فيها من لستم له برازقين، وهم المماليك والخدم والأولاد الذين رازقهم في الحقيقة هو الله، وإن ظنّ بعض العباد أنه الرازق لهم باعتبار استقلاله بالكسب، ويجوز أن يكون معطوفًا على محل {لكم} أي: جعلنا لكم فيها معايش، وجعلنا لمن لستم له برازقين فيها معايش، وهم من تقدّم ذكره، ويدخل في ذلك الدواب على اختلاف أجناسها، ولا يجوز العطف على الضمير المجرور في {لكم} لأنه لا يجوز عند الأكثر إلاّ بإعادة الجارّ.
وقيل: أراد الوحش.
{وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} {إن} هي النافية و{من} مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من، ومع لفظ {شيء} المتناول لكل الموجودات الصادقة على كل فرد منها.
فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء، والخزائن جمع خزانة: وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور؛ والمعنى: أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجوب بمقدار كيف شاء.
وقال جمهور المفسرين: إن المراد بما في هذه الآية هو المطر، لأنه سبب الأرزاق والمعايش؛ وقيل: الخزائن المفاتيح أي: ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه، والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود، بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف في ذلك {وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي ما ننزله من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلاّ بقدر معلوم.
والقدر: المقدار؛ والمعنى: أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئًا من تلك الأشياء المذكورة إلاّ متلبسًا ذلك الإيجاد بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه: {وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في الأرض ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء} [الشورى: 27].
وقد فسر الإنزال بالإعطاء، وفسر بالإنشاء، وفسر بالإيجاد، والمعنى متقارب، وجملة وما {ننزله} معطوفة على مقدّر، أي: وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه ننزله وما ننزله، أو في محل نصب على الحال.
{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} معطوف على {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} وما بينهما اعتراض.
قرأ حمزة {الريح} بالتوحيد.
وقرأ من عداه {الرياح} بالجمع.
وعلى قراءة حمزة فتكون اللام في الريح للجنس.
قال الأزهري: وجعل الرياح لواقح لأنها تحمل السحاب: أي تقله وتصرفه، ثم تمرّ به فتنزله.
قال الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57]. أي: حملت.
وناقة لاقح: إذا حملت الجنين في بطنها.
وبه قال الفراء وابن قتيبة.
وقيل: {لواقح} بمعنى: ملقحة.
قال ابن الأنباري: تقول العرب: أبقل النبت فهو باقل أي: مبقل.
والمعنى: أنها تلقح الشجر أي: بقوّتها.
وقيل: معنى {لواقح} ذوات لقح.
قال الزجاج: معناه وذات لقحة، لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدرّ اللقحة.
يقال: رامح أي: ذو رمح، ولابن أي: ذو لبن، وتامر أي: ذو تمر.
قال أبو عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح، ذهب إلى أنها جمع ملقحة.
وفي هذه الآية تشبيه الرياح التي تحمل الماء بالحامل، ولقاح الشجر بلقاح الحمل.
{فأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء} أي: من الحساب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء، وقيل: من جهة السماء، والمراد بالماء هنا ماء المطر {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أي: جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم.
قال أبو عليّ: يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروي؛ وأسقيته نهرًا أي: جعلته شربًا له، وعلى هذا {فأسقيناكموه} أبلغ من سقيناكموه.
وقيل: سقى وأسقى بمعنى واحد {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} أي ليست خزائنه عندكم، بل خزائنه عندنا، ونحن الخازنون له، فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه في قوله: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} وقيل المعنى: إن ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم: أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدران والعيون، بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه.
{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} أي نوجد الحياة في المخلوقات ونسلبها عنها متى شئنا، والغرض من ذلك الاستدلال بهذه الأمور على كمال قدرته- عزّ وجلّ- وأنه القادر على البعث والنشور والجزاء لعباده على حسب ما يستحقونه وتقتضيه مشيئته.
ولهذا قال: {وَنَحْنُ الوارثون} أي للأرض ومن عليها، لأنه سحبانه الباقي بعد فناء خلقه، الحيّ الذي لا يموت، الدائم الذي لا ينقطع وجوده.
{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض} [آل عمران: 180].
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ} هذه اللام هي الموطئة للقسم، وهكذا اللام في: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين}، والمراد: من تقدّم ولادة وموتًا، ومن تأخر فيهما.
وقيل: من تقدّم طاعة ومن تأخر فيها.
وقيل: من تقدّم في صف القتال ومن تأخر.
وقيل المراد بالمستقدمين: الأموات، وبالمستأخرين: الأحياء.
وقيل المستقدمين: هم الأمم المتقدّمون على أمة محمد، والمستأخرون: هم أمة محمد.
وقيل: المستقدمون: من قتل في الجهاد، والمستأخرون: من لم يقتل.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي هو المتولى لذلك، القادر عليه دون غيره، كما يفيده ضمير الفصل من الحصر.
وفيه أنه سبحانه يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لأنه الأمر المقصود من الحشر {إِنَّهُ حَكِيمٌ} يجري الأمور على ما تقتضيه حكمته البالغة {عَلِيمٌ} أحاط علمه بجميع الأشياء، لا يخفى عليه شيء منها، ومن كان كذلك فله القدرة البالغة على كل شيء مما وسعه علمه، وجرى فيه حكمه سبحانه لا إله إلا هو.