فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا} قال: كواكب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صالح قال: الكواكب العظام.
وأخرج أيضًا عن عطية قال: قصورًا في السماء فيها الحرس.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال الرحيم: الملعون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَنِ استرق السمع} أراد أن يخطف السمع كقوله: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} [الصافات: 10].
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: كان ابن عباس يقول: إن الشهب لا تقتل، ولكن تحرق وتخبل وتجرح من غير أن تقتل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله: {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} قال: معلوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} قال: بقدر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الأشياء التي توزن.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ما أنبتت الجبال مثل الكحل وشبهه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} قال: الدوابّ والأنعام.
وأخرج هؤلاء عن منصور، قال: الوحش.
وأخرج البزار، وابن مردويه، وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خزائن الله الكلام، فإذا أراد شيئًا، قال له: كن فكان» وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} قال: المطر خاصة.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما نقص المطر منذ أنزله الله، ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى.
ثم قرأ: {وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه حيث يشاء، ثم قرأ {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.
وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعًا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني عن ابن مسعود في قوله: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} قال: يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فتدرّ كما تدرّ اللقحة ثم تمطر.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عبيد بن عمير قال: يبعث الله المبشرة فتقمّ الأرض قمًا، ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفًا ثم يبعث المؤلفة فتؤلف بينه فيجعله ركامًا، ثم يبعث اللواقح فتلقحه فتمطر.
وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه، والديلمي بسندٍ ضعيف عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ريح الجنوب من الجنة، وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كتابه» وأخرج الطيالسي، وسعيد ابن منصور، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن خزيمة، وابن حبان، والطبراني، والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن النساء، فكان بعض القوم يتقدّم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين}».
وهذا الحديث هو من رواية أبي الجوزاء عن ابن عباس.
وقد رواه عبد الرزاق، وابن المنذر من قول أبي الجوزاء قال الترمذي: وهذا أشبه أن يكون أصح.
وقال ابن كثير: في هذا الحديث نكارة شديدة.
وأخرج الحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: المستقدمين: الصفوف المقدّمة، والمستأخرين: الصفوف المؤخرة.
وقد وردت أحاديث كثيرة في أن خير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها.
وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أوّلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء ومقاتل بن حبان أن الآية في صفوف القتال.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن قال: المستقدمين: في طاعة الله، والمستأخرين في معصية الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: يعني بالمستقدمين: من مات، وبالمستأخرين: من هو حيّ لم يمت.
وأخرج هؤلاء عنه أيضًا قال: المستقدمين: آدم ومن مضى من ذريته، والمستأخرين: في أصلاب الرجال.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة نحوه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}
أخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر واب أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر، عن أبي الوزاء في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم} قال: في الصفوف في الصلاة. قال الترمذي: هذا أشبه أن يكون أصح.
وأخرج ابن مردويه والحاكم عن ابن عباس في الآية قال: {المستقدمين} الصفوف المتقدمة {والمستأخرين} الصفوف المؤخرة.
وأخرج ابن جرير عن مروان بن الحكم قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء، فأنزل الله {ولقد علمنا المستقدمين منكم} الآية.
وأخرج ابن مردويه عن داود بن صالح قال: قال سهل بن حنيف الأنصاري: أتدرون فيم أنزلت {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين}؟ قلت: في سبيل الله. قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أوّلها، وشر صفوف الرجال آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشر صفوف النساء أوّلها».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة وأبو يعلى، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال مقدمها، وشرها مؤخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها مقدمها».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصف الأول لعلى مثل صف الملائكة، ولو تعلمون لابْتَدرْتموه».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول» وفي لفظ «على الصفوف الأول»، وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف المقدم رقة فقال:
«إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول» فازدحم الناس عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: كان يقال: إن الله وملائكته يصلون على الذين في الصفوف المتقدمة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن مسعود القرشي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الصف الأول، ما صفوا فيه إلا بقرعة».
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن ماجة، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الصف المقدم ثلاثًا، وعلى الثاني واحدة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم} الآية. قال: في صفوف الصلاة والقتال.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معتمر بن سليمان، عن شعيب بن عبد الملك، عن مقاتل بن سليمان رضي الله عنه في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم} الآية. قال: بلغنا أنه في القتال. قال معتمر: فحدثت أبي فقال: لقد نزلت هذه الآية قبل أن يفرض القتال.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} قال: المتقدمون في طاعة الله، والمستأخرون في معصية الله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الحسن رضي الله عنه في الآية قال: المتقدمين في الخير من الأمم، والمستأخرين، المبطئين فيه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} قال: يعني بالمستقدمين، من مات، وبالمستأخرين، من هو حي لم يمت.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: {المستقدمين} آدم عليه السلام ومن مضى من ذريته، و{المستأخرين} من في أصلاب الرجال.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: {المستقدمين} آدم ومن معه. حين نزلت هذه الآية و{المستأخرين} من كان ذرية الخلق بعد وهو مخلوق كل أولئك قد علمهم عز وجل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عون بن عبد الله رضي الله عنه، أنه سأل محمد بن كعب رضي الله عنه عن هذه الآية: أهي في صفوف الصلاة؟ قال: لا {المستقدمين} الميت والمقتول و{المستأخرين} من يلحق بهم من بعد.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن عكرمة رضي الله عنه ومجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} قالا: من مات ومن بقي.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: قدّم خلقًا وأخر خلقًا، فعلم ما قدم وعلم ما أخر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: المستقدمون، ما مضى من الأمم، والمستأخرون، أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإن ربك هو يحشرهم} قال: الأوّل والآخر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وإن ربك هو يحشرهم} قال: يحشر المستقدمين والمستأخرين.
وأخرج ابن جرير عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {وإن ربك هو يحشرهم} قال: يجمعهم يوم القيامة جميعًا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}
قوله تعالى: {لَنَحْنُ} نحن يجوز أن يكونَ مبتدأً، و{نُحْيِيْ} خبرُه، والجملةُ خبرُ {إنَّا}، ويجوز أن يكونَ تأكيدًا لـ: ن في {إنَّا}، ولا يجوز أن يكونَ فَصْلًا لأنه لم يَقَعْ بين اسمين، وقد تقدَّم نظيرُه، وقال أبو البقاء: لا يكون فَصْلًا لوجهين، أحدهما: أنَّ بعده فعلًا، والثاني: أنَّ معه اللامَ. قلت: الوجهُ الثاني غَلَطَ فإنَّ/ لامَ التوكيد لا يمتنع دخولُها على الفَصلِ، نصَّ النحاةُ على ذلك، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص} [آل عمران: 62]. جَوَّزوا فيه الفصلَ مع اقترانِه باللامِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}
نحيي قلوبهم بالمشاهدة، ونميت نفوسهم بالمجاهدة.
ويقال نحييهم بأن نفْنِيَهمْ بالمشاهدة، ونميتَهم بأَنْ نأخذَهم عن شواهدهم.
ويقال يحيي المريدين بذكره، ويميت الغافلين بهجره.
ويقال يحيي قومًا بموافقة الأمر في الطاعات، ويميت قومًا بمتابعة الشهوات.
ويقال يحيي قومًا بأن يلاطفهم بلطف جماله، ويميت قومًا بأن يحجبهم عن أفضاله.
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24)}
العارفون مستقدمون بِهَمَمَهم، والعابدون مستقدمون بقَدَمهم، والتائبون بندمهم وأقوام مستأخِرون بقدمهم وهم العُصاة، وآخرون مستأخرون بهمومهم وهم الراضون بخسائس الحالات.
ويقال المستقدمون الذين يسارعون في الخيرات، والمستأخرون المتكاسلون عن الخيرات.
ويقال المستقدمون الذين يستجيبون خواطرَ الحقِّ- من غير تَعريجٍ- إلى تفكر، والمستأخِرون الذين يرجعون إلى الرُّخصِ والتأويلات.
ويقال المستقدمون الذين يأتون على مراكب التوفيق، والمستأخرون الذين تثبطهم مشقة الخذلان.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}
يبعث كلًا على الوصل الذي خرجوا من الدنيا عليه: فمن منفرد القلب بربه، ومن مُتَطَوِّحٍ في أودية التفرقة، ثم يحاسبهم على ما يستوجبونه. اهـ.

.تفسير الآيات (26- 35):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما جرت سنته الإلهية أنه يذكر ابتداء الخلق دليلًا على الإعادة سابقًا ولاحقًا، وابتدأ هنا بذكر الحشر لما قام عليه من الدليل بإحياء الأرض، توقع السامع تفصيل ابتداء الخلق الذي هو أدل دليل على البعث بعد إجماله في قوله: {وإنا لنحن نحيي} فقال مفتتحًا بحرف التوقع: {ولقد خلقنا} أي بالعظمة الباهرة {الإنسان} أي الآنس بنفسه، الناسي لغيره {من صلصال} أي طين يابس، له عند النقر صلصلة أي صوت شديد متردد في الهواء، فإن كان فيه مد من غير ترجيع فهو صلل، فالمراد شديد يبسه ولكنه غير مطبوخ، وأما المطبوخ فهو فخار: ثم بين أصل الصلصال فقال: {من حمإٍ} أي طين أسود منتن {مسنون} أي مصبوب مهيأ لعمل ما يراد منه بالدلك والتحسين من الذهاب والاضطراب والجعل على طبع وطريقة مستوية، وكل ذلك على غاية السهولة والطواعية والهوان، فذكر أصل الإنسان وما وقع له من إبليس- الذي هو أصل الجن كما أن آدم عليه السلام أبو البشر- من الكيد حتى أخرجه من دار الصفاء إلى دار الكدر، ليحذره العقلاء من بني آدم، وفي التنبيه بابتداء الخلق على وصول البشر إلى أصل كان بمحض القدرة مخالف لهم في التكوين بين أبوين، وانتهاء الجن إلى أصل ليس خلقه كخلقهم تنبيه عظيم على انتهاء الموجودات إلى موجود لا يجانسهم، بل هو خالق غير مخلوق، فاعل بالاختيار، واحد لا شريك له، ولا اعتراض عليه، قادر على ما يريد سبحانه، وفي خلقه من الماء- الذي هو كالأب- والطين- الذي هو كالأم- بمساعدة النار والهواء من الحكمة أن يكون ملائمًا لما في هذا العالم، فيكون بقاءه بذلك الذي خلق منه في مأكله ومشربه وملبسه وسائر أموره، وذلك أدل على حكمة الخالق وعلمه ووحدانيته.