فصل: قال السمرقندى في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهنا يقول الحق سبحانه: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر: 45].
وهم الذين لم يرتكبوا المعاصي بعد أن آمنوا بالله ورسوله واتبعوا منهجه، وإنْ كانت المعصية قد غلبتْ بعضهم، وتابوا عنها واستغفروا الله؛ فقد يغفر الله لهم، وقد يُبدّل سيئاتِهم حسناتٍ.
ومَنْ يدخل الجنة سيجد فيها العيون والمقصود بها الأنهار؛ والحق سبحانه هو القائل: {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد: 15].
ولعل هناك عيونًا ومنابعَ لا يعلمها إلا الحق سبحانه.
ويقول الحق سبحانه: {ادخلوها}
وهنا يدعوهم الحق سبحانه بالدخول إلى الجنة في سلام الأمن والاطمئنان، ونحن نعلم أن سلامَ الدنيا والاطمئنان فيها مُختلِف عن سلام الجنة؛ فسلامُ الدنيا يعكره خوف افتقاد النعمة، أو أن يفوت الإنسانُ تلك النعمة بالموت، ونعلم أن كل نعيم في الدنيا إلى زوال.
أما نعيم الآخرة فهو نعيم مقيم.
ويتابع سبحانه ما ينتظر أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}
وهكذا يُخرِج الحق سبحانه من صدورهم أيَّ حقد وعداوة، ويرون أخلاء الدنيا في المعاصي وهم مُمْتلئون بالغِلّ، بينما هم قد طهَّرهم الحق سبحانه من كل ما كان يكرهه في الآخرة، ويحيا كل منهم مع أزواج مُطهَّرة، ويجمعهم الحق بلا تنافس، ولا يشعر أيٌّ منهم بحسد لغيره.
والغِلُّ كما نعلم هو الحقد الذي يسكُن النفوس، ونعلم أن البعض من المسلمين قد تختلف وُجهات نظرهم في الحياة، ولكنهم على إيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والمثل أن عليًا كرم الله وجهه وأرضاه دخل موقعه الجمل، وكان في المعسكر المقابل طلحةُ والزبير رضي الله عنهما؛ وكلاهما مُبشَّر بالجنة، وكان لكل جانب دليل يُغلّبه.
ولحظةَ أنْ قامت المعركة جاء وَجْه علي كرَّم الله وجهه في وَجْه الزبير؛ فيقول علي رضي الله عنه: تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتما تمرَّان عليَّ، سلَّم النبي وقلْتَ أنت: لا يفارق ابنَ أبي طالب زَهْوُه، فنظر إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لك: «إنك تقاتل عليًا وأنتَ ظالم له». فرمى الزبير بالسلاح، وانتهى من الحرب، ودخل طلحة بن عبيد الله على عليٍّ كرم الله وجهه؛ فقال عليٌّ رضوان الله عليه: يجعل لي الله ولأبيك في هذه الآية نصيبًا. فقال أحد الجالسين: إن الله أعدل من أنْ يجمعَ بينك وبين طلحة في الجنة. فقال عليٌّ: وفيما نزل إذنْ قوله الحق: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} [الحجر: 47].
وكلمة {نزعنا} تدل على أن تغلغل العمليات الحِقْدية في النفوس يكون عميقًا، وأن خَلْعها في اليوم الآخر يكون خَلْعًا من الجذور، وينظر المؤمن إلى المؤمن مثله؛ والذي عاداه في الدنيا نظرتُه إلى مُحسِن له؛ لأنه بالعداوة والمنافسة جعله يخاف أن يقع عَيْب منه.
ذلك أن المؤمن في الآخرة يذكر مُعْطيات الأشياء، ويجعلهم الحق سبحانه إخوانًا؛ فَرُبَّ أخٍ لك لم تَلِدْه أمُّك، والحق سبحانه هو القائل في موقع آخر: {واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النار فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا} [آل عمران: 103].
وقد يكون لك أخ لا تكرهه ولا تحقد عليه؛ ولكنك لا تُجالسه ولا تُسامره؛ لأن الأخوة أنواع، وقد تكون أخوة طيبة ممتلئة بالاحترام لكن أيًا منكما لا يسعى إلى الآخر، ويجمعكم الحق سبحانه في الآخرة على سُرُر متقابلين.
وسأل سائل: وماذا لو كانت منزلة أحدهما في الجنة أعلى من منزلة الآخر؟ ونقول: إن فَضل الحق المطلق يرفع منزلة الأَدْنى إلى منزلة الأعلى، وهما يتزاوران.
وهكذا يختلف حال الآخرة عن حال الدنيا، فالإنسان في الدنيا يعيش ما قال عنه الحق سبحانه: {يا أيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ} [الانشقاق: 6].
ولكن الحال في الآخرة يختلف، وينطبق عليه قول الحق سبحانه في الآية التالية:
{لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)}
وحياتُكَ في الآخرة إنْ أصلحتَ عملك وكنت من المؤمنين- تختلف عن حياتك في الدنيا؛ فأنت تعلم أنك في الدنيا تَحْيا مع أسباب الله المَمْدودة لك؛ وتضرب في الأرض من أجل الرزق، وتجتهد وتتعب من أجل أَنْ يهبكَ اللهُ ما في الأسباب من عطاء.
وحينئذ تصبح من المُفْلِحِين الذين يهديهم الله جنته. يقول الحق جل عُلاَه: {والذين يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} [البقرة: 4-5].
وشاء الحق سبحانه أن يأتي بلفظ المُفْلِح كصفة للمؤمن في الجنة، لأن المؤمن قد حرثَ الدنيا بالعمل الصالح وبذل جهده ليقيمَ منهج الله في الأرض، ونصَبَ قامته، ونعلم أن نَصْب القَامَة يدلُّ على أن مَنْ يعمل قد أصابه التعب، وذلك في الحياة الدنيا.
أما في الجنة، فيقول الحق: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48].
أي: لا يصيبهم فيها تعب، ولا يُخْرَجون من الجنة، ذلك أنهم قد نَالُوا فيها الخلود.
وهكذا تكلَّم سبحانه عن الغَاوين، وقد كانوا أخلاَّء في الدنيا يمرحُون فيها بالمعاصي؛ وهم مَنْ ينتظرهم عقابُ الجحيم، وتكلَّم عن العباد المُخلصين الذين سيدخلون الجنة؛ ومنهم مَنِ اختلفتْ رُؤَاه في الدنيا، ولم يربط بينهم تآلفٌ أو محبّة؛ لكنهم يدخلون الجنة، وتتصافَى قلوبهم من أيِّ خلاف قد سبق في الدنيا. اهـ.

.قال السمرقندى في الآيات السابقة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
قال الله عزّ وجلّ: {الر تِلْكَ ءايات الكتاب} أي: هذه آيات الكتاب {الرَ تِلْكَ} أي: بيّن حلاله، وحرامه. والكتاب والقرآن واحد.
وقال قتادة في قوله: {الرَ تِلْكَ} بيّن الله رشده، وهداه، وخيره، {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} قرأ نافع وعاصم {رُّبَمَا} بالتخفيف.
وقرأ الباقون بالتشديد قال عاصم: قرأت عند زر بن حبيش {رُّبَمَا} بالتشديد.
فقال: إنك لتحب الرَّب.
وقال: هي رُبَّمَا مخففة.
ولكن معناها واحد.
فالتخفيف لغة بعض العرب.
واللغة الظاهرة بالتشديد، أي: ربما يأتي على الكافر يوم يتمنى أنه كان أسلم.
ويقال: أقسم الله تعالى بالألف، واللام، والراء، إن هذا القرآن حق، وهو بيّن لكم الحق من الباطل.
وأقسم أنه رُبَّ يومٍ يأتي على الكافر، يتمنى فيه أن لو كان مؤمنًا في الدنيا، يقول الكافر: يا ليتني كنت مؤمنًا في الدنيا.
أي: يعني: يقول يوم القيامة: يا ليت كنت.
وذلك أن الكافر كلما رأى حالًا من أحوال العذاب، ورأى حالًا من أحوال المسلمين، وَدَّ أن لو كان مسلمًا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يخرج من النار حين يقال: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.
فيتمنى الكافر أن لو كان مؤمنًا، فذلك قوله: {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ}.
وروي عن حماد بن أبي سلمة أنه قال: سألت إبراهيم النخعي عن هذه الآية.
قال: نزلت في الكفار، يعيرون أهل التوحيد، ويقولون: ما أغنى عنكم إيمانكم، وأنتم معنا، فيغضب الله لهم، فيأمر الله النبيين والملائكة، فيشفعون، فيخرج أهل التوحيد من النار.
حتى إن إبليس يتطاول رجاء أن يخرج، ويتمنى الكافر أن لو كان مسلمًا في الدنيا.
حدّثنا الخليل بن أحمد. قال: حدّثنا صالح بن أحمد. قال: حدّثنا محمد بن شوكر. قال: حدّثنا القاسم. قال: حدّثنا أبو حنيفة، عن يزيد بن صهيب، عن جابر بن عبد الله. قال: سألته عن الشفاعة. فقال: يعذب الله قومًا من أهل الإيمان، ثم يخرجهم منها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت له: فأين قوله: {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النار وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة: 37]. مِنْهَا قال: اقرأ ما قبلها {إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ} [عافر: 10]. الآية.
يعني: إن تلك الآية نزلت في الكفار.
وقال مجاهد: إذا أخرج من النار، من قال: لا إله إلا الله، فعند ذلك يقولون: يا ليتنا كنا مسلمين، وعن أبي العالية مثله.
ثم قال: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} يقول: اتركهم، وخلّ عنهم يا محمد في الدنيا.
يأكلوا، ويتمتعوا؛ يأكلوا كالأنعام، ويتمتعوا بعيشهم في الدنيا، لا تهمهم الآخرة ولا يعرفون ما في غد {وَيُلْهِهِمُ الامل} يعني: يشغلهم الأمل الطويل عن الطاعة، وعن ذكر الله تعالى.
ويقال يشغلهم طول الأمل عن الطاعة، وعن ذكر الأجل {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وهذا وعيد لهم أي يعرفون ما نزل بهم من العذاب والشدة يوم القيامة.
قوله: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ} يعني: أهل قرية {إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} يعني: أجلًا مؤقتًا، ووقتًا معروفًا {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} يعني: لا يموت أحد قبل أجله {وَمَا يَسْتَخِرُونَ} بعد أجلهم، طرفة عين {وَقَالُواْ} يعني: أهل مكة {وَقَالُواْ يا أَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر} أي: الذي يزعم أنه ينزل عليه القرآن {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} نزلت في عبد الله بن أُمية {لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملئكة} يعني: هلاّ تأتينا الملائكة، فتخبرنا بأنك رسول الله {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} بأنك نبي مرسل، وأن العذاب نازل بنا.
قال الله تعالى: {مَا نُنَزّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق} أي: بالوحي، والعذاب، وقبض أرواحهم، {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} يعني: إذا نزلت عليهم الملائكة، لا يؤجلون بعد نزول الملائكة قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، ما {نُنَزّلُ} بالنون، وتشديد الزاي، ونصب {الملائكة} من قولك: نَزَّل يُنَزِّلُ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {مَا تُنَزَّلَ} بالتاء، والضم، ونصب الزاي مع التشديد، على معنى فعل ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون {مَا تُنَزَّلَ} بنصب التاء، وتشديد الزاي فجعل الفعل للملائكة.
ثم قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} أي: القرآن {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} يعني: القرآن.
ويقال: يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم من القتل.
وقال قتادة: يعني: القرآن يحفظه الله تعالى، من أن يزيد فيه الشيطان باطلًا، أو يبطل منه حقًّا.
وذلك قال مقاتل.
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يعني: قد أرسلنا من قبلك يا محمد رسلًا {فِى شِيَعِ الاولين} أي: في أمم، وقرون الأولين قبل أمتك {وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي كانوا يسخرون منهم كما سخر منك قومك {كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ في قُلُوبِ المجرمين} قرأ بعضهم {نَسْلُكُهُ} بضم النون، وكسر اللام.
وقراءة العامة: بنصب النون، وضم اللام.
وهما لغتان.
يقال: سلكت الخيط في الإبرة، إذا أدخلته فيها.
ومعناه: هكذا ندخل الإضلال في قلوب المجرمين أي: المشركين عقوبة ومجازاة لكفرهم.
ويقال: معناه هكذا نطبع على قلوب المجرمين.
ويقال: نجعل حلاوة التكذيب بالعذاب.
ويقال: الشرك في قلوب المشركين الذين {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} يعني: لا يصدقون بالله.
ويقال: بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقال: بالعذاب إنه غير نازل.
{وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الاولين} أي: مضت سنة الأولين.
نأتيهم بالعذاب عند التكذيب.
ويقال: تقدمت سيرة الأولين بالهلاك.
قوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} أي فصاروا يصعدون فيه، وينزلون.
يعني: الملائكة، ويراهم المشركون، وهم أهل مكة {لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكّرَتْ أبصارنا} يقول: أخذت، وغشيت أبصارنا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} أي: ولقالوا سحرنا فلا نبصر.
وروى قتادة عن أبي صالح أنه قال: لو فتح الله عليهم بابًا من السماء، فظلت الملائكة يعرجون فيه.
لقالوا: أخذت أبصارنا.
قرأ ابن كثير {سُكّرَتْ} بالتخفيف.
وهكذا قرأ الحسن.
وقرأ الباقون بالتشديد.
وقال القتبي: {سُكّرَتْ} بالتشديد أي: غُشِّيَتْ.
ومنه يقال: سُكِّر النهر إذا سدّ ومنه يقال سكر الشراب وهو الغطاء على العقل.
ومن قرأ {سُكّرَتْ} بالتخفيف يعني: سحرت.
يعني: إنهم لا يعتبرون به، كما لم يعتبروا بانشقاق القمر حين رأوه معاينة.
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا} أي: خلقنا نجومًا.
ويقال: هي القصور في السماء.
وقال الضحاك، وسعيد بن المسيب، ومجاهد هي النجوم {وزيناها للناظرين} أي: زينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها {وحفظناها} السماء {مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} أي: مرجوم.
ويقال: ملعون مبعد من الرحمة {إِلاَّ مَنِ استرق السمع} أي: لكن من اختلس السمع خلسة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} يعني: لحقه نجم حار، متوهج، متوقد، لا يخطئه الشهاب أن يصيبه.
فإما أن يأتي على نفسه، أو أن يخبله، حتى لا يعود إلى الاستماع إلى السماء.
وقال ابن عباس: إن أهل الجاهلية من الكهنة قالوا: لا يكون كاهن إلا ومعه تابع من الجن، فينطلق الشياطين الذين كانوا مع الكهنة، فيقعدون من السماء مقاعد السمع، ويستمعون إلى ما هو كائن في الأرض من الملائكة، فينزلون به على كهنتهم.
فيقولون: إنه قد كان كذا وكذا من الأمر فتفشيه كهنتهم إلى الناس، فيتكلمون به قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء السابقين، فإِذا تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قالوا قد علمنا قبلك وكانت الشياطين تحجب عن الاستماع في السموات حتى بعث عيسى ابن مريم عليه السلام فلما بعث منعوا من ثلاث سماوات وكانوا يصعدون في أربع سماوات، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، منعوا من السموات السبع، وكان الشيطان المارد منهم يصعد، ويكون آخر أسفل منه، فإذا استمع قال للذي أسفل منه: قد كان من الأمر كذا وكذا، فيهرب الأسفل، ويرمي الذي استمع بالشهاب، ويأتي الأسفل بالأمر الذي سمع إلى كهنتهم.
فذلك قوله: {إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} ثم قال: {والأرض مددناها} يقول: بسطناها على الماء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} أي: الجبال الثوابت لكي لا تتحرك من أمكنتها {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} أي: في الجبال {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} أي: مقسوم معلوم.
ويقال: {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} مما يخرج من الجبال من الحديد، والرصاص، والفضة، والذهب.
ويقال: {وَأَنبَتْنَا} فِيهَا يعني: الأرض {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} يعني: مقدارًا معلومًا من الحبوب {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} أي: عيشًا من الزرع، والنبات.
ويقال: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} أي في الأرض {مِن كُلّ شيء مَّوْزُونٍ} أي: معدود من الحبوب وغيره.
{وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} يعني: خلقنا فيها معايشهم، ومعايش البهائم، والوحوش، والطيور، يعني: أنتم لستم ترزقونها، وأنا أرزقها.
قوله: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} أي: مفاتيح رزقه.
ويقال: علمه.