فصل: قال البيضاوى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوى:

{الرَ تِلْكَ ءايات الكتاب وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ}
الإِشارة إلى آيات السورة و{الكتاب} هو السورة، وكذا القرآن وتنكيره للتفخيم أي آيات الجامع لكونه كتابًا كاملًا وقُرآنًا يبين الرشد من الغي بيانًا غريبًا.
{رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} حين عاينوا حال المسلمين عند نزول النصر أو حلول الموت أو يوم القيامة، وقرأ نافع وعاصم {ربما} بالتخفيف، وقرئ {ربما} بالفتح والتخفيف وفيه ثمان لغات ضم الراء وفتحها مع التشديد والتخفيف وبتاء التأنيث ودونها، وما كافة تكفه عن الجر فيجوز دخوله على الفعل وحقه أن يدخل الماضي لكن لما كان المترقب في أخبار الله تعالى كالماضي في تحققه أجرى مجراه، وقيل: ما نكرة موصوفة كقوله:
رُبَّمَا تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأَمْ ** ر لَهُ فُرْجَةً كَحلِّ العِقَالِ

ومعنى التقليل فيه بالإِيذان بأنهم لو كانوا يودون الإِسلام مرة فبالحري أن يسارعوا إليه، فكيف وهم يودونه كل ساعة، وقيل تدهشهم أهوال القيامة فإن حانت منهم إفاقة في بعض الأوقات تمنوا ذلك، والغيبة في حكاية ودادتهم كالغيبة في قولك: حلف بالله ليفعلن.
{ذَرْهُمْ} دعهم. {يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ} بدنياهم. {وَيُلْهِهِمُ الأمل} ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه، والغرض إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من ارعوائهم وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان، وإن نصحهم بعد اشتغال بما لا طائل تحته، وفيه إلزام للحجة وتحذير عن ايثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل.
{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ} أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ، والمستثنى جملة واقعة صفة لقرية، والأصل أن لا تدخلها الواو كقوله: {إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} ولكن لما شابهت صورتها الحال أدخلت تأكيدًا للصوقها بالموصوف.
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ} أي وما يستأخرون عنه، وتذكير ضمير {أُمَّةٍ} فيه للحمل على المعنى.
{وَقَالُواْ يا أَيُّهَا الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر} نادوا به النبي صلى الله عليه وسلم على التهكم، ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم. {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ونظير ذلك قول فرعون: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى: {نزل عليك الذكر}، أي القرآن.
{لَّوْ مَا تَأْتِينَا} ركب {لَوْ} مع {مَا} كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض. {بالملئكة} ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى: {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل. {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك.
{مَا يُنَزِّلُ الملائكة} بالياء ونصب {الملائكة} على أن الضمير لله تعالى، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبناء للمفعول ورفع {الملائكة}، وقرئ {تنَزل} بمعنى تتنزل. {إِلاَّ بالحق} إلا تنزيلًا ملتبسًا بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته، ولا حكمة في أن تأتيكم بصور تشاهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبسًا، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإن منكم ومن ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإِيمان، وقيل الحق الوحي أو العذاب. {وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ} {إِذًا} جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين.
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} رد لإِنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وقرره بقوله: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزًا مباينًا لكلام البشر، بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان، أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له، وقيل الضمير في {لَهُ} للنبي صلى الله عليه وسلم.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ في شِيَعِ الأولين} في فرقهم، جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه، وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار، والمعنى نبأنا رجالًا فيهم وجعلناهم رسلًا فيما بينهم.
{وَمَا يَأْتِيهِم مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} كما يفعل هؤلاء، وهو تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام و{مَا} للحال لا يدخل إلا مضارعًا بمعنى الحال، أو ماضيًا قريبًا منه وهذا على حكاية الحال الماضية.
{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ} ندخله. {فِى قُلُوبِ المجرمين} والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط، والرمح في المطعون والضمير للاستهزاء، وفيه دليل على أن الله يوجد الباطل في قلوبهم، وقيل لـ: {الذكر} فإن الضمير الآخر في قوله: {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} له وهو خال من هذا الضمير، والمعنى مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قلوب المجرمين مكذبًا غير مؤمن به، أو بيان للجملة المتضمنة له، وهذا الاحتجاج ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب الضمائر توافقها في المرجوع إليه ولا يتعين أن تكون الجملة حالًا من المجرمين، ولا ينافي كونها مفسرة للمعنى الأول بل يقويه. {وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الاولين} أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم، أو بإهلاك من كذب الرسل منهم فيكون وعيدًا لأهل مكة.
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} أي على هؤلاء المقترحين. {بَابًا مِنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ} يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون، أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم.
{لَقَالُواْ} من غلوهم في العناد وتشكيكهم في الحق. {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أبصارنا} سدت عن الأبصار بالسحر من السكر، ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف، أو حيرت من السكر ويدل عليه قراءة من قرأ {سكرت}. {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} قد سحرنا محمد بذلك كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات، وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر.
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السماء بُرُوجًا} اثني عشر مختلفة الهيئات والخواص على ما دل عليه الرصد والتجربة مع بساطة السماء. {وزيناها} بالأشكال والهيئات البهية. {للناظرين} المعتبرين المستدلين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها.
{وحفظناها مِن كُلِّ شيطان رَّجِيمٍ} فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس إلى أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها.
{إِلاَّ مَنِ استرق السمع} بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاسه سرًا، شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات، فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من كلها بالشهب، ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها أسباب أخر، وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع. {فَأَتْبَعَهُ} فتبعه ولحقه. {شِهَابٌ مُّبِينٌ} ظاهر للمبصرين، والشهاب شعلة نار ساطعة، وقد يطلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق.
{والأرض مددناها} بسطناها. {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} جبالًا ثوابت. {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} في الأرض أو فيها وفي الجبال. {مِن كُلِّ شيء مَّوْزُونٍ} مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته، أو مستحسن، مناسب من قولهم كلام موزون، أو ما يوزن ويقدر أو له وزن أبواب النعمة والمنفعة.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} تعيشون بها من المطاعم والملابس، وقرئ {معائش} بالهمزة إلى التشبيه بشمائل: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ برازقين} عطف على {معايش} أو على محل {لَكُمْ}، ويريد به العيال والخدم والمماليك وسائر ما يظنون أنهم يرزقونهم ظنًا كاذبًا، فإن الله يرزقهم وإياهم، وفذلكة الآية الاستدلال يجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين مختلفة الأجزاء في الوضع محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز أن لا تكون كذلك على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتفرد في الألوهية والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك ليوحدوه ويعبدوه، ثم بالغ في ذلك وقال: {وَإِن مِّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه، فضرب الخزائن مثلًا لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد. {وَمَا نُنَزِّلُهُ} من بقاع القدرة. {إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} حده الحكمة وتعلقت به المشيئة، فإن تخصيص بعضها بالإِيجاد في بعض الأوقات مشتملًا على بعض الصفات والحالات لابد له من مخصص حكيم.
{وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ} حوامل، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم، أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله:
وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيحُ الطَوَائِحُ

وقرئ {وَأَرْسَلْنَا الرياح} على تأويل الجنس. {فَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} فجعلناه لكم سقيا. {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} قادرين متمكنين من إخراجه، نفى عنهم ما أثبته لنفسه، أو حافظين في الغدران والعيون والآبار، وذلك أيضًا يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس، فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لابد له من سبب مخصص.
{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي} بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها. {وَنُمِيتُ} بإزالتها وقد أول الحياة بما يعم الحيوان والنبات وتكرير الضمير للدلالة على الحصر. {وَنَحْنُ الوارثون} الباقون إذا مات الخلائق كلها.
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين} من استقدم ولادة وموتًا ومن استأخر، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد، أو من تقدم في الإِسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة، أو تأخر لا يخفى علينا شيء من أحوالكم، وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته، فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه، وقيل رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت، وقيل إن امرأة حسناء كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم بعض القوم لئلا ينظر إليها وتأخر بعض ليبصرها فنزلت.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} لا محالة للجزاء، وتوسيط الضمير للدلالة على أنه القادر والمتولي لحشرهم لا غير، وتصدير الجملة بـ: {إِنَّ} لتحقيق الوعد والتنبيه على أن ما سبق من الدلالة على كمال قدرته وعلمه بتفاصيل الأشياء يدل على صحة الحكم كما صرح به بقوله: {إِنَّهُ حَكِيمٌ} باهر الحكمة متقن في أفعاله. {عَلِيمٌ} وسع علمه كل شيء.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن صلصال} من طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر، وقيل هو من صلصل إذا أنتن تضعيف صل. {مّنْ حَمَإٍ} طين تغير وأسود من طول مجاورة الماء، وهو صفة صلصال أي كائن {مِّنْ حَمَإٍ}. {مَّسْنُونٍ} مصور من سنه الوجه، أو منصوب لييبس ويتصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب، من السن وهو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غير ذلك طورًا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه، أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به، فإن ما يسيل بينهما يكون منتنًا ويسمى السنين.
{والجآن} أبا الجن، وقيل ابليس ويجوز أن يراد به الجنس كما هو الظاهر من الإِنسان، لأن تشعب الجنس لما كان من شخص واحد خلق من مادة واحدة كان الجنس بأسره مخلوقًا منها وانتصابه بفعل يفسره. {خلقناه مِن قَبْلُ} من قبل خلق الإنسان. {مِن نَّارِ السموم} من نار الحر الشديد النافذ في المسام، ولا يمتنع خلق الحياة في الأجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها في الجواهر المجردة، فضلًا عن الأجساد المؤلفة التي الغالب فيها الجزء الناري، فإنها أقبل لها من التي الغالب فيها الجزء الأرضي، وقوله: {مّن نَّارٍ} باعتبار الغالب كقوله: {خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ} ومساق الآية كما هو للدلالة على كمال قدرة الله تعالى وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر، وهو قبول للجمع والإِحياء.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} واذكر وقت قوله: {للملائكة إِنّى خالق بَشَرًا مِّن صلصال مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} عدلت خلقته وهيأته لنفخ الروح فيه. {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى} حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فحيي، وأصل النفخ إجراء الريح في تجويف جسم آخر، ولما كان الروح يتعلق أولًا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب وتفيض عليه الحيوانية فيسري حاملًا لها في تجاويف الشرايين إلى أعماق البدن، جعل تعلقه بالبدن نفخًا وإضافة الروح إلى نفسه لما مر في النساء. {فَقَعُواْ لَهُ} فاسقطوا له. {ساجدين} أمر من وقع يقع.
{فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص، وقيل أكد بالكل للإِحاطة وبأجمعين للدلالة على أنهم سجدوا مجتمعين دفعة، وفيه نظر إذ لو كان الأمر كذلك كان الثاني حالًا لا تأكيدًا.
{إِلاَّ إِبْلِيسَ} إن جعل منقطعًا اتصل به قوله: {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} أي ولكن ابليس أبى وإن جعل متصلًا كان استئنافًا على أنه جواب سائل قال هلا سجد.
{قَالَ يَا إِبْلِيسَ مالك أَلاَّ تَكُونَ} أي غرض لك في أن لا تكون. {مَعَ الساجدين} لآدم.
{قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ} اللام لتأكيد النفي أي لا يصح مني وينافي حالي أن أسجد. {لِبَشَرٍ} جسماني كثيف وأنا ملك روحاني. {خَلَقْتَهُ مِن صلصال مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها، استنقص آدم عليه السلام باعتبار النوع والأصل وقد سبق الجواب عنه في سورة الأعراف.
{قَالَ فاخرج مِنْهَا} من السماء أو الجنة أو زمر الملائكة. {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مطرود من الخير والكرامة، فإن من يطرد يرجم بالحجر أو شيطان يرجم بالشهب، وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة} هذا الطرد والإِبعاد. {إلى يَوْمِ الدين} فإنه منتهى أمد اللعن، فإنه يناسب أيام التكليف ومنه زمان الجزاء وما في قوله: {فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} بمعنى آخر ينسى عنده هذه، وقيل إنما حد اللعن به لأنه أبعد غاية يضر بها الناس، أو لأنه يعذب فيه بما ينسى اللعن معه فيصير كالزائل.
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى} فأخرني، والفاء متعلقة بمحذوف دل عليه {فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} {إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أراد أن يجد فسحة في الإِغواء أو نجاة من الموت، إذ لا موت بعد وقت البعث فأجابه إلى الأول دون الثاني.