فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {جزء مقسوم} قال: فريق مقسوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} قال: باب لليهود وباب للنصارى وباب للصابئين وباب للمجوس وباب للذين أشركوا- وهم كفار العرب- وباب للمنافقين وباب لأهل التوحيد، فأهل التوحيد يُرْجَى لهم ولا يرجى للآخرين أبدًا.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني، عن ابن مسعود قال: تطلع الشمس من جهنم بين قرني شيطان، فما ترتفع من السماء قصة إلا فتح لها باب من أبواب النار، حتى إذا كانت الظهيرة فتحت أبواب النار كلها.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في البعث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصراط بين ظهري جهنم دحض مزلة، والأنبياء عليه يقولون: اللهم سلم سلم، والمارُّ كلمع البرق وكطرف العين، وكأجاويد الخيل والبغال والركاب، وشدّ على الأقدام فناج مسلم، ومخدوش مرسل ومطروح فيها و{لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {لكل باب منهم جزء مقسوم} قال: «إن من أهل النار مَنْ تأخذه النار إلى كَعْبَيه، وإن منهم من تأخذه النار إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى تراقيه منازل بأعمالهم، فذلك قوله: {لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} قال: على كل باب منها سبعون ألف سرادق من نار، في كل سرادق سبعون ألف قبة من نار، في كل قبة سبعون ألف تنور من نار، لكل تنور منها سبعون ألف كوّة من نار، في كل كوّة سبعون ألف صخرة من نار، على كل صخرة منها سبعون ألف حجر من النار، في كل حجر منها سبعون ألف عقرب من النار، لكل عقرب منها سبعون ألف ذنب من نار، لكل ذنب منها سبعون ألف فقارة من نار، في كل فقارة منها سبعون ألف قلة من سم وسبعون ألف موقد من نار، يوقدون تلك النار، وقال: إن أوّل من دخل من أهل النار وجدوا على الباب أربعمائة ألف من خزنة جهنم، سود وجوههم، كالحة أنيابهم، قد نزع الله الرحمة من قلوبهم ليس في قلب واحدٍ منهم مثقال ذرة من الرحمة».
وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن جهنم لَتُسَعَّرُ كل يوم وتفتح أبوابها، إلا يوم الجمعة فإنها لا تفتح أبوابها ولا تُسَعَّر».
وأخرج سعيد بن منصور عن مسروق رضي الله عنه قال: إن أحق ما استعيذ من جهنم في الساعة التي تفتح فيها أبوابها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك رضي الله عنه قال: جهنم سبعة نيران، ليس منها نار إلا وهي تنظر إلى النار التي تحتها تخاف أن تأكلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبدالله بن عمرو قال: إن في النار سجنًا لا يدخله إلا شرّ الأشرار، قراره نار وسقفه نار وجدرانه نار، وتلفح فيه النار.
وأخرج عبد الرزاق والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن كعب رضي الله عنه قال: للشهيد نور، ولمن قاتل الحرورية عشرة أنوار، وكان يقول: لجهنم سبعة أبواب، باب منها للحرورية. قال: ولقد خرجوا في زمان داود عليه السلام.
وأخرج ابن مردويه والخطيب في تاريخه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لكل باب منهم جزء مقسوم} قال: «جزء أشركوا بالله، وجزء شكوا في الله، وجزء غفلوا عن الله».
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه، وابن ماجة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، انجفل الناس إليه، فجئته لأنظر في وجهه فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعت منه أن قال: «يا أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {آمنين} قال: أمنوا الموت، فلا يموتون ولا يكبرون ولا يسقمون ولا يعرون ولا يجوعون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر من طريق لقمان بن عامر، عن أبي أمامة قال: لا يدخل الجنة أحد حتى ينزع الله ما في صدورهم من غل، وحتى أنه لينزع من صدر الرجل بمنزلة السبع الضاري.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق القاسم، عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا نزلوا وتقابلوا على السرر، نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل.
وأخرج ابن جرير عن علي {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: العداوة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن قتادة في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة: فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا» قَالَ قَتَادةُ: وَكَانَ يُقَالُ: ما يُشَبَّهُ بِهِمْ إِلاَّ أَهْلُ جُمُعَةٍ حِينَ انْصَرَفُوا مِنْ جُمُعَتِهِمْ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحبس أهل الجنة بعد ما يجوزون الصراط، حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا، ويدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم بن رشيد قال: ينتهي أهل الجنة إلى باب الجنة وهم يتلاحظون تلاحظ الغيران، فإذا دخلوها نزع الله ما في صدورهم من غل.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، عن الحسن البصري قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فينا والله أهل بدر نزلت {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين}.
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الله بن مليل، عن علي في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: نزلت في ثلاثة أحياء من العرب: في بني هاشم، وبني تميم، وبني عدي، وفي أبي بكر وفي عمر.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن كثير النواء قال: قلت لأبي جعفر إن فلانًا حدثني عن علي بن الحسين، إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: والله إنها لفيهم أنزلت، وفيمن تنزل إلا فيهم؟ قلت: وأي غل هو؟ قال: غل الجاهلية. إن بني تميم وبني عدي وبني هاشم، كان بينهم في الجاهلية. فلما أسلم هؤلاء القوم تحابّوا وأخذت أبا بكر الخاصرة، فجعل علي يسخن يده فيكوي بها خاصرة أبي بكر. فنزلت هذه الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم من طرق، عن علي أنه قال لابن طلحة: إني أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله فيهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} فقال رجل من همدان: إن الله أعدل من ذلك.
فصاح علي عليه صيحة تداعى لها القصر، وقال: فمن اذن إن لم نكن نحن أولئك؟.
وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه عن علي قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان والزبير وطلحة ممن قال الله {ونزعنا ما في صدورهم من غل}.
وأخرج ابن مردويه من طريق مجاهد، عن ابن عباس في قوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الآية. قال: نزلت في علي وطلحة والزبير.
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن مردويه وابن عساكر من طريق الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: نزلت في عشرة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وعبدالله بن مسعود.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي صالح موقوفًا عليه.
وأخرج ابن مردويه من طريق النعمان بن بشير، عن علي {ونزعنا ما في صدورهم من غل} قال: ذاك عثمان وطلحة والزبير وأنا.
وأخرج هنّاد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {على سرر متقابلين} قال: لا يرى بعضهم قفا بعض.
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: أهل الجنة لا ينظر بعضهم في قفا بعض، ثم قرأ {متكئين عليها متقابلين}.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو القاسم البغوي وابن مردويه وابن عساكر، عن زيد بن أبي أوفى قال: «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية {إخوانا على سرر متقابلين} المتحابين في الله في الجنة ينظر بعضهم إلى بعض».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا يمسهم فيها نصب} قال: المشقة والأذى. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)}
وكَسرَ عينَ {وَعُيُونٍ}: منكِّرًا و{العِيون} مُعَرَّفًا حيث وقع ابنُ كثير والأخوان وأبو بكر وابن ذكوان، والباقون بالضمِّ وهو الأصل.
{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)}
قوله تعالى: {ادخلوها}: العامَّةُ على وَصْلِ الهمزةِ من دَخَل يَدْخُل، وقد تقدَّم خلافُ القرِّاء في حركةِ هذا التنوين لالتقاء الساكنين في البقرة، وقرأ يعقوب بفتح التنوين وكسرِ الخاء، وتوجيهُها: أنه أمرٌ مِنْ أَدْخَل يُدْخِل، فلمَّا وقع بعد {عيون} ألقى حركة الهمزةِ على التنوين لأنها همزةُ قطع، ثم حذفها، والأمرُ مِنَ الله تعالى للملائكةِ، أي أَدْخِلوها إياهم.
وقرأ الحسن ويعقوب أيضًا {أُدْخِلوها} ماضيًا مبنيًا للمفعول، إلا أنَّ يعقوبَ ضمَّ التنوين، ووجهُه: أنه أخذه مِنْ أَدْخَلَ رباعيًا، فألقى حركَة همزةِ القطع على التنوين، كما ألقى حركةَ المفتوحةِ في قراءتِه الأولى، والحسن كَسَره على أصلِ التقاءِ الساكنين، ووجهُه: أن يكونَ أجرى همزةَ القطعِ مُجْرى همزةِ الوصلِ في الإِسقاط.
وقراءةُ الأمرِ على إضمارِ القول، أي: يُقال لأهل الجنة: ادْخُلوها. أو يُقال للملائكة: أَدْخِلُوها إياهم، وعلى قراءة الإِخبار يكون مستأنفًا مِنْ غيرِ إضمارٍ قولٍ.
قوله: {بسلامٍ} حالٌ، أي: ملتبسين بالسلامة، أو مُسلَّمًا عليكم.
قوله: {آمِنين} حالٌ أخرى وهي بدلٌ مِمَّا قبلها: إمَّا بدلُ كلٍ من كلٍ، وإمَّا بدلُ اشتمال؛ لأنَّ الأَمْنَ مُشْتملٌ على التحيةِ أو بالعكس.
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)}
قوله تعالى: {إِخْوَانًا}: يجوز فيه أن يكونَ حالًا من هم في {صدورِهم}، وجاز ذلك لأنَّ المضافَ جزءُ المضاف إليه، وقال أبو البقاء: والعاملُ فيها معنى الإِلصاق، ويجوز أن يكونَ حالًا مِنْ فاعل {ادْخُلوها} على أنها حالٌ مقدرةٌ، كذا قال أبو البقاء، ولا حاجةَ إليه، بل هي حالٌ مقارِنةٌ، ويجوز أن يكونَ حالًا من الضمير في {آمِنين}، وأن يكونَ حالًا مِنَ الضمير في قوله: {فِي جَنَّاتٍ}.
قوله: {على سُرُرٍ} يجوز أن يتعلَّقَ بنفسِ {إخوانًا} لأنه بمعنى متصافِّيْنَ على سُرُر. قاله أبو البقاء، وفيه نظرٌ من حيث تأويلُ جامدٍ بمشتق بعيدٍ منه، و{متقابلين} على هذا حالٌ من الضمير في {إخوانًا}، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لإِخوان، وعلى هذا فـ: {متقابلين} حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الجارِّ، ويجوز أن يتعلَّقَ بـ: {متقابلين}، أي: متقابلين على سُرُرٍ، وعلى هذا فـ: {متقابلين} حالٌ من الضمير في {إخوانًا} أو صفةٌ لـ: {إخوانًا} ويجوز نصبُه على المدح، يعني أنه لا يمكن أن يكونَ نعتًا للضمير فلذلك قُطِعَ.
والسُّرُر: جمع سَرِيْر وهو معروفٌ، ويجوز في {سُرُر} ونحوِه ممَّا جُمِعَ على هذه الصيغةِ مِنْ مضاعَف فعيل فَتْحُ العين تخفيفًا، وهي لغةُ كلبٍ وتميم فيقولون: سُرَرٌ وذُلَلٌ في جمع: سَرير وذَليل.
قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ}: يجوز أن تكون هذه مستأنفةً، ويجوزُ أن تكونَ حالًا من الضمير في {متقابلين}، والنَّصَب: التَّعَبُ. يُقالا منه: نَصِبَ يَنْصِبُ فهو نَصِبٌ وناصِب، وأَنْصَبَني كذا. قال:
تأوَّبَني هَمٌّ مع الليلِ مُنْصِبُ

وهَمٌّ ناصِبٌ، أي: ذو نَصَب كـ: لا بنٍ وتامرٍ. قال النابغة:
كِلِيْني لِهَمٍّ يا أُميمةُ ناصِبِ ** وليلٍ أقاسيه بَطِيْءِ الكواكبِ

و{منها} متعلقٌ بـ {مُخْرَجِيْن}. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في سلم:
السَّلام والسّلامة: التعرّى من الآفات الظَّاهرة والباطنة، قال تعالى: {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} أَى من الدّغَل، هذا في الباطن، وقال تعالى: {مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} هذا في الظَّاهر.
يقال: سَلِمَ يسلَم سلامةً، وسَلاَمًا، وسلَّمه الله، وقوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} أَى بسلامة.
والسّلامة الحقيقية ليست إِلاَّ في الجنَّة؛ لأَنَّ فيها بقاء بلا فناء، وغنىّ بلا فقر، وعزًّا بلا ذلّ، وصحّة بلا سقم، وقوله: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} أَى السّلامة.
وقيل: السّلام: اسم من أَسماءِ الله تعالى، وكذا قيل في قوله: {لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ}.
قيل: وُصف الله بالسّلام من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخَلْق.
وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}، و{سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ}، كل ذلك من النَّاس والملائكة بالقول، ومن الله بالفعل، وهو إِعطاء ما تقدّم ذكره ممّا يكون في الجنَّة من السّلامة.
وقوله: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا} أَى نطلب منكم السّلامة، فيكون {سلامًا} منصوبًا بإِضمار فعل.
وقيل: معناه: قالوا سَدَادًا من القول، فيكون صفة لمصدر محذوف.
وقوله: {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ} إِنَّمَا رفع الثاني لأَنَّ الرفع في باب الدّعاء أَبلغ، فكأَنَّه يجرى في باب الأَدب المأمور به في قوله: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ}.
ومن قرأَ {سِلْمٌ} فلأَن السّلام لمّا كان يقتضى السِّلْم وكان إِبراهيم عليه السّلام قد أَوجس منهم في نفسه خِيفة، فلمّا رآهم مسلِّمين تصوّر من تسليمهم أَنَّهم قد بذلوا له سِلْمًا، فقال في جوابهم: {سِلْم} تنبيهًا أَنَّ ذلك حصل من جهتى لكم، كماحصل من جهتكم لى.
وقوله: {إِلاَّ قِيلًا سَلاَمًا سَلاَمًا} هذا لا يكون لهم بالقول فقط، بل ذلك بالقول والفعل جميعًا.
وقوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} هذا في الظَّاهر أَنَّه سلّم عليهم، وفى الحقيقة سؤال الله السلامة منهم.
و{سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ}، وكذلك البواقى، كلّ ذلك تنبيه من الله أَنَّه جعلهم بحيث يُثْنَى عليهم، ويُدْعَى لهم.
والسَّلاَم، والسَّلَم، والسَّلْم: الصّلح.
وقوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}، قيل: نزلت فيمن قُتل بعد إِقراره بالإِسلام ومطالبته بالصّلح.
وقوله: {يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} أَى مستسلمون.
وقوله: {وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ}، وقرئ: {سَلَما} و{سِلْما}، وهما مصدران وليسا بوصفين، تقول: سلِم سِلْمًا وسَلَما، ورَبِحَ ربْحًا ورَبَحًا.
وقيل: السَّلْم اسم بإِزاءِ الحرب: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}، لأَنَّ كلّ واحد من المتحاربين يخلُص ويسلّم من أَذى الآخر، ولهذا يبنى على مفاعلة، فيقال: المسالمة.
والإِسلام: الدّخول في السَّلْم- وهو أَن يَسلَم كلُّ واحد منهما أَن يناله أَلم من صاحبه، ومصدر أَسلمت الشىء إِلى فلان إِذا أَخرجته إِليه.
ومنه السَّلَم في البيع.
والإِسلام في الشرع على ضربين:
أَحدهما: دون الإِيمان، وهو الاعتراف باللِّسان.
وبه يُحقَن الدّم، حصل معه الاعتقاد أَولم يحصل، وإِياه قَصَد بقوله: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَاكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا}.
والثانى: فوق الإِيمان.
وهو أَن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، والاستسلامُ لله تعالى في جميع ما قَضَى وقَدَّر؛ كما ذكر عن إِبراهيم عليه السّلام في قوله: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. اهـ.