فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (91)}.
يبين لنا الحق سبحانه وتعالى موقف اليهود.. من عدم الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. مع أنهم أومروا بذلك في التوراة.. فيقول جل جلاله: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله} أي إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا بالإسلام وأن يؤمنوا بالقرآن رفضوا ذلك {وقالوا نؤمن بما أنزل علينا} أي نؤمن بالتوراة ونكفر بما وراءه، أي بما نزل بعده. ونحن نعرف أن الكفر هو الستر.. ولو أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء يناقض ما عندهم ربما قالوا: جاء ليهدم ديننا ولذلك نكفر به.. ولكنه جاء بالحق مصدقا لما معهم.
إذن حين يكفرون بالقرآن يكفرون أيضا بالتوراة.. لأن القرآن يصدق ما جاء في التوراة. وهنا يقيم الله تبارك وتعالى عليهم الحجة البالغة.. إن كفركم هذا وسلوكك ضد كل نبي جاءكم.. ولو أنكم تستقبلون الإيمان حقيقة بصدر رحب.. فقولوا لنا لم قتلتم أنبياء الله؟.. ولذلك يقول الحق: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل}.. هل هناك في كتابكم التوراة أن تقتلوا أولياء الله.. كأن الحق سبحانه وتعالى قد أخذ الحجة من قولهم: {نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وارءه}.. إذا كان هذا صحيحا وأنكم تؤمنون بما أنزل عليكم فهاتوا لنا مما أنزل إليكم وهي التوراة ما يبيح لكم قتل الأنبياء إن كنتم مؤمنين بالتوراة.. وطبعا لم يستطيعوا ردا لأنهم كفروا بما أنزل عليهم.. فهم كاذبون في قولهم نؤمن بما أنزل علينا.. لأن ما ينزل عليهم لم يأمرهم بقتل الأنبياء.. فكأنهم كفروا بما أنزل عليهم.. وكفروا بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
والقرآن يأتينا بالحجة البالغة التي تخرس أفواه الكافرين وتؤكد أنهم عاجزون غير قادرين على الحجة في المناقشة.. وهنا لابد أن نتنبه إلي قوله تعالى: {فلم تقتلوا أنبياء الله من قبل}.
قوله تعالى: {من قبل} طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن قتلهم الأنبياء انتهى، وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أن يقتلوا محمدا عليه الصلاة والسلام.. والله يريد نزع الخوف من قلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وبذلك قطع القرآن خط الرجعة على كل من يريد أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.. لأن ذلك كان عهدا وانتهى.. وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا ولن يصلوا إلي هدفهم.
واليهود بعد نزول هذه الآية الكريمة لم يتراجعوا عن تآمرهم ولن يكفوا عن بغيهم في قتل الرسل والأنبياء.. فحاولوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة.. مرة وهو في حيهم ألقوا فوقه حجرا ولكن جبريل عليه السلام أنذره فتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانه قبل إلقاء الحجر.. ومرة دسوا له السم، ومحاولات أخرى فشلت كلها. إذن فقوله تعالى: {من قبل} معناها.. إن كنتم تفكرون في التخلص من محمد صلى الله عليه وسلم بقتله كما فعلتم في أنبيائكم نقل لكم: إنكم لن تستطيعوا أن تقتلوه. ولقد كانت هذه الآية كافية لإلقاء اليأس في نفوسهم حتى يكفوا عن أسلوبهم في قتل الأنبياء ولكنهم ظلوا في محاولاتهم، وفي الوقت نفسه كانت الآية تثبيتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. بأن اليهود مهما تآمروا فلن يمكنهم الله من شيء.
وقوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين}.. أي بما أنزل إليكم. اهـ.

.فوائد بلاغية:

البلاغة:
تقديم المفعول في الموضعين {فريقا كذبتم} و{فريقا تقتلون} للاهتمام وتشويق السامع إلى ما يلقى إليه.
التعبير بالمضارع {وفريقا تقتلون} ولم يقل قتلتم كما قال كذبتم، لأن الفعل المضارع- كما هو المألوف في أساليب البلاغة- يستعمل في الأفعال الماضية، التي بلغت من الفظاعة مبلغًا عظيما، فكأنه أحضر صورة قتل الأنبياء أمام السامع، وجعله ينظر إليها بعينه، فيكون إنكاره لها أبلغ، واستفظاعه لها أعظم.
وضع الظاهر مكان الضمير {فلعنة الله على الكافرين} ولم يقل عليهم ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم الفظيع.
الإخبار في قوله: {ولقد جاءكم موسى بالبينات} يراد به التبكيت والتوبيخ على عدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
أسندت الإهانة إلى العذاب فقال: {عذاب مهين} لأن الإهانة تحصل بعذابهم، ومن أساليب البيان إسناد الأفعال إلى أسبابها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} يجوز في هذه الجملة وَجْهَان:
أحدهما: أن تكون: استئنافية استؤنفت للإخبار بأنهم يكفرون بما عدا التَّوْراة، فلا محل لها من الإعراب.
والثاني: أن تكون خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: وهم يكفرون، والجملة في محلّ نصب على الحال، والعامل فيها {قالوا}، أي قالوا: نؤمن حال كونهم كافرين بكذا، ولا يجوز أن يكون العامل فيها {نؤمن}.
قال أبو البقاء: إذا لو كان كذلك لكان لفظ الحال نكفر، أي ونحن نكفر.
يعني: فكان يجب المُطَابقة.
ولابد من إضمار هذا المبتدأ لما تقدم من أن المضارع المثبت لا يقترن بالواو، وهو نظير قوله: المتقارب:
....... ** نَجَوْتُ وَأَرْهَنُنُمْ مَالِكَا

وحُذِفَ الفاعل من قوله تعالى: {بِمَا أُنْزِلَ} وأقيم المفعولُ مقامه للعلم به، إذ لا يُنَزِّل الكتب السماوية إلا الله، أو لتقدم ذكره في قوله: {بِمَا أَنْزَل الله}.
قوله: {بِمَا وَرَاءَهُ} متعلّق ب {يكفرون} وما موصولة، والظروف صلتها، فمتعلّقةُ فعل ليس إلا والهاء في {وراءه} تعود على ما في قوله: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِل}.
ووَرَاء من الظروف المتوسّطة التصرف، وهو ظرف مكان، والمشهور أنه بمعنى خلف وقد يكون بمعنى أمام قال تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79].
وقال: {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: 27] فهو من الأضداد، وفسره الفراء هُنَا بمعنى سوى التي بمعنى غير.
وفسره أبو عبيدة وقتادة بمعنى بعد.
وفي همزة قولان:
أحدهما: أنه أصل بنفسه وإليه ذهب ابن جني مستدلًا بثبوتها في التصغير في قولهم: وريئة.
الثاني: أنها مبدلة من ياء، لقولهم: تواريت.
قال أبو البقاء: ولا يجوز أن تكومن الهمز بدلًا من واو؛ لأن ما فاؤه واو، لا تكون لامه واوًا إلاّ ندورًا نحو: واو اسم حرف هجاء، وحكم وَرَاء حكم قَبْلُ وبعد في كونه إذا أضيف أعرب، وإذا قطع بني على الضم.
وأنشد الأخفش على ذلك قول الشاعر: الطويل:
إِذَا أَنَا لَمْ أُومَنْ عَلَيْكَ وَلَمْ يَكْنُ ** لِقَاؤُكَ إِلاَّ مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ

وفي الحديث عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: «كُنْتُ خَلِيْلًا مِنْ وَرَاءُ وَرَاءُ».
وثبوت الهاء في تصغيرها شاذّ؛ لأن ما زاد من المؤنث على ثلاثة لا تثبت الهاء في مصغره إلا في لفظتين شذتا وهما: ورئية وقديديمة: تصغير وراء وقدام.
وقال ابن عصفور: لأنهما لم يتصرفا فلو لم يُؤنَّثَا في التصغير لتُوُهِّمَ تذكيرهما.
والوراء: ولد الولد أيضًا.
قوله: {وَهُوَ الْحَقُّ} مبتدأ أو خبر، والجملة في محلّ نصب على الحالن والعامل فيها قوله: {يكفرون} وصاحبها فاعل يكفرون وأجاز أبو البقاء أن يكون العامل الاستقرار الذي في قوله: {بما وراءه} أي بالذي استقرّ وراءه، وهو الحق.
وهذا إشارة إلى وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما ثبت نبوّته بالمعجزات التي ظهرت عليه، ثم إنه عليه الصَّلاة والسَّلام أخر أن هذا القرآن منزّل من عند الله، وأن فيه أمر المكلفين به، فكان الإيمان به محقّق لا مَحَالة.
قوله: {مُصَدِّقًا} حال مؤكدة، لأن قوله: {وَهُوَ الْحَقُّ} قد تضمّن معناها، والحال المؤكدة: إما أن تؤكد عاملها، نحو:
{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60] وإما أن تؤكد مضمون جملة، فإن كان الثاني التزم بإضمار عاملها، وتأخيرها عن الجملة، ومثله أنشد سيبويه: البسيط:
أَنا ابْنُ دَارَةَ مَعْرُوفًا بِهَا نَسَبِي ** وَهَلْ بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ مِنّ عَارِ

والتقدير: وهو الحق أحُقّه مصدقًا وابنَ دَارَةَ أعْرَف معروفًا، هذا تقرير كلام النحويين، وأما أبو البقاء، فإنه قال: مصدقًا حال مؤكِّدة، والعامل فيها ما في {الحق} من معنى الفعل، إذ المعنى: وهو ثابت مصدقًا، وصاحب الحال الضمير المستتر في {الحَقّ} عند قوم، وعند آخرين صاحب الحال ضمير دلّ عليه الكلام، و{الحق}: مصدر لا يتحّمل الضمير على حسب تحمّل اسم الفاعل له عندهمم.
فقوله: وعند آخرين هو القول الذي قدّمناه وهو الصواب، وما في قوله: {لِمَا مَعَهُمْ} في موضع خفض باللام، و{معهم} صلتها، و{معهم} نصب بالاستقرار.
قوله: {فلم تقتلون} الفاء جواب شرط مقدر وتقديره: إن كنتم آمنتم بما أنزل عليكم فلم قتلتم الأنبياء؟ وهذا تكذيب لهم؛ لأن الإيمان بالتوراة مناف لتقل أشرف خلقه وذلك لأن التوراة دلّت على أن المعجزات تدلّ على الصدق، وتدل على أنّ من كان صادقًا في ادعاء النبوة كان قتله كفرًا، وإذا كان الأمر كذلك كان السعي في قَتْل يحيى وزكريا وعيسى عليهم السلام كفرًا فلم سعيتم في ذلك إن صدقتم في ادّعائكم كونكم مؤمنين بالتوراة؟
ولم جار ومجرور، واللام حرف، وما استفهامية في محلّ جرن أي: لأي شيء؟ ولكن حذف ألفها فرقًا بينها وبين ما الخبرية.
وقد تحمل الاستفهامية على الخبرية فتثبت ألفها؛ قال الشاعر: الوافر:
عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ ** كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ

وهذا ينبغي أن يُخَصّ بالضرورة، كما نص عليه بعضهم، والزمخشري يجيز ذلك، ويخرج عليه بعض أي القرآن، كما قد تحمل الخبرية على الاستفهامية في الحَذْف في قولهم: اصنع بم شئت وهذا لمجرد التشبيه اللفظي.
وإذا وُقِفَ على ما الاستفهامية المجرورة، فإن كانت مجرورة باسم وَجَبَ لَحاقُ هاء السَّكْت نحو مجيء مه، وإن كانت مجرورة بحرف فالاختيار اللحاق، والفرق أن الحرف يمتزج بما يدخل عليه فتقوى به الاستفهامية، بخلاف الاسم المضاف إليها، فإنه في نيّة الانفصال، وهذا الوَقْف إنما يجوز ابتداء، أو بقطع نفس، ولا جَرَمَ أن بعضهم منع الوَقْف على هذا النحو قال: إنه إن وقف بغير هاء كان خطأ؛ لنقصان الحرف، وإن وقف بها خالف السَّواد.
لكن البزي قد وقف بالهاء، ومثل ذلك لا يُعد مخالفة للسَّواد، ألا ترى إلى إثباتهم بعضَ ياءات الزوائد.
والجار متعلق بقوله: {تقتلون}، ولكنه قُدِّم عليه وجوبًا، لأن مجروره له صدر الكلام، والفاء وما بعدها من {تقتلون} في محلّ جزم، وتقتلون وإن كان بصيغة المضارع، فهو في معنى الماضي لفهم المعنى، وأيضًا فمعه قوله: {مِنْ قَبْل} وأيضًا فإن الأنبياء عليهم السلام إنما كانوا في ذلك الزمان، وأيضًا فالحاضرون لم يفعلوا ذلك ولا يتأتى لهم قتل الماضيين، وجاز إسناد القتل إليهم وإن لم يَتَعَاطَوه؛ لأنهم لما كانوا راضين بفعل أَسْلاَفهم جعلوا كأنهم فعلوا هم أنفسهم.
فإن قيل: كيف جاز قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ} من قبل، ولا يجوز أن يقال: أنا أضربك أمس؟
فالجواب من وَجْهَيْن:
الأول: أن ذلك جائز فيما كان بمنزلة الصّفة اللازمة كقولك لمن تعرفه بما سلف من قبح فعله: ويحك لم تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك.
قال الله تعالى: {واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين} [البقرة: 102] ولم يقل: ماتلت الشياطين؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
والثاني: كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إن كنتم مؤمنين بالتوراة؟
قال بعضهم: جاء {تقتلون} بلفظ الاستقبال، وهو بمعنى المُضِيّ لما ارتفع الإشكال بقوله: {من قبل} وإذا لم يشكل فجائز أن يأتي الماضي بمعنى المستقبل وبالعكس.
قال الحطيئة: الكامل:
شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ يَوْمَ يَلْقَى رَبَّهُ ** أَنَّ الْوَلِيدَ أَحَقُّ بِالْعُذْرِ

شهد بمعنى يشهد.
قوله: {إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
في: {إنْ} قولان:
أحدهما: أنها شرطية، وجوابه محذوف تقديره: إن كنتم مؤمنين فلم فعلتم ذلك؟
ويكون الشرط وجوابه قد ذكر مرتين فَحُذِفَ الشَّرْط من الجملة الأولى، وبقي جوابه وهو: فلم تقتلون، وحذف الجواب من الثَّانية، وبقي شرطه، فقد حذف من كلّ واحدة ما أثبت في الأخرى.
قال ابن عطية رحمه الله: جوابها متقدم، وهوقوله: {فلم} وهذا إنما يتأتى على قول الكُوفيين، وإبي زيد.
والثاني: أن إن نافية بمعنى ما أي: ما كنتم مؤمنين لمُنَافَاةِ ما صدر منكم الإيمان. اهـ. باختصار.