فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد نزل الملائكة يوم بدر لاستئصال سادة المشركين ورؤسائهم.
والخطب تقدم في قوله تعالى: {قال ما خطبكنّ} في [سورة يوسف: 51].
والقوم المجرمون هم قوم لوط أهل سدوم وقُراها.
وتقدم ذكرهم في سورة هود.
والاستثناء في {إلا آل لوط} منقطع لأنهم غير مجرمين.
واستثناء {إلا امرأته} متصل لأنها من آل لوط.
وجملة {إنا لمنجوهم أجمعين} استئناف بياني لبيان الإجمال الذي في استثناء آل لوط من متعلق فعل {أرسلنا} لدفع احتمال أنهم لم يرسلوا إليهم ولا أمروا بإنجائهم.
وفي قوله: {أرسلنا إلى قوم مجرمين} إيجاز حذف.
وتقدير الكلام: إنا أرسلنا إلى لوط لأجل قوم مجرمين، أي لعذابهم.
ودل على ذلك الاستثناء في {إلا آل لوط}.
وقرأ الجمهور {لمنجوهم} بفتح النون وتشديد الجيم مضارع نجّى المضاعف.
وقرأه حمزة والكسائي وخلف بسكون النون وتخفيف الجيم مضارع أنجى المهموز.
وإسناد التقدير إلى ضمير الملائكة لأنهم مُزمعون على سببه.
وهو ما وكلوا به من تحذير لوط عليه السلام وآله من الالتفات إلى العذاب، وتَرْكِهم تحذير امرأته حتى التفتت فَحل بها ما حل بقوم لوط.
وقرأ الجمهور {قدرنا} بتشديد الدال من التقدير.
وقرأه أبو بكر عن عاصم بتخفيف الدال من قدَر المجرد وهما لغتان.
وجملة {إنها لمن الغابرين} مستأنفة.
و{إن} معلقة لفعل {قدرنا} عن العمل في مفعوله.
وأصل الكلام قدرنا غُبُورها، أي ذهابها وهلاكها.
والتعليق يطرأ على الأفعال كلها وإنما يكثر في أفعال القلوب ويقلّ في غيرها.
وليس من خصائصها على التحقيق.
وتقدم ذكر الغابرين في سورة الأعراف.
{فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61)}
تفريع على حكاية قصتهم مع إبراهيم وقد طوي ما هو معلوم من خروج الملائكة من عند إبراهيم.
والتقدير: ففارقوه وذهبوا إلى لوط فلما جاءوا لوطًا.
وعُبر بآل لوط عليه السلام لأنهم نزلوا في منزلة بين أهله فجاءوا آله وإن كان المقصود بالخطاب والمجيء هو لوط.
وتولى لوط عليه السلام تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم: {إنكم قوم منكرون}، أي لا تعرف قبيلتكم.
وتقدم عند قوله تعالى: {نكرهم} في سورة هود [70] وقد أجابوه بما يزيل ذلك إذ قالوا {بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} إضرابًا عن قوله: {إنكم قوم منكرون} وإبطالًا لما ظنه من كونهم من البشر الذين لم يعرف قبيلتهم فلا يأمنهم أن يعاملوه بما يضرّه.
وعبر عن العذاب بـ {ما كانوا فيه يمترون} إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التعذيب، أي بالأمر الذي كان قومك يشكون في حلوله بهم وهو العذاب، فعلم أنهم ملائكة.
والمراد بالحق الخبر الحق، أي الصدق، ولذلك ذيل بجملة {وإنا لصادقون}.
وقوله: {قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون} حكاية لخطاب الملائكة لوطا عليه السلام لمعنى عباراتهم محولة إلى نظم عربي يفيد معنى كلامهم في نظم عربي بليغ، فبِنَا أن نبيّن خصائص هذا النظم العربي:
فإعادة فعل {أتيناك} بعد واو العطف مع أن فعل {أتيناك} مرادف لفعل {جئناك} دون أن يقول: و{بالحق}، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف.
والتعبيرُ في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد، كقوله تعالى في سورة الفرقان [33]: {ولا يأتونك بمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيرًا} وعليه تكون الباء في قوله: {بما كانوا فيه يمترون} وقوله: {بالحق} للملابسة.
ويحتمل أن تكون لِذكر الفعل الثاني وهو {وأتيناك} خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به.
فلما كان المتعلق بفعل {جئناك} أمرًا حسيًا وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنًى كالحقيقي، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساوٍ للحقيقي، أوثر فعل {جئناك} ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به {ما كانوا فيه يمترون}.
وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب، فموقع قوله تعالى: {بما كانوا فيه يمترون} مَوقع مفعول به، كما تقول {ذهبتُ به} بمعنى أذهبتُه وإن كنتَ لم تذهب معه، ألاَ ترى إلى قوله تعالى: {فإما نذهبنّ بك} [سورة الزخرف: 41]. أي نُذهبك من الدنيا، أي نميتك.
فهذه الباء للتعدية وهي بمنزلة همزة التعدية.
وأما متعلق فعل {أتيناك} وهو {بالحق} فهو أمر معنوي لا يقع منه الإتيان فلا يتعلق بفعل الإتيان فغُيرت مادة المجي إلى مادة الإتيان تنبيهًا على إرادة معنى غير المراد بالفعل السابق، أعني المجيء المجازي.
فإن هذا الإتيان مسند إلى الملائكة بمعناه الحقيقي، وكانوا في إتيانهم ملابسين للحق، أي الصدق، وليس الصدق مسندًا إليه الإتيانُ.
فالباء في قوله تعالى: {بالحق} للملابسة لا للتعدية.
والقِطْع بكسر القاف وسكون الطاء الجزء الأخير من الليل.
وتقدم عند قوله تعالى: {قطعًا من الليل مظلمًا} في [سورة يونس: 27].
وأمروه أن يجعل أهله قُدامه ويكون من خلفهم، فهو يتبع أدبارهم، أي ظهورهم ليكون كالحائل بينهم وبين العذاب الذي يحل بقومه بعقب خروجه تنويهًا ببركة الرسول عليه السلام، ولأنهم أمروه أن لا يلتفت أحد من أهله إلى ديار قومهم لأن العذاب يكون قد نزل بديارهم.
فبكونه وراء أهله يخافون الالتفات لأنه يراقبهم.
وقد مضى تفصيل ذلك في سورة هود، وأن امرأته التفتت فأصابها العذاب.
و{حيث تؤمرون} أي حيث تؤمرون بالمضي.
ولم يبينوا له المكان الذي يقصده إلا وقت الخروج، وهو مدينة عمورية، كما تقدم في سورة هود.
{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)}
{قضينا} قدرنا، وضمن معنى أوحينا فعدي بـ {إلى}.
والتقدير: وقضينا ذلك الأمر فأوحينا إليه، أي إلى لوط عليه السلام، أي أوحينا إليه بما قضينا.
و{ذلك الأمر} إبهام للتهويل.
والإشارة للتعظيم، أي الأمر العظيم.
و{أن دابر هؤلاء مقطوع} جملة مفسرة لـ: {ذلك الأمر} وهي المناسبة للفعل المضمن وهو {أوحينا}.
فصار التقدير: وقضينا الأمرَ وأوحينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع.
فنُظم الكلام هذا النظم البديع الوافر المعنى بما في قوله: {ذلك الأمر} من الإبهام والتعظيم.
ومجيء جملة {دابر} مفسرة مع صلوحية {أنّ} لبيان كل من إبهام الإشارة ومن فعل {أوحينا} المقدر المضمن، فتم بذلك إيجاز بديع معجز.
والدابرُ: الآخر، أي آخر شخص.
وقطعه: إزالته.
وهو كناية عن استئصالهم كلهم، كما تقدم عند قوله تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا} في [سورة الأنعام: 45].
وإشارة {هؤلاء} إلى قومه.
و{مصبحين} داخلين في الصباح، أي في أول وقته، وهو حال من اسم الإشارة.
ومبدأ الصباح وقت شروق الشمس ولذلك قال بعده {فأخذتهم الصيحة مشرقين} [سورة الحجر: 73]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)} أي: ما هو الأمر العظيم الذي جِئْتم من أجله؛ لأن الخَطْب هو الحَدث الجَلل الذي ينتاب الإنسان؟ وسُمِّي خَطْبًا لأنه يشغل بال الناس جميعًا فيتخاطبون به، وكلما التقتْ جماعة من البشر بجماعة أخرى فَهُمْ يتحدثون في هذا الأمر.
ولذلك سُمِّيتْ رغبة الزواج بين رجل وامرأة وَتَقدّمه لأهلها طَلبًا لِيَدها خِطْبة؛ لأنه أمر جلَلَ وهَامّ؛ ذلك أن أحدًا لو نظر إلى المرأة؛ ورآه واحدٌ من أهلها لَثَار من الغَيْرة؛ ولكن ما أن يدقَّ البابَ طالبًا يدَها، فالأمر يختلف؛ لأن أهلها يستقبلون مَنْ يتقدّم للزواج الاستقبالَ الحسن؛ ويقال: جدعَ الحلالُ أنْفَ الغَيْرة.
وهنا قال إبراهيم عليه السلام للملائكة: ما خَطْبكم أيها المُرْسلون؟ أي: لأيِّ أمر جَلَلٍ أتيتُم؟
ويأتي الجواب من الملائكة في قول الحق سبحانه: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58)}
ونعلم أن كلمة القوم مأخوذةٌ من القيام، وهُم القوم الذين يقومون للأحداث؛ ويُقصد بهم الرجال، دون النساء لأن النساء لا يَقُمْنَ للأحداث؛ والحق سبحانه هو الذي يُفصِّل هذا الأمر في قوله: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [الحجرات: 11].
فلو أن كلمة القوم تُطلَق على النساء؛ لَوصفَ بها الحق سبحانه النساء أيضًا؛ وذلك كي نعلم أن الرجال فقط هم الذين يقومون للأحداث؛ ولنعلم أن للمرأة منزلتها في رعاية أسرتها؛ فلا تقوم إلا بما يخصُّ هذا البيت.
وهنا أخبرتْ الملائكة إبراهيم عليه السلام أنهم مُرْسَلون إلى قوم مُجرمين؛ وهم قوم لوط الذين أرهقوا لوطًا بالتكذيب وبالمعاصي التي أدمنوها.
ولكن الحق سبحانه يستثني آل لوط من جريمة قوم لوط، فقد كانت أغلبية قوم لوط من الفاسدين، فيقول سبحانه: {إِلاَّ آلَ لُوطٍ}.
وهذا استثناءٌ لآل لُوطٍ من المجرمين، والمُجرِم هو المُنقطِع عن الحق، والجريمة هي الانقطاع عن الحق لانتصار الباطل، غلب اسم القوم على الجماعة المُجْرمين، وهكذا كان الاستثناء من هؤلاء المجرمين. الذين أجرموا في حق منهج الله، والقيم التي نادى بها لوط عليه السلام.
وهكذا كان الإرسال للإنجاء لمن آمن والإهلاك لمن أعرض ونأى بجانبه في مهمة واحدة.
ثم يأتي استثناء جديد؛ حيث يقرر الحق سبحانه أن امرأة لوط سيشملها الإهلاك، فيقول سبحانه: {إِلاَّ امرأته}.
ونعلم في اللغة أنه إذا توالتْ استثناءات على مُستثنى منه؛ نأخذ المُسْتثنى الأول من المُسْتثنى منه، والمستثنى الثاني نأخذه من المستثنى الأول، والمستثنى الثالث نأخذه من المستثنى الثاني.
والمثل أن يقول لك من تدينه لك عشرة جنيهات إلا أربعة أي: أنه أقرَّ بأن لك ستة جنيهات؛ ولكنك تنظر إليه لعلَّه يتذكر كم سدَّد إليك؟ فيقول: لك إلا درهمًا وهكذا يكون قد أقرَّ بسبعة دراهم كَدَيْن؛ بعد أنْ كان قد أقرَّ بستة؛ ذلك أنه قال: لك عشرة جنيهات إلا أربعة، ثم أضاف: إلا درهمًا.
وهكذا يكون قد استثنى من الأربعة الجنيهات التي قال إنه سَدَّدها لك جنيهًا آخر؛ وبذلك يكون ما سدده من دين ثلاث جنيهات، وبقي عنده سبعة جنيهات.
والحق سبحانه هنا يستثني امرأة لوط من الذين استثناهم من قبل للنجاة، وهم آل لوط، والملائكة التي تقوم ذلك لم تُقدِّر الأمر بإهلاك امرأة لوط؛ بل هي تُنفِّذ التقدير الأعلى؛ فسبحانه هو مَنْ قدَّر وأمر: {إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} [الحجر: 60].
والغابر هنا بمعنى داخل؛ أو هو من أسماء الأضداد؛ وهي لن تنجو؛ لأن مَنْ تقررتْ نجاتهم سيتركون القرية؛ وسيهلك مَنْ يبقى فيها، وامرأة لُوط من الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات؛ ومن الإثبات نفي، فاستثناء امرأة لوط من الناجين يلحقها بالهالكين.
وتنتقل السورة من إبراهيم إلى لوط- عليه السلام- فيقول الحق سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ}.
وهكذا قال لوط عليه السلام للملائكة عندما وصلوا إليه، فقد كان مشهدهم غايةً في الجمال؛ ويعلم أن قومه يُعَانُون من الغلمانية، ويحترفون الفاحشة الشاذة؛ لذلك نجد الحق سبحانه يقول عن معاملته للملائكة في موقع آخر من القرآن: {سياء بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [هود: 77].
ذلك أن لوطًا عَلِم أن قومه سيطمعون في هؤلاء المُرْد، لذلك ما أنْ جاءوه حتى أعلن لهم أنه غَيْر مرغوب فيهم؛ ولم يرحب بهم، ذلك أنهم قد دخلوا عليه في صورة شبان تضيء ملامحهم بالحُسْن الشديد؛ مما قد يُسبِّب غواية لقومه.
كما أنهم قد دخلوا عليه، وليس على ملامحهم أيّ أثر للسفر؛ كما أنهم ليسوا من أهل المنطقة التي يعيش فيها؛ لذلك أنكرهم.
ويقول سبحانه ما جاء على لسان الملائكة لحظةَ أن طمأنوا لوطًا كشفوا له عن مهمتهم: {قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ}.
وهكذا أعلنوا للوط سبب قدومهم إليه؛ كي يُنزِلوا العقابَ بالقوم الذين أرهقوه، وكانوا يشكُّون في قدرة الحق سبحانه أنْ يأخذهم أَخْذَ عزيز مُقْتدر، وفي هذا تَسْرية عنه.
ثم يُؤكِّدون ذلك بما أورده الحق سبحانه على ألسنتهم: {وَآتَيْنَاكَ بالحق}.
أي: جِئْنا لك بأمر عذابهم الصادر من الحقِّ سبحانه؛ فلا مجالَ للشكِّ أو الامتراء، ونحن صادقون فيما نُبلِّغك به.
ويقولون له من بعد ذلك: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}.
أي: سِرْ أنت وأهلك في جزء من الليل، ومرة يُقَال سرى، ومرة يُقال أسرى؛ ويلتقيان في المعنى، ولكن {أسرى} تأتي في موقع آخر من القرآن، وتكون مُتعدِّية مثل قول الحق: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1].
وقولهم هنا {أسر بأهلك} هو تعبير مُهذّب عن صُحْبة النساء والأبناء، ونجد في ريفنا المصري مَنْ لا يتكلم أبدًا في حديثه عن المرأة أو البنات؛ فيقول الواحد منهم قال الأولاد كذا، فكأن اسم المرأة مبنيٌّ على السَّتْر دائمًا، وكذلك نجد كثيرًا من الأحكام تكون المرأة مَطْمورة في حكم الرجل إلا في الأمر المُتعلِّق بها.
وهنا يقول الحق سبحانه: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اليل} [الحجر: 65].
وكلمة قطع هي اسم جمع، والمقصود هو أن يخرج لوطٌ بأهله في جُزْء من الليل، أو من آخر الليل، فهذا هو منهج الإنجاء الذي أخبر به الملائكة لوطًا، ليتبعه هو وأهله والمؤمنون به، وأوصوه أن يتبعَ أدبار قومه بقولهم: {واتبع أَدْبَارَهُمْ} [الحجر: 65].
أي: أن يكون في المُؤخّرة، وفي ذلك حَثٌّ لهم على السُّرعة.
وكان من طبيعة العرب أنهم إذا كانوا في مكان ويرحلون منه؛ فكل منهم يحمل رَحْلَه على ناقته؛ وأهله فيها فوق الناقة ويبتدئون السير، ويتخلف رئيس القوم، واسمه مُعقِّب كي يرقُب إنْ كان أحد من القوم قد تخلَّف أو تعثَّر أو ترك شيئًا من متاعه، ويُسمُّون هذا الشخص مُعقِّب.
وهنا تأمر الملائكة لوطًا أن يكون مُعقّبًا لأهله والمؤمنين به؛ لِيحثّهم على السير بسرعة؛ ثم لِينفذ أمرًا آخرَ يأمره به الحق سبحانه: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} [الحجر: 65].
وتنفيذ الأمر بعدم الالتفات يقتضي أن يكون لوط في مُؤخّرة القوم؛ ذلك أن الالتفاتَ يأخذ وَقْتًا، ويُقلّل من سرعة مَنْ يلتفت؛ كما أن الالتفاتَ إلى موقع انتمائهم من الأرض قد يُثير الحنين إلى مواقع التَّذكار وأرض المَنْشأ، وكل ذلك قد يُعطّل حركة القوم جميعهم؛ لذلك جاء الأمر الإلهي: {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65].