فصل: قال الثعالبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: مقيم معلوم.
وقيل: معتد دائم.
وقال ابن عباس: هلاك دائم السلوك إنّ في ذلك أي: في صنعنا بقوم لوط لعلامة ودليلًا لمن آمن بالله.
{وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
الأيكة: الشجرة الملتفة واحدة أيك.
قال الشاعر:
تجلو بقادمتي حمامة ايكة ** بردًا أسف لثاته بالإِثمد

{وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين}
{فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين}: هم قوم شعيب، والأيكة التي أضيفوا إليها كانت شجر الدوم.
وقيل: المقل.
وقيل: السدر.
وقيل: الأيكة اسم الناحية، فيكون علمًا.
ويقويه قراءة من قرأ في الشعراء وص: {ليكة} ممنوع الصرف.
كفروا فسلط الله عليهم الحر، وأهلكوا بعذاب الظلة.
ويأتي ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى في سورة الشعراء.
وإنْ عند البصريين هي المخففة من الثقيلة، وعند الفراء نافية، واللام بمعنى ألا.
وتقدم نظير ذلك في: {وإن كانت لكبيرة} في البقرة.
والظاهر قول الجمهور من أنّ الضمير في وأنهما عائد على قريتي: قوم لوط، وقوم شعيب.
أي: على أنهما ممر السائلة.
وقيل: يعود على شعيب ولوط أي: وإنهما لبإمام مبين، أي بطريق من الحق واضح، والإمام الطريق.
وقيل: وإنهما أي: الحر بهلاك قوم لوط وأصحاب الأيكة، لفي مكتوب مبين أي: اللوح المحفوظ.
قال مؤرج: والإمام الكتاب بلغة حمير.
وقيل: يعود على أصحاب الأيكة ومدين، لأنه مرسل إليهما، فدل ذكر أحدهما على الآخر، فعاد الضمير إليهما. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله: {يَسْتَبْشِرُونَ}، أي: بالأضياف طَمَعًا منهم في الفاحِشَةِ، وقولهم: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين}: روي أنهم كانوا تقدَّموا إِليه في ألاَّ يضيفَ أحدًا، والعَمْر والعُمْر- بفتح العين وضمِّها- واحدٌ، وهما مدة الحياة، ولا يستعملُ في القَسَم إِلا بالفتحِ، وفي هذه الآية شرَفٌ لنبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأن اللَّه عزَّ وجلَّ أقسَمَ بحياته، ولم يفعلْ ذلك مع بَشَرٍ سواه؛ قاله ابن عباس.
اللام في {لَعَمْرُكَ} للابتداءِ، والكافُ خطابٌ لِلُوطٍ عليه السلام، والتقديرُ: قالتِ الملائكةُ له: لَعَمْرُكَ، واقتصر على هذا.
وما ذَكَرَهُ * ع *: هو الذي عَوَّل عليهِ عِيَاضٌ وغيره.
وقال ابن العربيِّ في أحكامه: قال المفسِّرون بأجمعهم: أقْسَمَ اللَّهُ في هذه الآيةِ بِحَيَاةِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، ولا أدْرِي ما أخرجَهم عن ذكْر لُوطٍ إِلى ذكْرِ محمَّد عليه السلام، وما المانعُ أنْ يُقْسِمَ اللَّه بحياةِ لوطٍ، ويبلغ به من التشريفِ ما شاءَ، وكلُّ ما يُعْطِي اللَّه لِلُوطٍ مِنْ فضلٍ، ويؤتيه مِنْ شَرَفٍ، فلنبيِّنا محمَّد عليه السلام، ضعفاه؛ لأنه أكرمُ على اللَّه منه، وإِذا أقسم اللَّه بحياةِ لوطٍ، فحياة نبينا محمَّد عليه السلام أرْفع، ولا يخرج من كلامٍ إِلى كلامٍ آخر غيره، لم يجْرِ له ذكْرٌ؛ لغير ضرورة. انتهى.
وما ذكَرَه الجمهورُ أحْسَنُ؛ لأن الخطاب خطابُ مواجهةٍ؛ ولأنه تفسير صحابيٍّ، وهو مقدَّم على غيره، و{يَعْمَهُونَ}: معناه: يتردَّدون في حيرتهم، و{مُشْرِقِينَ}: معناه: قد دَخَلوا في الإِشراق، وهو سطوعُ ضوء الشمس وظهوره؛ قاله ابن زيد، وهذه الصَّيْحةُ هي صيحة الوجْبَة، وليستْ كصيحةِ ثمود، وأهلكوا بعد الفَجْرِ مُصْبحين، واستوفاهم الهَلاَكُ مُشْرِقين، وباقي قصص الآية تقدَّم تفسير.
و{للمتوسمين}: قال مجاهد: المتفرِّسون، وقال أيْضًا: المعتبرون، وقيل غير هذا، وهذا كلُّه تفسيرٌ بالمعنَى، وأما تفسير اللفظة، فالمتوسِّم هو الذي يَنْظُرُ في وَسْمِ المعنَى، فيستدلُّ به على المعنى، وكأن معصيةَ هؤلاء أبقَتْ من العذابِ والإِهلاكِ وَسْمًا، فمَنْ رأَى الوَسْم، استدل على المعصية به واقتاده النظر إِلى تجنُّب المعاصِي؛ لئلا ينزل به ما نَزَلَ بهم؛ ومِنَ الشِّعْرِ في هذه اللفظة قولُ الشاعر: الطويل.
تَوَسَّمْتُهُ لَمَّا رَأَيْتُ مَهَابَةً ** عَلَيْهِ وَقْلْتُ المَرْءُ مِنْ آلِ هَاشِمِ

والضمير في قوله: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ}: يحتمل أنْ يعود على المدينةِ المُهْلَكَة، أي: أنها في طريقٍ ظاهر بيِّن للمعتَبِر، وهذا تأويلُ مجاهد وغيره، ويحتمل أن يعود على الآيات، ويحتملُ أنْ يعود على الحِجَارَةِ، ويقوِّيه ما روي عنه صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّه قَالَ: «إِنَّ حِجَارَةَ العَذَابِ مُعَلَّقَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مُنْذُ أَلْفَيْ سَنَةٍ لِعُصَاةِ أُمَّتِي».
وقوله سبحانه: {وَإِن كَانَ أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا مِنْهُمْ}: {الأَيْكَةِ}: الغَيْضة والشجَرُ الملتفُّ المُخْضَرُّ، قال الشاعر: الطويل.
أَلاَ إِنَّمَا الدُّنْيَا غَضَارَةُ أَيْكَةٍ ** إِذا اخْضَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ جَفَّ جَانِبُ

وكان هؤلاءِ قومًا يسكنون غَيْضَة، ويرتَفِقُون بها في معايِشِهم، فبعث إِليهم شعيبٌ، فكفروا به، فسَلَّط اللَّه عليهم الحَرَّ، فدام عليهم سبعةَ أيام، ثم رَأَوْا سحابة، فخرجُوا، فاستظلوا بها، فأمطرتْ عليهم نارًا، وحكى الطبريُّ قال: بُعِثَ شعيبٌ إِلى أَمَّتَيْنِ، فكفرتا، فعُذِّبتا بعذابَيْنِ مختلفينِ: أهْلِ مَدْيَنَ عَذِّبوا بالصيحة، وأصْحَابِ الأيكة بالظُّلَّة.
وقوله: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ}: الضميرُ في {وإنهما}: يحتملُ أنْ يعود على مدينةِ قومِ لوطٍ، ومدينة أصحابِ الأيْكَة، ويحتملُ أنْ يعود على لُوطٍ وشُعَيْبٍ عليهما السلام، أي: أنهما على طريقٍ من اللَّه وشَرْعٍ مبينٍ، والإِمامُ، في كلام العرب: الشيء الذي يهتدى به، ويؤتَمُّ به؛ فقد يكون الطريقَ، وقد يكون الكتابَ، وقد يكونُ الرَّجُلَ المقتدَى به، ونَحْوَ هذا، ومَنْ رأى عودَ الضميرِ على المدينتين، قال: الإِمام: الطريقُ، وقيل على ذلك الكتاب الذي سبق فيه إِهلاكهما. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَجَاء أَهْلُ المدينة}
شروعٌ في حكاية ما صدر عن القوم عند وقوفِهم على مكان الأضيافِ من الفعل والقول وما ترتب عليه بعدما أشير إلى ذلك إجمالًا حسبما نبه عليه، أي جاء أهلُ سدومَ منزلَ لوط عليه الصلاة والسلام {يَسْتَبْشِرُونَ} أي مستبشرين بأضيافه عليه الصلاة والسلام طمعًا فيهم.
{قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِى} الضيفُ حيث كان مصدرًا في الأصل أُطلق على الواحد والمتعددِ والمذكرِ والمؤنث، وإطلاقُه على الملائكة بحسب اعتقادِه عليه الصلاة والسلام لكونهم في زِيّ الضيف، والتأكيدُ ليس لإنكارهم بذلك بل لتحقيق اتِّصافِهم به وإظهارِ اعتنائه بشأنهم وتشمُّره لمراعاة حقوقِهم وحمايتهم من السوء، ولذلك قال: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} أي عندكم بأن تتعرضوا لهم بسوء فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدْرٌ وحرمة، أو لا تفضحونِ بفضيحة ضيفي فإن من أُسيء إلى ضيفه فقد أُسيءَ إليه، يقال: فضحَه فضحًا وفضيحةً إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار.
{واتقوا الله} في مباشرتكم لما يسؤوني {وَلاَ تُخْزُونِ} أي لا تُذِلوني ولا تُهينوني بالتعرض لمن أجَرْتُهم بمثل تلك الفَعْلةِ الخبيثة، وحيث كان التعرضُ لهم بعد أن نهاهم عليه الصلاة والسلام عن ذلك بقوله: فلا تفضحونِ أكثرَ تأثيرًا في جانبه عليه الصلاة والسلام وأجلبَ للعار إليه، إذِ التعرّضُ للجار قبل شعورِ المُجير بذلك ربما يُتسامَح فيه، وأما بعد الشعورِ به والمناصبةِ لحمايته والذبِّ عنه فذاك أعظمُ العار، عبّر عليه الصلاة والسلام عما يعتريه من جهتهم بعد النهي المذكورِ بسبب لَجاجِهم ومُجاهرتِهم بمخالفته بالخِزي وأمرَهم بتقوى الله تعالى في ذلك، وإنما لم يصرَّحْ بالنهي عن نفس تلك الفاحشةِ لأنه كان يعرِف أنه لا يفيدهم ذلك، وقيل: المرادُ تقوى الله تعالى في ركوب الفاحشةِ، ولا يساعده توسيطُه بين النهيَيْن عن أمرين متعلقين بنفسه عليه الصلاة والسلام.
وكذلك قوله تعالى: {قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} أي عن التعرض لهم بمنعهم عنا وضيافتِهم، والهمزةُ للإنكار والواو للعطف على مقدر، أي ألم نتقدمْ إليك ولم ننْهَكَ عن ذلك فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحدٍ من الغرباء بالسوء، وكان عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن ذلك بقدر وُسعِه وكانوا قد نهَوْه عليه الصلاة والسلام عن أن يُجير أحدًا، فكأنهم قالوا: ما ذكرتَ من الفضيحة والخِزي إنما جاءك من قِبَلك لا من قِبَلنا إذ لولا تعرضُك لما نتصدَّى له لَما اعتراك تلك الحالةُ، ولمّا رآهم لا يُقلِعون عما هم عليه.
{قَالَ هؤلاء بَنَاتِى} يعني نساءَ القومِ، فإن نبيَّ كلِّ أمةٍ بمنزلة أبيهم أو بناتِه حقيقةً أي فتزوجوهن، وقد كانوا من قبلُ يطلبُونهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدمِ كفاءتِهم، لا لعدم مشروعية المُناكحةِ بين المسلمات والكفار وقد فُصّل ذلك في سورة هود. {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي قضاءَ الوطر أو ما أقول لكم.
{لَعَمْرُكَ} قسمٌ من الله تعالى بحياة النبي عليه الصلاة والسلام أو من الملائكة بحياة لوطٍ عليه الصلاة والسلام والتقديرُ لعَمرُك قسمي، وهي لغة في العُمُر يختص به القسم إيثارًا للخِفة لكثرة دورَانِه على الألسنة {إِنَّهُمْ لفي سكرتهم} غَوايتهم أو شدة غُلْمتهم التي أزالت عقولَهم وتمييزَهم بين الخطإ والصواب {يَعْمَهُونَ} يتحيّرون ويتمادَوْن فكيف يسمعون النصح؟ وقيل: الضميرُ لقريش والجملةُ اعتراض.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي الصيحةُ العظيمة الهائلة، وقيل: صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام {مُشْرِقِينَ} داخلين في وقت شروق الشمس.
{فَجَعَلْنَا عاليها} عاليَ المدينة أو عاليَ قُراهم، وهو المفعولُ الأول لجعلنا وقوله تعالى: {سَافِلَهَا} مفعول ثانٍ له وهو أدخلُ في الهول والفظاعة من العكس كما مر {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ} في تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلابِ {حِجَارَةً} كائنة {مّن سِجّيلٍ} من طين متحجّر أو طينٍ عليه كتاب، وقد فصل ذلك في سورة هود.
{إِنَّ في ذَلِكَ} أي فيما ذكر من القصة {لاَيَاتٍ} لعلاماتٍ يُستدل بها على حقيقة الحق {لِلْمُتَوَسّمِينَ} أي المتفكّرين المتفرّسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرِفوا حقيقة الشيء بسَمْته.
{وَإِنَّهَا} أي المدينة أو القرى {لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} أي طريق ثابتٍ يسلُكه الناس ويرَوْن آثارها.
{إِنَّ في ذَلِكَ} فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمرآى من الناس يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم {لآيَةً} عظيمةً {لِلْمُؤْمِنِينَ} بالله ورسولِه، فإنهم الذين يعرِفون أن ما حاق بهم {من} العذاب الذي ترك ديارَهم بلاقعَ إنما حاق بهم لسوء صنيعهم، وأما غيرُهم فيحمِلون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلَكية، وإفرادُ الآية بعد جمعها فيما سبق لما أن المشاهدَ هاهنا بقيةُ الآثارِ لا كلُّ القصة كما فيما سلف.
{وَإِن كَانَ} إنْ مخففةٌ من إنّ، وضميرُ الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ واللام هي الفارقةُ أي وإن الشأن كان {أصحاب الأيكة} وهم قومُ شعيب عليه الصلاة والسلام، والأيكةُ والليكة الشجرةُ الملتفةُ المتكاثِفة، وكان عامة شجرِهم المقل وكانوا يسكنونها فبعثه الله تعالى إليهم {لظالمين} متجاوزين عن الحد.
{فانتقمنا مِنْهُمْ} بالعذاب. روي أن الله تعالى سلط عليهم الحرَّ سبعة أيام، ثم بعث سحابة فالتجأوا إليها يلتمسون الرَّوْحَ، فبعث الله تعالى عليهم منها نارًا فأحرقتهم، فهو عذابُ يوم الظلة {وَإِنَّهُمَا} يعني سدوم والأيكة، وقيل: والأيكة ومدينَ، فإنه عليه الصلاة والسلام كان مبعوثًا إليهما فذِكرُ أحدهما منبّهٌ على الآخر {لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} لبطريق واضحٍ، والإمام اسمُ ما يؤتمُّ به سُمِّيَ به الطريقُ ومطمر البناء واللوحُ الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ}
شروع في حكاية ما صدر من القوم عند وقوفهم على مكان الأضياف من الفعل وما ترتب عليه مما أشير إليه أولًا على سبيل الإجمال، وهذا مقدم وقوعًا على العلم بهلاكهم كما سمعت والواو لا تدل على الترتيب، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون هذا بعد العلم بذلك وما صدر منه عليه السلام من المحاورة معهم كان على جهة التكتم عنهم والإملاء لهم والتربص بهم، ولا يخفى أن كون المساءة وضيق الذرع من باب التكتم والإملاء أيضًا مما يأبى عنه الطبع السليم، والمراد بالمدينة سذوم وبأهلها أولئك القوم المجرمون، ولعل التعبير عنهم بذلك للإشارة إلى كثرتهم مع ما فيه من الإشارة إلى مزيد فظاعة فعلهم، فإن اللائق بأهل المدينة أن يكرموا الغرباء الواردين على مدينتهم ويحسنوا المعاملة معهم فهم عدلوا عن هذا اللائق مع من حسبوهم غرباء واردين إلى قصد الفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين وجاءوا منزل لوط عليه السلام {يَسْتَبْشِرُونَ} مستبشرين مسرورين إذ قيل لهم: إن عنده عليه السلام ضيوفًا مردًا في غاية الحسن والجمال فطمعوا قاتلهم الله تعالى فيهم: {قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِى} الضيف كما قدمنا في الأصل مصدر ضافه فيطلق على الواحد والجمع ولذا صح جعله خبرًا لهؤلاء، وإطلاقه على الملائكة عليهم السلام بحسب اعتقاده عليه السلام لكونهم في زي الضيف، وقيل: بحسب اعتقادهم لذلك، والتأكيد ليس لإنكارهم ذلك بل لتحقيق اتصالهم به وإظهار اعتنائه بهم عليه السلام وتشميره لمراعاة حقوقهم وحمايتهم عن السوء، ولذلك قال: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} أي عندهم بأن تتعرضوا لهم بسوء فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدر أو لا تفضحوني بفضيحة ضيفي فإن من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء إليه، يقال: فضحته فضحًا وفضيحة إذا أظهر من أمره ما يلزمه به العار، ويقال: فضح الصبح إذا تبين للناس.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69)}
{وَلاَ تُخْزُونِ} أي لا تذلوني ولا تهينوني بالتعرض بالسوء لمن أجرتهم فهو من الخزي بمعنى الذل، والهوان، وحيث كان التعرض لهم بعد أن نهاهم عنه بقوله: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} [الحجر: 68]. أكثر تأثيرًا في جانتبه عليه السلام وأجلب للعار إليه إذ التعرض للجار قبل العلم ربما يتسامح فيه وأما بعد العلم والمناصبة بحمايته والذب عنه فذاك أعظم العار، عبر عليه السلام عما يعتريه من جهتهم بعد النهي المذكور بسبب لجاجهم ومجاهرتهم بمخالفته بالخزي وأمرهم بتقوى الله تعالى في ذلك، وجوز أن يكون ذلك من الخزاية وهي الحياء أي لا تجعلوني استحيي من الناس بتعرضكم لهم بالسوء، واستظهر بعضهم الأول، وإنما لم يصرح عليه السلام بالنهي عن نفس تلك الفاحشة قيل: لأنه كان يعرف أنه لا يفيدهم ذلك، وقيل: رعاية لمزيد الأدب مع ضيفه حيث لم يصرح بما يثقل على سمعهم وتنفر عنه طباعهم ويرى الحر الموت ألذ طعمًا منه، وقال بعض الأجلة: المراد باتقوا الله أمرهم بتقواه سبحانه عن ارتكاب الفاحشة.
وتعقب بأنه لا يساعد ذلك توسيطه بين النهيين المتعلقين بنفسه عليه السلام وكذلك قوله تعالى: {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)} أي عن إجارة أحد منهم وحيلولتك بيننا وبينه أو عن ضيافة أحد منهم، والهمزة للإنكار والواو على ما قال غير واحد للعطف على مقدر أي ألم نتقدم إليك ولم ننهك عن ذلك فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد من الغرباء بالسوء وكان عليه السلام ينهاهم عن ذلك بقدر وسعه ويحول بينهم وبين من يعرضون له وكانوا قد نهوه عن تعاطي مثل ذلك فأنهم قالوا: ما ذكرت من الفضيحة والخزي إنما جاءك من قبلك لا من قبلناإذ لولا تعرضك لما تتصدى له لما اعتراك، ولما رآهم لا يقلعون عماهم عليه {قَالَ هؤلاء بَنَاتِى} يعني نساء القوم أو بناته حقيقة.
وقد تقدم الكلام في ذلك، واسم الإشارة مبتدأ و{بَنَاتِى} خبره، وفي الكلام حذف أي فتزوجوهن، وجوز أن يكون {بَنَاتِى} بدلًا أو بيانًا والخبر محذوف أي أطهر لكم كما في الآية الأخرى، وأن يكون {هَؤُلاء} في موضع نصب بفعل محذوف أي تزوجوا بناتي، والمتبادر الأول.
{إِن كُنتُمْ فاعلين} شك في قبولهم لقوله فكأنه قال: إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم تفعلون، وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله تعالى دون ما حرم، والوجه الأول كما في الكشف أوجه.
وفي الحواشي الشهابية: أنه أنسب بالشك، ويفهم صنيع بعضهم ترجيح الثاني قيل لتبادره من الفعل، وعلى الوجهين المفعول مقدر، وجوز تنزيل الوصف منزلة اللازم، وجواب الشرط محذوف أي فهو خير لكم أو فاقضوا ذلك {لَعَمْرُكَ} قسم من الله تعالى بعمر نبينا صلى الله عليه وسلم ما عليه جمهور المفسرين.