فصل: تفسير الآية رقم (92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (92):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دل على كذبهم في دعوى الإيمان بما فعلوا بعد موسى مما استحقوا به الخلود في النار أقام دليلًا آخر أقوى من كل ما تقدمه، فإنه لم يعهد إليهم في التوراة ما عهد إليهم في التوحيد والبعد عن الإشراك وهو في النسخ الموجودة بين أظهرهم الآن، وقد نقضوا جميع ذلك باتخاذ العجل في أيام موسى وبحضرة هارون عليهما السلام كما هو منصوص الآن فيما بين أيديهم منها فقال تعالى: {ولقد جاءكم موسى بالبينات} من الآيات.
ولما كان كفرهم مع ذلك في غاية الاستبعاد عبر عنه بأداته مصورًا لزيادة قبحه بترتبه على أظهر البيان وموبخًا لهم فقال: {ثم اتخذتم} أي مع العلاج لفطركم الأولى وعقولكم السليمة العجل ونبه بالجار على أن الاتخاذ في بعض زمن البعد فقال: من بعده أي بعد مفارقة موسى لكم إلى الطور كما في الآية الأخرى {فتنا قومك من بعدك} [طه: 85] وأنتم أي والحال أنكم ظالمون أي لم تزعموا أنه إلهكم على جهل منكم بل بعد مجيء البينات إليكم أن إلهكم إنما هو الله الذي أنقذكم من العبودية وأراكم من العجائب الخوارق ما لا يقبل شكًا وسمعتم كلامه فعلمتم أنه ليس بجسم ولا يشبه الجسم، فلم تفعلوا ذلك غلا لأن الظلم وهو المشي على غير نظام خبط عشواء وصف لكم لازم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ولقد جاءكم} مدغمة الدال في الجيم كل القرآن: أبو عمرو وحمزة وعلي خلف وهشام {جاءكم} وبابه بالإمالة: حمزة وخلف وابن ذكوان {قلوبهم العجل} بكسر الهاء والميم: أبو عمرو وسهل ويعقوب، وقرأ حمزة وعلي وخلف بضم الهاء والميم، الباقون بكسر الهاء وضم الميم وكذلك كل ما لقي الميم حرف ساكن وقبل الهاء كسرة {بما تعملون} بتاء الخطاب: يعقوب.

.الوقوف:

{ظالمون} o {الطور} ط لتقدير القول: {واسمعوا} ط {بكفرهم} ط {مؤمنين} o {صادقين} o {أيديهم} ط {بالظالمين} o {على حياة} ج على تقدير: ومن الذين أشركوا قوم يود أحدهم، ومن وقف على {أشركوا} فتقديره أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا و{يود} مستأنف للبيان وإنما لم يدخل من في الناس وأدخل في الذين أشركوا لأن اليهود من الناس وليسوا من المشركين كقولك الياقوت أفضل الحجارة وأفضل من الديباج {سنة} ط لأن ما بعده يصلح مستأنفًا وحالًا {أن يعمر} ط {يعملون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن تكرير هذه الآية يغني عن تفسيرها والسبب في تكريرها أنه تعالى لما حكى طريقة اليهود في زمان محمد صلى الله عليه وسلم ووصفهم بالعناد والتكذيب ومثلهم بسلفهم في قتلهم الأنبياء الذي يناسب التكذيب لهم بل يزيد عليه، أعاد ذكر موسى عليه السلام وما جاء به من البينات وأنهم مع وضوح ذلك أجازوا أن يتخذوا العجل إلهًا وهو مع ذلك صابر ثابت على الدعاء إلى ربه والتمسك بدينه وشرعه فكذلك القول في حالي معكم وإن بالغتم في التكذيب والإنكار. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ موسى بالبينات} اللام لام القَسَم.
والبينات قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] وهي العصا، والسُّنون، واليد، والدّم، والطُّوفان، والجراد، والقُمّل، والضفادع، وفلق البحر.
وقيل: البينات التوراة، وما فيها من الدلالات.
قوله تعالى: {ثُمَّ اتخذتم العجل} توبيخ، و{ثُمّ} أبلغ من الواو في التقريع؛ أي بعد النظر في الآيات والإتيان بها اتخذتم.
وهذا يدلّ على أنهم إنما فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات؛ وذلك أعظم لجرمهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ جَاءكُم موسى بالبينات} داخل تحت الأمر فهو من تمام التبكيت والتوبيخ وكذا ما يأتي بعد لا تكرير لما قص من قبل، والمراد بالبينات الدلائل الدالة على صدقه عليه السلام في دعوته والمعجزات المؤيدة لنبوته كالعصا واليد، وانفلاق البحر مثلًا؛ وقيل: الأظهر أن يراد بها الدلائل الدالة على الوحدانية فإنه أدخل في التقريع بما بعد، وعندي الحمل على العموم بحيث يشمل ذلك أيضًا أولى وأظهر.
{ثُمَّ اتخذتم العجل} أي الذي صنعه لكم السامري من حليكم إلهًا {مِن بَعْدِهِ} أي بعد مجئ موسى عليه السلام بها ومن عد التوراة وانفجار الماء منها لم يرد الجميع بل الجنس لأن ذلك كان بعد قصة العجل وكلمة ثم على هذا للاستبعاد لئلا يلغو القيد.
وقد يقال: الضمير لمتقدم معنى وهو الذهاب إلى الطور فكلمة ثم على حقيقتها، وعد ما ذكرنا من البينات حينئذٍ ظاهر، ويشير هذا العطف على أنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر في الآيات وذلك أعظم ذنبًا وأكثر شناعة لحالهم، والتزم بعضهم رجوع الضمير إلى البينات بحذف المضاف أي من بعد تدبر الآيات ليظهر ذلك، وعود الضمير إلى العجل، والمراد بعد وجوده أي عبدتم الحادث الذي حدث بمحضركم ليكون فيه التوبيخ العظيم لا يخفى ما فيه من البعد العظيم المستغنى عنه بما أشرنا إليه.
{وَأَنتُمْ ظالمون} أي واضعون الشيء في غير محله اللائق به أو مخلون بآيات الله تعالى، والجملة حال مؤكدة للتوبيخ والتهديد وهي جارية مجرى القرينة على إرادة العبادة من الاتخاذ، وفيها تعريض بأنهم صرفوا العبادة عن موضعها الأصلي إلى غير موضعها وإيهام المبالغة من حيث إن إطلاق الظلم يشعر بأن عبادة العجل كل الظلم وأن من ارتكبها لم يترك شيئًا من الظلم.
واختار بعضهم كونها اعتراضًا لتأكيد الجملة بتمامها دون تعرض لبيان الهيئة الذي تقتضيه الحالية أي وأنتم قوم عادتكم الظلم واستمر منكم، ومنه عبادة العجل، والذي دعاه إلى ذلك زعم أنه يلزم على الحالية أن يكون تكرارًا محضًا فإن عبادة العجل لا تكون إلا ظلمًا بخلافه على هذا فإنه يكون بيانًا لرذيلة لهم تقتضي ذلك، وفيه غفلة عما ذكرنا، وإذا حمل الاتخاذ على الحقيقة نحو اتخذت خاتمًا تكون الحالية أولى بلا شبهة لأن الاتخاذ لا يتعين كونه ظلمًا إلا إذا قيد بعبادته كما لا يخفى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}.
عطف على قوله: {فلم تقتلون أنبياء الله} [البقرة: 91] والقصد منه تعليم الانتقال في المجادلة معهم إلى ما يزيد إبطال دعواهم الإيمان بما أنزل إليهم خاصة، وذلك أنه بعد أن أكذبهم في ذلك بقوله: {فلم تقتلون أنبياء الله من قبل} كما بينا، ترقى إلى ذكر أحوالهم في مقابلتهم دعوة موسى الذي يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بما جاءهم به فإنهم مع ذلك قد قابلوا دعوته بالعصيان قولًا وفعلًا فإذا كانوا أعرضوا عن الدعوة المحمدية بمعذرة أنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل عليهم فلماذا قابلوا دعوة أنبيائهم بعد موسى بالقتل؟ ولماذا قابلوا؟ دعوة موسى بما قابلوا.
فهذا وجه ذكر هذه الآيات هنا وإن كان قد تقدم نظائرها فيما مضى، فإن ذكرها هنا في محاجة أخرى وغرض جديد، وقد بينتُ أن القرآن ليس مثل تأليف في علم يُحال فيه على ما تقدم بل هو جامع مواعظ وتذكيرات وقوارع ومجادلات نزلت في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة فلذلك تتكرر فيه الأغراض لاقتضاء المقام ذكرها حينئذ عند سبب نزول تلك الآيات.
وفي (الكشاف) أن تكرير حديث رفع الطور هنا لما نيط به من الزيادة على ما في الآية السابقة معنى في قوله: {قالوا سمعنا وعصينا} الآية وهي نكتة في الدرجة الثانية.
وقال البيضاوي إن تكرير القصة للتنبيه على أن طريقتهم مع محمد صلى الله عليه وسلم طريقة أسلافهم مع موسى وهي نكتة في الدرجة الأولى وهذا إلزام لهم بعمل أسلافهم بناءً على أن الفرع يَتْبَع أصله والولد نسخة من أبيه، وهو احتجاج خطابي.
والقول في هاته الآيات كالقول في سابقتها [البقرة: 63] وكذلك القول في البينات. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: الآيات 87- 89]:

{وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}.
الْكِتابَ التوراة، آتاه إياها جملة واحدة. ويقال: قفاه إذا أتبعه من القفا. نحو ذنبه، من الذنب. وقفاه به: أتبعه إياه، يعنى: وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل، كقوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا} وهم يوشع وأشمويل وشمعون وداود وسليمان وشعيا وأرميا وعزير وحزقيل وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وغيرهم. وقيل عِيسَى بالسريانية أيشوع. ومَرْيَمَ بمعنى الخادم. وقيل: المريم بالعربية من النساء، كالزير من الرجال. وبه فسر قول رؤبة:
قُلْتُ لِزَيْرٍ لَمْ تَصِلْهُ مَرْيَمُهْ

قال أبو عمرو: من رام بريم، ومعناه بقي أو ذهب. وريمت السحابة تريما: دامت، لدوامها على المودة، أو لخروجها من بيتها. والضليل كثير الضلال. والصبا: الميل إلى الجهل والفتوة. وتندمه: بمعنى ندمه، فهر مصدر مرفوع فاعل ضليل. ولعل معناه أن ندمه ضال ضائع في أهواء الصبا. ويروى مندمه بصيغة اسم الفاعل. وضليل:
مرفوع على الابتداء، ومندمه خبره. ولعل معناه أن الرجل كثير الضلال يعنى نفسه هو الذي يندمه ويجعله نادما، أى يأمره بالندم. وقال عبد الحكيم على البيضاوي نقلا عن الكشف: أى قلت له من كثر ضلاله يكون مندم نفسه وموقعها في الندامة. واللام في قوله لزير للتعليل أى قلت ذلك القول لأجله، هذا توجيه ما قيل فيه. ولو جعلت ضليل صفة زير كالوجه الأول، وتندمه فعل أمر مقول القول، حرك بالضم لالتقائه ساكنًا مع هاء السكت ولمناسبة القافية لجاز: أى قلت له تندم وتب، لكن فيه تكلف شاذ.
ووزن مريم عند النحويين مفعل لأن فعيلا بفتح الفاء لم يثبت في الأبنية كما ثبت نحو عثير وعليب الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات والحجج، كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والإخبار بالمغيبات. وقرئ: {وآيدناه}. ومنه: آجده بالجيم إذا قوّاه. يقال: الحمد للَّه الذي آجدنى بعد ضعف، وأوجدنى بعد فقر. بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدّسة، كما تقول: حاتم الجود، ورجل صدق. ووصفها بالقدس كما قال: {وَرُوحٌ مِنْهُ} فوصفه بالاختصاص والتقريب للكرامة. وقيل: لأنه لم تضمه الأصلاب، ولا أرحام الطوامث. وقيل بجبريل. وقيل بالإنجيل كما قال في القرآن: {رُوحًا مِنْ أَمْرِنا} وقيل باسم اللَّه الأعظم الذي كان يحيى الموتى بذكره.
والمعنى: ولقد آتينا يا بنى إسرائيل أنبياءكم ما آتيناهم أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ منهم بالحق اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان به، فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم. ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم. ثم وبخهم على ذلك. ودخول الفاء لعطفه على المقدّر.
فإن قلت: هلا قيل وفريقا قتلتم؟. قلت: هو على وجهين: أن تراد الحال الماضية، لأنّ الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب، وأن يراد: وفريقا تقتلونهم بعد لأنكم تحومون حول قتل محمد صلى اللَّه عليه وسلم لولا أنى أعصمه منكم. ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة. وقال صلى اللَّه عليه وسلم عند موته «ما زالت أُكلة خيبر تعادّنى، فهذا أوان قطعت أبهرى» غُلْفٌ جمع أغلف، أى هي خلقة وجبلة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد صلى اللَّه عليه وسلم ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن، وهو الشيء الذي يأتى لوقت دون وقت وذكره البخاري تعليقا من رواية عيينة عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه عنها ووصله البزار والحاكم من هذا الوجه واتفق الشيخان على حديث أنس رضى اللَّه عنه «أن امرأة يهودية أتت النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشاة مسمومة» فأكل منها الحديث وفيه: فقال: ما زلت أعرفها في لهوات النبي صلى اللَّه عليه وسلم وروى أحمد والحاكم من حديث الزهري عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب بن مالك عن أبيه عن أم بشر قالت دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وجعه الذي قبض فيه، فقلت: ما يتهم نفسك، فانى لا أتهم بأبى إلا الطعام الذي أكله معك بخيبر قال: «وأنا لا أتهم غيرها فهذا أوان انقطع أبهرى» وأخرج البيهقي في الدلائل هذه القصة عن الزهري وفيها قال الزهري: قال جابر: «و احتجم يومئذ على الكاهل وبقي ثلاث سنين حتى كان وجعه الذي توفى فيه قال: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت من الشاة يوم خيبر عدادا حتى كان هذا أوان انقطاع الأبهر منى» وأخرج أبو داود من رواية الزهري عن جابر كذلك. وروى الطبراني والدارقطني من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده لبيبة الأنصارى رضى اللَّه عنه قال: «أهدت يهودية إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم شاة مصلية مسمومة فأكل منهما هو وبشر ابن البراء بن مصرور فمرضا مرضا شديدًا- فذكر القصة وفيها: ثم أمر بها فصلبت» وروى معمر عن الزهري أنه قال: أسلمت. فتركها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. قال معمر: هكذا قال. والناس يقولون: أنها لم تسلم وإنها قتلت. قال البيهقي: ثم السهيلي: يجمع بينهما بأنه صفح عنها فلم يقتلها، لأنه كان لا ينتقم لنفسه. فلما مات بشر من تلك الأكلة قتلها به قصاصًا.
كقولهم: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه. ثم ردّ اللَّه أن تكون قلوبهم مخلوقة كذلك لأنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، بأن اللَّه لعنهم وخذلهم بسبب كفرهم، فهم الذين غلفوا قلوبهم بما أحدثوا من الكفر الزائغ عن الفطرة وتسببوا بذلك لمنع الألطاف التي تكون للمتوقع إيمانهم وللمؤمنين فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ فإيمانا قليلا يؤمنون. وما مزيدة، وهو إيمانهم ببعض الكتاب. ويجوز أن تكون القلة بمعنى العدم. وقيل غلف تخفيف غلف جمع غلاف، أى قلوبنا أوعية للعلم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره. وروى عن أبى عمرو: قلوبنا غلف، بضمتين كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هو القرآن مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من كتابهم لا يخالفه. وقرئ: {مصدّقا}، على الحال. فإن قلت: كيف جاز نصبها عن النكرة؟ قلت: إذا وصف النكرة تخصص فصح انتصاب الحال عنه، وقد وصف «كتاب» بقوله «من عند اللَّه» وجواب لما محذوف وهو نحو:
كذبوا به، واستهانوا بمجيئه، وما أشبه ذلك يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا يستنصرون على المشركين، إذا قاتلوهم قالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته وصفته في التوراة، ويقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبيّ يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم: وقيل معنى {يَسْتَفْتِحُونَ} يفتحون عليهم ويعرفونهم أنّ نبيا يبعث منهم قد قرب أوانه. والسين للمبالغة، أى يسألون أنفسهم الفتح عليهم، كالسين في استعجب واستسخر، أو يسأل بعضهم بعضا أن يفتح عليهم فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا من الحق كَفَرُوا بِهِ بغيا وحسدًا وحرصا على الرياسة. عَلَى الْكافِرِينَ أى عليهم وضعا للظاهر موضع المضمر للدلالة على أنّ اللعنة لحقتهم لكفرهم. واللام للعهد. ويجوز أن تكون للجنس ويدخلوا فيه دخولا أوّليا.