فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}
أخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يدخل منه بنو شيبة فقال: ألا أراكم تضحكون؟ ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال: إني لمّا خرجت جاء جبريل فقال: يا محمد، إن الله يقول: لم تقنط عبادي؟ {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مصعب بن ثابت قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم على ناس من أصحابه يضحكون فقال: اذكروا الجنة والنار. فنزلت {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم}».
وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه، عن عبدالله بن الزبير قال: «مر النبي صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه وقد عرض لهم شيء يضحكهم فقال: أتضحكون وذكر الجنة والنار بين أيديكم؟ ونزلت هذه الآية {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم}».
وأخرج ابن مردويه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «{لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا}. فقال: {هذا الملك ينادي لا تقنط عبادي}».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم} قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله، لما تورّع من حرام، ولو يعلم قدر عذابه، لجمع نفسه».
وأخرج البخاري ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة. فلو يعلم الكافر كل الذي عند الله من رحمته، لم ييأس من الرحمة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النار».
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أبي هريرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج على رهط من الصحابة وهم يتحدثون فقال: والذي نفسي بيده، لو تعلمون ما أعلم لَضَحكْتُمْ قليلًا وَلَبَكيتُم كثيرًا. فلما انصرفنا أوحى الله إليه، أن يا محمد، لم تقنط عبادي؟ فرجع إليهم: ابشروا وقاربوا وسددوا».
{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52)}
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة {قالوا لا توجل} قالوا: لا تخف.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد {فبم تبشرون} قال: عجب من كبره، وكبر امرأته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {من القانطين} قال: الآيسين.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر من طريق الأعمش، عن يحيى أنه قرأها {فلا تكن من القنطين} بغير ألف. قال: وقرأ {ومن يقنط من رحمة ربه} مفتوحة النون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة قال: من ذهب يقنط الناس من رحمة الله، أو يقنط نفسه فقد أخطأ، ثم نزع بهذه الآية {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ومن يقنط من رحمة ربه} قال: من ييأس من رحمة ربه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأحمد في الزهد، عن موسى بن علي، عن أبيه قال: بلغني أن نوحًا عليه السلام قال لابنه سام: يا بني، لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الشرك بالله؛ فإنه من يأت الله عز وجل مشركًا فلا حجة له، ويا بني، لا تدخل القبر وفي قلبك مثقال ذرة من الكبر؛ فإن الكبر رداء الله، فمن ينازع الله رداءه يغضب الله عليه، ويا بني، لا تدخلن القبر وفي قلبك مثقال ذرة من القنوط؛ فإنه لا يقنط من رحمة الله إلا ضال.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفاجر الراجي لرحمة الله أقرب منها من العابد القنط».
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: بيني وبين القدرية هذه الآية {إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {إنكم قوم منكرون} قال: أنكرهم لوط، وفي قوله: {بما كانوا فيه يمترون} قال: بعذاب قوم لوط.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن قتادة {بما كانوا فيه يمترون} قال: يشكون.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {واتبع أدبارهم} قال: أمر أن يكون خلف أهله يتبع أدبارهم في آخرهم إذا مشوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {وامضوا حيث تؤمرون} قال: أخرجهم الله إلى الشام.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد {وقضينا إليه ذلك الأمر} قال: أوحينا إليه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أن دابر هؤلاء مقطوع} يعني استئصالهم وهلاكهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة {وجاء أهل المدينة يستبشرون} قال: استبشروا بأضياف نبي الله لوط، حين نزلوا به لما أرادوا أن يأتوا إليهم من المنكر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {أو لم ننهك عن العالمين} قال: يقولون أن تضيف أحدًا أو تؤويه {قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين} قال: أمرهم لوط بتزويج النساء، وأراد أن يقي أضيافه ببناته والله أعلم.
وأخرج ابن أبي شيبة والحرث بن أبي أسامة وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معًا في الدلائل، عن ابن عباس قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره. قال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} يقول: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لعمرك} قال: لعيشك.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما حلف الله بحياة أحد إلا بحياة محمد، قال: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} وحياتك يا محمد».
وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يقول الرجل: لعمري، يرونه كقوله وحياتي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {إنهم لفي سكرتهم يعمهون} أي في ضلالتهم يلعبون.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن الأعمش أنه سئل عن قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ إنهم لفي سكرتهم يعمهون} قال: لفي غفلتهم يترددون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فأخذتهم الصيحة} قال: {الصيحة} مثل الصاعقة، كل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج في قوله: {مشرقين} قال: حين أشرقت الشمس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم، عن ابن عباس في قوله: {إن في ذلك لآيات} قال: علامة. أما ترى الرجل يرسل بخاتمه إلى أهله فيقول هاتوا كذا وكذا؟ فإذا رأوه عرفوا أنه حق.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لآيات للمتوسمين} قال: للناظرين.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن قتادة في قوله: {لآيات للمتوسمين} قال: للمعتبرين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {لآيات للمتوسمين} قال: هم المتفرسون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد في قوله: {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال: هم المتفرسون.
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم معًا في الطب، وابن مردويه والخطيب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله»
ثم قرأ {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال: المتفرسين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا فراسة المؤمن، فإن المؤمن ينظر بنور الله».
وأخرج ابن جرير عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احذروا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله وينطق بتوفيق الله».
وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن السني وأبو نعيم، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وإنها لبسبيل مقيم} يقول: لبهلاك.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإنها لبسبيل مقيم} يقول: لبطريق واضح. اهـ.

.قصة لوط عليه السلام:

قال الفخر:
تمسكوا بقوله تعالى إخبارا عنه عليه السلام: {هؤلاء بناتى ان كنتم فاعلين} عرض بالفاحشة مع بناته وذلك كسرة دالة على سقوط النفس جوابه قال الشافعي رحمه الله الكلام يجمل في غير مقصوده ويفصل في مقصوده، فلما كان غرضه ترجيح النساء على الغلمان لا جرم لم يتعرض لذكر النكاح وإن كان ذلك معتبرا في نفس الأمر، والدليل على أن هذا الشرط كان معتبرا وجهان:
الأول قال: {هن أطهر} ولا طهارة في الزنا.
الثاني: أنه لو دعا نفسه إلى الزنا لكان لهم أن يقولوا الزنا واللواطة حرامان على مذهبك، فأى فائدة في الدعوى من أحدهما إلى الآخر؟
فإن قيل: هب أنه كذلك ولكن كيف يجوز تزويج المسلمة من الكافر؟
جوابه من وجوه أربعة:
الأول: أن ذلك مما يختلف باختلاف الشرائع. الا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته زينب من أبى العاص وهو كافر.
الثاني: أنا كما أثبتنا ضمنا فكذلك إسلام الزوج.
الثالث: أنه عليه السلام أراد موافقتهم وتسويفهم وذلك لان الرسل من الملائكة عليهم السلام كانوا أخبروه بهلاكهم عند الصبح، كما أخبر الله عنه {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين}
الرابع: أنه يكفى في الاضافة أدنى سبب، فالبنات بنات الأمة إلا أنه أضافهن إلى نفسه لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام كالأب لأمتهم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67)}
قوله تعالى: و{يَسْتَبْشِرُونَ}: حال.
قوله تعالى: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي}: يجوز فيه أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ {بناتي} مفعولًا بفعلٍ مقدرٍ، أي: تَزَوَّجوا هؤلاء، و{بناتي} بيانٌ أو بدلٌ. الثاني: أن يكونَ {هؤلاء بناتي} مبتدأً وخبرًا ولابد مِنْ شيءٍ محذوفٍ تَتِمُّ به الفائدةُ، أي: فَتَزَوَّجُوْهن. الثالث: أن يكونَ {هؤلاء} مبتدأً، و{بناتي} بدلٌ أو بيان، والخبرُ محذوفٌ، أي: هُنَّ أطهرُ لكم، كما جاء في نظيرتها.
قوله: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} [الحجر: 68]: الفَضْحُ والفَضيْحَةُ البيان والظهور، ومنه فَضَحَه الصُّبْحُ قال:
ولاحَ ضوءُ هِلالِ الليل يَفْضَحُنا ** مثلَ القُلامَةِ قد قُصَّتْ من الظُفُرِ

إلا أنَّ الفضيحةَ اختصَّتْ بما هو عارٌ على الإِنسانِ عند ظهورِه.
{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)}
قوله تعالى: {لَعَمْرُكَ}: مبتدأٌ، محذوفٌُ الخبر وجوبًا، ومثلُه: لايْمُنُ الله، و{إنهم} وما في حَيِّزه جوابُ القسمِ تقديرُه: لَعَمْرك قسمي أو يميني إنهم، والعَمْر والعُمْر بالفتح والضم هو البقاء، إلا أنهم التزموا الفتح في القسم. قال الزجاج: لأنَّه أَخَفُّ عليهم، وهم يُكْثرون القَسَم بـ لَعَمْري ولَعَمْرك، وله أحكامٌ كثيرة منها: أنه متى اقترن بلامِ الابتداء لَزِم فيه الرفعُ بالابتداءِ، وحُذِفَ خبرُه، لِسَدِّ جوابِ القسم مَسَدَّه، ومنها: أنه يصير صريحًا في القسم، أي: يَتَعَيَّن فيه، بخلافِ غيرِه نحو: عهدُ الله وميثاقُه، ومنها: أنه يَلْزَمُ فَتْحُ عينِه، فإن لم يقترنْ به لامُ الابتداء جاز نصبُهُ بفعل مقدر نحو: عَمْرَ اللهِ لأفعلنَّ، ويجوز حينئذ في الجلالةِ وجهان: النصبُ والرفعُ، فالنصبُ على أنه مصدرٌ مضافٌ لفاعله وفي ذلك معنيان، أحدهمل: أنَّ الأصلَ: أسألُكَ بتعميرك اللهَ. أي: بوصِفك اللهَ تعالى بالبقاء، ثم حُذِف زوائدُ المصدرِ، والثاني: أن المعنى: عبادتك الله، والعَمْر: العبادة، حكى ابن الأعرابي عَمَرْتُ ربي، أي: عَبَدْته، وفلانٌ عامِرٌ ربِّه، أي: عابدُه.
وأمَّا الرفعُ: فعلى أنه مضافٌ لمفعولِه. قال الفارسي: معناه: عَمَّرَك اللهُ تَعْميرًا، وقال الأخفش: أصله: أسألك بتعميرك اللهَ، فحُذِفَ زوائدُ المصدرِ والفعلُ والباءُ فانتصب، وجاز أيضًا ذِكْرُ خبرِهِ فتقول: عَمْرُك قَسَمي لأقومَنَّ، وجاز أيضًا ضَمُّ عينِه، ويُنْشِدُ بالوجهين قولُه:
أيُّها المُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ** عَمْرَكَ اللهَ كيفَ يلتقيانِ

ويجوزُ دخولُ باءِ الجرِّ عليه، نحو: بعَمْرِكَ لأفعلَنَّ. قال:
رُقَيَّ بعَمْرِكُمْ لا تَهْجُرِينا ** ومَنَّيْنا المُنَى ثم امْطُلِينا

وهو من الأسماء اللازمة للإِضافة، فلا يُقطع عنها، ويُضاف لكلِّ شيءٍ، وزعم بعضُهم أنه لا يُضاف إلى الله. قيل: كأنَّ قائل هذا تَوَهَّم أنه لا يُسْتعمل إلا في الانقطاع، وقد سُمع إضافُته للباري تعالى. قال الشاعر:
إذا رَضِيَتْ عليَّ بنو قُشَيْرٍ ** لعَمْرُ اللهِ أَعْجبني رِضاها

ومَنَع بعضُهم إضافتَه إلى ياءِ المتكلمِ قال: لأنه حَلْفٌ بحياة المُقْسِم، وقد وَرَدَ ذلك، قال النابغة:
لَعَمْري-وما عَمْري عليَّ بهَيِّنٍ- ** لقد نَطَقَتْ بُطْلًا عَلَيَّ الأقارِعُ

وقد قَلَبَتْه العربُ بتقديمِ رائِه على لامه فقالوا: رَعَمْلي، وهي ردئيةٌ.
والعامَّة على كسرِ إنَّ لوقوعِ اللامِ في خبرها، وقرأ أبو عمروٍ في روايةِ الجَهْضَمِيِّ بفتحها، وتخريجُها على زيادةِ اللامِ وهي كقراءة ابن جبير: {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام} [الفرقان: 20]. بالفتح.
والأعمش: {سَكْرِهم} دون تاءٍ، وابن أبي عبلة {سَكَراتهم} جمعًا، والأشهبُ {سُكْرَتِهم} بضم السين.
و{يَعْمَهُون} حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الجارِّ، وإمَّا من الضميرِ المجرورِ بالإِضافةِ، والعامل: إمَّا نفسُ {سَكْرَة} لأنها مصدرٌ، وإمَّا معنى الإِضافة.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73)}
قوله تعالى: {مُشْرِقِينَ}: حالٌ مِنْ مفعول {أَخَذَتْهم}، أي: داخلين في الشُّروق.
{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)}
والضميرُ في {عَالِيَهَا سَافِلَهَا} للمدينة، وقال الزمخشري: لقرى قومِ لوطٍ، ورُجِّح الأولُ بأنه تقدَّم ما يعود عليه لفظًا بخلاف الثاني.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)}
قوله تعالى: {لِلْمُتَوَسِّمِينَ}: متعلِّقٌ بمحذوف على أنه صفةٌ لآيات، والأجودُ أَنْ يتعلَّق بنفس آياتٍ لأنها بمعنى العلامات، والتَّوَسُّم تَفَعُّلٌ مِنَ الوَسْمِ، والوَسْم: أصلُه التَّثبُتُ والتفكُّر، مأخوذٌ من الوَسْم، وهو التأثير بحديدةٍ في جِلْد البعير أو غيره، وقال ثعلب: الواسم: الناظرُ إليك مِنْ قَرْنِكَ إلى قَدَمِك، وفيه معنى التثُّبت، وقيل: أصلُه: استقصاءُ التعرِّفِ يُقال: تَوَسَّمْتُ، أي: تَعَرَّفْتُ مُسْتَقْصِيًا وجوهَ التعرُّف. قال:
أوَ كلما وَرَدَتْ عُكاظَ قبيلةٌ ** بَعَثَتْ إليَّ عريفَها يتوسَّمُ

وقيل: هو تَفَعُّل من الوَسْمِ، وهو العَلاَمَةُ: تَوَسَّمْتُ فيك خيرًا، أي: ظَهَر له مِيْسَمُه عليك. قال ابن رواحة في النبي صلَّى الله عليه وسلم:
إنِّي تَوَسَّمْتُ فيك الخيرَ أَعْرِفُه ** والله يَعلم أني ثابتُ البَصَرِ

وقال آخر:
تَوَسَّمْتُه لَمَّا رَأَيْتُ مَهابَةً ** عليهِ وقُلْتُ: المرءُ مِنْ آلِ هاشمِ

ويُقال: اتَّسَمَ الرجلُ: إذا اتَّخَذَ لنفسِه علامةً يُعْرَفُ بها، وتَوَسَّمَ: إذا طلبَ كَلأَ الوَسْمِيَّ، أي: العشبِ النابتِ في أولِ مطرِ الربيعِ.
{وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76)}
قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ}: الظاهرُ عَوْدُ الضميرِ على المدينة أو القُرى، وقيل: على الحجارةِ، وقيل: على الآيات.
قوله تعالى: {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ}: {إنْ} هي المخففةُ واللامُ فارقةٌ، وقد تَقَدَّم حكمُ ذلك، والأَيْكَةُ: الشجرةُ المُلْتَفَّةُ، واحدةُ الأَيْكِ. قال:
تَجْلُوْ بقادِمَتَيْ حَمامةِ أيْكةٍ ** بَرَدًا أُسِفَّ لِثاتُه بالإثْمِدِ

ويقال: لَيْكَة، وسيأتي بيانُ هذا عند اختلافِ القرَّاءِ فيه إن شاء الله تعالى في الشعراء.
{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79)}
قوله تعالى: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ} في ضمير التثنيةِ أقوالٌ، أَرْجَحُها: عَوْدُه على قريَتْي قومِ لوطٍ وأصحابِ الأيكة وهم قوم شُعَيب لتقدَّمِهما ذِكْرًا، وقيل: يعودُ على لوطٍ وشُعَيْبٍ، وشعيبٌ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، ولكنْ دَلَّ عليه ذِكْرُ قومِه، وقيل: يعود على الخبرين: خبرِ إهلاكِ قومٍ لوطٍ، وخبر إهلاكِ قومِ شعيب، وقيل: يعودُ على أَصحابِ الأيكةِ وأصحابِ مَدْيَنَ؛ لأنه مُرْسَلٌ إليهما فَذِكْرُ أحدِهما مُشْعِرٌ بالآخرِ. اهـ.