فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال قتادة وابن السائب: أراد بالمقتسمين كفار قريش سموا بذلك لأن أقوالهم تقسمت في القرآن.
فقال بعضهم: إنه سحر وزعم بعضهم أنه كهانة وزعم بعضهم إنه أساطير الأولين وقال ابن السائب: سموا بالمقتسمين لأنهم اقتسموا عقاب مكة وطرقها، وذلك أن الوليد بن المغيرة بعث رهطًا من أهل مكة.
قيل ستة عشر.
وقيل: أربعين.
فقال لهم: انطلقوا فتفرقوا على عقاب مكة وطرقها حيث يمر بكم أهل الموسم، فإذا سألوكم عن محمد فليقل بعضكم إنه كاهن وليقل بعضكم إنه شاعر، وليقل بعضكم إنه ساحر فإذا جاؤوا إلي صدقتكم فذهبوا وقعدوا على عقاب مكة وطرقها يقولون لمن مر بهم من حجاج العرب: لا تغتروا بهذا الخارج الذي يدعي النبوة منا فإنه مجنون كاهن، وشاعر.
وقعد الوليد بن المغيرة على باب المسجد الحرام فإذا جاؤوا وسألوه عما قال: أولئك المقتسمون.
قال: صدقوا.
وقوله سبحانه وتعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين}
(خ) عن ابن عباس في قوله تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين} قال: هم اليهود والنصارى جزؤوه أجزاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض، قيل: هو جمع عضة من قولهم عضيت الشيء إذا فرقته، وجعلته أجزاء وذلك لأنهم جعلوا القرآن أجزاء مفرقة.
فقال بعضهم: هو سحر.
وقال بعضهم: هو كهانة.
وقال بعضهم: هو أساطير الأولين.
وقيل: هو جمع عضة.
وهوالكذب والبهتان وقيل: المراد به العضة وهو السحر يعني أنهم جعلوا القرآن عضين {عما كانوا يعملون} يعني عما كانوا يقولونه في القرآن.
وقيل: عما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي.
وقيل: يرجع الضمير في لنسألنهم إلى جميع الخلق المؤمن والكافر لأن اللفظ عام فحمله على العموم أولى قال جماعة من أهل العلم عن لا إله إلا الله عن أنس عن النبي صلى الله عليه سلم في قوله: {لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} قال: «عن قول لا إله إلا الله» أخرجه الترمذي.
وقال: حديث غريب وقال أبو العالية: يسأل العباد عن خلتين عما كانوا يعبدون، وماذا أجابوا المرسلين.
فإن قلت: كيف الجمع بين قوله لنسألنهم أجمعين وبين قوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} قلت: قال ابن عباس: لا يسألهم هل عملتم لأنه أعلم به منهم، ولكن يقول لم عملتم كذا واعتمدوه قطرب فقال: السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ فقال تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} يعني سؤال استعلام وقوله: {لنسألنهم أجمعين} سؤال توبيخ وتقريع وجواب آخر، وهو يروى عن ابن عباس أيضًا أنه قال في الآيتين: أن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف فيسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها نظيره قوله سبحانه وتعالى: {هذا يوم لا ينطقون} وقال تعالى في آية أخرى {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} قوله سبحانه وتعالى: {فاصدع بما تؤمر} قال ابن عباس: أظهر.
ويروى عنه أمضه.
وقال الضحاك: أعلم وأصل الصدع الشق والفرق أي أفرق بالقرآن بين الحق الباطل أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة وتبليغ الرسالة إلى من أرسل اليهم قال عبد الله بن عبيدة.
ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيًا حتى نزلت هذه الآية، فخرج هو وأصحابه {وأعرض عن المشركين} أي اكفف عنهم ولا تلتفت إلى لومهم على إظهار دينك، وتبليغ رسالة ربك وقيل أعرض عن الاهتمام باستهزائهم، وهو قوله سبحانه وتعالى: {إنا كفيناك المستهزئين}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}
ولما ذكر تعالى ما أنعم به على رسوله صلى الله عليه وسلم من إتيانه ما آتاه، نهاهـ.
وقد قلنا: إنّ النهي لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة عن طموح عينه إلى شيء من متاع الدنيا، وهذا وإن كان خطابًا للرسول صلى الله عليه وسلم فالمعنى: نهى أمته عن ذلك لأنّ من أوتي القرآن شغله النظر فيه وامتثال تكاليفه وفهم معانيه عن الاشتغال بزهرة الدنيا.
ومد العين للشيء إنما هو لاستحسانه وإيثاره.
وقال ابن عباس: أي لا تتمنَّ ما فضلنا به أحدًا من متاع الدنيا أزواجًا منهم، أي رجالًا مع نسائهم، أو أمثالًا في النعم، وأصنافًا من اليهود والنصارى والمشرين أقوال.
ونهاه تعالى عن الحزن عليهم إن لم يؤمنوا، وكان كثير الشفقة على من بعث إليه، وادًّا أن يؤمنوا بالله كلهم، فكان يلحقه الحزن عليهم.
نهاه تعالى عن الحزن عمن لم يؤمن، وأمره بخفض جناحه لمن آمن، وهي كناية عن التلطف والرفق.
وأصله: أنّ الطائر إذا ضم الفرخ إليه بسط جناحه لم ثم قبضه على فرخه، والجناحان من ابن آدم جانباهـ.
ثم أمره أن يبلغ أنه هو النذير الكاشف لكم ما جئت به إليكم من تعذيبكم إنْ لم تؤمنوا، وإنزال نقم الله المخوفة بكم.
والكاف قال الزمخشري: فيه وجهان: أحدهما: أن يتعلق بقوله: {ولقد آتيناك} أي: أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب، وهم المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين، حيث قالوا بعنادهم وعداوتهم: بعضه حق موافق للتوارة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعصوه.
وقيل: كانوا يستهزئون به فيقول بعضهم: سورة البقرة لي، ويقول الآخر: سورة آل عمران لي.
ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرأونه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأن اليهود أقرت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم وقولهم: سحر، وشعر، وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم.
والثاني: أن يتعلق بقوله تعالى: {وقل إني أنا النذير المبين}، وأنذر قريشًا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني: اليهود، هو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز لأنه إخبار بما سيكون وقد كان.
ويجوز أن يكون {الذين جعلوا القرآن عضين} منصوبًا بالنذير أي: أنذر المعضين الذين يجزؤون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم: الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر، ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر، فأهلكهم الله تعالى يوم بدر، وقبله بآفات: كالوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، وغيرهم.
أو مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحًا عليه السلام والاقتسام بمعنى التقاسم.
فإن قلت: إذا علقت قوله كما أنزلنا بقوله ولقد آتيناك فما معنى توسط لا تمدن إلى آخره بينهما قلت: لما كان ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم وعداوتهم اعترض بما هو مدد لمعنى التسلية من النهي عن الالتفات إلى دنياهم والتأسف على كفرهم ومن الأمر بأن يقبل بمجامعه على المؤمنين انتهى.
أما الوجه الأول وهو تعلق كما بآتيناك فذكره أبو البقاء على تقدير وهو وأن يكون في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف تقديره آتيناك سبعًا من المثاني إيتاء كما أنزلنا أو إنزالًا كما أنزلنا لأن آتيناك بمعنى أنزلنا عليك وأما قوله أن المقتسمين هم أهل الكتاب فهو قول الحسن ومجاهد ورواه العوفي عن ابن عباس وأما قوله اقتسموا القرآن فهو قول ابن عباس فيما رواه عنه سعيد بن جبير وأما قوله اقتسموا فقال بعضهم سورة البقرة وبعضهم سورة آل عمران الخ فقاله عكرمة وقال السدي هم الأسود بن عبد المطلب والأسود بن عبد يغوث والوليد والعاصي والحرث بن قيس ذكروا القرآن فمن قائل البعوض لي ومن قائل النمل لي وقائل الذباب لي وقائل العنكبوت لي استهزاء فأهلك الله جميعهم.
وأما قوله أن القرآن عبارة عما يقرأونه من كتبهم إلى آخره فقاله مجاهد.
وأما قوله ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوبًا بالنذير أي أنذر المعضين فلا يجوز أن يكون منصوبًا بالنذير كما ذكر لأنه موصوف بالمبين ولا يجوز أن يعمل إذا وصف قبل ذكر المعمول على مذهب البصريين لا يجوز هذا عليم شجاع علم النحو فتفصل بين عليم وعلم بقوله شجاع وأجاز ذلك الكوفيون وهي مسألة خلافية تذكر دلائلها في علم النحو.
وأما قوله الذين يجزؤون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير فمروي عن قتادة إلا أنه قال بدل شعر كهانة.
وأما قوله الذين اقتسموا مداخل مكة فهو قول السائب وفيه أن الوليد بن المغيرة قال: ليقل بعضكم كاهن وبعضكم ساحر وبعضكم شاعر وبعضكم غاوٍ وهم حنظلة بن أبي سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاصي بن هشام وأبو قيس بن الوليد وقيس بن الفاكه وزهير بن أمية وهلال بن عبد الأسود والسائب بن صيفي والنضر بن احرث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الحجاج وأمية بن خلف وأوس بن المغيرة تقاسموا على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهلكوا جميعًا.
وأما قوله أنهم الذين تقاسموا أن يبيتوا صالحًا فقول عبد الله بن زيد.
وقال ابن عطية والكاف من قوله كما متعلقة بفعل محذوف تقديره وقل إني أنا النذير عذابًا كالذي أنزلنا على المقتسمين فالكاف اسم في موضع نصب هذا قول المفسرين وهو عندي غير صحيح لأن كما ليس مما يقوله محمد صلى الله عليه وسلم بل هو من قول الله تعالى فينفصل الكلام وإنما يترتب هذا القول بأن يقدران الله تعالى قال له أنذر عذابًا كما والذي أقول في هذا المعنى وقل أنا النذير المبين كما قال قبلك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك ويحتمل أن يكون المعنى وقل أني أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرًا وهذا على أن المقتسمين أهل الكتاب انتهى.
أما قوله وهو عندي غير صحيح إلى آخره فقد استعذر بعضهم عن ذلك فقال الكاف متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى تقديره أنا النذير بعذاب مثل ما أنزلنا وإن كان المنزل الله كما يقول بعض خواص الملك أمرنا بكذا وإن كان الملك هو الآمر.
وأما قوله والذي أقول في هذا المعنى إلى آخره فكلام مثبج ولعله من الناسخ ولعله أن يكون وأنزلنا عليك كما أنزلنا عليهم، وقال أبو البقاء وقيل التقدير متعناهم تمتيعًا كما أنزلنا والمعنى متعنًا بعضهم كما عذبنا بعضهم، وقيل التقدير إنذار مثل ما أنزلنا انتهى.
وقيل الكاف زائدة التقدير أنا النذير المبين ما أنزلنا على المقتسمين هذه أقوال وتوجيهات متكلفة والذي يظهر لي أنه تعالى لما أمره بأن لا يحزن على من لم يؤمن وأمره بخفض جناحه للمؤمنين أمره أن يعلم المؤمنين وغيرهم أنه هو النذير المبين لئلا يظن المؤمنون أنهم لما أمر عليه الصلاة والسلام بخفض جناحه لهم خرجوا من عهدة النذارة فأمره تعالى بأن يقول لهم إني أنا النذير المبين لكم ولغيركم كما قال تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} وتكون الكاف نعتًا لمصدر محذوف تقديره وقل قولًا مثل ما أنزلنا على المقتسمين إنك نذير لهم فالقول للمؤمنين في النذارة كالقول للكفار المقتسمين لئلا يظن إنذارك للكفار مخالف لإنذار المؤمنين بل أنت في وصف النذارة لهم بمنزلة واحدة تنذر المؤمنين كما تنذر الكافرين كما قال تعالى: {نذير وبشير لقوم يؤمنون} والظاهر أن الذين صفة للمقتسمين وجوزوا أن يكون خبر مبتدأ محذوف ويجوز أن ينتصب على الذم وتقدم تجويز الزمخشري له أن يكون مفعولًا بالنذير فوربك أقسم تعالى بذاته وربوبيته مضافًا إلى رسوله على جهة التشريف والضمير في لنسألنهم يظهر عوده على المقتسمين وهو وعيده من سؤال تقريع ويقال أنه يعود على الجميع من كافر ومؤمن إذ قد تقدم ذكرهما والسؤال عام للخلق ويجوز أن يكون السؤال كناية عن الجزاء وعن ما كانوا يعملون عام في جميع الأعمال.
وقال أبو العالية يسأل العباد عن حالتين عن ما كانوا يعبدون وعن ما أجابوا المرسلين وقال ابن عباس يقال لهم لم عملتم كذا؟ قال أنس وابن عمر ومجاهد السؤال عن لا إله إلا الله وذكره الزهراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ثبت ذلك فيكون المعنى عن الوفاء بلا إله إلا الله والصدق لمقالها كما قال الحسن ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
وقال ابن عباس فاصدع بما تؤمر امض به.
وقال الكلبي اجهر به وأظهره من الصديع وهو الفجر قال الشاعر:
كأن بياض غرته صديع

وقال السدي تكلم بما تؤمر.
وقال ابن زيد أعلم بالتبليغ.
وقال ابن بحر جرد لهم القول في الدعاء إلى الإيمان.
وقال أبو عبيدة عن رؤبة ما في القرآن أغرب من قوله فاصدع بما تؤمر وما في بما بمعنى الذي والمفعول الثاني محذوف تقديره بما تؤمره وكان أصله تؤمر به من الشرائع فحذف الحرف فتعدى الفعل إليه.
وقال الأخفش ما موصولة والتقدير فاصدع بما تؤمر بصدعه فحذف المضاف ثم الجار ثم الضمير.
وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون ما مصدرية أي بأمرك مصدر من المبني للمفعول انتهى.
وهذا ينبني على مذهب من يجوز أن المصدر يراد به أن والفعل المبني للمفعول والصحيح أن ذلك لا يجوز وأعرض عن المشركين من آيات المهادنات التي نسختها آية السيف قاله ابن عباس. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}
لا تطمَحْ ببصرك طُموحَ راغب ولا تُدِمْ نظرك {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} من زخارفِ الدنيا وزينتها ومحاسنِها وزَهْرتِها {أزواجا مّنْهُمْ} أصنافًا من الكفرة فإن ما في الدنيا من أصناف الأموالِ والذخائر بالنسبة إلى ما أوتيتَه مستحقَرٌ لا يُعبأ به أصلًا، وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه: «مَنْ أوتيَ القرآنَ فرآى أن أحدًا أوتيَ أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيمًا وعظّم صغيرًا» وروي أنه وافَتْ من بصرى وأذْرِعاتَ سبعُ قوافلَ ليهود بني قُريظةَ والنّضِير فيها أنواعُ البَزِّ والطيب والجواهر وسائرُ الأمتعة فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموالُ لنا لتقوَّيْنا بها وأنفقناها في سبيل الله، فقيل لهم: قد أُعطِيتم سبعَ آياتٍ وهي خير من هذه القوافل السبْع {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} حيث لم يؤمنوا ولم ينتظِموا أتباعك في سلك ليتقوى بهم ضعفاءُ المسلمين، وقيل: أو أنهم المتمتعون به ويأباه كلمة على فإن تمتّعهم به لا يكون مدارًا للحزن عليهم {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي تواضَعْ لهم وارفُق بهم وألِنْ جانبك لهم وطِبْ نفسًا من إيمان الأغنياء.
{وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} أي المنذِرُ المُظْهِر لنزول عذاب الله وحلولِه {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} قيل: إنه متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك} إلخ، أي أنزلنا عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب.
{الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} أي قسَموه إلى حق وباطل، حيث قالوا عِنادًا وعدوانًا: بعضُه حقٌّ موافقٌ للتوراة والإنجيل، وبعضُه باطلٌ مخالفٌ لهما، أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً حيث كان يقول بعضُهم: سورةُ البقرة لي، وبعضُهم: سورةُ آلِ عمران لي وهكذا، أو قسموا ما قرأوا من كتبهم وحرّفوه فأقرّوا ببعضه وكذبوا ببعضه، وحُمل توسيطُ قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} على إمداد ما هو المرادُ بالكلام من التسلية، وعُقّب ذلك بأنه جلّ المقامُ عن التشبيه، ولقد أوتيَ عليه الصلاة والسلام ما لم يؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده مثلَه، وقيل: إنه متعلق بقوله: {إِنّى أَنَا النذير المبين} فإنه في قوة الأمرِ بالإنذار، كأنه قيل: أنذِرْ قريشًا مثلَ ما أنزلنا على المقتسمين، يعني اليهودَ، وهو ما جرى على بني قريظةَ والنضير بأن جُعل المتوقَّعُ كالواقع وقد وقع كذلك، وأنت خبيرٌ بأن ما يُشبَّه به العذابُ المنذَرُ لابد أن يكون محققَ الوقوعِ معلومَ الحالِ عند المنذَرين إذ به تتحققُ فائدةُ التشبيهِ، وهي تأكيدُ الإنذار وتشديدُه، وعذابُ بني قريظةَ والنضير مع عدم وقوعِه إذ ذاك لم يسبِقْ به وعدٌ ووعيد فهم منه في غفلة محضةٍ وشك مُريب، وتنزيلُ المتوقَّع منزلةَ الواقع له موقعٌ جليلٌ من الإعجاز لكن إذا صادف مقامًا يقتضيه كما في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} ونظائرِه. على أن تخصيصَ الاقتسام باليهود بمجرد اختصاصِ العذاب المذكور بهم مع شِرْكتهم للنصارى في الاقتسام المتفرِّع على الموافقة والمخالفة، وفي الاقتسام بمعنى التحريف الشاملِ للكتابين بل تخصيصُ العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقتسامِ تخصيصٌ من غير مخصِّص، وقد جُعل الموصولُ مفعولًا أولَ لأنذر أي أنذر المُعَضِّين الذين يجزّئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطيرَ، مثلَ ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشرَ الذين اقتسموا مداخلَ مكة أيام الموسم فقعد كل منهم في مدخل لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضُهم: لا تغترّوا بالخارج منا فإنه ساحرٌ، ويقول الآخر: كذابٌ، فأهلكهم الله تعالى يوم بدر، وقبله بآفات وفيه مع ما فيه من الاشتراك لما سبق في عدم كون العذابِ الذي شُبه به العذابُ المنذَرُ واقعًا ولا معلومًا للمنذَرين ولا موعودَ الوقوع أنه لا داعيَ إلى تخصيص وصفِ التعضِيةِ بهم وإخراجِ المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوةً لهم في ذلك، فإن وصفهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفوا من السحر والشعر والكذب متفرعٌ على وصفهم للقرآن بذلك، وهل هو إلا نفسُ التعضيةِ، ولا إلى إخراجهم من حكم الإنذارِ على ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يُشبه به عذابُ غيرِهم ولا مخصوصًا بهم، بل عامًّا لكلا الفريقين وغيرِهم مع أن بعضَ المنذَرين كالوليد بنِ المغيرةَ والعاصِ بن وائل والأسودِ بن المطلب قد هلكوا قبل مهلِك أكثرِ المقتسمين يوم بدر، ولا إلى تقديم المفعول الثاني على الأول كما ترى، وقيل: إنه وصفٌ لمفعول النذيرِ أقيمَ مُقامه والمقتسمون هم القاعدون في مداخل مكة كما حرر.