فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه مع ما مر أن قوله تعالى: {كَمَآ أَنْزَلْنَا} صريحٌ في أنه من قول الله تعالى لا من قول الرسول عليه الصلاة والسلام، والاعتذارُ بأن ذلك من باب ما يقوله بعضُ خواصِّ المَلِك أُمرْنا بكذا وإن كان الأمرُ هو الملكَ حسبما سلف في قوله تعالى: {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} تعسُّفٌ لا يخفى، وأن إعمالَ الوصفِ الموصوف مما لم يجوِّزْه البصريون فلابد من الهرب إلى مسلك الكوفيين، أو المصير إلى جعله مفعولًا غيرَ صريح أي أنا النذيرُ المبين بعذاب مثلِ عذاب المقتسمين، وقيل: المراد بالمقتسمين الرهطُ الذين تقاسموا على أن يبيّتوا صالحًا عليه الصلاة والسلام فأهلكهم الله تعالى، وأنت تدري أن عذابَهم حيث كان متحققًا ومعلومًا للمنذرين حسبما نطق به القرآنُ العظيم صالحٌ لأن يقعَ مشبَّهًا به العذابُ المنذَر، لكن الموصولَ المذكورَ عَقيبَه حيث لم يمكن كونُه صفةً للمقتسمين حينئذ، فسواءٌ جعلناه مفعولًا أول للنذير أو لما دل هو عليه من أنذر لا يكون للتعرض لعنوان التعضية في حيز الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور في حيز المفعول الثاني فائدة، لما أن ذلك إنما يكون للإشعار بعلّية الصلة والصفةِ للحكم الثابتِ للموصول والموصوف، فلا يكون هناك وجهُ شبَهٍ يدور عليه تشبيهُ عذابهم بعذابهم خاصة لعدم اشتراكِهم في السبب فإن المُعَضّين بمعزل من التقاسم على التبييت الذي هو السبب لهلاك أولئك، كما أن أولئك بمعزل من التعضية التي هي السبب لهلاك هؤلاء، ولا علاقة بين السببين مفهومًا ولا وجودًا تصحّح وقوعَ أحدِهما في جانب والآخرِ في جانب، واتفاقُ الفريقين على مطلق الاتفاقِ على الشر المفهوم من الاتفاق على الشر المخصوص الذي هو التبييتُ المدلولُ المدلولُ عليه بالتقاسم غيرُ مفيد إذ لا دِلالةَ لعنوان التعضيةِ على ذلك وإنما يدل عليه اقتسامُ المداخِلِ، وجعلُ الموصولِ مبتدأً على أن خبرَه الجملةُ القسَميةُ لا يليق بجزالة التنزيلِ وجلالة شأنِه الجليل.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الأقربَ من الأقوال المذكورةِ أنه متعلِّق بالأول، وأن المرادَ بالمقتسمين أهلُ الكتابين، وأن الموصولَ مع صلته صفةٌ مبينة لكيفية اقتسامِهم، ومحلُّ الكاف النصبُ على المصدرية، وحديثُ جلالة المقام عن التشبيه من لوائح النظرِ الجليل، والمعنى لقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآنَ العظيم إيتاءً مماثلًا لإنزال الكتابين على أهلهما، وعدمُ التعرض لذكر ما أنزل عليهم من الكتابين لأن الغرضَ بيانُ المماثلة بين الإيتاءين لا بين متعلَّقَيهما، والعدولُ عن تطبيق ما في جانب المشبَّه به على ما في جانب المشبَّه بأن يقال: كما آتينا المقتسِمين حسبما وقع في قوله تعالى: {الذين ءاتيناهم الكتاب} إلخ، للتنبيه على ما بين الإيتاءين من التنائي فإن الأول على وجه التكرِمة والامتنان وشتان بينه وبن الثاني.
ولا يقدح ذلك في وقوعه مشبَّهًا به، فإن ذلك إنما هو لمُسلَّميته عندهم وتقدمِ وجودُه على المشبه زمانًا لا لمزيةٍ تعود إلى ذاته كما في الصلاة الخليلية، فإن التشبيه فيها ليس لكون رحمة الله تعالى الفائضةِ على إبراهيم عليه الصلاة والسلام وآله أتمَّ وأكملَ مما فاض على النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما ذلك للتقدم في الوجود والتنصيصِ عليه في القرآن العظيم، فليس في التشبيه شائبةُ إشعار بأفضلية المشبَّه به من المشبه، فضلًا عن إيهام أفضليةِ ما تعلق به الأولُ مما تعلق به الثاني، وإنما ذُكروا بعنوان الاقتسام إنكارًا لاتصافهم به مع تحقق ما ينفيه من الإنزال المذكورِ، وإيذانًا بأنه كان من حقهم أن يؤمنوا بكله حسب إيمانِهم بما أنزل عليهم بحكم الاشتراكِ في العلة والاتحادِ في الحقيقة التي هي مطلقُ الوحي، وتوسيطُ قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ} إلخ، لكمال اتصالِه بما هو المقصودُ من بيان حالِ ما أوتيَ النبي عليه الصلاة والسلام، ولقد بُيِّن أولًا علوُّ شأنِه ورفعة مكانِه بحيث يستوجب اغتباطَه عليه الصلاة والسلام بمكانه واستغناءَه به عما سواه، ثم نُهي عن الالتفات إلى زَهرة الدنيا، وعُبّر عن إيتائها لأهلها بالتمتيع المنْبىءِ عن وشك زوالِها عنهم ثم عن الحزَن بعدم إيمانِ المنهمكين فيها، وأُمر بمراعاة المؤمنين والاكتفاءِ بهم عن غيرهم وبإظهار قيامِه بمواجب الرسالة ومراسمِ النذارة حسبما فُصّل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظيم، ثم رُجِع إلى كيفية إيتائه على وجه أُدمج فيه ما يُزيح شُبَهَ المنكِرين ويستنزِلهم عن العِناد من بيان مشاركتِه لما لا ريب لهم في كونه وحيًا صادقًا فتأمل، والله عنده علم الكتاب، هذا وقد قيل: المعنى وقل إني أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرًا، على أن المقتسِمين أهلُ الكتاب.انتهى.
يريد أن ما في كما موصولةٌ، والمراد بالمشابهة المستفادة من الكاف الموافقةُ وهي مع ما في حيزها في محل النصبِ على الحالية من مفعول قل، أي قل هذا القولَ حالَ كونِه كما أنزلنا على أهل الكتابين أي موافقًا لذلك، فالأنسبُ حينئذ حملُ الاقتسام على التحريف ليكون وصفُهم بذلك تعريضًا بما فعلوا من تحريفهم وكِتمانهم لنعت النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: {عِضِينَ} جمعُ عِضة وهي الفِرقة، أصلها عِضْوَةٌ، فِعْلة من عضَّى الشاةَ تعضيةً إذا جعلها أعضاءَ، وإنما جُمعت جمع السلامةِ جبرًا للمحذوف كسنينَ وعِزينَ، والتعبيرُ عن تجزئة القرآن بالتعضية التي هي تفريقُ الأعضاء من ذي الروح المستلزمُ لإزالة حياتِه وإبطالِ اسمِه دون مطلق التجزئةِ والتفريق اللذَيْن ربما يوجدان فيما لا يضره التبعيضُ من المِثليات، للتنصيص على كمال قبحِ ما فعلوه بالقرآن العظيم، وقيل: هي فِعلة من عضهتُه إذا بهتُّه، وعن عكرِمةَ: العضه السحرُ بلسان قريشٍ، فنقصانها على الأول واو وعلى الثاني هاء.
{فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي لنسألن يوم القيامة أصنافَ الكفرة من المقتسمين وغيرهم سؤالَ توبيخٍ وتقريع.
{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في الدنيا من قول وفعل وترْكٍ، فيدخُل فيه ما ذكر من الاقتسام والتعضيةِ دخولًا أوليًا، ولنجزيّنهم بذلك جزاءًا موفورًا، وفيه من التشديد وتأكيدِ الوعيدِ ما لا يخفى، والفاءُ لترتيب الوعيدِ على أعمالهم التي ذكر بعضها، وفي التعرض لوصف الربوبيةِ مضافًا إليه عليه الصلاة والسلام إظهارُ اللطف به عليه الصلاة والسلام.
{فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فاجهر به، من صَدَع بالحجة إذا تكلم بها جِهارًا، أو افرُق بين الحق والباطل، وأصلُه الإبانةُ والتمييزُ، وما مصدرية أو موصولةٌ والعائدُ محذوفٌ، أي ما تؤمر به من الشرائع المودعة في تضاعيف ما أوتيتَه من المثاني السبعِ والقرآنِ العظيم {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبالِ بهم ولا تتصدَّ للانتقام منهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}
لا تطمح بنظرك طموح راغب ولا تدم نظرك {إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ} من زخارف الدنيا وزينتها {أزواجا مّنْهُمْ} أصنافًا من الكفرة اليهود والنصارى والمشركين، وقيل: رجالًا مع نسائهم، والنهي قيل له صلى الله عليه وسلم وهو لا يقتضي الملابسة ولا المقاربة، وقيل: هو لأمته وان كان الخطاب له عليه الصلاة والسلام، وأيد بما أخرجه ابن جرير.
وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه نعم كان صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية شديد الاحتياط فيما تضمنته، فقد أخرج أبو عبيد.
وابن المنذر عن يحيى بن أبي كثير أنه عليه الصلاة والسلام مر بابل لحي يقال لهم بنو الملوح أو بنو المصطلق قد عنست في أبوالها وأبعارها من السمن فتقنع بثوبه ومر ولم ينظر إليها لقوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} الآية، ويعد نحو هذا الفعل من باب سد الذرائع.
ومنهم من أيد الأول بهذا وبدلالة ظاهر السياق عليه، وحاصلها مع ما قبل أوتيت النعمة العظمة الت كل نعمة وان عظمت فهي بالنسبة إليها حقيرة فعليك أن تستغنى بذلك ولا ترغب في متاع الدنيا، وجعل من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» بناء على أن «يتغن» من الغنى المقصور كيستغنى وليس مقصورًا على الممدود، ويشهد لذلك ما في الحديث الصحيح في الخيل «وأما التي هي له سترلا فرجل ربطها تغنيًا وتعففًا» وعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه من أوتي القرآن فرأى أن أحد أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيمًا وعظم صغيرًا.
وقد أخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة ما هو بمعناه، وقال العراقي: أن الخبر مروى لكن لم أقف على روايته عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه في شيء من كتب الحديث.
وحكى بعضهم في سبب نزول الآية أنه وافت من بصرى واذرعات سبع قوافل لقريظة والنضير في يوم واحد فيها أنواع من البر والطيب والجواهر فقال المسلمون: لو كانت لنا لقتوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله تعالى فنزلت، فكأنه سبحانه يقول: قد أعطيتكم سبعًا هي خير من سبع قوافل، وروى هذا عن الحسن بن الفضل.
وتعقب بأنه ضعيف أو لا يصح لأن السورة مكية وقريظة والنضير كانوا بالمدينة فكيف يصح أن يقال ذلك وهو كما ترى.
نعم روى أنه صلى الله عليه وسلم وافى بأذرعات سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها الخ وهو غير معروف، وقد قالوا: إنه لم يعهد سفره صلى الله عليه وسلم للشام، واستؤنس بخبر النزول على أن النهي معني به سيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام كانلهي في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} حيث أنهم لم يؤمنوا، وكان صلى الله عليه وسلم يود أن يؤمن كل من بعث إليه ويشق عليه عليه الصلاة والسلام لمزيد شفقته بقاء الكفرة على كفرهم ولذلك قيل له: {وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} وكأن مرجع الجملة الأولى إلى النهي عن الالتفات إلى أموالهم ومرجع هذه الجملة إلى النهي عن الالتفات إليهم، وليس المعنى لا تحزن عليهم حيث أنهم المتمتعون بذلك فإن التمتع به لا يكون مدارًا للحزن عليهم، وكون المعنى لا تحزن على تمتعهم بذلك فالكلام على حذف مضاف لا يخفى ما فيه من ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع إليه {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} كناية عن التواضع لهم والرفق بهم، وأصل ذلك أن الطائر إذا أراد أن يضم فرخه إليه بسط جناحيه له، والجناحان من ابن آدم جانباه ـ.
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)} أي المنذر الكاشف نزول عذاب الله تعالى ونقمة املخوفة بمن لم يؤمن.
{كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)}
{كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} قيل: إنه متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87]. إلخ. على أن يكون في موضع نصب نعتا لمصدر من {ءاتَيْنَا} محذوف أي آتيناك سبعا من المثانى إيتاء كما أنزلنا وهو في معنى أنزلنا عليك ذلك أنزالا كإنزالنا على أهل الكتاب.
{الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} أي قسموه إلى حق وباطل حيث قالوا عنادًا وعداوة: بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما، وتفسير المقتسمين المذكورين بأهل الكتاب مما روي عن الحسن.
وغيره، وفي الدر المنثور أخرج البخاري وسعيد بن منصور والحاكم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاءً فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، وجاء ذلك مرفوعًا أيضًا، فقد أخرج الطبراني في الأوسط عن الحبر قال: «سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت قول الله تعالى: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} [الحجر: 90]. قال عليه الصلاة والسلام: اليهود والنصارى قال: {الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} ما عضين؟ قال صلى الله عليه وسلم: آمنوا ببعض وكفروا ببعض» أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً به؛ فقد روي عن عكرمة أن بعضهم كان يقول: سورة البقرة لي وبعضهم سورة آل عمران لي وهكذا، وجوز أن يراد بالمقتسمين أهل الكتاب ويراد من القرآن معناه اللغوي أي المقروء من كتبهم أي الذين اقتسموا ما قرؤا من كتبهم وحرفوه وأقروا ببعض وكذبوا ببعض، وحمل توسط قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88]. إلخ. بين المتعلق والمتعلق على إمداد ما هو المراد بالكلام من التسلية.
وتعقب القول بهذا التعلق بأنه جل هذا المقام عن التشبيه فلقد أوتي صلى الله عليه وسلم ما لم يؤت أحد قبله ولا بعده مثله، وفي حمل القرآن على معناه اللغوي ما فيه، وقيل: هو متعلق بقوله تعالى: {وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89]. لأنه في قوة الأمر بالإنذار كأنه قيل: أنذر قريشًا مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين يعني اليهود وهو ما جرى على قريظة.
والنضير بأن جعل المتوقع كالواقع وقد وقع كذلك.
وتعقب بأن المشبه به العذاب المنذر ينبغي أن يكون معلومًا حال النزول وهذا ليس كذلك فيلغو التشبيه، وتنزيل المتوقع منزلة الواقع له موقع جليل من الإعجاز لكن إذا صادف مقامًا يقتضيه كما في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} [الفتح: 1]، ونظائره، على أن تخصيص الاقتسام باليهود بمجرد اختصاص العذاب المذكور بهم مع شركتهم للنصارى في الاقتسام المتفرع على الموافقة والمخالفة، وفي الاقتسام بمعنى التحريف الشامل للكتابين بل تخصيص العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقتسام تخصيص من غير مخصص، وجوز أن يراد بالمقتسمين جماعة من قريش وهي اثنا عشر، وقال ابن السائب: ستة عشر رجلًا حنظلة بن أبي سفيان وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاص بن هشام وأبو قيس بن الوليد وقيس بن الفاكه وزهير بن أمية وهلال عبد الأسود والسائب بن صيفي والنضر بن الحرث وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الحجاج وأمية بن خلف وأوس بن المغيرة أرسلهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم ليقفوا على مداخل طرق مكة لينفروا الناس عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم فانقسموا على هاتيك المداخل يقول بعضهم: لا تغتروا بالخارج فإنه ساحر، ويقول الآخر: كذاب، والآخر: شاعر إلى غير ذلك من هذيانهم فأهلكهم الله تعالى يوم بدر وقبله بآفات، ويجعل {الذين} منصوبًا بالنذير على أنه مفعوله الأول و{كَمَا} مفعوله الثاني أي أنذر المعضين الذين يجزؤن القرآن إلى سحر وشعر وأساطير مثل ما أنزلنا على المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة وهذوًا مثل هذيانهم.
وتعقب بأن فيه مع ما فيه من المشاركة لما سبق في عدم كون العذاب الذي شبه به العذاب المنذر واقعًا ومعلومًا للمنذرين أنه لا داعي إلى تخصيص وصف التعضية بهم وإخراج المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوة لهم في ذلك فإن وصفهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفوا به من السحر والشعر والكذب متفرع على وصفهم للقرآن بذلك وهل هو إلا نفس التعضية ولا إلى إخراجهم من حكم الإنذار، على أن ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يشبه به عذاب غيرهم ولا مخصوصًا بهم بل هو عام لكلا الفريقين وغيرهم، مع أن بعض من عد من المنذرين على قول كالوليد بن المغيرة والأسود وغيرهما قد هلكوا قبل مهلك أكثر المقتسمين يوم بدر، ولا إلى تقديم المفعول الثاني على الأول كما ترى، وقيل: إنه صفة لمفعول {النذير} أقيم مقامه بعد حذفه والمقتسمون هم القاعدون في مداخل الطرق كما حرر، أي النذير عذابًا مثل العذاب الذي أنزلناه على المقتسمين.
وتعقب أيضًا بأن فيه مع ما مر أنه يقتضي أن يكون {كَمَآ أَنْزَلْنَا} من مقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يصلح لذلك، واعتذر له بأنه كما يقول بعض خواص الملك أمرنا بكذا والآمر الملك كما تقدم غير بعيد أو حكاية لقول الله تعالى، وفيه من التعسف ما لا يخفى، وأيضًا فيه إعمال الوصف الموصوف في المفعول وهو مما لا يجوز.
وأجيب بأن الكوفية تجوزه والقائل بنى الكلام على ذلك أو أن المراد بالمفعول المفعول الغير الصريح وتقديره بعذاب وهو لا يمنع الوصف من العمل فيه، وقيل: المراد بالمقتسمين على تقدير الوصفية الرهط الذين تقاسموا.
على أن يبيتوا صالحًا عليه السلام فأهلكهم الله تعالى، والاقتسام بمعنى التقاسم، ولا إشكال في التشبيه لأن عذابهم أمر محقق نطق به القرآن العظيم فيصح أن يقع مشبهًا به للعذاب المنذر، والموصول إما مفعول أول للنذير أو لما دل هو عليه من {أُنذِرَ}.
وتعقب أيضًا بأن فيه بعد إغماض العين عما في المفعولية من الخلاف أو الخفاء أنه لا يكون للتعرض لعنوان التعضية في حيز الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور في حيز المفعول الثاني فائدة لما أن ذلك إنما يكون للإشعار بعلية الصلة والصفة للحكم الثابت للموصول والموصوف فلا يكون هناك وجه شبه يدور عليه تشبيه عذابهم بعذابهم خاصة لعدم اشتراكهم في السبب، فإن المعضين بمعزل من التقاسم على التبيت الذي هو السبب لهلاك أولئك مع أن أولئك بمعزل من التعضية التي هي السبب لهلاك هؤلاء ولا علاقة بين السببين مفهومًا ولا وجودًا تصحح وقوع أحدهما في جانب والآخر في جانب، واتفاق الفريقين على مطلق الاتفاق على الشرور المفهوم من الاتفاق على الشر المخصوص الذي هو التبييت المدلول عليه بالتقاسم غير مفيد إذ لا دلالة لعنوان التعضية على ذلك وإنما يدل عليه اقتسام المداخل، وجعل الموصول مبتدأ على أن خبره الجملة القسمية لا يليق بجزالة التنزيل وجلالة شأنه الجليل اهـ، وهذا الجعل مروي عن ابن زيد، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخرجها البيهقي.
وأبو نعيم في الدلائل ما يقتضيه، ومن هنا قيل بمنع عدم اللياقة، وبعض من يسلمها يقول: يجوز أن يكون الموصول صفة {المقتسمين} [الحجر: 90]. مرادًا بهم أولئك الرهط، ومعنى جعلهم القرآن عضين حكمهم بأنه مفترى وتكذيبهم به والمراد منه معناه اللغوي فيؤول إلى وصفهم بتكذيبهم بكتابهم وإعراضهم عن الإيمان به والعمل بما فيه، ويوافق ما مر من قوله تعالى فيهم وفي قومهم: {وءاتيناهم ءاياتنا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الحجر: 81]. بناءً على أن المراد بالآيات آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليه السلام حسبما قيل به فيما سبق، وإن أبيت ذلك بناءً على ما سمعت هنا لك التزمنا كون الموصول مفعولًا وقلنا: فائدة التعرض للعنوانين المذكورين على الوجه المذكور الإشارة إلى تفظيع أمر التكذيب وكونه في سببيته للعذاب كالاقتسام على قتل النبي، ويلتزم ما يشعر به هذا من أفظعية الاقتسام المزبور لأنه لا يكون إلا عن تكذيب ومزيد عداوة للنبي، وفيه بحث، وقيل: المصحح لوقوع أحد العنوانين في جانب والآخر في جانب أن التكذيب ينجر بزعم المكذبين إلى إبطال أمر النبي عليه الصلاة والسلام وإطفاء نوره وهو العلة الغائية لذلك والاقتسام المذكور كذلك وهو كما ترى، وقال أبو البقاء وليته لم يقل: إن {كَمَآ أَنْزَلْنَا} متعلق بقوله تعالى: {مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مّنْهُمْ} [الحجر: 88]، وهو في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي متعناهم تمتيعًا كما أنزلنا، والمعنى نعمنا بعضهم كما عذبنا بعضهم.