فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكر ابن عطية وغيره أنه يحتمل أن يكون المعنى قل إني أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيرًا على المقتسمين أي أهل الكتاب، ومرادهم على ما قيل أن {مَا} في {كَمَا} موصولة، والمراد من المشابهة المستفادة من الكاف الموافقة وهي مع ما في حيزها في محل النصب على الحالية من مفعول {قُلْ} أي قل هذا القول حال كونه كما أنزلنا على أهل الكتابين أي موافقًا لذلك، والأنسب على هذا حمل الاقتسام على التحريف ليكون وصفهم بذلك تعريضًا بما فعلوا من تحريفهم وكتمانهم لنعت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأنت تعلم أن فيه بعدًا لكنه أولى بالنسبة إلى بعض ما تقدم، وقريب منه ما قيل: المعنى ولقد آتيناك سبعًا من المثاني إيتاءً موافقًا للإيتاء الذي أنزلناه على أهل الكتابين وأخبرناهم به في كتبهم، وفيه ما فيه.
وأما جعلها زائدة والمعنى أنا النذير المبين ما أنزلنا فحاله غني عن التنبيه عليه، وقال العلامة أبو السعود بعد نقل أقوال عقبها بما عقبها: والأقرب من الأقوال المذكورة أن {كَمَآ أَنْزَلْنَا} [الحجر: 90]. متعلق بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك} [الحجر: 87]. إلخ، وإن المراد بالمقتسمين أهل الكتابين، وأن الموصول مع صلته صفة مبينة لكيفية اقتسامهم ومحل الكاف النصب على المصدرية، وحديث جلة المقام عن التشبيه من لوائح النظر الجليل.
والمعنى لقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم إيناءً مماثلًا لإنزال الكتابين على أهلهما، وعدم التعرض لذكر ما أنزل عليهم من الكتابين لأن الغرض بيان المماثلة بين الإيتائين لا بين متعلقيهما، والعدول عن تطبيق ما في جانب المشبه به على ما في جانب المشبه بأن يقال: كما آتينا المقتسمين حسبما وقع في قوله تعالى: {الذين ءاتيناهم الكتاب} [البقرة: 121]. إلخ. للتنبيه على ما بين الإيتائين من التنائي فإن الأول على وجه التكرمة والامتنان فشتان بينه وبين الثاني، ولا يقدح ذلك في وقوعه مشبهًا به فإن ذلك إنما هو لمسلميته عندهم، وتقدم وجوده على المشبه زمانًا لا لمزية تعود إلى ذاته، ونظير ذلك ما قيل في الصلوات الإبراهيمية فليس في التشبيه إشعار بأفضلية المشبه به من المشبه فضلًا عن إيهام ما تعلق به الأول مما تعلق به الثاني، وإنما ذكروا بعنوان الاقتسام إنكارًا لاتصافهم به مع تحقق ما ينفيه من الإنزال المذكور وإيذانًا بأنهم كان من حقهم أن يؤمنوا بكله حسب إيمانهم بما أنزل عليهم بحكم الاشتراك في العلة والاتحاد في الحقيقة التي هي مطلق الوحي، وتوسيط قوله تعالى: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} [الحجر: 88]. إلخ. لكمال اتصاله بما هو المقصود من بيان حال ما أوتي النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد بين أولًا علو شأنه ورفعة مكانه صلى الله عليه وسلم بحيث يستوجب اعتباطه عليه الصلاة والسلام بمكانه واستغناءه به عما سواه، ثم نهى عن الالتفات إلى زهرة الدنيا وعبر سبحانه عن إيتائها لأهلها بالتمتع المنبىء عن وشك زوالها عنهم، ثم عن الحزن لعدم إيمان المنهمكين فيها، وأمر بمراعاة المؤمنين والاكتفاء بهم عن غيرهم وبإظهار قوامه بمواجب الرسالة ومراسم النذارة حسبما فصل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظم.
ثم رجع إلى كيفية إتيانه على وجه أدمج فيه ما يزيح شبه المنكرين ويستنزلهم من العناد من بيان مشاركته لما لا ريب لهم في كونه وحيًا صادقًا، فتأمل والله تعالى عنده علم الكتاب اهـ وهو كلام ظاهر عليه مخايل التحقيق.
وفي البحر بعد نقل أكثر هذه الأقوال وهذه أقوال وتوجيهات مكلفة والذي يظهر لي أنه تعالى لما أمره صلى الله عليه وسلم بأن لا يحزن على من لم يؤمن وأمره عليه الصلاة والسلام بخفض جناحه للمؤمنين أمره صلى الله عليه وسلم أن يعلم المؤمنين وغيرهم أنه هو النذير المبين لئلا يظن المؤمنون أنهم لما أمر صلى الله عليه وسلم بخفض جناحه لهم خرجوا من عهدة النذارة فأمر صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: {إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89]. لكم ولغيركم كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يخشاها} [النازعات: 45]، وتكون الكاف نعتًا لمصدر محذوف، والتقدير وقل قولًا مثل ما أنزلنا على المقتسمين إنك نذير لهم، فالقول للمؤمنين في النذارة كالقول للكفارة المقتسمين لئلا يظن إنذارك للكفار مخالفًا لإنذار المؤمنين بل أنت في وصف النذارة لهم بمنزلة واحدة تنذر المؤمن كما تنذر الكافر كما قال تعالى: {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشّرِ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188]. اهـ بحروفه، وهو كما ترى ركيك لفظًا ومعنى والله تعالى أعلم بمراده وعنده علم الكتاب، وعضين جمع عضة وأصلها عضوة بكسر العين وفتح الضاد بمعنى جزء فهو معتل اللام من عضاه بالتشديد جعله أعضاء وأجزاء؛ فالمعنى جعلوا القرآن أجزاء.
وقيل: العضه في لغة قريش السحر فيقولون للساحر: عاضه وللساحرة عاضهة، وفي حديث رواه ابن عدي في الكامل.
وأبو يعلى في مسنده «لعن الله تعالى العاضهة والمستعضهة» وأراد صلى الله عليه وسلم الساحرة والمستسحرة أي المستعملة لسحر غيرها، وهو على هذا مأخوذ من عضهته فاللام المحذوفة هاء كما في شفة وشاة على القول بأن أصلهما شفهة وشاهة بدليل جمعهما على شفاه وشياه وتصغيرهما على شفيهة وشويهة.
وعن الكسائي أنه من عضهه عضها وعضيهة رماه بالبهتان، قيل: وأخذ العضه بمعنى السحر من هذا لأن البهتان لا أصل له والسحر تخييل أمر لا حقيقة له، وذهب الفراء إلى أنه من العضاه وهي شجرة تؤذي كالشوك واختار بعضهم الأول، وجمع السلامة لجبر ما حذف منه كعزين وسنين وإلا فحقه أن لا يجمع جمع السلامة المذكر لكونه غير عاقل ولتغير مفرده؛ ومثل هذا كثير مطرد، ومن العرب من يلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فيقول: عضينك كسنينك وهذه اللغة كثيرة في تميم.
وأسد، وفي التعبير عن تجزئة القرآن بالتعضية التي هي تفريق الأعضاء من ذي الروح المستلزم لإزالة حياته وإبطال اسمه دون مطلق التجزئة والتفريق اللذين ربما يوجدان فيما لا يضره التبعيض للتنصيص على قبح ما فعلوه بالقرآن العظيم.
{فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} أي لنسألن يوم القيامة أصناف الكفرة مطلقًا المقتسمين وغيرهم سؤال تقريع وتوبيخ.
{عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
في الدنيا من قول وفعل وترك فيدخل فيه ما ذكر من الاقتسام والتعضية دخولًا أوليًا أو لنجازينهم على ذلك، وعلى التقديرين لا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39]. لأن المراد هنا حسبما أشرنا إليه إثبات سؤال التقريع والتوبيخ أو المجازاة بناءًا على أن السؤال مجاز عنها وهناك نفى سؤال الاستفهام لأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم؛ وروي هذا عن ابن عباس، وضعف هذا الإمام بأنه لا معنى لتخصيص نفي سؤال الاستفهام بيوم القيامة لأن ذلك السؤال محال عليه تعالى في كل وقت.
وأجيب بأنه بناءًا على زعمهم كقوله تعالى: {وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} [إبراهيم: 21]. فإنه يظهر لهم في ذلك اليوم أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء فلا يحتاج إلى الاستفهام، وقيل: المراد لا سؤال يومئذٍ منه تعالى ولا من غيره بخلاف الدنيا فإنه ربما سأل غيره فيها.
ورد بأن قوله: لأنه سبحانه عالم بجميع أعمالهم يأباه.
واختار غير واحد في الجمع أن النفي بالنسبة إلى بعض المواقف والإثبات بالنسبة إلى بعض آخر، وسيأتي تمام الكلام في ذلك، واستظهر بعضهم عود الضمير في {لَنَسْئَلَنَّهُمْ} إلى {المقتسمين الذين جَعَلُواْ القرءان عِضِينَ} [الحجر: 90، 91]. للقرب، وجوز أن يعود على الجميع من مؤمن وكافر لتقدم ما يشعر بذلك من قوله سبحانه: {وَقُلْ إِنّى أَنَا النذير المبين} [الحجر: 89]، و{مَا} للعموم كما هو الظاهر، وأخرج ابن جرير: وغيره وعن أبي العالية أنه قال في الآية: يسأل العباد كلهم يوم القيامة عن خلتين عما كانوا يعبدون وعما أجابوا به المرسلين.
وأخرج الترمذي وجماعة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يسألون عن قول لا إله إلا الله» وأخرجه البخاري في تاريخه والترمذي من وجه آخر عن أنس مرفوعًا، وروي أيضًا عن ابن عمر ومجاهد، والمعنى على ما في البحر يسألون عن الوفاء بلا إله إلا الله والتصديق لمقالها بالأعمال، والفاء قيل لترتيب الوعيد على أعمالهم التي ذكر بعضها، وقيل: لتعليل النهي والأمر فيما سبق، وزعم أنها الفاء الداخلة على خبر الموصول كما في قولك: الذي يأتيني فله درهم مبني على أن {الذين} مبتدأ وقد علمت حال ذلك، وفي التعرض لوصف الربوبية مضافًا إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف به صلى الله عليه وسلم.
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}
قال الكلبي: أي أظهره واجهر به يقال: صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارًا، ومن ذلك قيل للفجر صديع لظهوره.
وجوز أن يكون أمرًا من صدع الزجاجة وهو تفريق أجزائها أي افرق بين الحق والباطل، وأصله على ما قيل الإبانة والتمييز، والباء على الأول صلة وعلى الثاني سببية، و{مَا} جوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي بالذي تؤمر به فحذف الجار فتعدى الفعل إلى الضمير فصار تؤمره ثم حذف، ولعل القائل بذلك لم يعتبر حذفه مجرورًا لفقد شرط حذفه بناءً على أنه يشترط في حذف العائد المجرور أن يكون مجرورًا بمثل ما جر به الموصول لفظًا ومعنى ومتعلقًا، وقيل: التقدير فاصدع بما تؤمر بالصدع به فحذفت الباء الثانية ثم الثالثة ثم لام التعريف ثم المضاف ثم الهاء، وهو تكلف لا داعي له ويكاد يورث الصداع، والمراد بما يؤمر به الشرائع مطلقًا، وقول مجاهد: كما أخرجه عنه ابن أبي حاتم إن المعنى اجهر بالقرآن في الصلاة يقتضي بظاهره التخصيص ولا داعي له أيضًا كما لا يخفى، وأظهر منه في ذلك ما روي عن ابن زيد أن المراد {بِمَا تُؤْمَرُ} القرآن الذي أوحى إليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغهم إياه، وأن تكون مصدرية أي فاصدع بمأموريتك وهو الذي عناه الزمخشري بقوله: أي بأمرك مصدر من المبني للمفعول، وتعقبه أبو حيان بأنه مبني على مذهب من يجوز أن يراد بالمصدر أن والفعل المبني للمفعول والصحيح أن ذلك لا يجوز.
ورد بأن الاختلاف في المصدر الصريح هل يجوز انحلاله إلى حرف مصدري وفعل مجهول أم لا إما أن الفعل المجهول هل يوصل به حرف مصدري فليس محل النزاع، فإن كان اعتراضه على الزمخشري في تفسيره بالأمر وأنه كان ينبغي أن يقول بالمأمورية فشيء آخر سهل، ثم لا يخفى ما في الآية من الجزالة، وقال أبو عبيدة: عن رؤبة ما في القرآن منها، ويحكى أن بعض العرب سمع قارئًا يقرأها فسجد فقيل له في ذلك فقال: سجدت لبلاغة هذا الكلام، ولم يزل صلى الله عليه وسلم مستخفيًا كما روي عن عبد الله بن مسعود قبل نزول ذلك فلما نزلت خرج هو وأصحابه عليه الصلاة والسلام {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبال بهم فليست الآية منسوخة، وقيل: هي من آيات المهادنة التي نسختها آية السيف، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم.
وأبو داود في ناسخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. اهـ.

.قال القاسمي:

{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ}
يعني: قد أوتيت النعمة العظمى، التي كل نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة، وهي القرآن العظيم. فعليك أن تستغني ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به من زخارف الدنيا وزينتها أصنافًا من الكفار متمنيًا لها. فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته، وفي التعبير عما أوتوه بالمتاع إنباء عن وشك زوالها عنهم.
{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أي: لعدم إيمانهم، المرجو بسببه تقوي ضعفاء المسلمين بهم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفسًا عن إيمان الأغنياء والأقوياء.
{وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ} أي: المنذر المظهر للعذاب لمن لم يؤمن.
{كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ} أي: مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين. أو إنذارًا مثل ما أنزلنا. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: المقتسمون أصحاب صالح عليه السلام، الذين تقاسموا بالله: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} فأخذتهم الصيحة، كما مر. فالاقتسام من القسم لا من القسمة.
وهذا التأويل اختاره ابن قتيبة.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} أي: أجزاء، جمع عضة يعني كفار مكة. قالوا: سحر، وقالوا: كهانة، وقالوا: أساطير الأولين، وهو مبتدأ خبره: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: من التقسيم فنجازيهم عليه، وجوَّز تعلق كما بقوله: {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} أي: لنسألنهم أجمعين مثل ما أنزلنا. فيكون كما رأس آية والمقتسمون حينئذ: إما من تقدم، أو المشركون، ويعني بالإنزال عليهم إنزال الهداية التي أَبَوْها، وجوَّز جعل الموصول مفعولًا أول للنذير، أو لما دلَّ عليه من أنذر، أي: النذير. أو أنذر المعضين الذين يجزئون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين، وجوَّز جعل كما متعلقًا بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ} أي: أنزلنا عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب الذين جزؤوا القرآن إلى حق وباطل. حيث قالوا: قسم منه حق موافق لما عندنا، وقسم باطل لا يوافقه. أو القرآن هو مقروؤهم. أي: قسموا ما قرؤوا من كتبهم وحرفوه، فأقروا ببعضه وكذبوا ببعضه، والله أعلم.
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أمر من الصدع بمعنى الإظهار والجهر، من انصداع الفجر. أو من صدع الزجاجة ونحوها وهو تفريق أجزائها. أي: افرق بين الحق والباطل: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} أي: الذين يرومون صدك عن التبليغ، فلا تبال بهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89)}
استئناف بياني لما يثيره المقصود من قوله تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [سورة الحجر: 85]، ومن تساؤل يجيش في النّفس عن الإملاء للمكذّبين في النّعمة والتّرف مع ما رمقوا به من الغضب والوعيد فكانت جملة {لا تمدن عينيك} بيانًا لما يختلج في نفس السامع من ذلك، ولكونها بهذه المثابة فصلت عن الّتي قبلها فصل البيان عن المبيّن.
ولولا أن الجملة الّتي وقعت قبلها كانت بمنزلة التمهيد لها والإجمال لمضمونها لعطفت هذه الجملة لأنها تكون حينئذٍ مجرد نهي لا اتّصال له بما قبله، كما عطفت نظيرتها في قوله تعالى في سورة طه [129 131]: {فاصبر على ما يقولون وسبّح بِحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن ءَاناء اللّيل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى ولا تمدنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الحياة} فلما فصلت الجملة هنا فهم أن الجملة الّتي قبلها مقصودة التمهيد بهذه الجملة ولو عطفت هذه لما فهم هذا المعنى البديع من النظم.
والمَدّ: أصله الزيادة.
وأطلق على بسط الجسم وتَطويله.
يقال: مَدّ يده إلى كذا، ومدّ رجله في الأرض.
ثم استعير للزيادة من شيء.
ومنه مدد الجيش، ومدّ البحر، والمد في العمر.
وتلك إطلاقات شائعة صارت حقيقة.
واستعير المدّ هنا إلى التّحديق بالنظر والطموح به تشبيهًا له بمدّ اليد للمتناول، لأن المنهي عنه نظر الإعجاب مما هم فيه من حسن الحال في رفاهية عيشهم مع كفرهم، أي فإن ما أوتيته أعظم من ذلك فلو كانوا بمحل العناية لاتّبعوا ما آتيناك ولكنّهم رضوا بالمتاع العاجل فليسوا ممن يعجب حالهم.
والأزواج هنا يحتمل أن يكون على معناه المشهور، أي الكفّار ونسائهم.
ووجه تخصيصهم بالذكر أن حالتهم أتم أحوال التمتّع لاستكمالها جميع اللّذات والأنس.
ويحتمل أن يراد به المجاز عن الأصناف وهو استعمال أثبته الراغب.
فوجه ذكره في الآية أن التمتّع الّذي تمتدّ إلى مثله العين ليس ثابتًا لجميع الكفّار بل هو شأن كبرائهم، أي فإن فيهم من هم في حال خصاصة فاعتبر بهم كيف جمع لهم الكفر وشظف العيش.
والنّهي عن الحزن عليهم شامل لكلّ حال من أحوالهم من شأنها أن تحْزن الرّسول عليه الصلاة والسلام وتؤسفه.