فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا نوع آخر من قبائحهم وهو ادعاؤهم أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس ويدل عليه وجوه:
أحدها: أنه لا يجوز أن يقال على طريق الاستدلال على الخصم إن كان كذا وكذا فافعل كذا إلا والأول مذهبه ليصح إلزام الثاني عليه.
وثانيها: ما حكى الله عنهم في قوله: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى} [البقرة: 111] وفي قوله: {نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] وفي قوله: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} [البقرة: 80].
وثالثها: اعتقادهم في أنفسهم أنهم هم المحقون لأن النسخ غير جائز في شرعهم، وأن سائر الفرق مبطلون، ورابعها: اعتقادهم أن انتسابهم إلى أكابر الأنبياء عليهم السلام أعني يعقوب وإسحاق وإبراهيم يخلصهم من عقاب الله تعالى ويوصلهم إلى ثوابه، ثم إنهم لهذه الأشياء عظموا شأن أنفسهم فكانوا يفتخرون على العرب وربما جعلوه كالحجة في أن النبي المنتظر المبشر به في التوراة منهم لا من العرب وكانوا يصرفون الناس بسبب هذه الشبهة عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إن الله احتج على فساد قولهم بقوله: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة عِندَ الله خَالِصَةً مّن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت} وبيان هذه الملازمة أن نعم الدنيا قليلة حقيرة بالقياس إلى نعم الآخرة، ثم إن نعم الدنيا على قلتها كانت منغصة عليهم بسبب ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ومنازعته معهم بالجدال والقتال، ومن كان في النعم القليلة المنغصة، ثم إن تيقن أنه بعد الموت لابد وأن ينتقل إلى تلك النعم العظيمة فإنه لابد وأن يكون راغبًا في الموت لأن تلك النعم العظيمة مطلوبة ولا سبيل إليها إلا بالموت وما يتوقف عليه المطلوب وجب أن يكون مطلوبًا فوجب أن يكون هذا الإنسان راضيًا بالموت متمنيًا له، فثبت أن الدار الآخرة لو كانت لهم خالصة لوجب أن يتمنوا الموت.
ثم إن الله تعالى أخبر أنهم ما تمنوا الموت بل لن يتمنوه أبدًا، وحينئذ يلزم قطعًا بطلان ادعائهم في قولهم إن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس.
فإن قيل لا نسلم أنه لو كانت لهم الدار الآخرة خالصة لوجب أن يتمنوا الموت، قوله لأن نعيم الآخرة مطلوب ولا سبيل إليه إلا بالموت والذي يتوقف عليه المطلوب، لابد وأن يكون مطلوبًا.
قلنا: قلنا الذي يتوقف عليه المطلوب يجوز أن يكون مطلوبًا نظرًا إلى كونه وسيلة إلى ذلك المطلوب إلا أنه يكون مكروهًا نظرًا إلى ذاته والموت مما لا يحصل إلا بالآلام العظيمة وما كانوا يطيقونها فلا جرم ما تمنوا الموت.
السؤال الثاني: أنه كان لهم أن يقلبوا هذا السؤال على محمد صلى الله عليه وسلم فيقولوا: إنك تدعي أن الدار الآخرة خالصة لك ولأمتك دون من ينازعك في الأمر فإن كان الأمر كذلك فارض بأن نقتلك ونقتل أمتك، فإنا نراك ونرى أمتك في الضر الشديد والبلاء العظيم بسبب الجدال والقتال وبعد الموت فإنكم تتخلصون إلى نعيم الجنة فوجب أن ترضوا بقتلكم!
السؤال الثالث: لعلهم كانوا يقولون الدار الآخرة خالصة لمن كان على دينهم لكن بشرط الاحتراز عن الكبائر، فأما صاحب الكبيرة فإنه يبقى مخلدًا في النار أبدًا لأنهم كانوا وعيدية أو لأنهم جوزوا في صاحب الكبيرة أن يصير معذبًا فلأجل هذا ما تمنوا الموت وليس لأحد أن يدفع هذا السؤال بأن مذهبهم أنه لا تمسهم النار إلا أيامًا معدودة لأن كل يوم من أيام القيامة كألف سنة مما تعدون فكانت هذه الأيام وإن كانت قليلة بحسب العدد لكنها طويلة بحسب المدة فلا جرم ما تمنوا الموت بسبب هذا الخوف.
السؤال الرابع: أنه عليه الصلاة والسلام نهي عن تمني الموت فقال: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إن كانت الوفاة خيرًا لي» وأيضًا قال الله تعالى في كتابه: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا} [الشورى: 18] فكيف يجوز أن ينهى عن الاستعجال، ثم إنه يتحدى القوم بذلك.
السؤال الخامس: أن لفظ التمني مشترك بين التمني الذي هو المعنى القائم بالقلب وبين اللفظ الدال على ذلك المعنى وهو قول القائل: ليتني مت، لليهود أن يقولوا إنك طلبت منا التمني والتمني لفظ مشترك، فإن ذكرناه باللسان فله أن يقول: ما أردت به هذا اللفظ، وإنما أردت به المعنى الذي في القلب وإن فعلنا ذلك المعنى القائم بالقلب فله أن يقول: كذبتم ما أتيتم بذلك في قلوبكم ولما علم اليهود أنه أتى بلفظة مشتركة لا يمكن الاعتراض عليها لا جرم لم يلتفتوا إليه.
السؤال السادس: هب أن الدار الآخرة لو كانت لهم لوجب أن يتمنوا الموت فلم قلتم إنهم ما تمنوا الموت والاستدلال بقوله تعالى: {وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} ضعيف لأن الاستدلال بهذا إنما يصح لو ثبت كون القرآن حقًا، والنزاع ليس إلا فيه.
الجواب: قوله: أولًا كون الموت متضمنًا للألم يكون كالصارف عن تمنيه، قلنا كما أن الألم الحاصل عند الحجامة لا يصرف عن الحجامة للعلم الحاصل بأن المنفعة الحاصلة بسبب الحجامة عظيمة وجب أن يكون الأمر هاهنا كذلك.
قوله ثانيًا: إنهم لو قلبوا الكلام على محمد صلى الله عليه وسلم لزمه أن يرضى بالقتل، قلنا: الفرق بين محمد عليه السلام وبينهم أن محمدًا كان يقول إني بعثت لتبليغ الشرائع إلى أهل التواتر، وهذا المقصود لم يحصل بعد فلأجل هذا لا أرضى بالقتل وأما أنتم فلستم كذلك فظهر الفرق، قوله ثالثًا: كانوا خائفين من عقاب الكبائر، قلنا: القوم ادعوا كون الآخرة خالصة لهم وذلك يؤمنهم من امتزاج ثوابها بالعقاب قوله رابعًا: نهى عن تمني الموت قلنا هذا النهي طريقة الشرع فيجوز أن يختلف الحال فيه بحسب اختلاف الأوقات، روي أن عليًا رضي الله عنه كان يطوف بين الصفين في غلالة فقال له ابنه الحسن رضي الله عنه ما هذا بزي المحاربين فقال يا بني لا يبالي أبوك أعلى الموت سقط أم عليه يسقط الموت، وقال عمار رضي الله عنه بصفين:
الآن ألقي الأحبة ** محمدًا وحزبه

وقد ظهر عن الأنبياء في كثير من الأوقات تمني الموت على أن هذا النهي مختص بسبب مخصوص فإنه عليه الصلاة والسلام حرم أن يتمنى الإنسان الموت عند الشدائد لأن ذلك كالجزع والخروج عن الرضاء بما قسم الله، فأين هذا من التمني الذي يدل على صحة النبوة.
قوله خامسًا: إنهم ما عرفوا أن المراد هو التمني باللسان أو بالقلب، قلنا: التمني في لغة العرب لا يعرف إلا ما يظهر منه كما أن الخبر لا يعرف إلا ما يظهر بالقول والذي في القلب من ذلك لا يسمى بهذا الاسم، وأيضًا فمن المحال أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام لهم تمنوا الموت ويريد بذلك ما لا يمكن الوقوف عليه مع أن الغرض بذلك لا يتم إلا بظهوره، قوله سادسًا: ما الدليل على أنه ما وجد التمني، قلنا من وجوه، أحدها: أنه لو حصل ذلك لنقل نقلًا متواترًا لأنه أمر عظيم فإن بتقدير عدمه يثبت القول بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبتقدير حصول هذا التمني يبطل القول بنبوته وما كان كذلك كان من الوقائع العظيمة، فوجب أن ينقل نقلًا متواترًا، ولما لم ينقل علمنا أنه لم يوجد، وثانيها: أنه عليه الصلاة والسلام مع تقدمه في الرأي والحزم وحسن النظر في العاقبة والوصول إلى المنصب الذي وصل إليه في الدنيا والدين والوصول إلى الرياسة العظيمة التي انقاد لها المخالف قهرًا والموافق طوعًا لا يجوز وهو غير واثق من جهة ربه بالوحي النازل عليه أن يتحداهم بأمر لا يأمن عاقبة الحال فيه ولا يأمن من خصمه أن يقهره بالدليل والحجة لأن العاقل الذي لم يجرب الأمور لا يكاد يرضى بذلك فكيف الحال في أعقل العقلاء فيثبت أنه عليه الصلاة والسلام ما أقدم على تحرير هذه الأدلة إلا وقد أوحى الله تعالى إليه بأنهم لا يتمنونه.
وثالثها: ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون أهلًا ولا مالًا»، وقال ابن عباس: لو تمنوا الموت لشرقوا به ولماتوا، وبالجملة فالأخبار الواردة في أنهم ما تمنوا بلغت مبلغ التواتر فحصلت الحجة، فهذا آخر الكلام في تقرير هذا الاستدلال. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدار الآخرة} رد لدعوى أخرى لهم بعد رد دعوى الإيمان بما أنزل عليهم ولاختلاف الغرض لم يعطف أحدهما على الآخر مع ظهور المناسبة المصححة للذكر، والآية نزلت فيما حكاه ابن الجوزي عندما قالت اليهود: إن الله تعالى لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه.
وقال أبو العالية والربيع: سبب نزولها قولهم: {لَن يَدْخُلَ الجنة} [البقرة: 111] الخ و{نَحْنُ أَبْنَاء الله} [المائدة: 8 1] الخ و{لَن تَمَسَّنَا النار} [البقرة: 0 8] الخ، وروي مثله عن قتادة.
والضمير في {قُلْ} إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لمن يبغي إقامة الحجة عليهم، والمراد من الدار الآخرة الجنة وهو الشائع واستحسن في (البحر) تقدير مضاف أي: نعيم الدار الآخرة. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {عَندَ الله} فليس المراد المكان بل المنزلة ولا العند أيضًا في حمله على المكان فلعل اليهود كانوا مشبهة فاعتقدوا العندية المكانية فأبطل الله كل ذلك بالدلالة التي ذكرها.
وأما قوله تعالى: {خَالِصَةً} فنصب على الحال من الدار الآخرة، أي سالمة لكم خاصة بكم ليس لأحد سواكم فيها حق، يعني إن صح قولكم لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى والناس للجنس، وقيل: للعهد وهم المسلمون والجنس أولى لقوله إلا من كان هودًا أو نصارى ولأنه لم يوجد هاهنا معهود.
وأما قوله: {مّن دُونِ الناس} فالمراد به سوى لا معنى المكان كما يقول القائل لمن وهب منه ملكًا: هذا لك من دون الناس. اهـ.
قال الفخر:
هذا أمر معلق على شرط مفقود وهو كونهم صادقين فلا يكون الأمر موجودًا والغرض منه التحدي وإظهار كذبهم في دعواهم. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنْتُمْ صادقين} في أن الجنة خالصة لكم، فإن من أيقن أنه من أهل الجنة اختار أن ينتقل إلى دار القرار، وأحب أن يخلص من المقام في دار الأكدار، كما روي عن عليّ كرم الله تعالى وجهه أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة، فقال له الحسن: ما هذا بزي المحاربين، فقال: يا بني لا يبالي أبوك سقط على الموت، أم سقط عليه الموت وكان عبد الله بن رواحة ينشد وهو يقاتل الروم:
يا حبذا الجنة واقترابها ** طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها

وقال عمار بصفين:
غدًا نلقي الأحبة ** محمدًا وصحبه

وروي عن حذيفة أنه كان يتمنى الموت، فلما احتضر قال: حبيب جاء على فاقة.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه قتل من قتل ببئر معونة قال: «يا ليتني غودرت معهم في لحف الجبل» ويعلم من ذلك أن تمني الموت لأجل الاشتياق إلى دار النعيم ولقاء الكريم غير منهي عنه، إنما المنهي عنه تمنيه لأجل ضر أصابه فإنه أثر الجزع وعدم الرضا بالقضاء وفي الخبر: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، وإن كان ولابد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وأمتني ما كانت الوفاة خيرًا لي» والمراد بالتمني قول الشخص: ليت كذا، وليت من أعمال القلب أو الاشتهاء بالقلب ومحبة الحصول مع القول، فمعنى الآية سلوا الموت باللسان قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو اشتهوه بقلوبكم وسلوه بألسنتكم قاله قوم وعلى التقديرين الأمر بالتمني حقيقة، واحتمال أن يكون المراد تعرضوا للموت ولا تحترزوا عنه كالمتمني فحاربوا من يخالفكم ولا تكونوا من أهل الجزية والصغار، أو كونوا على وجه يكون المتمنون للموت المشتهون للجنة عليه من العمل الصالح مما لا تساعده الآثار، فقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما موقوفًا: «لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه». وأخرج البيهقي عنه مرفوعًا «لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه» والبخاري مرفوعًا عنه أيضًا: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا».
وقرأ ابن أبي إسحاق: {فَتَمَنَّوُاْ الموت} بكسر الواو وحكى الحسن بن إبراهيم عن أبي عمرو فتحها وروي عنه أيضًا اختلاس ضمتها. اهـ.

.قال الفخر:

في هذا التمني قولان:
أحدهما: قول ابن عباس إنهم يتحدوا بأن يدعو الفريقان بالموت على أي فريق كان أكذب.
والثاني: أن يقولوا ليتنا نموت وهذا الثاني أولى لأنه أقرب إلى موافقة اللفظ. اهـ.

.قال في البحر المديد:

في هذه الآية ميزان صحيح توزن به الأعمال والأحوال ويتميز به المدعون من الأبطال، فكل عمل يهدمه الموت فهو مدخول، وكل حال يهزمه الموت فهو معلول، وكل من فرّ من الموت، فهو في دعواه المحبة كذاب، فمن ادعى الخصوصية على الناس يختبر بهذه الآية.
والناس في حب البقاء في الدنيا على أربعة أقسام:
رجل أحب البقاء في الدنيا لاغتنام لَذَّاته ونيل شهواته، قد طرح أخراه، وأكبَّ على دنياه، واتخذ إلهه هواه، فأصمه ذلك وأعماه، إن ذُكر له الموت فرّ عنه وشرد، وإن وعِظَ أنِف وعَنَدَ، عمره ينقص، وحرصه يزيد، وجسمه يبلى، وأمله جديد، وحتفه قريب، ومطلبه بعيد، فهذا إن لم تكن له عناية أزلية، وسابقة أولية فيمسك عليه الإيمان، ويختم له بالإسلام، وإلا فقد هلك.
ورجل قد أزيل عن عينه قذاها، وأبصر نفسه وهواها، وزجرها ونهاها، قد شمر ليتلافى ما فات، ونظر فيما هو آت، وتأهب لحلول الممات، والانتقال إلى محلة الأموات، ومع هذا فإنه يكره الموت أن يشاهد وقائعه، أو يرى طلائعه، وليس يكره الموت لذاته، ولا لأنه هَادِمْ لَذَّاتِهِ، لكنه يخاف أن يقطعه عن الاستعداد ليوم المعاد، ويكره أن تطوى صحيفةِ عَمَلِهِ قبل بلوغ أمله، وأن يبادر بأجله قبل صلاح خلله، فهو يريد البقاء في هذه الدار لقضاء هذه الأوطار، فهذا ما أفضل حياته: وأطيب مماته! لا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللّهِ كره اللّهُ لِقَاءَه».
ورجل آخر قد عرف الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وشهد ما شهد من كمال الربوبية، وجمال حضرة الألوهية، فملأت عينه وقلبه، وأطاشت عقله ولبّه، فهو يحن إلى ذلك المشهد، ويستعجل إنجاز ذلك الموعد، قد علم أن الحياة الدنيوية حجابٌ بينه وبين محبوبة، وسترٌ مُسدل بينه وبين مطلوبه، فهذا من المحبين العشاق، قد حنّ إلى الوصال والتلاق، أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، فما أحسن حياته ولقاءه!
ورجل آخر قد شهد ما شاهد ذلك، وربما زاد على ما هنالك، لكنه فوّض الأمر إلى خالقه، وسلّم الأمر لبارئه، فلم يرض إلا ما رضي له، ولم يرد إلا ما أريد به، وما اختار إلا ما حكم به فيه، إن أبقاه في هذه الدار أبقاه، وإن أخذه فهو بغيته ومناه، فهذا من العارفين المقربين. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه. آمين. اهـ.