فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن مردويه عن عمر، قال في الآية: هي السبع الطوال.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مثله.
وأخرج الفريابي، وأبو داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال في الآية: هي السبع الطوال.
وأخرج الدارمي، وابن مردويه عن أبيّ بن كعب مثله.
وروي نحو ذلك عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: هي فاتحة الكتاب والسبع الطوال.
وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: ماثنى من القرآن، ألم تسمع لقول الله: {الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كتابا متشابها مَّثَانِيَ} [الزمر: 23].
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: المثاني: القرآن، يذكر الله القصة الواحدة مرارًا.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي عن زياد بن أبي مريم في الآية قال: أعطيتك سبعة أجزاء: مر، وأنه، وبشر وأنذر، واضرب الأمثال، واعدد النعم، واتل نبأ القرآن.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} قال: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه، وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أزواجا مّنْهُمْ} قال: الأغنياء الأمثال والأشباهـ.
وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال: من أعطي القرآن فمدّ عينه إلى شيء مما صغر القرآن فقد خالف القرآن، ألم يسمع إلى قوله: {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني}، وإلى قوله: {وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبقى} [طه: 131]، وقد فسر ابن عيينة أيضًا الحديث الصحيح: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» فقال: إن المعنى: يستغنى به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {واخفض جَنَاحَكَ} قال: اخضع.
وأخرج الفريابي، وسعيد بن منصور، والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وابن مردويه من طرق عن ابن عباس في قوله: {كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين} الآية قال: هم أهل الكتاب، جزءوه أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وأخرج ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه قال: عضين: فرقًا.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم، والبيهقي عن ابن عباس أنها نزلت في نفر من قريش، كانوا يصدّون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة.
وأخرج الترمذي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أنس عن النبي في قوله: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال: «عن قول لا إله إلاّ الله».
وأخرجه ابن أبي شيبة، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر عن أنس موقوفًا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عمر مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فامضه، وفي عليّ بن أبي طلحة مقال معروف.
وأخرج ابن جرير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيًا حتى نزل {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} فخرج هو وأصحابه.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هذا أمر من الله لنبيه بتبليغ رسالته قومه، وجميع من أرسل إليه.
وأخرج ابن المنذر عنه {فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ} قال: أعلن بما تؤمر.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين} قال: نسخه قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5].
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه، وأبو نعيم، والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {إِنَّا كفيناك المستهزئين} قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل، وذكر قصة هلاكهم.
وقد روي هذا عن جماعة من الصحابة مع زيادة في عددهم، ونقص على طول في ذلك.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، والحاكم في التاريخ، وابن مردويه، والديلمي عن أبي مسلم الخولاني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما أوحي إليّ أن أجمع المال، وأكن من التاجرين، ولكن أوحي إليّ أن {سبح بحمد ربك وكن من الساجدين وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين}».
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا مثله.
وأخرج ابن مردويه، والديلمي عن أبي الدرداء مرفوعًا نحوه.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق من طريق عبيد الله بن أبان بن عثمان بن حذيفة ابن أوس الطائفي قال: حدثني أبان بن عثمان عن أبيه، عن جدّه يرفعه مثل حديث أبي مسلم الخولاني.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر {حتى يَأْتِيَكَ اليقين} قال: الموت، وأخرج ابن المبارك عن الحسن مثله، وأخرج ابن جرير عن ابن زيد مثله. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)}
تلك السنن العامة التي لا تتخلف، والتي تحكم الكون والحياة، وتحكم الجماعات والرسالات، وتحكم الهدى والضلال، وتحكم المصائر والحساب والجزاء، والتي انتهى كل مقطع من مقاطع السورة بتصديق سنة منها، أو عرض نماذج منه في شتى هذه المجالات.. تلك السنن شاهد على الحكمة المكنونة في كل خلق من خلق الله، وعلى الحق الأصيل الذي تقوم عليه طبيعة هذا الخلق.
ومن ثم يعقب السياق في ختام السورة ببيان هذا الحق الأكبر، الذي يتجلى في طبيعة خلق السماوات والأرض وما بينهما، وطبيعة الساعة الآتية لا ريب فيها، وطبيعة الدعوة التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حملها الرسل قبله، ويجمع بينها كلها في نطاق الحق الأكبر الذي يربطها ويتجلى فيها؛ ويشير إلى أن ذلك الحق متلبس بالخلق، صادر عن أن الله هو الخالق لهذا الوجود: {إن ربك هو الخلاق العليم}.
فليمض الحق الأكبر في طريقه، ولتمض الدعوة المستندة إلى الحق الأكبر في طريقها، وليمض الداعية إلى الحق لا يبالي المشركين المستهزئين: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين}، وسنة الله ماضية في طريقها لا تتخلف، والحق الأكبر من ورائها متلبسًا بالدعوة وبالساعة وبخلق السماوات والأرض، وبكل ما في الوجود الصادر عن الخلاق العليم.. إنها لفتة ضخمة تختم بها السورة. لفته إلى الحق الأكبر الذي يقوم به هذا الوجود..
{وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم}.
إن هذا التعقيب بتقرير الحق الذي تقوم به السماوات والأرض، والذي به كان خلقهما وما بينهما، لتعقيب عظيم الدلالة، عميق المعنى، عجيب التعبير. فماذا يشير إليه هذا القول: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق}؟ إنه يوحي بأن الحق عميق في تصميم هذا الوجود: عميق في تكوينه. عميق في تدبيره. عميق في مصير هذا الوجود وما فيه ومن فيه..
عميق في تصميم هذا الوجود. فهو لم يخلق عبثا، ولم يكن جزافا، ولم يتلبس بتصميمه الأصيل خداع ولا زيف ولا باطل، والباطل طارئ عليه ليس عنصرًا من عناصر تصميمه.
عميق في تكوينه. فقوامه من العناصر التي يتألف منها حق لا وهم ولا خداع، والنواميس التي تحكم هذه العناصر وتؤلف بينها حق لا يتزعزع ولا يضطرب ولا يتبدل، ولا يتلبس به هوى أو خلل أو اختلاف.
عميق في تدبيره. فبالحق يدبر ويصرف، وفق تلك النواميس الصحيحة العادلة التي لا تتبع هوى ولا نزوة، إنما تتبع الحق والعدل.
عميق في مصيره. فكل نتيجة تتم وفق تلك النواميس الثابتة العادلة؛ وكل تغيير يقع في السماوات والأرض وما بينهما يتم بالحق وللحق.
وكل جزاء يترتب يتبع الحق الذي لا يحابي.
ومن هنا يتصل الحق الذي خلق الله به السماوات والأرض وما بينهما، بالساعة الآتية لا ريب فيها. فهي آتية لا تتخلف، وهي جزء من الحق الذي قام به الوجود. فهي في ذاتها حقيقة، وقد جاءت لتحق الحق.
{فاصفح الصفح الجميل}.
ولا تشغل قلبك بالحنق والحقد، فالحق لابد أن يحق:
{إن ربك هو الخلاق العليم}. الذي خلق ويعلم ما خلق ومن خلق، والخلق كله من إبداعه فلابد أن يكون الحق أصيلا فيه، ولابد أن ينتهي كل شيء فيه إلى الحق الذي بدأ منه وقام عليه. فهو فيه أصيل وما عداه باطل وزيف طارئ يذهب، فلا يبقى إلا ذلك الحق الكبير الشامل المستقر في ضمير الوجود.
يتصل بهذا الحق الكبير تلك الرسالة التي جاء بها الرسول، وذلك القرآن الذي أوتيه:
{ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم}.
والمثاني الأرجح أن المقصود بها آيات سورة الفاتحة السبع كما ورد في الأثر فهي تثنى وتكرر في الصلاة، أو يثنى فيها على الله.
والقرآن العظيم سائر القرآن.
والمهم أن وصل هذا النص بآيات خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق والساعة الآتية لا ريب فيها، يشي بالاتصال بين هذا القرآن والحق الأصيل الذي يقوم به الوجود وتقوم عليه الساعة. فهذا القرآن من عناصر ذلك الحق، وهو يكشف سنن الخالق ويوجه القلوب إليها، ويكشف آياته في الأنفس والآفاق ويستجيش القلوب لإدراكها، ويكشف أسباب الهدى والضلال، ومصير الحق والباطل، والخير والشر والصلاح والطلاح. فهو من مادة ذلك الحق ومن وسائل كشفه وتبيانه، وهو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات والأرض. ثابت ثبوت نواميس الوجود، مرتبط بتلك النواميس، وليس أمرًا عارضًا ولا ذاهبًا. إنما يبقى مؤثرًا في توجيه الحياة وتصريفها وتحويلها، مهما يكذب المكذبون، ويستهزئ المستهزئون، ويحاول المبطلون، الذين يعتمدون على الباطل، وهو عنصر طارئ زائل في هذا الوجود.
ومن ثم فإن من أوتي هذه المثاني وهذا القرآن العظيم، المستمد من الحق الأكبر، المتصل بالحق الأكبر.. لا يمتد بصره ولا تتحرك نفسه لشيء زائل في هذه الأرض من أعراضها الزوائل: ولا يحفل مصير أهل الضلال، ولا يهمه شأنهم في كثير ولا قليل. إنما يمضي في طريقه مع الحق الأصيل:
{لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين وقل إني أنا النذير المبين}.
{لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم}.
والعين لا تمتد. إنما يمتد البصر أي يتوجه، ولكن التعبير التصويري يرسم صورة العين ذاتها ممدودة إلى المتاع.
وهي صورة طريفة حين يتصورها المتخيل، والمعنى وراء ذلك ألا يحفل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المتاع الذي آتاه الله لبعض الناس رجالًا ونساء امتحانًا وابتلاء ولا يلقي إليه نظرة اهتمام، أو نظرة استجمال. أو نظرة تمن. فهو شيء زائل وشيء باطل؛ ومعه هو الحق الباقي من المثاني والقرآن العظيم.
وهذه اللفتة كافية للموازنة بين الحق الكبير والعطاء العظيم الذي مع الرسول، والمتاع الصغير الذي يتألق بالبريق وهو ضئيل. يليها توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إهمال القوم المتمتعين، والعناية بالمؤمنين، فهؤلاء هم أتباع الحق الذي جاء به، والذي تقوم عليه السماوات والأرض وما بينهما؛ وأولئك هم أتباع الباطل الزائل الطارئ على صميم الوجود..
{ولا تحزن عليهم}.
ولا تهتم لمصيرهم السيئ الذي تعلم أن عدل الله يقتضيه، وأن الحق في الساعة يقتضيه، ودعهم لمصيرهم الحق.
{واخفض جناحك للمؤمنين}.
والتعبير عن اللين والمودة والعطف بخفض الجناح تعبير تصويري، يمثل لطف الرعاية وحسن المعاملة ورقة الجانب في صورة محسوسة على طريقة القرآن الفنية في التعبير.
{وقل إني أنا النذير المبين}.
فذلك هو طريق الأصيل، ويفرد الإنذار هنا دون التبشير لأنه الأليق بقوم يكذبون ويستهزئون، ويتمتعون ذلك المتاع البراق، ولا يستيقظون منه لتدبر الحق الذي تقوم عليه الدعوة، وتقوم عليه الساعة، ويقوم عليه الكون الكبير.
{وقل إني أنا النذير المبين}. تلك القولة التي قالها كل رسول لقومه؛ ومنهم بقايا الأقوام التي جاءها أولئك الرسل بتلك النذارة البينة التي جئت بها قومك، وكان منهم في الجزيرة العربية اليهود والنصارى، ولكن هذه البقايا لم تكن تتلقى هذا القرآن بالتسليم الكامل، إنما كانت تقبل بعضه وترفض بعضه، وفق الهوى ووفق التعصب وهؤلاء هم الذين يسميهم الله هنا: {المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين}.
{كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}.
وهذه السورة مكية، ولكن الخطاب بالقرآن كان عامًا للبشر، ومن البشر هؤلاء المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين والعضة: الجزء. من عضى الشاة أي فصل بين أعضائها، وهم مسؤولون عن هذه التفرقة، وقد جاءهم القرآن بالنذارة البينة، كما جاءتهم كتبهم من قبل، ولم يكن أمر القرآن ولا أمر النبي بدعًا لا عهد لهم به. فقد أنزل الله عليهم مثله، فكان أولى أن يستقبلوا الجديد من كتاب الله بالقبول والتسليم..
وحين يصل السياق إلى هذا الحد، يتجه بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريقه. يجهر بما أمره الله أن يبلغه، ويسمي هذا الجهر صدعا أي شقا دلالة على القوة والنفاذ. لا يقعده عن الجهر والمضي شرك مشرك فسوف يعلم المشركون عاقبة امرهم.
ولا استهزاء مستهزئ فقد كفاه الله شر المستهزئين:
{فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين؛ إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلهًا آخر فسوف يعلمون}.
والرسول صلى الله عليه وسلم بشر لا يملك نفسه أن يضيق صدره وهو يسمع الشرك بالله، ويسمع الاستهزاء بدعوة الحق. فيغار على الدعوة ويغار على الحق، ويضيق بالضلال والشرك. لهذا يؤمر أن يسبح بحمد ربه ويعبده، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من القوم، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة، حتى يأتيه اليقين الذي ما بعده يقين.. الأجل.. فيمضي إلى جوار ربه الكريم:
{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}.
ويكون هذا ختام السورة.. الإعراض عن الكافرين واللواذ بجوار الله الكريم. أولئك الكافرين الذين سيأتي يوم يودون فيه لو كانوا مسلمين..
إن الصدع بحقيقة هذه العقيدة؛ والجهر بكل مقوّماتها وكل مقتضياتها. ضرورة في الحركة بهذه الدعوة؛ فالصدع القوي النافذ هو الذي يهز الفطرة الغافية؛ ويوقظ المشاعر المتبلدة؛ ويقيم الحجة على الناس {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة} أما التدسس الناعم بهذه العقيدة؛ وجعلها عضين يعرض الداعية منها جانبا ويكتم جانبا، لأن هذا الجانب يثير الطواغيت أو يصد الجماهير! فهذا ليس من طبيعة الحركة الصحيحة بهذه العقيدة القوية.
والصدع بحقيقة هذه الحقيقة لا يعني الغلظة المنفرة، والخشونة وقلة الذوق والجلافة! كما أن الدعوة بالحسنى لا تعني التدسس الناعم، وكتمان جانب من حقائق هذه العقيدة وإبداء جانب، وجعل القرآن عضين.. لا هذه ولا تلك.. إنما هو البيان الكامل لكل حقائق هذه العقيدة؛ في وضوح جلي، وفي حكمة كذلك في الخطاب ولطف ومودة ولين وتيسير.
وليست وظيفة الإسلام أن يصطلح مع التصورات الجاهلية السائدة في الأرض، ولا الأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان.. لم تكن هذه وظيفته يوم جاء؛ ولن تكون هذه وظيفته اليوم ولا في المستقبل.. فالجاهلية هي الجاهلية، والإسلام هو الإسلام.. الجاهلية هي الانحراف عن العبودية لله وحده، وعن المنهج الإلهي في الحياة، واستنباط النظم والشرائع والقوانين، والعادات والتقاليد والقيم والموازين، من مصدر آخر غير المصدر الإلهي، والإسلام هو الإسلام، ووظيفته هي نقل الناس من الجاهلية إلى الإسلام.
وهذه الحقيقة الأساسية الكبيرة هي التي يجب أن يصدع بها أصحاب الدعوة الإسلامية، ولا يخفوا منها شيئا؛ وأن يصروا عليها مهما لاقوا من بطش الطواغيت وتململ الجماهير:
{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}. اهـ.